الاجتهاد: نشرت مجلة الكلمة في عدد رقم 117، للسنة التاسعة والعشرون، خريف 2022م/1444هـ، ص9- 40، بحثًا لسماحة الشيخ حسن الصفار بعنوان: مساحة التشريع والاقتداء في السيرة النبوية.
تناول البحث كون الرسول هو النموذج التطبيقي للرسالة في سلوكه وعمله، مؤكدًا أنّ اتباعه والاقتداء به يمثل الاستجابة لرسالة الله. لذلك جاءت آيات القرآن الكريم تحث على اتباعه، والاقتداء والتأسّي به.
وطرح سؤالًا: عن مساحة الاتباع والاقتداء برسول الله في أفعاله، هل تشمل كلّ ما يفعله الرسول في سيرته وسلوكه، أم أنّ هناك مساحةً من السيرة النبوية خارجة عن تكليف الاقتداء والاتباع، ولا تمثل تشريعًا دينيًّا للأمة؟
وبيّن أنه بالبحث العلمي، والدراسة للسيرة النبوية، وجد العلماء المحققون أنّ أفعال رسول الله وممارساته ليست صنفًا واحدًا، بل يمكن تقسيمها إلى عدة أصناف، قد يختلف ما يستنبط من بعضها عمّا يستنبط من البعض الآخر، وقد يكون الاقتداء به مطلوبًا في بعض أقسامها دون أقسام أخرى.
وتحت عنوان: السيرة النبوية والظرف الزمكاني تحدث الشيخ الصفار في البحث المنشور في مجلة الكلمة عن تحدّيين رئيسين، في موضوع امتثال أمر الاتباع لرسول الله ، والاهتداء بسيرته، والاقتداء بشخصيته العظيمة.
التحدي الأول: هو اختراق حجب التاريخ والزمن، للوصول لأجلى صورة لسيرة رسول الله ، ومعرفة سننه وطريقة حياته، فهناك ركام من الأحاديث المختلفة، والروايات الملتبسة، وهناك شيء كثير من الوضع والاختلاق، والتحريف والتزوير، في المرويات الحديثية والتاريخية.
فكيف يطمئنّ الإنسان المسلم إلى صحة هذه الصورة أو تلك، من حياة رسول الله ، حتى يقوم بمحاكاتها في سلوكه وحياته؟
التحدي الثاني: وهو الأهم والأخطر، يتمثل في التغيرات الهائلة في ظروف الحياة بمختلف جوانبها، فنحن نعيش في عصر مختلف، وعالم مختلف، عمّا كانت عليه الحياة في عهد رسول الله .
وأشار إلى وجود فارق معرفي ثقافي كبير، حيث قطع الإنسان شوطًا بعيدًا قياسًا إلى إنسان العهد النبوي، في معرفة نظام الكون، وسنن الطبيعة، وتسخير ذلك لتطوير الحياة، فمستوى المعرفة، وحجم المعلومات المتوفرة أمام إنسان اليوم، لا يمكن أن يقاس بها مستوى الإنسان العلمي والمعرفي قبل خمسة عشر قرنًا.
وعن استنساخ التجربة النبوية، لنحقق الاتباع والاقتداء برسول الله في هذا العصر، مع الفوارق الهائلة في طبيعة ظروف الحياة قال سماحته: هناك اتجاه يتبنّى نظرة تاريخية التجربة النبوية، والشريعة الإسلامية.
وتابع: هذا الاتجاه يرى أنّ علينا أن نأخذ بالقيم الأساس في الدين، كالعدالة والمساواة والكرامة وحقوق الإنسان، ومكارم الأخلاق الإنسانية، أما التشريعات والأحكام فهي تطبيقات لهذه القيم الاساس، والموروث منها في الفقه الإسلامي معظمها كان صالحًا ومناسبًا للعصور السابقة، أما الآن فعلينا تجاوز الأحكام التي لا تناسب الزمن الجديد أو تعديلها. والمقياس عندهم ما يستحسنه العقل المعاصر، ويرى ملاءمته للظروف الحاضرة.
وبيّن أن ما يقوله هذا الاتجاه لا يمكن القبول به على إطلاقه؛ لأنّه يعطّل النص الديني التشريعي.
وأشار إلى أن الاتجاه الثاني يرى التمسك بحرفية كلّ النصوص الدينية، واستنساخ السيرة النبوية، وسيرة السلف بحذافيرها، حتى في التطبيقات والأساليب والوسائل، ويدعو إلى تجاهل كلّ هذه التغيرات والتطورات الهائلة، والسعي للعودة بالحياة بأقصى حدٍّ ممكن إلى العصر النبوي وعصر السلف.
وتابع: والاتجاه الثالث يدعو إلى تطوير عملية الاجتهاد في الفكر والفقه الإسلامي، لاستيعاب تطورات الحياة، وإنتاج التشريعات المناسبة لاختلاف الزمان والمكان.
وشدد على أنّ تغيّر ظروف الزمان والمكان تفرض دراسة ما ورد في السيرة النبوية، لنرى على ضوء الضوابط النابعة من داخل الدين، ما هو إجراء أو تشريع مؤقت لتلك الظروف، وما هو ثابت ومستمر لكلّ الظروف والأزمان.
وأشار إلى وجود بعدين في شخصية النبي، البعد الأول: دور تبليغ الوحي والرسالة، حيث بيّن للناس مفاهيم الدين وأحكام الشرع الإلهي، لهدايتهم إلى طريق السعادة والكمال، بعبادة الله تعالى وحده، وتنظيم حياتهم وفق شرعه وهداه.
وتابع: والبعد الثاني دور القيادة والإدارة للمجتمع المعاصر لرسول الله ، والمحيط به، فالذين آمنوا برسول الله خضعوا لقيادته، وكان هو الرئيس والزعيم لهم، وفي المدينة المنورة أصبح للمسلمين كيان اجتماعي، ودولة قائمة، وكان رسول الله هو القائد الأعلى للأمة.
ولفت إلى أن من الفقهاء من التفت إلى ضرورة تصنيف الأحكام النبوية، وميّز بين الحكم التشريعي والحكم التدبيري. مبينًا عددًا من الأمثلة والموارد للأحكام التدبيرية الواردة في كتب الفقه والحديث.