مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة.. عرض وتقديم

الاجتهادكتاب “مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة”: هو أحدث إصدار لمركز البيدر للدراسات والتخطيط، من تأليف محمد هادي زاهد غروي، ونشر دار سهل في ٧٥ صفحة. يتناول الكتاب أفكار آية الله السيستاني حول حقوق المواطنة، وهو مفهوم أساسي يؤكد على المساواة في الحقوق لجميع المواطنين بغض النظر عن الاختلافات الدينية أو العرقية أو اللغوية.

ويعرض الكتاب مبادئ أساسية في فكر آية الله السيستاني مثل كرامة الإنسان والمشاركة الشعبية واحترام القانون. وبالرغم من اعتراف آية الله السيستاني بدور الدين في السياسة، إلا أنه يؤكد على الحد الأدنى من تدخل رجال الدين في الشؤون التنفيذية، ويرى أن المكانة الرقابية والإرشادية هي الأنسب لهم.

إن رؤية آية الله السيد السيستاني، عن حقوق المواطنة مهمة جداً؛ وتتجلى تلك الأهمية من خلال شدة تركيزه على كلمات تتعلق بحقوق المواطنة سواء في تصريحاته ورسائله وإجاباته عن أسئلة الصحفيين، مثل: الانتخابات والمشاركة وصناديق الاقتراع واحترام حقوق المواطنين والمسيرات والاحتجاجات السلمية.

ومن النقاط المهمة في فكر آية الله السيستاني، والتي يمكن اعتبارها مما تميز به سماحته، أنه يرى أن نطاق حقوق المواطنة واسع، ويرى أن جميع مواطني البلد بغض النظر عن اختلافهم في المعتقد، أو الدين أو العرق أو اللغة لديهم حقوق متساوية كسائر المواطنين …الخ.

 

في إطار الفقه التقليدي وفي إطار الالتزام بمبادئ الاجتهاد الجواهري، وبالاعتماد على عنصر التفكير الحديث والاهتمام بالأسس المعرفية والأنثروبولوجية، تناول سماحة السيد السيستاني أسس ومصاديق حقوق المواطنة وأكد عليها في مناسبات مختلفة، ومن خلال إصراره على ضرورة احترام حقوق المواطنة، أعلن للتيارات المتطرفة أنه لا يوجد تعارض بين حقوق المواطنة والقضايا الفقهية. كما وجه هذه الرسالة إلى المسلمين من خلال بياناته وإجاباته على استفتاءاتهم بأن الفقه التقليدي لا يزال يجيب عن اهتمامات المتدينين في العالم الحديث ويمكنهم أن يعيشوا حياة إيمانية في العالم الحديث من خلال الالتزام بالفقه.

إن أسلوب آية الله السيد السيستاني في معالجة التناقضات التي تظهر أحياناً بين الأحكام الفقهية وتطورات العالم الحديث، هو تقديم فتوىً مناسبة مع تحليل موضوعي مفصل ودراسة الغموض ومعايير الأحكام، والتي تتوافق أيضاً مع متطلبات العصر ولا تخرج عن إطار العقلانية الحديثة وضمن إطار الفقه الجواهري، وفي هذا السياق فقد أعاد النظر في زواج القاصرات الذي كان أمراً شائعاً ولكن أصبح اليوم أمراً نادراً وغير متعارف، حيث قام بحذف أحكامه من رسالته العملية(1) وأحياناً يتخذ سماحته حلا آخر في إطار الفقه والاهتمام بالقيود النصية والنصوص الدينية؛ فهو مثلاً لا يتناول مسألة الحدود الشرعية في كتبه الفقهية وفتاواه الشرعية، ولا يجيز تنفيذ الحدود الشرعية من قبل عامة الناس حتى مع إحراز شروطها (2).

وأحياناً يتخذ سماحته حلاً آخر في إطار الفقه والاهتمام بالقيود النصية والنصوص الدينية؛ فهو مثلاً لا يتناول مسألة الحدود الشرعية في كتبه الفقهية وفتاواه الشرعية، ولا يؤكد للمشرعين على تطبيق القوانين بما يتوافق مع تطبيق حدود الشرع، ويكتفي بمراعاة المبادئ الدينية الثابتة في التشريع. وبطبيعة الحال فقد أثيرت احتمالات في صمته الهادف بخصوص بعض الإشكاليات الفقهية والاستنباطية، والإشكاليات العملية والتنفيذية والتي يمكن تفسيرها في إطار الفقه التقليدي.(3)

إن رسالة آية الله السيد السيستاني فيما يتعلق باستيعاب الفقه في العصر الحاضر لتلبية حاجات البشر وطريقة سماحته في مواجهة الصراعات والتنافرات مهمة جداً ليس للمفكرين من رجال الدين الجدد، بل للمثقفين من أهل الدين وكل من يهتم بأمر الدين في العالم الحديث. لأنه من خلال اتباع هذا المسار واستخدام هذا الأسلوب؛ أي تفعيل العناصر المنسية والمهملة في الفقه مثل كرامة الإنسان الذاتية وملحقاتها وعواقبها يمكن حل الصراعات والتناقضات خطوة بخطوة، بكل حزم وثبات بعيداً عن الفوضى والتحطيم وإثارة الحساسيات، وبدعم من مجموعة واسعة من المتدينين.

أجل بالنظر إلى أسس وأمثلة حقوق المواطنة التي ذكرها وأكد عليها آية الله السيستاني يتبين أنه لم يتناول مسألة حقوق المواطنة بسبب مقتضيات العصر وضغوط الرأي العام وغيرها من قضايا العصر. بل إنها كانت الاتجاه الحقيقي والهم الكبير لآية الله السيستاني، وقد اهتم اهتماماً كاملاً بأسس وأمثلة حقوق المواطنة، وكان على دراية تامة بجوانبها ومتطلباتها.

يعتبر آية الله السيد السيستاني بوضوح أن المشاركة في الانتخابات هي حق للمواطنين، وفي هذا الإطار لا يستخدم سماحته تعابير مثل الواجب أو الواجب الوطني والشرعي، بل يعتقد أن الشعب يمنح الشرعية للحكومة من خلال تأييده ودعمه لها، حتى الفترة التي شهد فيها البلد فراغاً في السلطة كان سماحته يحترم ملكية الحكومة محذراً الشعب من التعرض والاستيلاء على الممتلكات الحكومية. وقد شدد على الحكومة من ناحية أخرى بذل قصارى جهدهم لتوفير حياة كريمة لجميع العراقيين والاعتراف بحقوقهم كمواطنين وعدم تجاهلها وهو يدعو الجميع في كل مناسبة إلى احترام حقوق المواطنين، واحترام أرواحهم وممتلكاتهم، والالتزام بالمعايير الإنسانية والأخلاقية؛ لذلك، يمكن أن نعتبر آية الله السيد السيستاني مرجعية تؤمن بالحوار والقيم الأخلاقية وبحكومة فعالة ومواطن صالح بغض النظر عن اسم الحكومة ولقبها، خلاصة القول وكما أشرنا؛ تُعدُّ حقوق المواطنة من الحقوق التي تحمل معها تحديات كبرى تحديات تبدو أكثر وضوحاً في الحكومات الإسلامية، ولكن يمكن التقليل من هذه التحديات أو القضاء عليها بالرجوع إلى فتاوى آية الله السيستاني.

وكمثال بسيط في جمهورية إيران الإسلامية وهي حكومة إسلامية وتحكم وفق الفقه الشيعي، فإن بعض المراكز والمكاتب التعليمية تشترط الإسلام أو أحد الأديان السماوية للإنضمام إلى صفوف التعليم او التوظيف، والطلاب في جميع مراحل التعليم من المدرسة إلى الجامعة والموظفين الحكوميين يجب أن يكونوا مسلمين أو من أتباع أحد الديانات السماوية، أما إذا كان الطالب أو المتقدم للوظيفة غير مسلم أو غير كتابي فإنه يضطر إلى الكذب من أجل الدراسة أو العمل لأنه إذا قال الحقيقة سيمنع من مواصلة تعليمه أو عمله فمثل هذا الإنسان يواجه التحدي بين الكذب والحرمان من التعليم والتوظيف، ومن الواضح أن الكذب والحرمان من التعليم أو البطالة سيخلق مشاكل للفرد والمجتمع، لكن هذا التحدي وهذه المشكلة يمكن حلها بالرجوع إلى فتوى آية الله السيستاني في هذا الشأن.

 

الهوامش

(1). كان زواج الصغار أي زواج غير البالغة من غير البالغ أمراً متداولا في العديد من المجتمعات الشرقية إلى وقت قريب، ومن هنا تضمنت الرسالة الفتوائية في طبعاتها السابقة بعض أحكامه، ولكن لوحظ انحساره في الزمن الراهن فتم حذف جانب منه من الطبعات الأخيرة»؛ الموقع الرسمي للسيد السيستاني، أسئلة مراسلة بي بي سي حول بعض الممارسات غير الصحيحة وأجوبتها.

(2). «ليس لعامة الناس إقامة الحدود الشرعية»؛ الموقع الرسمي للسيد السيستاني، استفتاء حول المرأة الفصلية وقتل المرأة الزانية.

(3). حدود في صمت آية الله السيستاني الهادف منشور على صفحة الأستاذ محمد سروش محلاتي في التليجرام .

 

فهرس المحتويات

مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة

مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة 

للمزيد اقرأ الكتاب كاملاً من هنا

مرجعية السيد السيستاني وحقوق المواطنة

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky