الاجتهاد: لقد انبثق مجمع تشخیص مصلحة النظام على أساس الرأي القائل بأن «تشخيص المصلحة حق للولي الفقيه، إلا أنه يستعين بالآخرين لتحقيق هذا الأمر”.
فقد كان الامام الخميني“قدس سره” يعتقد بأن المصالح قد تتم من خلال مجلس الشورى الاسلامي ومجلس صیانة الدستور “مجلس الأمناء”، إلا أن ذلك لم يتحقق، ففي بعض الامور – سيما تلك التي كان يوضع فيها القانون على أساس مصلحة النظام – كان ينشب الخلاف بين مجلس الأمناء ومجلس الشورى، الأمر الذي دفع بمسؤولي النظام أن يطرحوا ذلك على الامام للخروج من ذلك المأزق، فقد كتبوا رسالة للامام جاء فيها: « ..ان القانون بخضع لنقاشات وأبحاث تخصصية مسهبة بغية المصادقة عليه، فاذا ماصودق عليه رفض مجلس صیانة الدستور تأییده، فما العمل ياتری» (1).
فرد الامام على تلك الرسالة، برسالة جوابية أمر فيها بتشكيل مجمع تشخیص مصلحة النظام جاء فيها:
وإني وإن كنت معتقدا بعدم الحاجة لهذه المرحلة بعد اجتياز تلك المراحل التي يشرف عليها المتخصصون اللذين يعدّون مرجعا في تشخيص هذه الأمور، ولكن ومراعاة للاحتياط، اذا لم يكن هناك اتفاق قانوني أو شرعي بين مجلس الشورى الاسلامي و مجلس صیانة الدستور، فليشكل مجمع يتألف من فقهاء مجلس الصيانة المحترمين وكل من السادة سماحة …. لتشخيص مصلحة النظام الاسلامي، وليستعان باصحاب الاختصاص الآخرين إن دعت الحاجة، ثم يعمل برأي الأكثرية بعد المشورة والمناقشة. (2)
وإثر ذلك تأسس مجمع تشخیص مصلحة النظام في تشرين عام ۱۹۸۸ م ثم باشر أعماله بعد أن أعدّ نظامه الداخلي الذي حظى بمصادقة الإمام وتأييده، وينشط هذا المجمع على أساس الصلاحيات المخولة له من قبل الامام في مجالين:
١- يبدي رأيه حين يكون هناك مشروع قانون من قبل مجلس الشورى لم يصادق عليه مجلس صیانة الدستور اثر مخالفته – أي القانون – للدستور أو الموازين الشرعية.
۲- قد يخوض في التشريع في بعض الأمور فمن ذلك أنه صادق عام 1989 م على قانون مكافحة المخدرات (3). ثم سلب الامام المجمع صلاحية التشريع في تلك السنة (4).
وكان مجمع تشخیص مصلحة النظام من بين القضايا التي أدرجت في جدول أعمال مجلس إعادة صياغة الدستور. حيث بعث الإمام الخميني “قدس سره” برسالة في 4 / 2 / 1368 ش / 24 / 4 / 1989م، الى رئيس الجمهورية آنذاك قائلاً:
ان الهدف من مجمع تشخیص مصلحة النظام هو حل معضلات النظام ومشورة القائد، بحيث لا يكون سلطة في عرض السلطات الأخرى” (5)
وبدوره قام مجلس إعادة صياغة الدستور، وبعد عدة أبحاث بمصادقة المادة التالية:
“يشكل مجمع تشخیص مصلحة النظام بأمر من القيادة الاسلامية بهدف تشخيص المصلحة في الحالات التي يعلن فيها مجلس صیانة الدستور عدم تأييده لمشروع القانون المطروح عليه من قبل مجلس الشورى الاسلامي، بسبب مخالفته للدستور أو الموازين الشرعية، في حين امتناع مجلس الشورى – مع أخذه المصلحة النظام بنظر الاعتبار – عن تأیید نظر مجلس الصيانة، اضافة لوظيفتة الاستشارية في الأمور التي يسندها له القائد، وسائر الوظائف المذكورة في هذا القانون. ان القائد هو الذي ينصب أعضاء هذا المجمع الثابتين والمتغيرين”(6).
إن الهدف من تأسيس مجلس صیانة الدستور هو منع مصادقة أي قانون يخالف الشرع أو الدستور، أما الهدف من تشكيل مجمع تشخيص المصلحة هو الحذر من عدم اكتراث مجلس الصيانة لمصالح النظام من خلال مايبديه من دقة وحساسية ومخاوف بشأن التوفيق والانسجام بين القوانين التي يصادقها المجلس مع الدستور والموازين الشرعية، حيث يخشى أن يستفرغ المجلس المذكور جهده في المسائل الشرعية البحتة دون أن يضع نصب عينيه مصالح النظام.
وبالطبع فان هذا لا يعني أن ليس لمجمع تشخيص المصلحة مثل هذه الدقة والحساسية وأنه يمكنه أن يصادق قانونا مخالفا للشرع والدستور، بل كان الغرض هو ان هذا المجمع سينظر للامور بصورة اعمق مراعيا ضرورات المجتمع ومتطلباته ومصالحه العامة في ابداء رأيه وتشخيصه للأمور، ثم على مجلس الشوری ومجلس الصيانة ان يتبعاه فيما يراه من تشخيص(7).
الهوامش
1- « مجموعة القوانين والمقررات المرتبطة بمجمع تشخیص مصلحة النظام» المجلد ۱:۱ -۳.
2- صحيفة النور المجلد ۱۷6:۲۰
3- قانون التعزيرات الحكومية، قانون التعزيرات، الصحة الوقاية والعلاج و… من تشريعات المجمع المذكور.
4 – صحيفة النور 21 : 61.
5- المصدر السابق: ۱۲۲.
6- « دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية » مع تعديلات مجلس اعادة صياغة الدستور المصادق عام ۱۳6۸، المادة ۱۱۲ المعدلة.
7- صحيفة النور، المجلد 20 : 176. المادة 112 من الدستور تدل على هذا الموضوع.
المصدر: كتاب: دراسات في الفكر السياسي عند الإمام الخميني / مجموعة من الباحثين – ترجمة عبد الرحيم الحمراني.
محتويات الكتاب
تحميل الكتاب