لا سبيل اليوم إلى نهوض الأمة وازدهارها، إلا من خلال الأخوّة الإسلامية

الاجتهاد: مقطع من الكلمة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الإسلامي-الإسلامي، الذي انعقد في البحرين بمشاركة 64 دولة من مختلف أنحاء العالم.

التقريب له جذورٌ راسخةٌ في أرض مصر، حيث تأسّست دار التقريب لترسيخ معاني الوحدة والتفاهم، وعلى هذا النهج سارت الجمهورية الإسلامية في إيران، فأنشأت مجمع التقريب مواصلةً لمسيرة التقارب والتآخي.

إن جميع المسلمين، يتطلعون إلى الأزهر الشريف، بما يحمله من سعة الأفق ورفعة المقام، لأن یتابع هذا الدور التاريخي في مسيرة التقريب، مستوفيًا لوازمه ومستكملاً مقتضياته، محافظًا على راية التآلف مرفوعةً لا تنكسر.

هناك ثلاثة أصول، لو التزمنا بها وسرنا على نهجها، لآل الأمر بنا إلى: أنّه لا سبيل اليوم إلى نهوض الأمة وازدهارها، ولا طريق إلى صون هيبة الدين وإشراقه في الساحة العالمية، إلا من خلال الأخوّة الإسلامية.

أما هذه الأصول، فهي:
الأصل الأول: العلاقة الوثيقة بين الشريعة والأمة
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً”.
فما كانت الأمة لتكون أمةً إلا بالشريعة، وما جاءت الشريعة إلا لتؤسس الأمة وتبني كيانها.

وهذه العلاقة لا تقتصر على النشأة فحسب، بل تمتد إلى استمرار الأمة وبقائها؛ إذ الشريعة تضمن لها الثبات والازدهار، وتنظّم شؤونها، وتحقق تماسكها، وتحفظ وحدتها. ولم تأتِ الشريعة مستقلةً عن واقع الأمة، بل جاءت ناظرةً في حاجاتها، مشدودةً إلى غاياتها العليا.

فكما لا وجود للجسد بلا روح، لا وجود للأمة بلا شريعة، فهي غذاؤها وبقاؤها، وهي حصنها وسياجها، بها تثبت أقدامها، وعلى منهاجها تتجه نحو آفاق العزّة والمجد.

الأصل الثاني: الشريعة وسيلة لإقامة وإبراز الدين، وبلورته في حياة الناس، وفق المنهج الرباني:
“شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ”.

فالشريعة وسيلة لإقامة الدين، وضمان حضوره في حياة الأمة، وتحقيق غاياتها الكبرى في العدل والرحمة والهداية.

الأصل الثالث: إذا اختلّت العلاقة بين الشريعة والأمة، فإنّ الشريعة تفقد دورها الأساسي، فلا تعود خادمةً للدين وعاملة لإقامته، بل تتحول من قوّةٍ موحّدة إلى سلاحٍ مفتت، ومن النور الهادي إلى النار تشتعل بها الفتن وتنقلب الأحكام من وسائل تأليفٍ إلى عوامل تفريق وحينها لا يكون الخلاف مجرّد اختلافٍ في الفروع، بل يتحوّل إلى حالةٍ تُضعف الدين ذاته، لأنّ الخلاف ليس بيئةً صالحةً لنموّ الدين، بل هو أرضٌ قاحلةٌ تتآكل فيها أواصر الأمة، وتتراجع فيها هيبة الدين وحضوره في المجتمع.

ولعلّ الخطر الأكبر يكمن في نشوء تصوّراتٍ طائفية منغلقة، تجعل من الشريعة قيدًا يقيّد الأمة، بدل أن تكون أفقًا يوسّع مداركها، ومحرّكًا يعزّز نهضتها.

النتيجة التي نستنتجها في ضوء هذه الأصول أمران
الامر الأول: لزوم حضور العلوم الإسلامية وتطوّرها داخل كلّ مذهب في إطار رعاية الأمة:

فعندما لا يكون تطوّر المعرفة في أيّ مذهبٍ قائمًا على رؤيةٍ شاملةٍ ترى الأمة ككيانٍ واحد، فإنّ ذلك يؤدي إلى إنتاج تصوّراتٍ فقهيةٍ لا تعكس روح الشريعة في ارتباطها بالأمة. وحين تفقد الشريعة هذا الارتباط، فإنّها تفقد قدرتها على خدمة الدين، لأنّها لم تعد تسعى إلى بناء وحدة الأمة، بل أصبحت منحصرةً داخل إطارٍ لا تتناسب في الحجم والنوعية مع الشريعة وفلسفتها ودورها تجاه الدين، بعيدا عن المشروع الشامل الذي أنزل الله الشريعة من أجله.
إذن، لا يُمكن للشريعة أن تؤدي دورها الحقّ إلا إذا استندت العلوم الإسلامية إلى رؤيةٍ تدرك

اولا أنّ الشريعة نظامٌ شاملٌ للأمة كلها، وأنّ أيّ مقاربةٍ معرفيةٍ لا تراعي هذا الأصل ستؤدي حتمًا إلى فصل الشريعة عن الأمة، ومن ثمّ فصلها عن الدين ذاته.

ثانيا: أن رفعتها لا تتحقق إلا إذا تنادى أبناؤها إلى مائدة الإخاء

الامر الثاني: رعاية تماميات ثلاث:
هناك تماميّاتٌ ثلاثٌ يقوم عليها صرحُ الأخوّةِ الإسلاميةِ:

* تماميّةُ أوطانها:
فهي أرضُها التي نشأتْ عليها، وساحتُها التي امتدَّ فيها تاريخُها، فلا تُفرَّطُ في ترابِها، ولا يُستَهانُ بحِمى ديارِها، فإنَّ الوطنَ حِصنُ الأمَّةِ، ومن ضيَّعَ حِصنَه، أسلَمَ نفسَه للضَّياعِ.

* تماميّة مِلَلها:
فهي روحُها الساريةُ، وعلَّتُها الباقيةُ، فإنِ اجتمعتْ، قَوِيَتْ شوكتُها، وإنْ تفرَّقتْ، تهدَّمتْ أركانُها، فلا أُمَّةَ بغيرِ مِلَلِها، ولا وحدةَ بغيرِ أسبابِ بقائِها.

من هذا المنطلق يجب دعم القضايا الكبرى للأمة، وعلى رأسها قضية الظلم المكثف الموجه إلى فلسطين وأهالي غزة، باعتبارها اختبارًا حقيقيًا لصدق الأخوة الإسلامية، والتأكيد على أن أي تخاذلٍ تجاهها هو خذلانٌ للأمة جمعاء، مما يستدعي توحيد الموقف الإسلامي، والارتقاء بمستوى الدعم إلى ما يليق بعدالة القضية وقدسيتها.

* تماميّةُ مذاهِبِها:
إذْ هي قِوامُها المتينُ، وعمادُها الراسخُ، فإنْ رُدَّتْ، انهارَ بنيانُها، وإنْ أُهمِلَتْ، تفرَّقتْ أوصالُها، فلا قيامَ لأُمَّةٍ تُبدَّدُ مذاهِبُها، ولا عِزَّةَ لِجماعةٍ تُفرَّقُ أسبابُ وحدتِها.

فلا أخوّة في أمةٍ ضائعة الأوطان، ولا وحدة في جماعةٍ مُمزّقة الملل، ولا اجتماع في أمّةٍ تُفرّق مذاهبها. فإن أردنا للأخوّة أن تُثمر، وللوحدة أن تستقرّ، وجب علينا أن نصون هذه التماميات، ونحفظها من العبث والتلاشي، فهي القاعدة الراسخة، والركن الوثيق، والشرط الذي لا يقوم بناءٌ بدونه.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky