الاجتهاد: تنقسم المجالس {الحسينية} تاريخيا الى قسمين الاول: مجالس العائلة النبوية, ابتدأت المجالس في بيت زينب وام البنين ورباب زوجة الحسين{ع} فكان الهاشميون فقط يبكون عليه, كلما رأوا الماء تذكروا عطش الحسين .
وثلاث مجالس رجالية هم عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس ..لم يهنئوا بطعام ولا شراب . حين عرف الموالون لآل البيت صاروا يفدون على بيوت آل النبي(ص) بالمدينة معزين ومواسين .. كانت المجالس بدائية حيث كل واحد يعبّر عن مشاعره و أحزانه لهذه المصيبة وبذلك تركوا ثروة أدبية في أدب الطف.
منهم الشاعر « الكُميت بن زيد الأسدي» كان يزور اهل البيت بالمناسبة ,جعل معظم قصائده في مدح بني هاشم ومصائب آل محمد {ص} حتى سميت قصائده «بالهاشميات» كان ينشدها في مجالس علي بن الحسين وولده الباقر والصادق (ع).
وكانت بيوتهم مجللة بالحزن و السواد فازدادت عليهم الضغوط الاموية لترك العزاء الحسيني وفعلا اوقفوها تماما .فلما علم شيعة العراق ما الت اليه المجالس الحسينية.
احياها شيعة العراق ردا على بني امية .. وكانت تعقد في بيوتهم بشكل سري.. واول من اظهرها الى العلن هو المختار الثقفي وإبراهيم بن مالك الأشتر وسليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب الفزاري وغيرهم بعدما أخذوا ثأر الحسين وقتلوا جميع المشاركين بقتله..واكتفى الهاشميون باهل العراق..
وتبرعمت حالة في الاجيال التي اعقبت معركة كربلاء من خلال المجالس الحسينية .. هذا الجيل تبنى ترويج الادعية العقائدية التي وصلت اليهم من ائمة اهل البيت[ع] .
والثانية اعتبروا المشاركة في ثورة الحسين من خلال الخدمة واحياء الشعائر الحسينية وتحقق حديث النبي{ص} حين نظر إلى الحسين[ع] وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قال بأبي قتيل كل عبرة، قيل: وما قتيل العبرة يا رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى.. مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج ١٠ – الصفحة ٣١٨…وقوله {ص} {إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة] وهذا من الأحاديث النبويّة المتواترة لفظاً ومعنىً ، عند الفريقين ويسمى حديث السفينة.
و قال رسول الله[ص]« مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى ».سئل الصادق(ع)عن حديث « إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة » : ألستم أنتم سفن النجاة ؟ فقال: كلّنا سفن النجاة إلاّ أنّ سفينة الحسين أوسع وأسرع. كما أنّ للجنّة أبواباً ، منها باب يسمّى باب الحسين (ع) وهو أوسع الأبواب.
**تحقق في نفوس العراقيين حالة جديدة لم تكن معروفة في العراق ولا الاسلامي.. هي { شعور الفخر والسمو والقرب لاهل البيت عندما يخدمون الحسين{ع},فتحولت الخدمة الى عنفوان وصبر ومواجهة الطغاة .. وتبنى العراقيون مبدأ الخدمة والتضحية والفناء والإندكاك في الله عز وجل ما سر اهل البيت بهم وصاروا يتباهون بهم .. ووصلت اخبارهم للائمة المعصومين {ع}
وهذه (الملحمة) الهاشميات تمثل ثورة أدبية وفكرية فهي تصوِّر أقسى الحُقب التي عاشها الشيعة بسبب حبهم لال محمد{ص} ونال الحسينيون نصيبا وافرا من الظلم والتشرد وتعرّضوا للسجن والقتل لحبهم وولائهم لأهل البيت والجهر بذلك الحبرغم ذلك كان الشعراء في طليعة الثوار الحسنيين منهم الكميت الاسدي..
إلـى الـنـفـرِ الـبـيـضِ الـذيـن بـحـبِّـهـم *** إلـى اللهِ فـيـمـا نـالـنـي أتـقـرَّبُ
بـنـي هـاشـمٍ رهـط الـنـبـيِّ فـإنـنـي *** بـهـمْ ولـهـمْ أرضـى مِـراراً وأغـضـبُ
خـفـضـتُ لـهـم مِـنِّـي جَـنـاحَـي مـودةٍ *** إلـى كـنـفٍ عَـطـفـاهُ أهـلٌ مـرحـبُ
وأُرمـى وأرمـي بـالـعـداوةِ أهـلـهـا *** وإنـي لأُوذي فـيـهـمُ وأُؤنَّـبُ
يـعـيّـرنـي جـهَّـال قـومـي بـحـبِّـهـم *** وبـغـضـهـمُ أدنـى لـعـارٍ وأعـطـبُ
فـمَـالِـيَ إلّا آلَ أحـمـدَ شـيـعـةٌ *** ومـالـي إلّا مـشـعـبُ الـحـق مـشـعـبُ
ولما قرأ الكميت قصيدة للأمام زين العابدين, قال له يا كميت: ثوابك نعجز عنه ولكن الله لا يعجز عن مكافأتك » فقال الكميت: سيدي إن أردت أن تحسن إليّ فامنحني بعض ثيابك التي على جلدك أتبرّك بها فنزع الإمام ثيابه و دفعها إليه ودعا له .ومن الشعراء المشهورين الذي ابكوا اهل البيت{ع} السيد الحميري ..في ايام محرم ولعله في الاربعينية مع من صفر زار الامام الباقر{ع} فالقى له قصيدته فقال له الامام تريث وجاء الامام بنساءه ليسمعن.. وجعلهن خلف الباب قم قال له اقرأ : فقرأ
امرر على جدث الحسين //وقل لأعظُمِه الزكيّهْ // يا أعظُماً لا زلتِ من // وَطفاءَ ساكبةٍ رويّهْ //ما لَذَّ عيشٌ بعد رضِّك//ِ بالجياد الأعْوَجِيّهْ//فإذا مررتَ بقبرهِ//فأطلْ به وقفَ المطيّهْ// كبكاءِ مُعْوِلَة غَدت//يوماً بواحدِها المنيِّهْ
فما بلغ هذا الحد حتى أخذت الدموع تنحدر على خد الامام وارتفع الصراخ من داره ,فأمره الإمام بالإمساك قال له امسك أمسك لانه خاف على الهاشميات وهن يتذكرن مصيبة كربلاء. ثم أوصله بهدية ..وكانت نتائج هذه المجالس الحسينية انها اسست عقيدة حسينية راسخة ضد الظلم والاستكبار, واخذت دورها الفعّال في ضمير وعقيدة المحبين للوقوف ضد الأمويين فبدات عمليات المنع والقتل .. وتوجها المتوكل العباسي بهدم قبر الحسين{ع} وال بيته واصحابه .
مهما حاول اعداء الحسين منع شيعته ومحبيهلم يفلحوا وكلنا نتذكر ايام صدام وحزب البعث المجرم وموقفهم من زيارته. في تلك الفترة الظلماء القاسية ظهرت قصيدة الشاعر الحاج رسول محي الدين رسمت ظلم اعداء الحسين {ع} الصداميين وسجل تاريخهم من المأتم والزيارات ولكن رغم التيارات الحاقدة على ال بيت محمد{ص}.
صدحت حنجرة الرادود ياسين الرميثي //يـحـسـيـن بـضـمـايرنه // صحنه بيك آمنه/لا صـيـحة عواطف هاي// لا دعوة و مجرد رآي/هـذي مـن مـبـادئـنـه / صـحنه بيك آمنه// مـر بـيـنـه اعلى حبكم دور/ لا ينسّه او لا يخفه /مـن عـدوانـك الـجـانـت / بـينه اتريد تتشفّه/ عـلـيـنـه أفـرضـوا أحكام/ بلا رحمة ولا رأفه /ثـبـتـنـه بـثـقـه اوبـرهـنّه / للظالم رغم أنفه/حـتـى مـن نـجـي انـزورك// على العاده المأتلفه/يـتـحـجـج عـلـيـنه ايريد/ يمنعنه بألف حرفه// قـال الـلـي يـزور احـسين وله مهما يكن ظرفه / عـلـى مـيـة ذهـب يـدفع /رسم ازيارته ايكلفه /دفـعـنـه او كـل شخص منه/ يشعر بعده ما وفّه/ شـنـهـو الذهب شنهو المال/ اليحب يتوطن الحتفه/رد قـال الـيـزور احـسـين/ امن ايده تنقطع جفه/انـطـيـنـه اجفوفنه بالحال/ ركضنه انزورك ابلهفه/عـنـك ما منعنه الخوف/ قطعوا من ايدينه اجفوف/مـن الألـم مـا صـحـنـه / صحنه بيك آمنه…** قال الإمام الصادق لاصحابه : مامن أحد قال في الحسين(ع) شعراً فبكى و أبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة »
كان الشعراء يتبارون في الرثاء و الإبداع بهذه المناسبة ولفت المشانق على رقاب الفقهاء ونالوا من القتل من نال الخطباء والادباء ،ونال اصحاب المواكب والمتبرعون والفنانون ..وكل من له هوى بحب ال بيت محمد{ص} اقسى ما يمكن ان يفتك به الظالمون.. وها هي المقابر الجماعية شاهدة على ظلم الطواغيت واعمالهم تبين شدة حقدهم على الحسين وخدامه وزواره ومحبيه.
ايها أبا الأحرار أي كريمة //تبني الخلود، وليس منك لها أب //أنت الذي أعطيت ما أعيا الورى// تصديقه ووهبت ما لا يوهب // ووقفت للتاريخ تشمخ هاتفا // سيان ان غلب موجه او تغلب // وقفت حيث أراح غيرك نفسه //والحق بينكما يهيب ويرغب // دوى بآذان الزمان هديرك الصافي/ / وضاءت من سناه الأحقب // وتركت للاجيال حين يلزها// عنت السرى ويضيق فيها المهرب // جثث الضحايا من بنيك تريهم // ان الحقوق بمثل ذلك تطلب ..