في مثل هذه الأيام من سنة 61 للهجرة كان القرآن الكريم في خطر وتم التخلّي عن الرسالة النبوية بسبب العادات الجاهلية. لذلك لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الإمام الحسين(ع) ضحى بنفسه من أجل الدفاع عن روح الإسلام في العام 61 ه، والآن جاء دورنا لنسير على نهجه لكي نحارب اللامبالاة تجاه الأهداف الروحية والأخلاقية للإسلام. فالإسلام يحيا مع كل إحياء لكربلاء.
الاجتهاد: أصبح “روح الإسلام” في خطر. بدأ ذلك فقط بعد عقود عدة من رحيل الرسول الأعظم(ص) عن هذا العالم في 632 قبل الميلاد. عندما أصبح لدى المسلمين شعور بالرضا عن البعد الداخلي للالتزام بعقيدتهم وهو البعد الذي يتطلب يقظة مستمرة للحفاظ على مقدرتهم الروحية والأخلاقية، أي التقوى.
مات ضمير المسلمين مع ظهور الازدهار والثراء الفاحش الذي جاء نتيجة للفتوحات والغزوات الإقليمية لمناطق ما بين نهري النيل وجيحون، كذلك وصل الخدر الأخلاقي إلى روح الإسلام- إلى الكتاب المقدس والقرآن وإلى الدعوة والسنة النبوية.
وقد لاحظ بعض أصحاب النبي الورعين الأزمة القادمة حتى أنهم قاموا بتحذير الحكام من تلك الكارثة الوشيكة التي من الممكن أن تطيح بروح الإسلام.
لكن من الجدير بالذكر أن القرن الأول للهجرة كان فترة الانتصارات العالمية للأمة، إلا أنه كان لهذا النجاح الكبير في توسيع نطاق المكاسب الإقليمية على الأرض أثراً سلبياً على القادة السياسيين الأوائل للامبراطورية الإسلامية. ومع مرور الزمن، بدأ يقاس الإسلام بنسبة نجاحه الدنيوي على حساب جوهره. لاسيما وأنه كلما قام المسلمون بقياس الإسلام بنجاحه المادي قاموا بإضعاف أساسه الروحي والأخلاقي.
إذ تم تلفيق عدد من الأحاديث النبوية وتم طرحها للتداول وذلك لتبرير هذا الميل تجاه مادية الجاهلية أي عصر الجهل والذي كان الهدف الرئيسي من البعثة النبوية في مكة والمدينة.
وبكل الأحوال كان ذلك القرن الأول هو الفترة التكوينية الأولى في التاريخ الإسلامي، إذ تم فيه تحديد صيغة التطورات اللاحقة في القانون والعلاقات الإنسانية.
وليس من المبالغة القول بأنه تاريخياً كان مرحلة حرجة من الاختبارات الصعبة والتمحيص الدقيق وذلك من أجل التمييز بين شكل ومضمون الحياة كما علّمنا النبي(ص).
ومما لا شك فيه أن “الشكل” هو مظهر الشيء من الخارج؛ أما “المضمون” فهو الحقيقة الداخلية غير المرئية. لذلك تحتاج الحقيقة اللامرئية للإسلام إلى قلب مخلص ومؤمن أي تحتاج إلى الضمير لكي يشهد على جوهره الخالص أي على روح الإسلام.
ولهذا انتقد القرآن الكريم الناس لعدم استخدامهم لقلوبهم أي ما تمليه عليهم ضمائرهم من أجل فهم المعنى الحقيقي “للخضوع” لإرداة الله أي (للإسلام) حيث جاء في (سورة الحج الآية 46): {فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.
وبذلك يكشف القرآن الكريم عن خلل رئيسي في عموم الناس الذين لا يعون أن ما يرونه هو مجرد حجاب فوق الحقيقة فالكون ليس كما يبدو عليه.
وفي هذ السياق، يتوجب على المرء تنمية رؤية بعيدة المدى لكي يدعو كما دعا النبي(ص) بقوله: “إلهي، أرني الأشياء كما هي!”، خاصةً وأن المسلمين عادةً ما يقومون بأداء الأعمال العبادية من دون التأمل في عواقبها الروحية والأخلاقية.
وبالطبع مثل هكذا إهمال سيؤدي أيضاً إلى عدم الاكتراث بالمظالم السياسية والاجتماعية التي تحدث في المجتمع. واستمر ذلك إلى أن وصلت تلك التطورات المحبطة إلى ذروتها في سنة 61 للهجرة أي (680 للميلاد).
نشأة الحسين بن علي
نشأ حفيد الرسول الأعظم(ص)، الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في بيت النبوة، حيث الاهتمام على الشكل والمضمون معاً، أي شوهدت الأمور على حقيقتها، خاصةً وقد تحلّت العائلة النبوية المؤلفة من النبي الأعظم محمد والإمام علي وفاطمة الزهراء (سلام الله عليهم أجمعين) بجميع السمات البارزة التي يجب أن يتمتع بها قائد الأمة المستقبلي.
إذ لطالما سجّل التاريخ الكثير من المظالم التي تعرّضوا لها من أجل ترسيخ الجوهر الداخلي للإيمان، أي روح الإسلام كما جاء به القرآن الكريم والرسالة النبوية الكاملة والسنة النبوية.
وفي أعقاب وفاة الرسول الأعظم، بدأت عملية تعريض روح الإسلام للخطر، لاسيّما وأن المجتمع آنذاك لم يولِ اهتماماً كبيراً للأمثلة الحية لأهل البيت الذين يمثلون الإسلام الحقيقي، إذ مع مرور السنين بدأت مرآة الضمير الحي للإسلام تُصاب بالصدأ.
الإمام الحسين(ع) قد تحلّى بتلك الرؤية الحساسة التي تحلّى بها أبوه الإمام علي(ع) وأخوه الإمام الحسن(ع)، والتي لاحظوا من خلالها الوضع الحرج آنذاك، لكنهم وُوجِهوا من قبل المجتمع في فترة ما بعد النبوة. لكن بحلول العام 60 للهجرة (679-80 م) كان الخطر قد وصل إلى مرحلة لا يمكن للإمام الحسين(ع) أن يتجاهلها بسهولة، وقد عبّر عن ذلك في واحدة من خطبه التي ألقاها أثناء رحلته إلى العراق وحتى آخر يوم من حياته وهو يوم عاشوراء.
إذ علّق على الوضع الذي يواجهه الإسلام من خلال كلمته أمام جيش الحر بن يزيد الرياحي الذي جاء لاعتقال الإمام الحسين(ع) ومنعه من الوصول إلى الكوفة حيث عبّر بقوله:
“وَإِنَّ هَؤُلاءِ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ، وَتَرَكُوا طَاعَةَ الرَّحْمَنِ، وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ، وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْءِ، وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا حَلالَهُ، وَأَنَا أَحَقُّ من غير”(تاريخ الطبري، المجلد الخامس، الصفحة 229)
وذلك تحوّلت كربلاء إلى النموذج عن تلك المعركة التي من الممكن أن تخوضها بقصد إحياء ضمير المسلمين الذي أصبح بعيداً عن روح الإسلام.
وبالفعل، وفي مثل هذه الأيام من سنة 61 للهجرة كان القرآن الكريم في خطر وتم التخلّي عن الرسالة النبوية بسبب العادات الجاهلية. لذلك لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الإمام الحسين(ع) ضحى بنفسه من أجل الدفاع عن روح الإسلام في العام 61 ه، والآن جاء دورنا لنسير على نهجه لكي نحارب اللامبالاة تجاه الأهداف الروحية والأخلاقية للإسلام. فالإسلام يحيا مع كل إحياء لكربلاء.
المصدر: موقع “شجون عربية”
*البروفيسور عبد العزيز ساشدينا أستاذ في جامعة جورج مايسون، ومؤلف لعدد من الكتب والدراسات أبرزها: “المسيانية في الإسلام: نظرية الإمام المهدي لدى الشيعة”، و”السلطان العادل”، و”الجذور الإسلامية للديموقراطية التعددية”.نقل النص الى العربية: عبدالله شحادة