الاجتهاد: لقد تناول كتاب الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم الموسوم بـ(قيادة المرجعية الدينية لثورة العشرين، وقائعها ومبدئيّة مواقفها من المحتلّ وتابعيّة وشكل نظام حكمها مع مقارنته بنظريّة سماحة السيد السيستاني ورؤاه العمليّة) -في صفحاته التي تجاوزت (800) الثمانمائة صفحة- هذه الثورة العراقيَّة التحرريَّة الكبرى؛ فخلص إلى نتائج قد تكون غير مسبوقةٍ أو مهمّةٍ أعرّج على ذكر بعضها منها:
إنّ هذه الثورة تحت قيادة المرجع الدينيِّ الأعلى في النَّجف الأشرف وباقي زعمائها أقامت أول نظام حكمٍ وطنيٍّ في العراق على أرض مدينة النَّجف الأشرف، بعد انتزاح محتلّيها الإنكليز عنها من خلال انتخاب هيأةٍ تأسيسيَّةٍ صَمّمت شكل النظام المنشود، حيثُ يتشكَّلُ من هيأةٍ عليا سُمّيت بـ(الهيأة العلميَّة)، و(مجلسٍ تشريعيٍّ) منتخب بانتخابٍ سرّيٍّ عامٍّ مباشرٍ شاملٍ لجميع المواطنين عبر صناديق الاقتراع المبثوثة في أسواق وشوارع المدينة المقدسة،
إضافةً إلى مجلس تنفيذي بـ(حكومة) وتتكوَّن من رئيسٍ للوزراء، ووزراء، كلٍّ بحقيبته الوزاريَّة، مع (مجلسٍ بلديٍّ)، و(جهازٍ أمنيٍّ)، و(جهازٍ إعلاميٍّ) للثورة تألَّف من صحيفتين هما (الفرات) و (الاستقلال)، مع عددٍ كبيرٍ من المناشير تطبع في النَّجف وتوزع بالآلاف على المجاهدين في جبهات القتال وعلى المواطنين، و(هيأة لشؤون الأسرى الإنكليز) الذين تم أسرُهم من الجيش البريطانيّ المحتلّ.
أمر المرجع الأعلى رئيس الهيأة العلميَّة بأنْ يتولَّى العناية بهم، فأُحِسنَت العناية والرعاية بشكلٍ لافتٍ للنظر أثنى عليه حتى المحتلون لاحقاً.
وبذلك تكون ثورة العشرين أول حكومةٍ وطنيَّةٍ عراقيَّةٍ شكَّلها الثوار العراقيون بمحض حريتهم واختيارهم.
وكان انتخابهم في (10 ذي الحجة 1338هـ/ 25 آب 1920م)، لرئيس حكومة، ووزيرين لكلٍّ منهما حقيبته الوزاريَّة حسب خبرته وتخصصه، متقدمة -هذه الحكومة الوطنية- (بشهرين) على تشكيل أول حكومةٍ عراقيَّةٍ مؤقتةٍ تحت الانتداب البريطانيّ برئاسة السيد عبد الرحمن النقيب بتاريخ (11 صفر 1339هـ/ 25 تشرين الأول 1920م)، وسبقتْ هذه الحكومة الوطنيَّة، طبعاً، بـ(سنة ميلادية وسبعة عشر يوماً) تشكيل أول حكومةٍ عراقيَّةٍ بعد تتويج الملك فيصل الأول برئاسة السيد عبد الرحمن النَّقيب أيضاً في (9 محرم 1340 هـ/ 12 أيلول 1921م).
ومما تناوله الكتاب أيضاً إنهاء وإقبار ثورة العشرين لبعض التصورات والخطط البريطانيَّة الـمُعدّة أو الـمُنظَر إليها والمفكَّر بها من قبل المحتلين كتهنيد العراق، أو جنوبه كلّه، أو البصرة منه فقط، ووضع العراق كلَّه، أو جنوبه كلَّه، أو البصرة وحدها، تحت الهيمنة البريطانية المباشرة، أو تغيير التركيبة السكانيَّة الديموغرافيَّة في العراق عن طريق هجرة هندية واسعة النطاق وغير هندية أيضاً، أو إعادة هيكلة العراق وإعادة تركيبه مجدداً وفق مصالحهم الاستعماريَّة، أو إعادة رسم خارطة جديدة للعراق بِضَمّه مع بعض دول المنطقة الساحلية لتشكيل دولةٍ واحدةٍ منه مع غيره من دول المنطقة، أو إنشاء دولتين مستقلتين ومنفصلتين في العراق لنجلي الشريف حسين، دولة في شمال العراق عاصمتها الموصل تحت إمارة زيد بن الحسين، ودولة في جنوب العراق تكون عاصمتها بغداد، وتحت إمارة عبد الله بن الحسين، على أن يمنح الشريف حسين لقب أمير المؤمنين، ويذكر اسمه في الصلاة داخل المساجد.
وممّا تطرق إليه: ما تعرّض له المبدئيّون المضحّون من هضمٍ للحقوق وخاصة من أبناء الفرات الذين قامت على أكتافهم وبتضحياتهم ودمائهم وأراملهم وأيتامهم الثورة الوطنيَّة العراقيَّة الكبرى مقابل ما جناه نـهّازو الفرص من ضباط الجيش العثمانيّ والمتملقين النفعيين والمتعاونين مع الإنكليز، فحصدوا المناصب والمراكز والإقطاعيَّات الكبيرة والثروة الباذخة وغيرها، وهو ما أشار إليه الشيخ محمد رضا الشبيبيّ بقوله «أمّا ما جرى بعد ذلك، وكيف انقلبت الآية… وكيف لوحق المجاهدون، وكيف أوذي الأحرار، وامتحن الثوار، وفي مقدمتهم العلماء الأعلام، وكيف عوقبت المنطقة الثائرة، بالعسف والحرمان، وذلك وفق خطة استعماريَّةٍ مرسومةٍ؛ فإنّه حديث طويل يثير الشجون».
وقد أشارت المستشارة البريطانيَّة المس بيل إلى تلك الخطة صراحة بقولها: «مشكلة الشيعة أخطر المشاكل وأشدُّها إزعاجاً في هذه البلاد… وإذا كانت ستشكل أيَّ شيءٍ من قبيل المؤسسات النيابيَّة الحقيقية، فإنك ستحصل على أكثريَّةٍ شيعيَّةٍ فيها»، وهو ما لا يسمح به المحتلون؛ ولذلك عمدوا إلى تزوير الانتخابات بشكلٍ فاضح.
ومن جملة ما استعرضه الكتاب (التشابه بين نظريتي الحكم لكلٍّ من سماحة المرجع الأعلى السيد السيستانيّ وسماحة المحقق الشيخ النائينيّ) أو بين نظرية (إرادة الأمة) للمرجع الأعلى سماحة السيد السيستانيّ بأُسُسها الثلاثة المقوّمة لنظريته، ونظرية المحقق النائيني الدستورية المطبقة نسبياً في ثورة العشرين كما عرضها الشيخ النائينيّ في كتابه المهم (تنبيه الأمة وتنزيه الملَّة)، ثم وقف الكتاب على نقاط الالتقاء والافتراق بين النظريتين الدستوريتين.
وتناول الكتاب كذلك التطابق العمليِّ بين موقف المرجعين سماحة الميرزا محمد تقي الشيرازيّ، وسماحة شيخ الشريعة الأصبهانيّ زعيمَي ثورة العشرين من جهة، وموقف سماحة المرجع الأعلى السيد السيستانيّ من جهةٍ ثانيةٍ من حيث: (تشابههما في وجوب إعلان الجهاد الدفاعيّ ضد المحتلِّ الغازيّ بعد اليأس من تحقيق المطالب المشروعة للشعب العراقيّ بالطرق السلميَّة).
وفي (توحيد صفوف المسلمين سنّةً وشيعةً وجمع شملهم). وفي (ضرورة حشد الطاقات الشعبيَّة المؤمنة لتكون رديفاً للقوات المسلحة). وفي مضامين (وصايا وتعليمات المرجعيتين الدينيتين وإعلامهما للمجاهدين في سوح الجهاد) وغير ذلك.
إضافة إلى (تشابه موقف المرجعيتين في التصدّي للشأن الاجتماعيّ/ السياسيّ) في العراق من حيث: (إناطة شكل الحكم بقرار المواطنين العراقيين). وفي (ضرورة تشكيل السلطة التشريعيَّة ومنح الحرية المطلقة للشعب في انتخابها)، وفي أهمية (إبلاغ المنظمات الدوليَّة بمعاناة الشعب العراقيّ)، وفي الحثِّ على (منح حقوق المواطنين العراقيين من غير المسلمين كاملةً كبقية أبناء البلاد) وغير ذلك.
المصدر: مجموعة اكسير الحكمة