الاجتهاد: الكتاب: عبارة عن مقدمة كتبها المؤلف قدس سره لسلسلة البحوث التي كتبها العلامة السيد محمد باقر الصدر قدس سره حول الإمام المهدي عليـه السلام، والبحث في حقيقته عبارة عن اجابة على مجموعة صيغة التصوير لهذا المنقذ من الفرد المؤيد بقوى الغيب وهو الذي تعتقده المجتمعات الدينية، الى المجتمع المثالي الذي تذوب فيه انانية الفرد ويحول كل فرد نفسه الى شمعة تحترق لاجل سعادة الآخرين كما تحلم به النظرية الشيوعية. بقلم السید عبدالستار الجابري.
المؤلف من اعلام الحوزة العلمية البارزين في النجف الاشرف، ورائد الانطلاقة الاسلامية السياسية في العراق، ولد قدس سره في مدينة الكاظمية المقدسة في ٢٥/ذي القعدة/١٣٥٣هـ واستشهد بعد تعذيب طويل على يد الزمرة العفلقية في ٩/نيسان/١٩٨٠ للميلاد الموافق لسنة١٤٠٠ هجرية.
كان قدس سره ـ بالاضافة الى تصديه للمرجعية الدينية ـ رائد الانفتاح العلمي والنزول إلى ساحة المواجهة الفكرية التي زخرت بها حقبة الخمسينات والستينات من القرن العشرين،
وجاءت كتبه ومقالاته لتغني المكتبة الاسلامية بما كانت تفتقر اليه في تلك الحقبة، فكانت نظريته المعرفية التي دونها في كتابه فلسفتنا، وعمق الفكرة الإسلامية في المذهب الاقتصادي الذي برز في كتابه اقتصادنا، عدا عن كتاباته في الابواب المختلفة تجيب عن الاسئلة التي يطرحها اعداء الإسلام لمسخ هوية المجتمع المسلم وهدم نظريته الدينية.
وكان رضوان الله عليه بالاضافة الى نشاطه العلمي والسياسي يهتم اهتماماً كبيراً في رفع المستوى العلمي للحوزة العلمية لتكون مهيأة للنهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وكان يرى ان الخطوة الاولى تبدأ من وضع منهج علمي درسي يتناسب وتطورات العصر فجاءت سلسلته الرائعة في الحلقات الثلاث لعلم الاصول لتكون الخطوة الاولى في العملية التجديدية.
ولم يكن هذا الانشغال العلمي ليعزله عن آلام الأمة وآمالها مما دفع زمرة البغي الصدامي للقضاء عليه خشية تنامي نشاطه السياسي الذي كان يقلقهم كثيراً.
من التساؤلات التي يطرحها المشككون بفكرة الإمام المهدي عليه السلام والمنكرون لولادته، وهذه التساؤلات تارة يختص بها المنكرون للنظرية وثانية يشترك فيها هؤلاء مع المنكرين للولادة، ويتنوع الجواب عن التساؤل المطروح بين الجواب النقضي والحلي بحسب ما يقتضيه السؤال ونوع المتسائل وطبيعة الادلة المستند اليها في الجواب.
وفي مقدمة البحث طرح السيد الشهيد قدس سره التساؤلات ثم أجاب عنها بالتفصيل بعد ان قدم للبحث شيئاً عن ارتباط فكرة المنقذ العالمي بمسير الإنسانية المعذبة حيث قرر قدس سره ان الإنسانية بكافة اتجاهاتها الفكرية حتى اشد الناس عداءاً للدين والغيب كانوا يحلمون باقامة الحكومة العالمية العادلة التي تضمن سعادة جميع شرائح المجتمع الانسانـي، وان اختلفت
الكتاب: عبارة عن مقدمة كتبها المؤلف قدس سره لسلسلة البحوث التي كتبها العلامة السيد محمد الصـدر قدس سره حول الإمام المهدي عليـه السلام، والبحث في حقيقته عبارة عن اجابة على مجموعة صيغة التصوير لهذا المنقذ من الفرد المؤيد بقوى الغيب وهو الذي تعتقده المجتمعات الدينية، الى المجتمع المثالي الذي تذوب فيه انانية الفرد ويحول كل فرد نفسه الى شمعة تحترق لاجل سعادة الآخرين كما تحلم به النظرية الشيوعية.
يشير المؤلف قدس سره في المقدمة الى نقطة مهمة، وهي ان المهدي في الفكر الديني وان كان اقدم من الإسلام، ولكنه في الواقع الإسلامي تحول من فرد لم يأت بعد الى شخص يعيش آلام الناس وآمالهم ويتحسس معاناتهم وما يكابدونه وينتظر الفرج كما ينتظرون،
وهذه الخصوصية انفرد بها الإسلام عن الأديان الاخرى، وهذه المعايشة عن المهدي عليه السلام للناس في آمالهم وآلامهم ينتظر لها ان جسور الترابط الروحي بين المنتظر والمنتظر فجاءت جملة من الروايات الشريفة الحاثة على انتظار الفرج لتقوم بهذا الدور.
شبهات وتساؤلات
تعرضت نظرية الإمام المهدي عليه السلام الى اشكالات اثيرت ضدها من قبل افراد تميزوا بالسلبية تجاه هذه النظرية والسيد الشهيد قدس سره في بحثه يطرح اهم هذه الاشكالات ويجيب عليها واحداً واحداً.
طول عمر الإمام المهدي عليه السلام
أول اشكال يثار ضد نظرية الإمام المهدي عليه السلام ويشترك فيه من اللادينيين ومنكري الولادة هو اشكالهم على طول عمره عليه السلام لفترة غير طبيعية بحيث امتدت الى مئات السنين وهو امر غير ممكن.
والسيد الشهيد قدس سره في مقام الجواب على الاشكال يجيب بجوابين الأول منهما لكلا الاتجاهين والثاني يختص بمنكري الولادة من المسلمين وفي الاول يناقش السيد قدس سره عدم الامكان، حيث يقسم الامكان الى:
أ) امكان عملي
ب) إمكان علمي
ج) امكان فلسفي
والعمدة عنده في الرد على المنكرين الثاني، ذلك لان الامكان العملي معلوم عدم التحقق الى الآن حيث لم يتمكن الناس جميعاً ان يعيشوا مثل هذا العمر الطويل،
والثالث لا ينفع في المقام لأن الامكان الفلسفي انما يعني رفع ضرورتي الامتناع والوجود وهو أم من التحقق في الخارج، اما الثاني فهو يعتمد على تفسير منشأ شيخوخة الخلايا وموتها بعد ذلك وهناك تفسيران للشيخوخة الاول انه ناشيء من تماس الخلايا مع المحيط الخارجي بحيث لو خليت الخلية ونفسها لما تعرضت للشيخوخة، والثاني ان الخلايا تحمل شيخوختها معها.
لكن مع ذلك فان بعض الاجسام تتصف بفترة شباب طويلة حيث يمضي البعض سنيناً طويلة دون ان تشيخ خلايا انسجة ابدانهم، وحينئذ فطول العمر من حيث الامكان العلمي وارد لانه على الأول يحتاج الإنسان لمحيط خاص ليطول عمره بلا حدود وعلى الثاني يمكن ان تكون هناك بنية خاصة تتمتّع خلايا الانسجة فيها بشباب دائم.
وهذا رد نقضي على القائلين بعدم الإمكان حيث ثبت انه ممكن علمياً فضلاً عن امكانه الفلسفي، ولكن قد يعترض بان هذه الفرضية وان كانت صحيحة في نفسها الا انها غير واقعة ولم تتحقق الى الآن
وهنا يجيب السيد قدس سره جواباً نقضياً يصلح لرد منكري الولادة لانهم يؤمنون بالغيب والقدرة الالهية، بانه وان لم يتحقق هذا الامكان العلمي ولكنه داخل ضمن القدرة الالهية التي خرقت نواميس الطبيعة اكثر من مرة كما في عدم احتراق ابراهيم عليه السلام في نار النمرود وولادة عيسى عليه السلام من غير أب وغيرها من الامثلة التي عطل فيها القانون الطبيعي.
لماذا هذا الشخص بعينه؟
والسؤال الثاني الذي يجيب عنه قدس سره هو علة الالتزام بكون المهدي عليه السلام خصوص الشخص المعين وليس شخصاً آخر؟ ولهذا السؤال جوابان:
الاول: جواب حلي مستمد من النصوص الواردة عن النبيّ أهل البيت صلوات الله عليهم اجمعين.
الثاني: جواب اقناعي.
وحيث ان المشككين الذين وجه اليهم السيد الشهيد قدس سره الجواب لم يكونوا ممن يريد جواباً مستنداً الى الغيب بل يريدون جواباً حسياً أوكل الجواب الاول لمن يريد مراجعة النصوص الواردة في شأن الإمام المهدي عليه السلام مشيراً الى ان علة الانحصار به وجود خصوصيات في المصلح المنتظر لا توجد الا في هذا الشخص بعينه.
واما الجواب الاقناعي الحسي فينطلق فيه السيد قدس سره من ملاحظة ما يجب توفره في الشخص الذي ينتظر ان يقود دفة التغيير في العالم، والشروط التي يجب توفرها فيه هي:
١ _ الوضع النفسي الخاص به الذي يوفره معاصرة الحضارات المختلفة نشوءاً وسقوطاً.
٢ _ القدرة العظيمة على ادارة عملية التغيير التي يوفرها له المعاصرة مع التنبه التام لعوامل قوة وانحاط تلك الحضارات.
٣ _ ادارة التغيير على طبق المنهج الإسلامي الخالص، ومعه يجب ان يعاصر قائد التغيير عصر النص وان لا يتأثر بتلك الحضارات على الصعيد الفكري والعقائدي.
الإمامة المبكرة
والسؤال الثالث الذي يجيب عنه السيد الصدر قدس سره كيفية تأهل الإمام المهدي عليه السلام للقيادة من الناحية العقائدية والفكرية مع ان أباه توفي وهو لا يزال في سن مبكرة جداً؟
ويجيب قدس سره عن هذا التساؤل بـ:
١ـ ان صغر العمر لا يمنع من كون الإنسان مؤهلاً للقيادة، فيحيى عليه السلام اضطلع بدوره القيادي وهو لا يزال صبياً.
٢ـ ان ظاهرة التصدي للمسؤولية القيادية في سن مبكرة تحققت عند أهل البيت عليهم السلام في الامامين الجواد والهادي عليهم السلام حيث تولى الاول مهمام الامامة وله من العمر ثماني سنين والثاني تسع سنين.
وفي مقام الجواب على ثبوت هذه الظاهرة يجيب قدس سره في نقاط:
أ) ان الإمامة عند الشيعة لم تكن ملكية وراثية، بل كانت ذات اسس موضوعية تضمن ولاء قواعدها الشعبية عن طريق الاقناع بالحجة والبرهان.
ب) ان هذه القواعد الشعبية لم تكن مستحدثة في عهد الإمام المهدي عليه السلام بل كانت موجودة منذ بدء الدعوة الإسلامية وتوسعت وانتشرت في عهدي الامامين الباقر والصادق قدس سره.
ج) وهذه القواعد كانت تشترط في الامام عدة شروط غاية في الشدة احدها ان يكون اعلم اهل زمانه.
د) مدرسة اهل البيت عليهم السلام وقواعدها الشعبية كانـت تعتبر خطاً معادياً للسلطات الحاكمة _ ولو على الصعيد الفكري على اقل التقادير _ ولو كان هناك خلل في قيادات الشيعة لشنع الحكام عليهم بذلك.
ه) لم يكن الائمة عليهم السلام يعيشون في معزل عن المجتمع بل كانوا في اوساط الناس، وكانت قواعدهم الشعبية على اتصال دائم بهم.
و) الزعامات السياسية كانت تعتبر الشيعة والأئمة عليهم السلام مصدر خطر كبير يهدد كياناتهم لذلك كانت تتعامل معهم بشدة تصل بعض الاحيان عند السلطات الى الاعتقال والقتل باشكال مختلفة وفرض الاقامة الجبرية.
ومع هذه الظروف والشروط الخاصة لو لم يكن الامامان الجواد والهادي قدس سره يملكان المؤهلات الكاملة للتصدي للامامة لكان ذلك واضحاً عند القواعد الشعبية ولو فرضنا ان القواعد الشعبية لم ترد الطعن عليهم فان السلطات الحاكمة كانت ستعرض بهم خاصة مع ما تستشعره من الخطر والتهديد الذي تشكله لهم الزعامة الروحية لاهل البيت عليهم السلام.
الدليل على وجود الإمام المهدي عليه السلام
وبعد ان رد الشهيد قدس سره الاشكالات المتقدمة التي وصلنا معها الى ان نظرية الإمام المهدي عليه السلام ممكنة في نفسها وان الاشكالات المطروحة قابلة للرد،
تبقى القضية الاهم وهي اثبات وجوده عليه السلام ذلك لان امكان الوجود اعم من الوجود إذ ليس كل ممكن محقق الوجود فجبل من الذهب ممكن الوجود ذاتاً الا انه لا وجود له على ارض الواقع، والسؤال هنا هل ان الإمام المهدي عليه السلام ـ مع امكان وجوده ـ موجود واقعاً ام لا؟
فان كان موجود فما هو الدليل على وجوده؟
والسيد الشهيد قدس سره في مقام الجواب عن هذا السؤال يتعرض لدليلين:
الأول: النصوص الدينية المثبتة لوجوده عليه السلام.
الثاني: الدليل العلمي المادي الحسي.
فاما الدليل الأول:
وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الفريقين الشيعة والسنة مئات الروايات حول الإمام المهدي عليه السلام وانه سيظهر في آخر الزمان رجل من اهل بيته يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وان الأئمة والامراء والخلفاء من بعده اثنا عشر كلهم من قريش وفي بعض الروايات من بني هاشم،
ووردت في الكتب الشيعية مئات الروايات عن الأئمة عليهم السلام في خصوص الإمام المهدي عليه السلام، وهذا الكم الهائل من الروايات مع تحقق جملة من القرائن التي تفيد صدق الرواية خاصة وان اغلب تلك الكتب الحديثية قد دونت في العصر العباسي ككتاب البخاري مثلاً الذي عاصر مؤلفه الأئمة الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام والذي روى فيه ان الأئمة من بعده اثنا عشر، قبل اكتمال عدد الأئمة عليهم السلام اثنا عشر، وكذا روايات احمد بن حنبل، مما يفيد القطع بصدور هذا النص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي لا يفسر تفسيراً صحيحاً الا بالأئمة عليهم السلام.
فالكم الهائل من الروايات مع تعدد طرقها والظروف المحيطة بها مع دلالتها على ان المهدي عليه السلام من ولد فاطمة صلوات الله عليها، وانه من ولد الحسين عليه السلام دليل على عدم امتداد يد السياسة الى متون هذه الروايات للتلاعب بها،
وبالتالي يقطع معها بصدور المضمون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر ذلك دليلاً قطعياً يجب على المسلم الايمان بمضمونه، والتالي فكون الامام المهدي عليه السلام موجوداً عقيدة يجب الايمان بها لانها وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وذهب الى وجوده عليه السلام بالاضافة الى الشيعة عدد غفير من علماء العامة.
الدليل الثاني: الدليل العلمي الحسي
ويستدل السيد الشهيد قدس سره الى التجربة التي عاشتها الاوساط الشيعية في فترة الغيبة الصغرى على وجوده عليه السلام، وامتدت هذه الفترة من وفاة الامام العسكري عليه السلام الى وقت اعلان بدء الغيبة الكبرى للامام المهدي عليه السلام.
وكان الداعي لهذه الفترة تهيئة القواعد الشيعية لفترة الغيبة الكبرى حيث كانت تلك القواعد قد اعتادت الاتصال المباشر بالائمة عليهم السلام، وحصول فراغ مفاجيء من شأنه ان يؤدي الى تحطيم الكيان الشيعي بكامله،
لذا استمرت فترة الاعداد للغيبة الكبرى سبعين عاماً كان فيها النواب الخاصون الاربعة يقومون بدور الوسيط بين الإمام المهدي عليه السلام وقواعده الشعبية حيث كان الشيعة يكتبون مشاكلهم ومسائلهم اليه عليه السلام ويوصلوها الى نوابه الذين يقومون بدورهم بنقل الجواب الى الشيعة شفهيّاً كان او تحريرياً،
واستمرت فترة النيابة هذه المدة الطويلة، ولم تواجه أي اعتراض من الشيعة بل كانت الادلة على صحة دعوى النيابة تزيد من قناعات الشيعة ويقينهم، الامر الذي لم يتمكن معه جعفر بن محمد بن الإمام الهادي عليه السلام الذي ادعى الامامة من كسب القواعد الشيعية بسبب جهله بالاحكام وسوء سمعته في الاوساط العامة، في الوقت الذي كانت اجوبة الامام عليه السلام تصل الى الشيعة موافقة لبعضها بحيث لم يقع بينها تعارض وتناف على الرغم من تبدل النواب بسبب وفاتهم واحداً تلو الآخر، ووحدة الخط الذي تصدر به الاجوبة على الاسئلة ويعضد ذلك ما كان يتحلى به النواب من التقوى والورع.
فهذه التجربة التي عاشتها الطائفة الشيعية في عصر الغيبة الصغرى تصلح ان تكون دليلاً علمياً وتاريخياً على وجوده عليه السلام.
عدم ظهوره عليه السلام لأنصاره
والقول بوجود الإمام المهدي عليه السلام يولد في اذهان المشككين والمنكرين سؤالاً آخر، مفاده ان الإمام المهدي عليه السلام اذا كان موجوداً فلم لم يظهر لشيعته وانصاره ليقيم الدولة الالهية العادلة على الارض؟
والاجابة على التساؤل الخامس يعتمد على فهم السنة الالهية والوقوف عليها، والباحث المدقق المتتبع يجد ان السنة الالهية جارية على اخذ الظروف الموضوعية في عملية التغيير بعين الاعتبار، وان كانت يد الغيب تتدخل في بعض التفاصيل، وهذا السبب هو الذي يفسر لنا تأخر بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة قرون بعد رفع النبي عيسى عليه السلام مع حاجة المجتمع الانساني الماسة اليه صلى الله عليه وآله وسلم.
كما ان الظروف الموضوعية لنجاح عملية التغيير العالمي نجدها اكثر توفراً في العصور المتأخرة عن عصر الغيبة الصغرى حيث وسائل الاتصال المتطورة التي تمكن القيادة المركزية من قيادة عملية التثقيف على طبق الاسس الاسلامية لكل بقاع المعمورة بينما هذه الحالة لا يمكن ان تتحقق في صورتها في عصر الغيبة او القرون التي تلته.
واما الاعتراض على هذه الفكرة بان طول فترة زمن الغيبة ادى الى تنامي القوى المعادية للامام عليه السلام تقنياً فهو وان كان صحيحاً الا ان الخواء الداخلي وفقدان انسان الحضارة الحالية للثقة في مبانية الحضارية وشعوره بالخواء يجعل تلك الاسلحة غير ذات اثر في قبال الحضارة القادمة،
فان التطور التقني غير كافٍ في الحفاظ على تلك الحضارات بعد انهيارها الداخلي، وخير دليل على صحة قوله قدس سره الانهيار السريع والمذهل الذي تعرض له المعسكر الشرقي المتمثل بالاتحاد السوفيتي.
قدرة شخص واحد على تغيير العالم
والتساؤل الآخر الذي اجاب عنه قدس سره امكانية شخص واحد تغيير العالم تغييراً جذريا مع ان حركة التغيير الاجتماعي تفتقر الى جملة من الظروف الموضوعية.
والجواب على هذا التساؤل ان الحركة الاجتماعية لا تشترط ان تبتدأ بالمادة ليكون الإنسان في المرتبة الاخيرة من حركة التغيير، بل ان العكس ممكن ايضاً بل حاصل فالظروف الموضوعية في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يمكن بحال من الاحوال يمكن لها ان توجد ذلك الخط الحضاري الاصيل والمشرق في حياة الانسانية، وكانت الحركة فيه مبدؤها الفرد المتصل بالله تبارك وتعالى، وهذه الحالة يمكن تكرارها على يد الإمام المهدي عليه السلام.
آليه التغيير
والسؤال الاخير الذي يجيب عنه السيد الشهيد قدس سره هو: ما هي آلية التغيير التي سيتبعها الامام المهدي عليه السلام، وها يجيب قدس سره باننا لا نستطيع اعطاء جواب علمي حول هذا التساؤل، لاننا لم نعش عصر الظهور الشريف بعد، ولكن يمكن التخمين بوجه كلي بان هناك فراغاً حضارياً هائلاً ربما سيقع، وتبلغ فيه الانسانية المعذبة اقصى درجات مآسيها وآلامها، فيظهر عليه السلام ويشرق نوره على الانسانية البائسة ليخرجها من الظلمات الى النور.
المصدر: مجلة الانتظار؛ العدد1