الاجتهاد: ينطلق الإمام الخميني {قدس سره} في رؤيته الشمولية للخطر الصهيوني من آفاق أربعة. فهو اولا: يهدف إلى الاستيلاء على فلسطين . وهو ثانيا: يتهدد البلاد العربية. ويتهدد ثالثا : بلدان الشرق الأوسط والعالم الاسلامي . ورابعا : هو ضد الانسانية بشكل عام .
وحيث أن المشروع الصهيوني من صنع الاستعمار الذي اوجد اسرائیل بهدف الاستيلاء على فلسطين واستعمار جميع البلاد الاسلامية من خلال برنامج التوسع الصهيوني على حساب الوطن الاسلامی، فان هذه العلاقة بين الاستعمار واسرائيل هي التي جعلت الشاه، بحكم عمالته للاستعمار الذي نصبه على رأس السلطة في ايران، يتحالف مع اسرائيل في خطواتها الرامية إلى تحقيق الأهداف المشتركة للاستعمار والصهيونية وهي في رأي الخميني أهداف دينية وخاصة في فلسطين باعتبارها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين
ولذلك نراه يعترض على مشروع الشاه للتبرع لاصلاح المسجد الأقصى على اثر قيام الصهاينة باحراقه في أغسطس ۱۹68 انه يرى أن هذه الجريمة يجب أن تظل ماثلة كشاهد على التمييز الديني لدى الصهاينة ومحاربتهم للاسلام، في حين أن ازالة آثار الحريق، في أحد جوانبها، طمس لمعالم الجريمة (1) وبالتالي خدمة للعدو الصهيوني.
وفي اكثر من مناسبة يشير الى ان القضية الفلسطينية هي المشكلة الكبرى، والقضية الأولى للمسلمين، ففي نداء الحج سنة ۱۳۹۰ هـ يخاطب المسلمين قائلا:
فكروا في مشكلتكم الكبرى، قضية فلسطين المأساوية، فكروا في خلاص فلسطين من براثن الصهيونية ».
وفي خطابه في جامعة النجف سنة ۱۳۹۱ ه يقول: ” اسرائيل التي احرقت اولى القبلتين وثالث الحرمين … اسرائيل هي التي بعثت بخبرائها ليساهموا في انجاح احتفالات تأسيس الملكية في ايران … ولنفس هذه الدولة يذهب النفط الايراني، (2).
ولا تقتصر المقدسات على فلسطين، بل تتعداها لتشمل المقدسات الإسلامية الأخرى حيث يرى ان واجب الشاه كأنما هو تسلیم مقدسات الوطن الى اسرائيل واسيادها من جانب وتسليط الرأسماليين على البقية الباقية من ثروات الشعب الايراني من الجانب الآخر، وهذا هو الهدف الاستعماري الصهيوني الثاني، الهدف الاقتصادي.
والاستعمار هو الذي أحال السكان إلى شعب من الفقراء، ذهب بثروتهم وأوجد البطالة في صفوفهم .
وفي موسم الحج ۱۳۹۰ هـ ۱۹۷۰م يخاطب المسلمين بقوله،” فكروا في فقراء بلادكم الاسلامية الذين ذهبت بثروتهم وعطلت ایدیهم شراسة الاستعمار وجشعه ونهمه (3) .
ويعتقد بأن الاسرائيليين هاجموا المراكز الدينية الاسلامية في ایران لان القرآن هو ” الكتاب السماوي الوحيد الذي يحرض على مواجهة الاستعمار ومقاومة الظلم” (4) وهذا هو نهجهم الواضح في فلسطين أيضا على مدار سنوات الاحتلال سواء باحراق المسجد الاقصى او بالحفريات المستمرة من حول اساساته التي تجعل احتمال سقوط اجزاء منه قائمة، أو في الحرم الابراهيمي في الخليل حيث هاجمت القوات الاسرائيلية جموع المصلين المسلمين عدة مرات.
ولا يقتصر هذا الموقف الصهيوني على الاسلام ولكنه يشمل ايضا المسيحية فقد عاث الصهاينة في المقدسات المسيحية في القدس ايضا فسادا ولا سيما في كنيسة القيامة حيث سرقوا تاج السيدة العذراء واتلفوا الكثير من نفائس هذه الكنيسة.
وبالطبع فان الهدف الاقتصادي آنف الذكر يرتبط تماما بالهدف السياسي الاستعماري ان لم يكن دافعا له ومحركا، وبالتالي فان الخميني في موقفه ضد الشاه وضد اسرائيل ينطلق من طبيعة فهمه للواجب والمسئولية التي يتحملها القائد الروحي في الاسلام والتي لا تقتصر على تقديم الوعظ والارشاد في شئون العبادات بل تتجاوزها الى الاهتمام بشئون المجتمع كاملة فالاسلام « کله سياسة اجتماعية (5) وهو اساس حضاري ان الاسلام دين السياسة بشؤنها(6)
وهذا يقتضي :
(۱) مقاومة الشاه وطرده بصفته رأس العملاء الاستعماريين والاسرائيليين في ايران ، فنظام الشاه اول نظام في دولة اسلامية يعترف باسرائيل ويقيم معها شبكة من العلاقات المتشعبة، وتحالفا موجها ضد الدول العربية(7).
(۲) مقاومة اسرائيل وطرد الاسرائيليين من ایران ، ووقف ضخ النفط الى اسرائيل حيث انها تستخدمه في حربها التي تشنها ضد العرب والمسلمين مما يمكنها من تحقيق مخططاتها في الاستيلاء على فلسطين واستعمار جيمع البلدان الاسلامية ولذلك نرى صرخته الداوية :” هل يكون مسلما ذلك الذي يساعد دولة العدوان اسرائيل ويعطيها النفط()، وقد شکل انصار الخميني في سنة 1965 ( حركة تحرير ایران من براثن الصهيونية منظمة تدعو للقضاء على الوجود والنفوذ الصهيوني في ایران. (8).
(۳) ضرب المصالح الامريكية والاسرائيلية في ايران والقضاء عليها وهذا، على اطلاقه ، يعني القضاء على جميع المظاهر المادية للوجود الامبريالي المباشر وغير المباشر للامبريالية والصهيونية في ایران، وهو من خلال الربط والتلازم الذي يحدده الخميني بينهما يؤكد على حقيقة موضوعية وهي أن نفوذ ومصالح اي من أمريكا او اسرائيل في ايران لا تنتهي بالقضاء على أي منهما ، وذلك أن أيا منها في مثل هذه الحالة ستنوب عن الأخرى فيها يتعلق بالجوانب الخاصة وغير المشتركة بينهما، لذلك يقول: ( ولتكن وجهة الشعب الإيراني المسلم ضرب المصالح الامريكية والاسرائيلية في ايران والقضاء عليها ) فالصهيونية الدولية مرتبطة عضويا بالاستعمار والامبريالية صانعيها ومتعهديها بالبقاء والنماء.
انها في رأيه جزء من امريكا(9) وهو هنا يلتقي مع التحليل العلمي لفهم الثورة الفلسطينية بعدم جواز الفصل في عملية الصراع – الثورة – ما بينهما والتي كانت بالغة الوضوح في ذهن الشيخ القسام في فلسطين حينما كانت القيادة السياسية الفلسطينية في العشرينات من هذا القرن تحاول الفصل ما بين الصهيونية والاستعمار البريطاني، وهو المنهج الذي اختطه التيار السياسي العربي الذي تبني، بشكل واضح، بعد معارك تشرين، نظرية تحييد الولايات المتحدة وليس هنا بالطبع مقام سوق الأدلة على سقوط هذه النظرية ولكن المسألة – بالنسبة لايران – كانت محسومة في ذهن الخميني منذ عقدين من الزمان.
ومن المهم هنا أن لا نفهم خطأ أن هذا يعني بعد نجاح الثورة عدم التعامل ما بين ايران والولايات المتحدة، ولكن اسس ومعايير التعامل الحالية هي التي سيتم انهيارها، وكذلك مجالات التعامل هي التي سيتناولها كلها او بعضها التغيير وفق متطلبات ایران الثورة. كأمثلة على ذلك الغاء صفقات الأسلحة، والتخلي عن دور الشرطي والتجسس، واستدعاء طلبة البعثات العسكرية، وسياسة تسعير النفط … الخ .
(4) تحقيق التضامن والوحدة مع الأقطار الاسلامية: وقد اشار الى مظهرين من مظاهر التعاون ما بين الشاه والاستعمار وأسرائيل ضد مصلحة الأمة العربية، واعلن تجاه کليها موقفا حازما مضادا باتجاه المصلحة العربية :
الأول : يشير اليه لاول مرة في فبراير ۱۹۷۸ في اعقاب زيارة السادات لفلسطين المحتلة حيث يقول.” انها (أی الولايات المتحدة ) نصبت عميلا باسم السادات في مصر حيث ان كل نشاطاته بتوجيه من الاستعمار فقد ذهب الى اسرائيل واعترف بها رسمياً ” (10) وبذلك تمتد شبكة السطوة الاستعمارية عبر تحالف يمتد من مصر الى اسرائيل الى ایران.
وقد ظل موقف السادات المتحالف مع العدو الصهيوني، وما زال، يلقي المعارضة المبدئية والقوية من الخميني في كل تصريحاته وبياناته وازدادت حدة هذا الموقف بعد توقيع السادات معاهدة الخيانة مع العدو الصهيوني.
وقد كان الشاه نفسه حريصا أبلغ الحرص على نظام السادات فهو يعرف مقدار الأرق الذي سببه له وجود نظام عبد الناصر باتجاهاته التحررية، والذي كان دعمه للخميني احد مظاهره المباشرة، كما كانت حالة النهوض التي عاشتها الأمة العربية حتى اطراف الخليج تشكل الخطر الثوري غير المباشر على عرشه, وفيما اعلم فقد أعلن الشاه قبيل سقوطه باكثر من عام لرئيس احدى دول الخليج بأن علينا جميعا ان نحافظ على نظام السادات وندعمه …. ان نظام السادات اذا سقط … فان أنظمتنا جميعا ستهتز .
ومن هنا أيضا يبدو منطقيا جدا أن يسارع کارتر الى القاهرة وتل أبيب بعد سقوط الشاه الذي كان يدعم ويدعو الاخرين لدعم نظام السادات .
والثاني هو : الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، وقد اشار اليه في ندائه بمناسبة ذكرى اربعين شهداء تبریز، حيث اعلن ان هذا الاحتلال « يتم بدعم من الشاه واكثر من دول البلدان الاسلامية تقف متفرجة على هذا الأمر المصيري الهام (11).
وقد أعلن أركان الثورة الإيرانية السيد ياسر عرفات خلال زيارته لايران بأنهم سيقطعون علاقات ایران بنظام السادات اذا وقع على معاهدة الصلح مع العدو وقد قاموا بقطعها فعلا، کما اعلنوا عن استدعاء قواتهم المشاركة في قوة الطوارىء الدولية في جنوب لبنان، اذ لم يعد معقولا کما صرح أول رئيس اركان للجيش الايراني في عهد الثورة الجنرال محمد قرني أن تقوم القوات الإيراني بدور العازل بين العرب واسرائيل بعد ان اصبحت ایران بانتصار الثورة دولة مواجهة مع اسرائيل.
هذا اضافة الى الموقف المعلن بالتخلي عن دور الشرطي في المنطقة، وبمعنى آخر عن دور الحارس للمصالح الامبريالية في الخليج، والذي بدأ بسحب القوات الايرانية التي كانت تساند في قمع ثورة ظفار .
ويكتمل الاستقلال السياسي الايراني الحديث بالانسحاب من حلف السنتو، الذي كانت ایران الشاه تمثل المرتكز الاساسي لقوته باعتباره سورا ماديا ومعنويا في خدمة الامبريالية الامريكية من کلا وجهيه ، الاول – المطل على الاتحاد السوفييتي والاخر المطل على منطقتنا .
والخميني يرى أن التصدي الفاعل الاسرائيل يتم اساسا من خلال الصراع على ارض فلسطين لذلك كان يغتنم كل مناسبة ليشير الى ضرورة دعم رجال المقاومة في مهمتهم الشاقة هذه،
ففي نداء الحج سنة ۱۳۹۰هـ ( ۱۹۷۰ م) يخاطب المسلمين قائلا ” لا تتغافلوا عن مساعدة ومساندة رجال المقاومة الذي يضحون بأنفسهم في سبيل تحرير فلسطين، وهو يعتقد بأن كون الخطر الصهيوني يتهدد الأمة العربية، فان ذلك يعني أن على الثورة الفلسطينية، اضافة الى مهماتها النضالية على طريق تحرير فلسطين ( الاستمرار في السعي الجاد والتضحية في سبيل وحدة الأمة العربية) (12) ذلك لان جمع الجهد العربي ضد هذا الخطر يعجل في اجتثاثه.
وبالطبع فان العلاقة في هذا المجال جدلية ، إذ أن مقاومة اسرائيل ومحاربة الخطر الصهيوني هي واجب كل العرب والمسلمين في كل مكان وهذا يلتقي مع الشعارين القائلين: العودة طريق الوحدة ، والوحدة طريق العودة
واللذين كان لكل منها أنصاره، وما زال، وربما كانت المزاوجة ما بين هذين الشعارين في هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية والعربية ضرورية بعد أن فرض الحلف الأمريكي الصهيوني الساداتي على المنطقة كلها، وبذلك اصبحت المنطقة ضمن الأهداف المباشرة لهذا الحلف، فيما كان التضليل الامبريالي يحاول خلال السبعينات حصر رؤية الخطر الصهيوني في نطاق فلسطين ، او بعض فلسطين، موحيا بأن الانكفاء الاقليمي لكل دولة عربية سيجعل اجزاء الوطن العربي ولا سيما النفطية، في أمان من هذا الخطر الذي هو في واقع الأمر امبريالي بقدر ما هو صهيوني والعكس صحيح.
الهوامش
(1) الامام الخميني . الحكومة الاسلامية . ذ. س ، ص ۱۱۱
(2) خطاب النجف – انظر ايضا: دروس في الجهاد والرفض . ذ. س ، ص ۱4۸
(3) المصدر السابق ص ۱۳۳
(4) انظر : ص (91)
(5) الامام الخميني . دروس في الجهاد والرفض . ذ. س ، ص 64
(6) الامام الخميني . تحرير الوسيلة . ص ۲۳4
(7) ی . سندلير . يهود ایران دار القبس ، الكويت ، ۱۹۷۹
(8) الامام الخميني . دروس في الجهاد والرفض . ذ. س ، ص ۱4۸
(9) انظر نص الوثيقة الأولى للحركة ص69.
(10) خطاب الامام الخميني بمناسبة ( قانون الحصانة ) الذي فرض لصالح المستشارين العسكريين والرعايا الأمريكيين . أنظر : الامام الخميني . دروس في الجهاد والرفض . ذ. س، ص 105.
(11) خطاب الامام الخميني في ذكرة اربعين شهداء قم بتاريخ 10 ربيع الاول ۱۳۹۸ هـ (۱۸ فبراير – شباط ۱۹۷۸) – أنظر : المصدر السابق ص 276.
(12) خطاب الإمام الخميني في ذكرى اربعين شهداء تبریز بتاریخ 14 ربيع الثاني ۱۳۹۸ هـ (مارس – آذار ۱۹۷۸) انظر : المصدر السابق ، ص ۲۹6
المصدر: الصفحة الـ 28 من كتاب ” قراءة فلسطينية في فكر الإمام الخميني
تحميل الكتاب