الاجتهاد: الشيخ أحمد مبلغي: هناك مشروع في إيران الإسلامية وهو الوحدة، أظن أن هذا المشروع لو طوّر وعمّق ووجّه إلى مجالات سياسية أيضا (أي: حاولنا أن نأتي بتعريف للوحدة في المجالات السياسية أيضا) فسوف ينجح هذا المشروع في مكافحة ومواجهة العنف القائم والموجود حاليا في العالم الإسلامي.
فيما يلي النص الكامل للمقابلة الشيخ أحمد مبلغي مع تلفزيون المنار تحت عنوان: الشريعة والفقه في مواجهة العُنف.
✔ العنف هو أكبر حرج على مستوى العلاقات
● السؤال: هل الشريعة قادرة على مكافحة العنف؟ إن كان الجواب نعم، لماذا لم تستطع أن تمنع العنف وما نشاهده من عنف في عالمنا العربي؟
■ الجواب: سؤال مهم ويرتبط بالقضايا المعاصرة في عالمنا الإسلامي. الجواب طبعا نعم؛ لأن الشريعة تتصف بخصائل دلت الشريعة نفسها عليها وجاءت في النصوص الشرعية. وهذه الخصائل:
أولا: الجامعية؛
أن الشريعة جامعة وليست ناقصة فلو كانت ناقصة لنسبنا وجود العنف إلى هذا النقصان.
ثانيا: التناسقية؛
ليس بعض الشريعة يختلف أو يخالف مع البعض الآخر منها، هناك تناغمية وتناسقية؛ فإذا ركزت الشريعة على إزالة الخوف فليس من الصحيح أن تكون هذه الشريعة نفسها موجبة للعنف الذي هو سبب للخوف وعدم الأمن.
ثالثا: السماحية؛
هناك فرق بين السماحية والسهلة؛ [كون الشريعة] سهلة بمعنى أن أحكامها سهلة وليس فيها حرج ولكن السماحية -على الظاهر- ترتبط بتلك الأحكام والتعاليم المرتبطة بالعلاقات بين الناس، هذه التعاليم تحدث السماحة بين الناس كيلا يحدث من قبل بعض الناس عنف بالنسبة إلى البعض الآخر. نسمي هذه (السماحية) بفقدان الحرج في العلاقات؛ العنف أكبر حرج يمكن أن يكون في العلاقات.
رابعا: الأدائية؛
يعني هذه الشريعة لها كفائة وأدائية وقدرة في تحقيق ما تبنته وادعته. فليس تدعي شيئا غير قادرة عليه.
● السؤال: هل من فرق بين الشريعة والفقه؟
■ الجواب: هذا يرتبط بسؤالكم الثاني، [أي: السؤال عن أن] الشريعة إذا كانت موجبة للأمن ومزيلة للعنف وقادرة على مكافحة وإزالة العنف فلماذا أحيانا نجد أن العنف ينسب إلى الشريعة وينطلق من الشريعة؟
جواب هذا السؤال يأتي من هذه النقطة التي أشرتم إليها (من أن هناك فرقا بين الشريعة والفقه)،
الشريعة هي ما تحقق من جانب الشارع وما شرعه الله كمنهج للحياة واسمها الشريعة، والفقه هو علم يأتي منا كمحاولة لفهم الشريعة واستكشاف الشريعة. صحيح انه ليس هناك طريق إلى الشريعة إلا الفقه ولكن هذا الفقه ليس من اللازم أن نتصور أنه -وهو محاولتنا وفهمنا- يتطابق دائما مع الشريعة من “سعة دائرتها” أو “ضيق دائرتها”، ومن حيث “أدائها” وقدرتها على الاستكشاف.
إذا الجواب هو أن العنف لا يأتي من جانب الشريعة بل يأتي من الفقه الخاطئ عند البعض.
✔ بعض مدارس الفقه السلفي ينتج العنف
●السؤال: هل توافقون بأن منشأ هذا العنف في عالمنا اليوم هو سببه فقه السلفي؟
■ الجواب: يمكن أن نجيب: الفقه السلفي أجزاء كبير من منهجيته، مؤثر في ايجاد العنف! الا انه قد يكون هناك فقه ليس سلفيا -حسب التعبير الأساسي الموجود – ولكنه يعاني من منهجية خاطئة، فهذا النوع من الفقه أيضا قد ينتج العنف.
فالذي علينا هو أن نحقق وننقح منهجية الفقه حتى يتمكن بها الفقيه من الوصول إلى الشريعة والتي لها تلك الخصائص (والتي أشرت إليها).
فالفقه المنقح والمعمق من حيث المنهجية لا ينتج العنف بل يزيل العنف، ويحقق الأمن للمجتمع.
والفقه السلفي في بعض مدارسه ينتج العنف على مستويات مختلفة.
✔ علوم اربعة تحتاج منهجية الفقه لكيلا ينتج العنف
● السؤال: لفتني أنه منذ فترة أنشئ في العالم العربي مراكز جديدة، فقط عنوانها “فهم مقاصد الشريعة” بدلا من “فهم نصوص الشريعة”. هل المطلوب اليوم لكي نجد حلا لموضوع الفقه السلفي، أن نفكر في مقاصد الشريعة بدلا من النص نفسه؟
■ الجواب: ان الذي أفهمه هو أن المنهجية الصحيحة الدقيقة (المتمكنة من تقريب الفقيه إلى النصوص لكي يفهم النصوص فهما صحيحا أو قريبا من الصحة) لها عدة عناصر؛
العنصر الأول: تبني علوم مثل علم خصائص الشريعة وعلم مقاصد الشريعة. ان علم خصائص الشريعة غائب الآن. ونحن قد أهملنا التركيز على خصائص الشريعة (والتي أشرت إلى بعضها).
العنصر الثاني: اعمال قواعد توصلنا إلى فهم النص؛ ليس من الصحيح أن نحل مقاصد الشريعة مكان القواعد الأصولية، الذين يقولون بهذا بحسب رأيي، هو خطأ؛ نحن بحاجة إلى القواعد الأصولية (والذي هي نتاج علم الاصول) وفي نفس الوقت إلى علم المقاصد. هذا العلم (اي: مقاصد للشريعة) يوجد تغطية تسيطر على ذهنية الفقيه لكي يتحرك تحت هذه المظلة فيطبق القواعد بشكل صحيح، فلو لم يكن هناك مقاصد الشريعة ربما نخطئ في تطبيق القواعد.
فنحن بحاجة إلى هذين العلمين (علم خصائص الشريعة وعلم مقاصد الشريعة) الى جانب علم الأصول (الذي يعطي القواعد)
العنصر الثالث: النظريات الشاملة:
اننا لم نستكشف بعد تلك القواعد التي ترتبط بالعلاقات الاجتماعية وإيجاد الفهم لنا بالنسبة إلى النصوص الناظرة إلى العلاقات الاجتماعية.
وبتعبير آخر نحن أهملنا تلك التعاليم الشاملة الكبرى الاجتماعية وبقينا نعيش مع النصوص الناظرة إلى أمور فردية وجزئية وعبادية و… هذه الحالة من النقص موجودة.
وطبعا لو أردنا أن نتوسع في فهمنا بالنسبة إلى النصوص الناظرة إلى العلاقات الاجتماعية نحتاج إلى علم الاجتماع وهو من العلوم الغائبة في مجتمعنا، ربما يقترب من الشريعة فقيه من فقهائنا (من الشيعة أم السنة) ولكن ينظر إليها بنظرة فردية غير اجتماعية لأن تلك النظريات الشاملة الكاملة غير موجودة لدينا بالنسبة إلى المسائل الاجتماعية.
✔ مؤشرات حدوث الازمة للدين
● السؤال: ما هو الخطر برأيكم الذي شكل على الدين؟
■ الجواب: سؤال جيد؛ الأزمة في كل شيء (مثلا الأزمة السياسية أو الاقتصادية..) تتناسب من حيث مفهومها مع تلك الأهمية التي لذلك الشيء. . فالأزمة في الدين تتحقق إذا تحققت أمور كما يلي:
أولها: أن نجد الناس يخرجون من الدين.
ان طبيعة الدين هي ان “يدخل الناس فيه أفواجا”؛ فإذا رأينا أن الدين يخرج الناس منه أفواجا، فهذا يدل على وقوع أزمة حقيقية.
ثانيها: أن يفقد الدين جذابيته.
ليس هناك شيء أقدر على جلب قلوب الناس من الدين، فإذا وجدنا أن الناس لا ينظرون إلى الدين بعين الجاذبية فهذا يدل على وقوع الأزمة في التوجه الى الدين.
ثالثها: أن يشعر الناس بأن الدين غير متلائم مع فطرتهم.
انه في الأساس يكون الدين متلائما مع الفطرة، فإذا رأينا أن الرأي العام وعموم الناس وعموم الشعوب يرون أن الدين أو الأحكام التي تقال وتبث باسم الدين، غير متلائمة مع فطرتهم فان ذلك يعني وقوع أزمة أساسية في البنية التحتية في التوجه إلى الدين.
والأخير: أن الدين يتمم مكارم الأخلاق كما قال النبي (صلى الله عليه وآله).
فإذا وجدتم أن الدين يبث عدم الأخلاقية؛ أي: اللا أخلاقية هي التي تنتجها الدين لا الأخلاق فإذن هذا الدين وقع التوجه اليه في أزمة حقيقية.
والعنف هو الذي يجمع بين هذه المشاكل التي تحدث الازمة للدين، فانه ليس هناك أخطر شيء للدين بمثل العنف، حيث يزيل جميع الصفات التي د يمتلكها الدين من الجاذبية والاخلاقية و…
✔ يجب محاولة ابقاء الاخوة الاسلامية، مهما كانت الظروف
● السؤال: البعض كان يقول أن سبب هذا العنف هو الإسلام الراديكالي وأن إيران تريد ترويج هذا العنف، ولو أن بعض الصحفيين حاول يوازن بين السعودية وإيران وأن الإسلام الراديكالي في السعودية وليس في إيران. ما هو الدور المطلوب من الجمهورية الإسلامية في إبعاد هذه المخاوف وهذا الخطر عن الدين؟
■ الجواب: هناك مشروع في إيران الإسلامية وهو الوحدة، أظن أن هذا المشروع لو طوّر وعمّق ووجّه إلى مجالات سياسية أيضا (أي: حاولنا أن نأتي بتعريف للوحدة في المجالات السياسية أيضا) فسوف ينجح هذا المشروع في مكافحة العنف القائم والموجود حاليا في العالم الإسلامي.
طبعا لكل دولة سياساتها ونظراتها ومنطلقاتها؛ بعض الدول تنتمي إلى الدول الغربية، بعضها وعلى رأسها إيران مستقلة؛ ولكن الذي أريد أقوله (وطبعا بحاجة إلى دراسة معمقة في الأوساط العلمية) هو انه يجب علينا أن نأتي ونغطي الوحدة على جميع المجالات. نحن نجد في فجر الإسلام ان هناك حربا بين الإمام علي بن أبي طالب (ع) وأصحاب الجمل؛ وكان في أصحاب الجمل شخصيات معروفة إسلامية ولكن الإمام بعد انتهت الحرب قال “إخواننا بغوا علينا”؛ وهذا يعني ان الأخوة باقية رغم ان وقعت الحرب. المشكلة اننا قد أصبحنا بحيث أن الحرب إذا وقعت هنا وهناك، نخرج الطوائف عن دائرة الأخوة.
وهذا هو المقصود من تغطية الوحدة للمجالات السياسية. وهذا لو تحقق فنحن بالإمكان أن نتحكم بالكثير من المشاكل السياسية الرائجة.
✔ غياب نظرية الاختلاف الفكري أساس مشكلتنا
● السؤال: منذ سنة شاركت سماحتك في مؤتمر حول مكافحة العنف في الأزهر الشريف وأنت قلت: في كلمتكم أنه لابد أن ننشئ نظرية “فقه أدب الاختلاف”. هل برأيكم هذه النظرية الفقهية وفي التعايش حل وتجفيف في مصادر العنف؟
■ الجواب: كما قلت سابقا، هناك حالات نقص في استنباطاتنا بالنسبة إلى القضايا الاجتماعية، ويمكن أن نسميها بفقدان النظريات الشاملة الإسلامية الاجتماعية. من جملة هذه النظريات الشاملة (التي هي غير موجودة حاليا) هي نظرية الاختلاف الفكري في المجتمع الإسلامي.
فان الذي كان موجودا هو أدب الاختلاف. وأدب الاختلاف يعني إذا وقع حوار أو نقاش علمي بين شخصين أو مجموعتين فان عليهما أن يراعيا الآداب التي للاختلاف. هذا موجود في تراثنا الشيعي والسني.
والذي أعلق على هذا هو: ان هذا (اي: ادب الاختلاف) ينفع ويجدي بالنسبة إلى الحوارات ذات المساحة المحدودة العلمائية فقط، ولا ينفع للمجتمع الحالي الذي يواجه العنف على أساس الرؤى المختلفة.
فالذي ينفع هو أن نأتي ونقوم بتعريف وتقديم نظرية اجتماعية حول الاختلاف على اساس الاسلام؛ فنبين على اساسه كيف يمكن أن ندير الاختلاف الفكري وكيف نرسم له خطوطا حمراء اذا جاء الاختلاف في المجتمع؟ وكيف نفصل بين الاختلاف الفكري والاختلاف الاجتماعي و…
وايضا نظرية التعايش، فان التعايش بمعنى علينا أن نتعايش مع الآخر المسلم حتى غير المسلم (ولكن مع المسلم داخل إطار الأمة) .
فقد جاء نص من الإمام الباقر (عليه السلام) هو يقول: “ثلث التعايش التغافل”.
التعايش مصطلح جديد عصري ولكن موجود في كلام الامام الباقر، هذا الحديث يعني انه عندما ترى من المقابل شيء لا يتناسب ولا يتوافق مع مذهبك، عليك أن تتغافل عنه لأنه مذهبه.
لو نقيم التعايش كأصل أساسي ونراعي خطوطه الحمراء : مثل “احترام البعض للبعض”، و”عدم الإساءة لمقدسات الآخر”و… فعنئذ إذا قام الاختلاف الفكري فانه لا مشكلة فيه بل هو نافع.
✔ التعايش هو طريق الحل الوحيد
● السؤال: ما هي كلمتك الاخيرة؟
■ الجواب: أقول شيئين : أولا: التفرقة من أعظم الذنوب وهناك عذاب أليم لمن يفرّق. والتفرقة اليوم أصبحت أمرا وظاهرة معقدة. دعمها يجب أن نفهم ما هو. التفرقة بحاجة إلى توسعة في نظريتها في البحوث العلمية. ربما أنا أتصور بعيد وبمعزل عن التفرقة ولكن أكون جزءا من مجموعة تفرق وتقوم بالتفرقة. التفرقة يجب أن نأتي بتعريف أساسي لمصاديقها وتعريفها في هذا العصر. وثانيا: يجب علينا قبل كل شيء التركيز على نظرية التعايش. التعايش هو الطريق الوحيد للحل. ليس أمامنا حل لهذه المشاكل إلا أن نقيم التعايش وبتمام ما له من مؤلفات ولوازم ونراعي خطوطه الحمراء.