خاص الاجتهاد: بعد أن قضى السيد البروجردي وطرَه من العلم في أصبهان، اتّجهَ إلى باب مدينة العلم في مدينة النَجَف الأشرف التي كانت تغُصُّ ذلك العصر بفطاحل العلماء، فألقى عصا الترحال هناك من حدود سنة 1320هـ. كما ذكرَ شَيْخنا آقا بُزُرْك الطهرانيّ(2)فالتحقَ بدرس زعيم الحوزة العلميّة، وحامل رايتها الخفّاقة عَلَم التحقيق والتدقيق، الاُصوليّ المجدّد الشيخ المولى محمّد كاظم الآخُوْنْد الخراسانيّ (المتوفى1329هـ.).
يصادف اليوم الثالث عشر من شهر شوّال سنة ثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة وفاة المرجع الديني آية الله السيّد حسين البروجردي (نسبة إلى مدينة «بُروجِرد» وهي المدينة التي تقع في منطقة لُرِسْتان، في جبال غرب الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران).
مولِدُهُ ونشأتُهُ الاُولى:
وُلِدَ السيد البروجردي في مدينة بُروجِرد في آخر شهر صفر سنة 1292هـ. للهجرة وبقي فيها حيث دخل الكُتّابَ،ثمّ أخذَ من والده بعض المقدّمات ثمّ دخلَ مدرسة «نُوْر بَخْش»(1) المعروفة هناك، حتّى أكملَ المقدّمات والسطوح العالية في بُروجِرد إلى سنة 1310هـ. ويظهر انتهاؤه من السطوح من حضوره بعدَ هذا مباشرةً في أصبهان على كبار علمائها ممّا يدلُّ على إتمامه للمراحل السابقة بطور كامل كَمّاً وكيفاً، وكذلك يدلُّ عليه اشتغالُهُ منذُ حلوله في أصبهان بتدريس كتب السطوح، فلا بد أن يكون قد أكمل دراستها في بُروجِرد.
إلى أصبهان:
وفي إبتداء سنة 1310هـ. ترك مسقط رأسه مهاجراً إلى أصبهان مدينة العلم ومركز الحوزة في ذلك الأوان، وبقي فيها مدّة تقربُ من عشر سنوات، حَضَرَفيها على أساتذة أكفّاء.
وقد كان لهجرته إلى أصبهان الأثرُ البارزُ في منهج عمل السيّد وتكوين شخصيّته العلميـّة في الاُصول والفقـه والرجـال، فكانَ جلُّ اهتمـامه بدرس الميرزا أبي المعالي الكلباسيّ (1247 ـ 1315هـ.) في خصوص علوم الحديث والرجال.
وفي الفقه والاُصول أخذ من السيّد محمّد باقر الدُرْچه اي (1264 ـ 1342هـ.). والسيّدالميرزا محمّد تقي المدرّس (1273 ـ 1337هـ.). وقد حصّل السيّد من هؤلاء الثلاثة على شهادات الاجتهاد.
وحَضَرَ في أصبهان على الآخوند المُلاّ محمّد الكاشانيّ (المتوفى1333هـ.) والمرحوم جهانگير خان القشقائيّ (1243 ـ 1328هـ.) وهما من أعلام الفلسفة الإسلاميّة والحكمة العقليّة، فاستفادَ منهما في هذا الفنّ.
وكان في أيّام إقامته في أصبهان يقومُ بتدريس السطوح العُليا: شرح اللمعة الدمشقيّة في الفقه، والقوانين المحكمة في الاُصول، والفصول في الاُصول.
قال السيّد الجَهرميّ: قالَ بعضُ مشايخنا: إنّه كان يدرّس القوانين بإتْقان تامّ حتّى كان يُراجع كلمات العضدي والحاجبي، وكان من عادته كثرةُ التكرار في التدريس بحيث يؤدّي إلى ملل بعض الطلاّب، فكان السيّد يعلّل ذلك:بأنّي اُريد أن تقنعَ نفسي بفهم الدرس !
وقال السيّد الجَهرميّ: حكى بعضُ الأعلام: إنّ السيّد كان في أصبهان يعيشُ في ضيق مادّي، لأنّ والده كان قد أجرى له معاشاً محدّداً لايقومُ بمؤونته على الكفاية، وهو مع ذلك يصرفُ بعضه على مَنْ كان في خدمته، وكان يرفضُ عُروضاً بالمساعدة من الآخَرين، تعزُّزاً واستبعاداً لحياة التَرَف والرفاهية لطالب العلم، قانِعاً بما قرّرَ له والدُه من المعاش.
في النجف:
وبعد أن قضى السيد البروجردي وطرَه من العلم في أصبهان، اتّجهَ إلى باب مدينة العلم في مدينة النَجَف الأشرف التي كانت تغُصُّ ذلك العصر بفطاحل العلماء، فألقى عصا الترحال هناك من حدود سنة 1320هـ. كما ذكرَ شَيْخنا آقا بُزُرْك الطهرانيّ(2)فالتحقَ بدرس زعيم الحوزة العلميّة، وحامل رايتها الخفّاقة عَلَم التحقيق والتدقيق، الاُصوليّ المجدّد الشيخ المولى محمّد كاظم الآخُوْنْد الخراسانيّ (المتوفى1329هـ.).
وعلى أثر نُبوغ السيّد و بُروز قُدراته العلميّة رغم كونه في عِداد الشباب من طلاّبه قد احتلّ عند الاُستاذ موقعاً رفيعاً، وتوطّدت العلاقةُ بين الاُستاذ والتلميذ،حتّى كان الشيخُ متأسّفاً على مفارقة التلميذ لدرسه عند عزمه على العودة إلى إيران، ولم يلبثْ بعيداً حتّى بعثَ بشهادة الاجتهاد له إلى بُروجِرد.
وقد كان السيّد البُروجِرديّ يُريد العودةَ إلى النَجَف الأشرف إلاّ أنّه بعدما يقرب من ستّة أشهر من وصوله إلى بُروجِرد تُوُفّيَ والده السيّد عليّ في سنة 1329هـ. فاضطرَّ إلى الإقامة شهوراً اُخرى، فلمّا عزمَ على المغادرة إلى النجف، فوجئَ بنبأِ وفاة اُستاذه الآخوند في 21 ذي الحجّة الحرام 1329هـ. فعزم على الإقامة في بُروجِرد مدّةً طالتْ من ذلك الحين إلى أن غادرها في 26 صفر سنة 1364هـ. إلى قم(3).كما سيأتي.
وقد تلقّى العلم في النَجَف الأشرف أيضاً من العلاّمة المدرّس الأكمل اُستاذ العلماء الشيخ فَتْح الله الشهير بشيخ الشريعة الأصفهانيّ النمازيّ الشيرازيّ (1266ـ1339) وحَضَر بحثه في الرجال مدّةً طويلة، كمايقول شَيْخنا الطهرانيّ، وأضاف: «حتّى حصلَ له من هذا العلم ما يكفي المجتهدَ لاستخراج الأحكام الشَرعيّة من أدلّتها ويزيدُ عليه. وقد ألّفَ في هذا الفنّ كُتباً لها قيمتها، كما أنّه يُعدُّ من أعلام هذا الفنّ والمتبحّرين فيه، وفي معرفة طبقات المحدّثين والرواة وتراجم أحوالهم»(4).
وقد شهدَ له اُستاذه شَيْخ الشريعة بالاجتهاد قبل مغادرته النجف. وحَضَرَ فترةً وجيزة على الفقيه الأعظم السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ اليزديّ(1247 ـ 1337هـ.) صاحب العروة الوثقى، التي علّقَ عليها السيّد البُروجِرديّ وكانت تعليقتُه من أفضل تعاليقها، كما سيأتي في مؤلّفاته.
إلى بُروجِرد:
في سنة 1328هـ. عاد السيد البروجردي إلى بُروجِرد من النَجَف بِعُدّة كافية من وسائل الاجتهاد وبقي فيها، وهي المدينة الوادعة، بعيداً عن ضوضاء المدن الكبرى، منَهمكاً في التحقيق والبحث العلميّ، فكانتْ تلك السنون التي ناهزت الستّ والثلاثين إلى حين مغادرته المدينة في 1364هـ. فرصةً قيّمةً لتركيز معارفه وتكنيزها، تلك التي ضمّت أسرار نُبوغ السيّد وطلوع شخصيّته المرموقة.
فقد وَجَدَ في البلد العُدّةَ الكافية من المصادر والعددَ الوافيَ من المحصّلين والباحثين لإلقاء الدروس عليهم والتحاور معهم، مع المواظبة والملازمة على الأعمال العلميّة المتواصلة بلا انقطاع طيلة المدّة تلك، في درسين صباحاً ومساءاً، وبطول ساعتين لكلّ درس، كانتْ حصيلتُها التألّقَ في سماء الفقه والاُصول والحديث والرجال، العلوم التي هي الملاك الأساسيّ للمرجعيّة الدينيّة. وقد كان لا يملّ من المطالعة بل تدرّب عليها واستأنسَ بها وبقيَ ذلك دَيْدَنَهُ حتّى أيّام زعامته، وإلى آخر أيّام حياته، كما سيأتي.
قال السيّد الجهرميّ: سمعتُه يوماً يقولُ في درسه، أيّام زعامته العُظمى في قُم ما تعريبه: إنّي- مُذ عرفتُ نفسي – لم أفرّط بلحظة واحدة من حياتي، ولم أزَلْ -حتّى الآنـ على هذه السيرة التي تشاهدونها، فلا يحسبنَّ أحدٌ أنّه سيبلغُ المدى عندما يصرف وقته في سائر المشاغل ويقتصر على ساعة واحدة -فقطْ- في اليوم، للمطالعة.
وقد استفاد السيّد في هذه البلدة من كلّ الإمكانات المتاحة لتركيز مبانيه العلميّة متزوِّداً من الطبيعة الطيّبة التي تمتازُ بها، ومن الهدوء والاحترام الذي يتمتّع به بيته الكريم، ومن قوّة شخصيّته الفذّة التي كانت سبباً لالتفاف أهل الفضل والعلم حوله، والأهمّ من الجميع هو قِلّة الانشغالات غير العلميّة التي تعوق ذوي الفضل عن التفرّغ للبحث والتحقيق والتوفُّر على مسائل العلم.
فتمكّنَ من إلقاء أربع دورات اُصوليّة، وبحثَ في كتب فقهيّة كثيرة ككتاب الطهارة والصلاة والزكاة والنكاح والطلاق والصيد والذبائح والمتاجر والوصيّة واللقطة، بشكل كامل.
واشتغل بتدريس «شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام»للاّهيجيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّه في سنة 1363هـ. وقبلَ سنةواحدة من وُروده إلى قُم كان يقومُ بتدريس كتاب «معالم الدين في الاُصول» لولده السيّد محمّد حسن، وكان – كما يقول الشيخُ المطهّري الذي حَضَرَذلك الدرسَ في بُروجِرد -: درساً حافلاً معمّقاً». قال السيّد الجهرميّ: سمعت أن طلاّباً بمستوى كفاية الاُصول كانوا يحضرون ذلك الدرس أيضاً.
وقد تمكّنَ السيدُ في ذلك البلد من تربية عدّة من التلامذة الفضلاء العظام ذُكرت أسماء أكثر من ستّين شخصّاً منهم في مجلّة حوزة (ص318 ـ 320) وقد كان السيّد يُشير إلى واحد من تلامذته باعتباره أذكى مَنْ تلقّى عنده وأقدرهم على الإحاطة بآرائه ومبانيه العلميّة، وأرجعَ إليه في حلّ مشكلاتها وهو الشيخ بهاء الدين الحجّتيّ، الذي اُجيزَ بالاجتهاد من السيّد، وامتازَ من السيّد بالرعاية الخاصّة الفائقة.
وممّا يجدرُ ذكره أيضاً أنّ بعض مَنْ شارك في دروسه في بُروجِرد من فضلاء الحوزة العلميّة القمّية ذكرَ أنّ السيّد كان في تدريسه في بُروجِرد يقوم بالتدريس على أرقى مستوىً ممكن من حيث العمق والسعة وفي طرح الإشكالات والمعارضات والمحتملات، على طريقة الدروس المطروحة في أوسع حلقات الخارج العلميّة الكبرى، ولم يكن السيّد يتعامل مع حلقة الدروس باعتبارها حلقةً في مدينة صغيرة، أو أنّ الحاضرين من مستوى خاصّ، بل كان يطرحُ المطالب على أنَّ التلامذة كلّهم أساتذة وفي أعلى المستويات العلميّة، ممّا كان يجعلُ درسه غنيّاً غزيراً يصعب على غير الممارس(5).
إنّ بُروجِرد كانت مجمعاً علميّاً نفّذَ فيه السيّد كلّ طموحاته واُطروحاته العلميّة، مستنفذاً كلّ وُسْعه، ومستفيداً من كلّ إمكاناته، ومتمتّعاً من كلّ الفرص المؤاتية.
فهناك طرحَ فكرته عن تكميل الموسوعة الحديثيّة والرجاليّة، التي تبلورتْ عن وجود «جامع أحاديث الشيعة» أحدث موسوعة حديثيّة شيعيّة، وأوسعها وأجمعها وأحسنها، ترتيباً وتنظيماً.
وهناك نظّمَ السيد البروجردي فكرة «الموسوعة الرجاليّة» العظيمة بقسميها «ترتيب الأسانيد»، و«طبقات الرجال». وهناك بدأَ مشروع الأضابير الفقهيّة، المُوسّس على فكرة إفراز كلّ فرع فقهيّ في ملف يضبطُ كلّ ما يتعلّقُ بالفروع من أدلّة وأحكام ومناقشات وشؤون.
وهناك أسّسَ ودعمَ وركّزَ مبانيَهُ الاُصوليّة من خلال دورات الدروس التي ألقاها على تلامذته وناقشها معهم.
حقّاً، إنّ السنوات الستّ والثلاثين التي قضاها السيّد في بُروجِرد، تعتبر المنطلقَ الأساسَ لبلورة فكر السيّد و عمله، فما أكرمها من أيّام!
وفي سنة 1345هـ.(6) توجّهَ إلى حجّ بيت الله الحرام، من طريق العراق فأقام في طريق الذهاب مدّة ثلاثة أشهر في النجف، فاستُقبِلَ من قِبَل زملائه بحفاوة وتكريم وأقامَ في طريق العودة كذلك في النَجَف مدّة ثمانية أشهر، وقد أصبح بيته في النَجَف مركزاً لتجمّع العلماء، فكانوا يجتمعون دائماً عنده، وخصوصاً السيّد أبو الحسن الأصفهانيّ، حيث كان ملازماً للمجلس ليليّاً، يتشاورونَ حولَ القضايا التي كانت تحدُثُ على ساحة إيران في عهد طغيان الطاغية رضا خان، وإقداماته غير المسؤولة ضدّ الدين والوطن والشعب، وقد كان السيّد البُروجِرديّ أفضلَ وسيلة لتوحيد صفوف العلماء داخل إيران، وتوجيه التحرّكات اللازمة لصدّ حركة الدولة الفاسدة.
ويحملُ السيّد البُروجِرديّ هذه الرسالةَ الخطيرة، ولصعوبة الظروف، وخطورة المواقف داخل إيران، لم يكنْ من المتوقّع رجوعُ السيّد إلى إيران، فلذا كان في رجوعه نوعٌ من الدلالة الواضحة على كونه إجراءاً سياسيّاً، كما أنّ تلك الاجتماعات لم تَخْفَ على الدولة الإيرانيّة من خلال تسرّب الأخبار أو وجود عيون يترصّدونها.
إلى مشهد وقم
وبعد الإفراج عنه، سافرَ السيد البروجردي إلى خراسان لزيارة الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) فطلبَ أعلامها منه الإقامةَ هناك، فبدأَ بالتدريس والعمل العلميّ، وطويتْ له صلواتُ الجماعة في البلد، واقتدى به أئمّتها أجمع.
وبعد مضيّ ثمانية أشهر، وقيل: ثلاثة عشر شهراً، عزمَ السيّد على مغادرة مشهد على أثر بعض الحوادث التي كانت السلطة وراءَ إثارتها، حيثُ لم تكن ترغبُ في ازدياد نفوذ السيّد باستمرار بقائه هناك.
وصمّمَ على العودة إلى بُروجِرد لكن في طريق العودة زارَ مدينة قُم التي كانت يومذاك تحتَ زعامة مؤسّس حوزتها وكبير زعمائهاآية الله الشيخ عبدالكريم الحائريّ (المتوفى1355هـ.) الذي قام باستقبال حارٍّ للسيّد، وطلب منه البقاء في قم، حيث أنّ الحائري كان يسعى بقوّة دعمَ الحوزة وملئها بالعناصر النشطة والبارزة لتركيزها وازدهارها.
فأقامَ السيّد هناك، وبدأ بالتدريس والبحث، مدّة خمسة أشهر كان نجمُهُ فيها يتألّقُ، لكنّ الحكومةَ لم يَرُقْ لها ذلك، فكانتْ تُدبِّرُ المؤامراتِ وتحيكها، لانتقال السيّدإلى بُروجِرد، تاركاً قُم أمله ومأمنه التي سيعود إليها بعد سبعة عشر عاماً (1364هـ.).
فاضطرَّ السيّد إلى العودة إلى بُروجِرد بعد فراق طال ما يقارب الثلاث سنوات (1345 ـ 1348هـ.) ليستمرّ في أعماله العلميّة والإرشادية.
وقد اشتهر فضل السيّد وفقاهته على أثر الهجرة الطويلة تلك وذاع اسمه وطار صيته بين الأعلام، وفي سنة 1355هـ. حيث توفّي الشيخ الحائري في قُم اتّجهت أنظار الكثيرين إليه وقد أرجع إليه المرجع العامّ للشيعة في ذلك العصر السيّد أبو الحسن الأصفهاني في احتياطاته، فنشرت لأوّل مرّة حاشيته على العروة الوثقى سنة 1355هـ. تلك التي كشفت عن أبعاد علميّة متميّزة، ممّا زاد في سعة شهرة فقاهة السيّد وعظمته العلميّة.
وممّا يجدر ذكره أنّ السيّد بالرغم من اشتهار علميّته، ورجوع كثير من الناس إليه، فقد كان يُحافظ على سمعة الزعامة العليا للشيعة المتمثّلة في مرجعيّة السيّد أبو الحسن الأصفهاني، ويتبلور ذلك في جوابه عن السؤال الذي وُجِّه إليه وهو في بُروجِرد حول تعيين الشخص الذي يتّسم بــ «الأعلميّة» حيث قال:
إنّ راية الإسلام في هذا العصر على عاتق سماحة آية الله الحاجّ السيّد أبوالحسن الأصفهاني، ومع وجود حضرته فلا موضع لمثل هذا السؤال.
هذه السمة التي أبرزها السيّد من تكريم الدين، والحفاظ على سمعة أهله، وصيانة كرامة زعامته، هي التي هيّأت له زعامةً رشيدة محكمة، قلَّ مثيلها في تاريخ المرجعيّات المتأخِّرة.
إلى قُم ثانيةً
في أواخر سنة 1363هـ. اُضطرّ السيد البروجردي إلى السفر إلى طهران للمعالجة على أثر مرض، فنزل مستشفى «فيروزآبادي» في مدينة الريّ، فبقي شهرين وعشرة أيّام للعمليّة والعلاج.
فتوافدتْ عليه الوفود للزيارة والعيادة، وكان وَفدُ العلماء من قُم يحمل له الدعوةَ بالهجرة إلى قُم لإقامة أوَد الحوزة العلميّة، بعد وفاة زعيمها المطلق سماحة آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري، وتشتُّت أمرها وضعف كيانها، لتعدُّد المشرفين على شُؤونها، واختلاف الأذواق و الاتّجاهات في إدارتها.
فزار السيّدُ مدينة قُم في (26 صفر 1364هـ.(7) حيث مثوى سيّدة من آل محمّد ابنة الإمام الكاظم (عليه السلام) فاطمة الملقّبة بالمعصومة رضوان الله وسلامه عليها.
فاتّخذ السيّدُ تلك المدينة الطيّبة مستقرّاً ومقاماً، وألقى عصا الترحال فيها، ووجدت الحوزةُ العلميّة في شخصه العمادَ الرفيع الذي يقوم عليه كيانها، والأمل الذي ينشر عليها ظلاله.
وبعد استقرار السيد البروجردي “ره” في قُم واشتغاله باُمور الحوزة وتنظيمها، توفّي المرجع الأعلى للشيعة السيّد أبو الحسن الأصفهاني في العاشر من ذي الحجّة 1365هـ. فاتّجهت الأنظار إلى السيّد البُروجِرديّ، ليتسَنَّم المرجعيّة، وقيادة الطائفة، بعد اختبار دقيق واختيار مبتن على الاُسس المتّفق عليها.
فتسنّم السيّدُ أريكتها، وقادها إلى ساحل الأمان في ذلك الأوان العصيب وفي خضمّ الحرب العالميّة الثانية.
وقد كانت المرجعيّة في عصره من أبرز أمثلة المرجعيّات الصالحة الرشيدة المؤدّية لما يُتوقَّع منها على مستويات الاُمّة والوطن، والتقدُّم العلميّ، فكانت مرجعيّةً مليئة بالمفاخر والمآثر في مجالات دين الناس ودنياهم وتراث الاُمّة. وقد مضى وخلّف آثاراً وذكريات عجز المتأخِّرون عن اللحوق بشأوِهِ في مثلها.
وفاته ومدفنه:
في صباح الخميس الثالث عشر من شهر شوّال سنة ثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة اُعلنَ عن وفاة السيد البروجردي “ره”، بعد مرض قصير طال سبعة أيام. ودفن عند المدخل الشرقيّ للمسجد الأعظم الذي أسّسه في جوار الروضة المقدّسة الفاطميّة في مدينة قُم.
الهوامش
(1) لاحظ: مقدّمة ترتيب أسانيد الكافي ص13.
(2) طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر (ص1320).
(3) من مقال السيّدجواد علوي في مجلّة حوزة (ص311 ـ 312).
(4) طبقات أعلام الشيعة، نقباء البشر (ج2، ص 606).
(5) نقل هذه الملاحظة السيّدجواد علوي في مجلّة حوزة (ص320).
(6) كذا في مقالة السيّدجواد علوي سبط السيّد لكن الشيخ آقا بزرك ذكر أنّ ذلك كان سنة 1344هـ.
7) كذا ذكر السيّدإسماعيل العلوي في رسالة ترجمة السيّد(ص13) وذكر شَيْخنا الطهراني في النقباء أنّ الزيارة كانت في 14 محرّم، وذكر غيرهما أنّها كانت في 24 محرّم.
المصدر: كتاب” المنهج الرجاليّ والعمل الرائد في (الموسوعة الرجالية لسيّد الطائفة آية الله العظمى البروجردي 1292 ـ 1380هجري) للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي