الاجتهاد: برحيل آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، فقدت الحوزتان النجفية والقمية أحد فقهائهما البارزين، المتميزين بالسيرة الجهادية الحركية الواعية.
فلم يكن الهاشمي مجرد مرجع ديني وأستاذ كبير في الحوزة العلمية، بل كان رجل جهادٍ وسياسة وقيادة وفكر ودولة، أعطى كلّ حياته للإسلام والمذهب، ولم يتأخر عن ملء أي فراغ يجده في مسار العمل العلمي والدعوي، بصرف النظر عن الجغرافية والحدود، ولذلك تنقّل من الحوزة العلمية النجفية، الى معتقلات نظام البعث، الى المهجر، الى الصفوف الأولى في قيادة المعارضة العراقية، الى التدريس والتأليف في الحوزة العلمية القمية، الى أرفع مناصب الدولة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ ليس لأنه يحمل الجنسيتين العراقية والإيرانية؛ بل لأنه يعمل في إطار تكليفه الديني.
كان السيد محمود الهاشمي أحد أهم خريجي مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر النجفية.. علماً ووعياً وحركية وجهاداً وورعاً وأخلاقاً، و يعدّ أحد أضلاع المثلث العلمي لمدرسة السيد الصدر، الى جانب آية الله السيد كاظم الحائري، وآية الله السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، والذين تبوءوا مواقع المرجعية الدينية عن فقاهة رفيعة وعدالة وكفاءة.
وقد حمل الهاشمي هذا الإرث الكبير الى قم مهاجراً في العام ١٩٧٩، فكان – ابتداءً- المبعوث الخاص للسيد محمد باقر الصدر الى الإمام الخميني وقيادة الثورة الاسلامية في ايران، والوكيل المطلق للشهيد الصدر في الخارج.
وحين حطّ السيد الهاشمي رحاله في قم، أصبح أحد اساتذة البحث الخارج البارزين فيها، وكان درسه ونتاجه الفقهي والأصولي والفكري محط أنظار أصحاب الإختصاص. لكنه لم يتأخر عن واجبه في العمل على إسقاط النظام البعثي، فبادر ـ ابتداءً ـ الى إعادة تشكيل جماعة العلماء في النجف الأشرف، كواجهة للعمل الإسلامي المعارض ضد دولة صدام، ثم ساهم في تأسيس وقيادة جماعة العلماء المجاهدين في العراق، ثم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، وكان أول رئيس للمجلس، ولأربع دورات متتالية.
وفي إطار مشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية باستقطاب الشخصيات الإسلامية العلمية والفكرية والسياسية والمهنية العراقية، سواء من ذوي الأصول الإيرانية أو غيرهم؛ فقد كان السيد الهاشمي أحد أبرز من دخلوا بكل ثقل في مؤسسات الدولة الإيرانية بعد العام 1991؛ فتدرج في مناصبها، بدءاً بعضوية مجلس صيانة الدستور، ثم رئاسة السلطة القضائية، ثم رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام.
ورغم موجات ردود الفعل التي قادها بعض القوميين الإيرانيين، وآخرون محسوبون على اليسار الديني الاصلاحي الإيراني، ضد تعيين آية الله الهاشمي رئيسا للسلطة القضائية، كونه عراقي الأصل، وينشط في أجواء المعارضة العراقية، إلّا أن الكفاءة العلمية والإدارية والمهنية التي أثبتها، ودعم آية الله الخامنئي له، أغلقت معظم أبواب اللغط ضده. بل طُرح اسمه في وقت لاحق كأبرز مرشح لخلافة آية الله الخامنئي لموقع القيادة.
للسيد محمود الهاشمي الشاهرودي ثلاثة أشقاء أعدمهم نظام صدام بتهمة الإنتماء لحزب الدعوة الإسلامية في العام ١٩٨٠، وهي التهمة نفسها التي دفعت حكومة البعث لاعتقال السيد الهاشمي في العام ١٩٧٤، وتعريضه لأبشع ألوان التعذيب والتنكيل.
وكان البعثيون يهدفون من وراء ذلك الى حمل السيد الهاشمي على الاعتراف بانتمائه لحزب الدعوة، للوصول الى السيد محمد باقر الصدر، لأن الهاشمي كان أقرب تلامذة الصدر اليه.
لقد ظل السيد محمود الهاشمي وفياً لمدرسة الشهيد الصدر، و إبناً باراً لمدينته النجف الأشرف التي ولد فيها في العام ١٩٤٨. وستبقى روحه بانتظار أن تبرّ به أمّه النجف.