خاص الاجتهاد: تحدث سماحة الأستاذ الشيخ حسن الجواهري في هذا الحوار مع “الاجتهاد” عن سيرته العلمية وميزات حوزتي النجف وقم. كما تطرق سماحته إلى اوضاع حوزة النجف في زمن صدام الطاغية ومحاولته الفاشلة لخضوع الحوزة ومتابعتها لسياساته وطموحاته. كما أشار الشيخ الجواهري في القسم الأول من الحوار، إلى استقلالية الحوزة ووقوفها في وجه مخططات الإستعمار الأمريكي وأذنابها كالدواعش و…
الشيخ حسن نجل آية الله الشيخ محمّد تقي نجل آية الله الشيخ عبد الرسول نجل آية الله الشيخ شريف نجل آية الله الشيخ عبد الحسين نجل شيخ الطائفة الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر تولد سنة ١٣٢٨ هـ ق المصادف ١٩٤٩ م في مدينة النجف الاشرف.
ينحدر آیة الله الشيخ حسن الجواهري من عائلة الجواهري المعروفة التي يرجع نسبها إلى الشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) وعُرفت العائلة بهذا الإسم تيمناً بهذا الكتاب المهم.
درس الشيخ حسن الجواهري في (كلية الفقه) في مدينة النجف الأشرف, حتى حاز على شهادة البكالوريوس, ثم حضر دروس البحث الخارج على كبار أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف آنذاك أمثال السيد الخوئي والشهيد الصدر (قدس سرهما). وبسبب الظروف القاهرة التي مرّ بها العراق عموماً والنجف خصوصاً اضطر الشيخ الجواهري لمغادرة النجف الأشرف, ويمّم وجهه شطر مدينة قم المقدسة, وهناك حضر أبحاث الأستاذ الأكبر الميرزا التبريزي (ره) أعلى الله مقامه, وواظب على حضور درسه حتى صار أستاذاً من أبرز أساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة.
شارك الشيخ حسن الجواهري في كثير من المؤتمرات الفقهية والمحافل العلمية في مختلف العواصم الإسلامية كالمؤتمرات التي تُعقد في جدة والمغرب ومصر وغيرها لمناقشة الآراء الفقهية, وكان الشيخ الجواهري يحضرها ممثلاً عن الفقه الجعفري فكان يدافع عن وجهة نظر فقهاء الشيعة بالحجة والبرهان, وعُرف عن الشيخ الجواهري اهتمامه الشديد في الدفاع عن الولاية والتشيع, وهذه مأثرة أخذها عن أستاذه الراحل الميرزا التبريزي (قدس سره), حيث امتاز بقوة برهانه في الدفاع عن الإمامة والولاية وغيرها من أصول المذهب ودعائمه.
وللشيخ حسن الجواهري مؤلفات متنوعة اشتملت على مواضيع مختلفة كالفقه المعاصر والأصول والعقائد وغيرها, وبعد وفاة أستاذه الشيخ التبريزي (قدس سره) انتقل الشيخ الجواهري إلى مدينة النجف الأشرف لمواصلة التدريس في حوزتها العامرة, وهو اليوم أحد أساتذة البحث الخارج في حوزة النجف الأشرف, ويحضر بحثه ثلة من الأفاضل من طلبة العلوم الدينية.
حاورنا سماحته قبل قليل في مكتبه في النجف الأشرف حيث استقبلنا برحابة صدر وتحدث حول موضوعات شتى أهمها علاقة حوزة النجف قم والتي نقدمها اليكم في ما يلي:
مشواره العلمي / الدراسة في النجف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.
كانت دراستنا في النجف من قبل البلوغ، حيث كنا ندرس المسائل الشرعية عند بعض الواعظين. و في المساجد ندرس رسالة السيد الحكيم “مختصر منهاج الصالحين” و كنا في البيت، وفي الصحن الشريف و في تعازي الأئمة و في مواليدهم و حتى في تشييع الجنائز كانت هناك مباحثات عليمة تطرح في هذه الجلسات. و كان الجو الموجود في ذلك الزمان جو ديني صرف، فما من مجلس نجلس فيه الا و فيه من الأحكام الشرعية و المسائل الإستدلالية ما نستمع إليه و ننتفع به.
كل المحافل و كل المجالس وكل الإلتقائات كانت تطرح فيها مسائل علمية نستفيد من سماعها. و كانت هناك إستدلالات من العلماء بحضورنا و نحن نستفيد من إستدلالاتهم. ثم بعد ذلك دخلنا كلية الفقه بعد أن أنهينا الدراسة الأكاديمية. دخلنا كلية الفقه و أيضا كان الجو جواً دينياً نستفيد منه مع وجود أساتذة يأتون إلينا من بغداد متخصصين في الأدب العربي وفي الإنكليزي و في علم البلاغة و علم النفس، حتى أنهينا كلية الفقه.
و كنا ندرس الدراسة الدينية في الحوزة العلمية مقارنةً بالدراسة في كلية الفقه وكنّا ندّرس بعض طلبة كلية الفقه لأننا كنّا متفوقين عليهم في الدراسة، فيحضرون في مسجد صاحب الجواهر و كنا نلقي عليهم المحاضرات الدينية التي تنفعهم و يريدون الإمتحان بها، حتى أن أزلام نظام البعث يضايقونا لتلك الجلسات العلمية التي تنفع طلبة كلية الفقه. وحصلت الاعتقالات من قبل السلطة بهذه الفئة المؤمنة التي تريدون فقط أن تنجح في إمتحاناتها. و لكن يأتون إلى المسجد و يتلقّون منا الدروس الدينية.
و بعض الانتهاء من كلية الفقه مع أن الطريق كان لنا مهيئاً بدخول الدراسات العالية في بغداد و ذهبنا إلى هناك لأجل الدراسة في بغداد، و لكن شاء الإختيار أن تكون دراستنا في النجف عند السيد الخويي و عند والدنا المعظم الشهيد آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري و عند السيد الشهيد، و قد فضلنا هذه الدراسة على الدراسات العلياء في بغداد، لأن الدراسات العلياء في بغداد كانت سطحية و ضعيفة و ليست معمّقة، اما الدراسة في الحوزة العلمية فكانت دراسة معمّقة و دراسة مستمرة و فيها جهدٌ كبير حتى وصلنا إلى مرحلة متقدمة من البحث الخارج، ثم حكم علينا النظام بالتسفير و الاخراج من العراق بحجة أننا خطرون على أمن الدولة البعثية.
فضّل الدراسة على تسنّم الوكالة
فذهبنا إلى ايران و اشتغلنا في الدراسة و التّدريس في حوزة قم و قد كان الطريق مهيأ لنا من قبل السيد الخويي لأن نتسلّم وكالة مطلقة في كل مكان: لندن أو لبنان في بعلبك أو في أي مكان آخر، و لكن فضلنا إستمرارنا بالدّراسة لأن الدراسة عندنا لم تكمُل و لن ننضج و لن نصل إلى مرحلة بحيث نكتفي بأنفسنا عن تقليد غيرنا، و ذهبنا إلى حوزة قم و تركنا العروضات التي كانت معروضة علينا من قبيل تسنّم الوكالة المطلقة في أماكن الشيعه الإمامية في العالم، ذهبنا و استمررنا على دراستنا حتى انتهينا تقريباً منها، وأخذنا في التدريس في حوزة قم في مدرسة “جبل عامل” في كوچه(زقاق) “ارک” حتى صمّمنا على الانتقال إلى النجف الأشرف قبل تسع سنين فأعلنا في درسنا بأن هذا آخر درس لنا في حوزة قم و الطلبة عليهم أن يبحثوا عن دروسٍ أخرى غير درسنا و صممنا الانتقال إلى النجف .
فجئنا إلى النجف وبدأنا في البحث الخارج في الفقه المعاصر و في القواعد الأصولية و لازلنا نُدرّس هذين الدرسين و بعد أن أكملنا القواعد الفقهية المعاصرة بعنوان الفقه المعاصر إنتقلنا إلى بحث الصوم و من بعد الصوم إلى بحث الزكاة و بعد الزكاة إلى بحث الخمس و الآن انتهينا من دورتنا الأصولية و هي القواعد الأصولية و شرعنا في الإجتهاد و التقليد. فدّرسنا من الدورات الأصولية ثلاث دورات إلى الآن و الحمدلله رب العالمين.
ميزات حوزتي قم والنجف
الاجتهاد: بما أنکم حضرتم إلی النجف الأشرف قبل مجيء صدام الحکم و في زمن صدام و كذلك حضرتم إلی قم المقدسة و رجعتم من قم بعد سقوط صدام لو تريدون أن تذكر لنا ميزات هاتين الحوزتين فی هذا الزمان الذي مرّ علينا.
الشيخ حسن الجواهري : نعم. في حوزة قم الكريمة، رأينا دراسةً بالفقه وبالاصول معمّقة، بواسطة الأساتذة الذين إنتقلوا من النجف الأشرف كالشيخ المیرزا التبريزي و الوحيد الخراساني والسيد كاظم الحائري الذي کان يلقي علينا دروس السيد الشهيد الصدر، ورأينا دراسة معمقة في قم بواسطة هؤلاء الذين كانوا من طلبة النجف و انتقلوا إلى حوزة قم و أثروا حوزة قم بالطلبة الجيّدين الذين شارفوا الإجتهاد.
الميزة الأولى: حوزة قم موسعة وتحتوي على العلوم الكثيرة ولم تقتصر على الفقه والأصول أما حوزة النجف تخصصية في علم الفقه والأصول والتفسير.
رأينا في حوزة قم أيضاً دروس إضافية موجودة مثل الفلسفة ومثل الإنكليزي مثلاً، و مثل العلم الأديان و علم الفرق، و هذه الأمور التي هي أشبه بالتاريخ و غیر التاریخ وكانت حوزة قم حوزة شاملة، موسعّة، تذكر العلم الفقه و الأصول و تذكر علم التفسير وفیها من العلوم الأخلاقیة الدروس الكثيرة وفيها من العلوم العقائد ودروس العقائد، وفيها من الدروس الجانبية التي تنفع الطالب في ثقافته العالمية كعلم الفرق والأديان و التاريخ و حتى الإنكليزي،
فهي حوزة موسعة من ناحية احتوائها على العلوم الكثيرة و لم تقتصر على الفقه و الأصول. أما حوزة النجف فهي حوزة تخصصية في علم الفقه و الأصول و التفسير. نعم هناك علوم جانبية كثيرة في النجف الأشرف الاّ أنها لم تكن بصورة واسعة و منتشرة على طلبة الحوزة الذين هم يمثّلون قاعدة الحوزة النجفية.
الميزة الثانية: حوزة النجف لها مدرسة خاصة بخلاف حوزة قم
فالنجف تتميز بوجود علماء مطلقين يمثّلون الشرع الحنيف بآراءهم الفقهية التي قد تُخالف المذاهب الأخرى و تخالف حتى رموز المذهب الإمامي المتقدّمين على هؤلاء. فهم لهم مدرسة خاصة، النائيني له مدرسة خاصة، السيد الخويي له مدرسة خاصة مع أنه تتلمذ على الميرزا النائيني.
فالسيد الخويي له مدرسة، السيد الشهيد الصدر له مدرسة و آراءهم خاصة في الأصول. هذه الميزة التي هي موجودة في علماء النجف لم نجدها في حوزة قم، فإن حوزة قم في ذلك الزمان الذي كنّا فيه لم يكن هناك مجتهد مطلق له مدرسة خاصة و مباني خاصة. قد يكون في حوزة قم علماء يمثلون مثل السيد البروجردي مثلاً” رحمة الله عليه”، ولكن لم يكن له آراء خاصة ومدرسة خاصة تخالف السيد البروجردي أو تخالف رأي المشهور.
أما في حوزة قم وهناك من العلماء الذين لهم مدرسة خاصة و آراء خاصة و ابتكارات في الآراء يسندونها بالأدلة و يمثلون مدرسة خاصة و إن كانت هذه المدرسة هي الأصولية و ليست أخبارية، ولكن هذه المدرسة الأصولية تتميّز عن المدرسة الأصولية الثانية التي يتبنّاها عالم آخر.
فكأنما حوزة النجف هي حوزة التخصص وحوزة التي لا يأتيها الا من هو متخصص بحيث يريد أن يوجد له آراء خاصة و مدرسة خاصة، تتميز عن عالم آخر. و هذا من خصوصيات النجف وإن كانت حوزة قم فيها رجال مجتهدون تقاة ثقاة، عمّقوا الدراسة الأصولية والفقية في حوزة قم وأصبحت حوزة قم حوزة تفتخر بها، ولكن تبقى أن هؤلاء المجتهدون الذين في حوزة قم، ليست لهم مدرسة خاصة بحيث يكون من يتّبعها يحسب على هذه المدرسة، و من لم يتّبع هذه المدرسة يتبع مدرسة ثانية.
فالميرزا التبريزي رحمة الله عليه و الوحيد الخراساني حفظه الله، هؤلاء من تلامذة السيد الخويي، مدرستهم هي مدرسة السيد الخويي وليست مدرسة أخرى متميزة عن مدرسة السيد الخويي. ولكن السيد الخويي حينما كان في النجف وكان تلميذاً للميرزا النائيني أوجد مدرسةً تختلف مميّزاتها عن مدرسة الميرزا النائيني.
هذا من اختصاص النجف لوجود الدراسة المعمّقة وعدم التقليد حتى في المسائل الأصولية. لا يجوز التقليد في المسائل الأصولية، فإن التقليد في المسائل الأصولية، يعني أن هذا الإنسان ليس مجتهداً فلابد أن تكون له آراء أصولية قد توافق أستاذه و قد تخالف آراء أستاذه. فإذا كانت له مدرسة أصولية أصبح مجتهداً مطلقاً، وله مدرسة. أما الذي يتبَع أستاذه في الآراء الأصولية و يستنبط على وفقها، فهو مجتهد و لكن ليس له مدرسة خاصة تميّزه عن مدرسة أستاذه، فهو تابع لأستاذه في تلك المدرسة، و إن كان مجتهدا.
فالنجف هي عبارة عن مكان يجعل المجتهد ذو مدرسة خاصة، بحيث تتميز مدرسته عن مجتهد آخر و إن كان كلى المجتهدين من المدرسة الأصولية. و لكن فرق بين مدرسة السيد الخويي قدس الله نفسه و مدرسة أستاذه الميرزا النائيني.
زيّ الطالب النجفي
الاجتهاد: هل هناك ميزة أخرى تريدون أن تشيرون إليها؟
الشيخ حسن الجواهري : نعم. حوزة النجف، حوزة متمسكة بالطريقة القديمة في نوع اللباس الذي يلبسه طالب العلم. في نوع المشي الذي يسلكه طالب العلم. مثلا لا يجوز لطالب العلم المدرسة أن يلبس مثلاً البنطلون تحت الصاية، أو تحت الجُبّة. لا يجوز له أن يضع الساعة في يده مثلاً، لا يجوز له أن يجعل شعره يسمون (طواليت) تحت العمامة.
هذه كلها ممنوعة في حوزة النجف منعاً أخلاقياً لا منعاً شرعياً، و حتى اللباس الذي يلبس الانسان تحت الصاية ما يكون من قبيل البلوز الذي له رقبة، هذه لا تعتبر ميزة لطالب العلم النجفي. طالب العلم النجفي يتميز بطريقة معيّنة في اللباس و طريقة معينة في السلوك و طريقة معيّنة في الهدف الذي يريده من طريقته في المشي وهي هداية الآخرين. يريد أن يكون أنموذجاً لأن يتّبعه الناس، بحيث يكون طالب العلم يذكّرهم بالنبي ويذكّرهم بالإمام. لايجوز له أن يرفع صوته في الطرقات وفي الأسواق أو أن يمشي مشياً سريعاً بحيث يكون ملفتاً للأنظار.
لابد أن يسير سيراً هادئاً مطمئناً، يسلّم على الآخرين يحترم الآخرين و يعفو عن الآخرين إذا سمع منهم ما هو شيء غير مرضي، فإنه يتمسك بالقاعدة التي تقول: اعف و اصفح أو إذا سمع كلام نابياً لا يقف منه موقف المعارض و يكون تشاجر مع الآخرين وإنما يتمسك بالقاعدة التي تقول: و إذا مرّوا باللغو مرّوا سلاما، و إذا خاطبهم الجاهلون قالو سلاما.
فطالب العلم النجفي يتمّيز بلبسه وبسيرته و بهدوئه، فكأنه يمثّل الإمام في طريقته، يريد أن يكون رمزاً يُتّبع. بينما في حوزات أخرى رأيناها بأعيننا أن طالب العلم يركب البايسكل والموتور و زوجته وراءه. و هذا من المنكرات في حوزة النجف من الناحية الاخلاقية. لا يجوزه أن يركب الدراجة البخارية أو غير البخارية ولا يجوز له أن يردف وراءه إمرأته أو يحمل مثلا شيئاً من الأمتعة شيئاً من هنا إلى هنا.
هذا رأيناه في حوزات أخرى ولم يكن مألوفا في حوزة النجف. حتى سياقة السيارة لم تكن مألوفة وأصبحت الآن شبه مألوفة. فالمعمم ينظر إليه كقدوة و كرمز يقتدى به. فأي شيء يخالف الأخلاق ويخالف الفضائل يكون المعمم مورد إنتقاد شديد بأنه نصب نفسه رمزاً للآخرين يريد هداية الآخرين فلابد أن يكون سيره سيراً علوياً نبوياً.
حوزة النجف في زمن صدام الطاغية / حزب البعث كان يريد من الحوزة أن تتبعه
الاجتهاد: بما أنكم عشتم في ذلك الزمانٌ، هل بإمكانكم أن تحكوا لنا عن ازمة التي اصيبت الحوزة العلمية في النجف بصدام وبحزب البعث، وما فعل و بذل علماءنا من جهود لأن يحفظوا على الحوزة . طبعاً هناك جهود واسعة، لكن لم نسمع منها كثيراً، هذه السنين التي قضاها علماءنا مع هذا الحزب الغاشم كيف كان، ماذا فعلوا، تحكو لنا بشيء من التفصيل.
الشيخ حسن الجواهري : كان الحزب البعث يريد أن يقضي على الحوزة و على علماءها لأنه يرى الشارع العراقي تابعاً للعلماء. الحوزة تمكنت أن تجد رابطة بين الناس وبين المراجع عن طريق التقليد و الإجتهاد. فارتبط الناس بمراجع الدين عن طريق التقليد و الإجتهاد، فالشارع يسمع كلامهم. إذا قال المرجع أن غداً عيد، فيتبعه الناس ولا يتبعون الإذاعة التي تقول العيد مثلا اليوم الفلاني.
وهم يرون هناك فجوة بين الناس وبينهم، و أما المرجعية ربطت بين الناس وبين العلماء عن طريق التقليد. فالحزب كان يريد من الناس أن يكونوا تبعاً له وما يقوله هو القول الفصل ويريد من الحوزة أيضاً أن تتّبعه، بينما طريقة الحوزة كانت تخالف طريقة الحكومة في إثبات أول الشهر وفي إثباته يوم عيد الأضحى وفي إثبات العرفة والزيارات.
هذه الحوزة كانت لها طريقتها والناس يتبعون الحوزة، فرأى حزب البعث أنه مادامت الحوزة موجودة لا يتمكن أن يتبع آراءه و أن يسير المجتمع حسب ما يريد فالحوزة هي حجر عثرة أمام حزب البعث، فأراد القضاء عليها والقضاء على العلماء أو أن يجير العلماء لصالحه عن طريق الترهيب وعن طريق الترغيب ولكن لم يتمكن حزب البعث أن يجيّر عالماً واحداً حقيقياً لصالحه بالترغيب و الترهيب. وكان العلماء يستشهدون ويذهبون إلى السجون ويسفّرون من دون أن يؤيدوا حزب البعث ولو بكلمة واحدة.
و دليل على أن السيد الخويي بعظمته كان مرجعاً في ذلك الزمان ولم يتمكن حزب البعث أن يأخذ منه فتوى واحدة لصالح حزب البعث ضد الثورة الإسلامية في ايران. لم يتمكن أن يأخذ فتوى واحدة تؤيد النظام البعثي ضد الجمهورية الإسلامية. و قد أُهين السيد الخويي إهانات متعددة نتيجة أنه لم يُخضع لما تريده السلطة البعثية. وأيضا لم يتمكن أن يجير عالماً واحداً لما يريدونه فكان العلماء يستشهدون ويسفرون ويهانون ويضربون، لأنهم لم يتبعوا السلطة و إلى يومنا هذا.
إستقلالية حوزة النجف
الحوزة في النجف مستقلة ولها طريقتها التي قد تخالف الحكومة في تشخيص بعض الموضوعات والناس يرتبطون بهذه المرجعية سلوكا وعملا والدولة لا تتمكن أن تقف حجر عثرة بين الناس وبين المراجع. نعم هناك أحزاب تريد اضعاف هذه الرابطة بين المراجع وبين الناس، و لكن لم يتمكن من اضعافها لحد الآن.
فالحوزة في النجف في زمن صدام وقفت وجاهدت واعطت الشهداء واعطت المساجين وهُجّر كثير من العلماء ولكن لم يخضعوا لحزب البعث ولم يستفد حزب البعث من هذه الحوزة. و لذلك قرر القضاء عليها وأضعفها ولكن بحمدلله بقي رجالات الحوزة إلى يومنا هذا أقوياء صامدين نفعوا العراق ونفعوا الشعب العراقي، لأنهم يريدون العزة للإسلام والمسلمين والعراق شعبٌ مسلم.
الحوزة والمراجع وقفوا في وجه المخططات الأمريكية والداعشية
فوقفوا في نفع العراق في وجه أمريكا و في وجه مختطاطها التي أرادت أن تكون قيّمة على العراق، و لكن السيد السيستاني حفظه الله رفض هذه القيمومة و رفض أن يكسب القانون الأساسي بأيادي آمريكية للعراق، وقال العراقيون هم الذين يكتبون القانون الأساسي والدستور لهم و قال الحكم يكون إنتخابياً و لا يكون إنتسابياً من قبل السلطة التي جاءت وأسقطت صدام فأجبر أمريكا على قبول هذين القانونين وأصبح العراق عزيزاً كريماً بواسطة هذه الفتوى التي صدرت من السيد و الذي كان يقول لنا: اُستشهد أنا في سبيل هذين الأمرين أنّ العراق يكتب قانونه بأيدٍ عراقي و أن الحكم إنتخابي و ليس إنتصابي من قبل السلطة التي جاءت إلى العراق من الخارج وتحقق ما يريد السيد السيستاني ولازال السيد السيستاني مشرفاً على الأمور يتدخل في وقت الضرورة لصالح العراق و لصالح المسلمين و لصالح الإسلام .
و لذلك حينما تمكّن داعش من السيطرة على الموصل فوراً السيد السيستاني أفتى بجهاد أو حكم بالجهاد للوقوف أمام هذا المد الخطير الذي لو بقي بدون فتوى السيد لوصل إلى بغداد ولسقطت الحكومة بأيدي داعش ولو لفترة معينة، فيتمكنوا أن یعيثوا الخراب والفساد فی المراقد المقدسة و يعملوا بالمؤمنين ما عملوه ببعض المسلمين وغير المسلمين من أسرى النساء.
فالسيد السيستاني هو الذي حفظ العراق من السقوط أمام داعش، فلم تتمكن الدولة من القضاء على الحوزة والحوزة تمكنت أن تنفع الدولة العراقية و الشعب العراقي مع أن الدولة لم تكن مسلِّمَ أمرها لهذا المرجع العظيم، و إنما ترى رأيها و لكنّ السيد السيستاني مع ذلك هو يقف في المواقف الحرجة إلى جانب الإسلام و المسلمين و إلى جانب الشعب العراقي المسلم لإخراجه من الأزمات التي يقع فيها و لأجل أن لا يكون تبعاً للإستعمار و تبعاً لمن لا دين له.
فالحوزة في زمن صدام حافظت على قيمها ومباديها، و إن كان صدام أخذ في تشتيتها وتفريقها وإعدام علماءها وسجنهم وتشريدهم بالتسفير وغير التسفير لكنها بقيت محافظة على مبادئة الأساسية التي وجدت من أجلها ووُجد الأئمة من أجل هذه المبادئ و الأئمة أوجدوا علماء الإسلام لأجل هذه المواقف الحميدة التي يجب أن يقف الإنسان في جانبها و لو أدّى به إلى الاستشهاد .
فكثير من العلماء استشهدوا في سبيل إظهار كلمة الحق و عدم الخضوع للباطل. السيد الشهيد الصدر من هذا النموذج و والدنا الشهيد من هذا النموذج. فلم يخضع للحزب و لم يعطي كلمة بل أعطى كلمات ضد الحزب، و قال أن هذا حزب البعث حزب يهودي أنجس من اليهود فإن لهم خطط إجرامية بالقضاء على الدين الإسلامي في العراق و لذلك أخذ و سُجن و قُتل و رحمة الله عليهم.
هذه هي ميزة الحوزة النجف لا تخضع على الباطل و تنفع الحق و تنفع المسلمين و تنفع الإسلام كما في زماننا هذا. رأينا أن عزّ العراق هو بفتاوى المرجعية التي أخرجته من مرحلة الذل إلى مرحلة العزّ بوقوف المرجعية إلى جانبهم في الأزمات الشديدة.
القسم الثاني من الحوار سينشر قريبا.
الحوزة والتصدي للأفكار المنحرفة .. حوار مع آية الله الشيخ حسن الجواهري (2)