الاجتهاد: بحمد الله تعالى وتوفيقه فقد تشرفنا بدعوة سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله إلى مجلس أحد الإخوان من الطلبة القطيفيين وكان ذلك في ليلة استشهاد الإمام العسكري عليه السلام.
وقد حضر الشيخ مجلس التعزية، وبعد انتهاء المجلس بدأنا في طرح بعض الأسئلة على سماحته، بغية الاستفادة من محضره المبارك، والطابع العام للأسئلة-كما سيلاحظ القارئ-حول علم الرجال، باعتبار تخصص الشيخ حفظه الله في هذا العلم، فهو صاحب الكتاب المعروف بأصول علم الرجال، والواقع في مجلدين، والذي سطرته أنامل تلميذه النجيب المرحوم العلامة الشيخ محمد علي المعلم القطيفي رحمه الله. / تقرير: هادي الخنيزي علي البقال
وإليكم تقرير ما أفاده الشيخ حفظه الله:
(1)
ما الفرق بين قولهم ثقة، وقولهم ثقة ثقة، وقولهم من أصحاب الإجماع؟
الأخيران بنفس المنزلة على وفق مبنى سيدنا الخوئي –قده- وهو التأكيد على كونه ثقة.
وأما على مبنى من يفهم من كلام الشيخ الطوسي – قده- حول أصحاب الاجماع أنه تصحيح للرواية أيضا فيكون التعبير بقولهم فلان من أصحاب الإجماع أعلى مرتبة من التعبيرين الأولين. ونفس التعبير بـ” تصحيح ما يصح عنهم” قرينة على تصحيح مرويات أصحاب الاجماع، فيكفي صحة السند إليهم للحكم بصحة الرواية من دون النظر إلى من بعدهم.
(2)
ماذا تستفيدون من التعبير عن بعض الرواة بـ” مسكون إليه”؟
يستفيد بعضهم من ذلك صحة رواياته، ولكن لا يستفاد منه أكثر من كونه محلا للسكون وليس فيه اضطراب.
(3)
ماذا تستفيدون من التعبير عن بعض الرواة بأنه فاضل هل يستفاد منه الوثاقة؟
لا يدل هذا على التوثيق، بل يدل على أن له فضلا في العلم، والعلم لا يستلزم الوثاقة.
(4)
ما الغاية من ذكر الرجالي وصف الفضل إذا لم يترتب عليه أثر منجهة قبول رواياته؟
هذا موجب لتقوية رواياته، فبعض الأوصاف تدل على حجية الرواية كألفاظ التوثيق، وبعض الألفاظ تدل على قوة المتن لا السند كالعالم والقارئ، فإن أهل الفضل لا يذكرون الروايات المغلوطة مثلا.
(5)
ما الفرق بين التنقيح ومصباح الفقاهة من حيث الدقة في التعبير عن رأي السيد الخوئي.
لم أقايس بينهما، لكن كليهما جيد، وقد عهد إلي السيد الخوئي –قده- بتقييم أسانيد الروايات في التنقيح قبل طباعته، فصنعت ذلك في جملة من الروايات، ثم تركت ذلك.
(6)
ما رأيكم بالاعتماد على علم الرجال في تقييم الأخبار التاريخية؟ وكيف كان تعامل السيد الخوئي مع ما ينقله الخطباء على المنبر؟
إن التوثيقات الرجالية مما يستفاد منه في التاريخ والتفسير أيضا، فإن الثقة الذي يروي شيئا يستفاد منه ويعتمد على رواياته. ولكن ضعف الرواية لا يدل على عدم الصدور، فيبقى احتمال الصدور قائما، ولذا يصح ذكر الروايات رجاء واحتمالا، كما أنه ربما تنضم قرائن تدل على ثبوت الرواية.
(7)
يعمل البعض على تضعيف وتصحيح الروايات على مبنى السيد الخوئي ونسبة ذلك له فما رأيكم بذلك؟
إذا التزم بالمنهج وآرائه وطابقه فالعمل صحيح، وإلا فلا. وقد ذكرنا أنه في تصحيح الروايات وتضعيفها لا يكتفى برأي السيد الخوئي، فثمة طرق أخرى لتصحيح الرواية ذكرناها في أصول علم الرجال، ويمكن من خلالها توثيق كثير من الروايات، وذكرنا خمسة أو ستة طرق للتصحيح، وهذا يوسع دائرة اعتبار الروايات.
(8)
هل من الممكن توثيق الراوي من خلال مروياته بحساب الاحتمال؟ ففي الواقع الخارجي يكون التوثيق من خلال المعاشرة والمعاينة وتتبع القضايا التي ترد على نفس الشخص، ففي السابق أيضا كذلك التوثيق لا يكون بمجرد شهادة شاهد بالوثاقة فمن خلال تتبع المرويات عن الراوي الواحد -خصوصا مع كثرتها- ومطابقتها للروايات الصحيحة فترتفع درجة الاحتمال بالوثاقة وصحة الرواية ويصحح من خلال ذلك رواياته التي تفرد بها ولم يوجد لها موافق؟
ذهب البعض إلى ذلك، واعتبر أن هذا قرينة على اعتبار الشخص، ولكن العبرة بحصول الاطمئنان من خلال ذلك، فإن حصل الاطمئنان من خلال الفحص فبها وإلا فلا، فإن مجرد مطابقة جملة من رواياته لما صح ليس دليلا في نفسه على صحة ما لم يطابق.ولا فرق بين الآن وما سبق في طرق إثبات الوثاقة.
(9)
هل يعد ورود الراوي في روايات المزار لابن المشهدي من التوثيقات العامة؟
نعم وثق ابن المشهدي رواته، ولكن السيد الخوئي ذكر أنه متأخر، ولا يعلم أن توثيقاته عن حس فيشكل فيه، وقد تأملت في اشكاله–قده-في كتاب أصول في علم الرجال.
(10)
البعض يشكل على وثاقة سعيد بن جبير وذلك من جهة عدم وجود توثيق خاص له أو ما شابه ذاك، فما تعليقكم؟
هو من الأجلاء، ولا يضر عدم وجود توثيق خاص به-على فرض التسليم بذلك-، فإن بعض الرواة جلالتهم معروفة ومعلومة، ففي مثلهم لا نحتاج لتوثيق خاص في حقهم، وقد نص غير واحد من الأعلام على ذلك ومنهم السيد الخوئي-قده-في معجمه.
(11)
البعض يقول إن المنهج المعتمد عند الأصحاب سابقا هو الاعتماد على المصنفات لا على رواتها، وبالتالي ينبغي أن نصرف عنان البحث من البحث عن أحوال الرواة إلى البحث عن الأصول والمصنفات التي نقل عنها الرواة، فلو فرضنا وجود راو ٍ ضعيف إلا أنه ينقل عن أصل مشهور، فحينئذ يُقبل بخبره من هذه الجهة، فما تعليقكم؟
هذه مجرد دعوى لا دليل عليها، وقد نص الشيخ الطوسي عليه الرحمة في العدة على أن من كان له أصل وكان ثقة فإنه يُعتمد عليه، وغيره يصرح بذلك أيضا.
(12)
تحضر في بالكم خاطرة عن تلميذكم المرحوم الشيخ محمد علي المعلم؟
كان “رحمه الله” مجدا بشكل عجيب، لاسيما في جانب كتابة دروسه، وأتذكر لما كنا نذهب للزيارة إلى مشهد، كان يكتب أثناء الطريق، فالهمة والجد الذي كان عنده كان بهذا المستوى، ولو كان موجودا إلى يومنا هذا لخرجت من جهتنا مصنفات عديدة بقلمه، ولكن الله تعالى يقدر ما يشاء.
الإمام الخوئي ومبانيه الأصولية والرجالية.. جلسة علمية بحضور سماحة الشيخ الداوري
(13)
ذكرتم في مطاوي كلامكم مشكلة الغلو التي عند بعض الرواة، والسؤال:
هل تغير مفهوم الغلو في زماننا عن معناه السابق أم لا؟
نعم تغير شيئا ما، وإذا راجعتم رجال الكشي، ستجدون أن الشيخ الكشي في بعض المواطن يقول هذا غلو، ولكن لو دققنا فيما اعتبره في بعض الموارد غلوا سنجده على خلاف ذلك ولا يعد غلوا، بل هو من خصوصيات المعصوم وكرامته، ولعل اعتبار بعض الأصحاب لمثل هذه الخصوصيات غلوا هو تأثرهم ببعض العامة ممن كانوا قريبين منه.
(14)
هل يمكن لكم أن تبينوا لنا منهجية يبدأ بها الطالب المبتدئ في دراسة علم الرجال ثم يتصاعد شيئا فشيئا في هذا العلم؟
قد ذكرت في الندوة التي عُقدت في مدرسة دار العلم تفصيل ذلك، ولكن إجمالا أقول: يبدأ الطالب أولا بقراءة مقدمة في علم الرجال التي قدم بها السيد الخوئي في معجمه، ويقرأ أيضا كليات في علم الرجال للشيخ السبحاني، ثم يشرع في قراءة كتابنا أصول في علم الرجال، ثم بعد ذلك يحاول أن يتبحر أكثر في هذا العلم إلى أن يكون له رأي مستقل.
(15)
لماذا اقتصر السيد الخوئي على رواة روايات الكتب الأربعة فقط؟
نعم هذا وارد على معجمه-قده-، وقد سألوا السيد الخوئي عن هذا فأجاب بما حاصله: (حتى يأتي غيري ويبحث في أسانيد غير هذه الكتب، فيكون ذلك بابا لمشروع رجالي آخر غير ما كتبته).
ولا بد من ملاحظة أمر وهو أن هذه المهمة وهي البحث في أسانيد الكتب الأربعة في ذلك الوقت ليس بالأمر اليسير كما قد يكون في زماننا، فتصل لحال الراوي بضغطة زر على جهاز الكمبيوتر، بل كان أمرا صعبا جدا. نعم ذُكر في المعجم بعض الأسانيد من غير الكتب الأربعة من باب المناسبة والشاهد.
(16)
ما تقولون في مرويات كتاب كامل الزيارات؟
السيد الخوئي “قده” كان يقول باعتبار جميع رواته، ثم عدل عن ذلك في أواخر حياته، وقد نسب بعضهم السبب في هذا العدول إلى نفسه، والحال أن السبب في العدول هو ما كلفني السيد الخوئي القيام به، حيث طلب مني أن أفحص في أسانيد كامل الزيارات وأرى هل ينطبق عليهما هذان الشرطان أم لا،
أولهما: أن يكون طريق الرواية متصلا ومسندا للإمام المعصوم عليه السلام، فإذا كان السند منتهيا إلى غير المعصوم فلا يكون مشمولا لتوثيق ابن قولويه،
وثانيهما: أن يكون كلهم من الإمامية.
فامتثلت لطلبه وأخذت نسخة كامل الزيارات من نفس مكتبته، حيث لم يكن الكتاب عندي، وفي ضمن فحصنا وجدنا جملة من الروايات مقطوعة السند، وكثير من رجال الأسانيد مشهورون بالضعف بل مجمع على ضعفهم، وبعضهم معروف بالكذب، ولما انتهيت من كتابة ذلك عرضت ما كتبت على السيد “قده” وبقى عنده مدة، إلى أن عدل عن رأيه وكان قد طلب منه الشيخ مرتضى البروجردي رحمه الله أن يوثق عدوله، فكتب السيد–قده-:(إنه وإن كانت عبارة ابن قولويه عليه الرحمة ظاهرة في توثيق رجال أسانيده إلا أنه لا بد من رفع اليد عن هذا الظهور والقول بأن المشايخ المباشرين الذين ينقل عنهم ابن قولويه هم الثقات)، وهذا ما ذهبنا إليه أيضا.
ولا يقال أنه مع جلالة شأن ابن قولويه كيف نقبل أنه يروي عمن عرف كذبه، فإنه يقال: أنه لم يرو عمن اشتهر كذبه، بل هو التزم بالرواية المباشرة عن مشايخه الثقات، وأما مشايخه فالتزامهم بالرواية عمن عرف بكذبه لعله من جهة اعتمادهم على قرائن أوجبت لهم الوثوق به، أو صححوا الرواية حتى مع ضعفها السندي لوجود قرائن أوجبت لهم الوثوق بها، أو وجود روايات أخرى تؤيد مضمونها، وهذا في مثل الروايات التي لا يراد استنباط حكم شرعي منها لا بأس ولا ضير فيه، كروايات الكرامات والمعاجز، فليس من الصحيح طرحها لضعفها السندي، والله العالم.
(17)
إذا كان بالإمكان أن تتفضلوا علينا بنصيحة.
لست أهلا لمثل هذا وأنتم كلكم أهل لأن تنصحوا مثلي، ولكن ينبغي أن يكون الطالب كله لله، عمله، درسه، وتدريسه، وجميع شؤونه لله وحده، ما عندكم ينفد وما عند الله باق، وفقكم الله جميعا لما يحب ويرضى.
والحمد لله رب العالمين.
الأستاذ الشيخ مسلم الداوري الأصفهاني “دامت توفيقاته” .. سيرة ذاتية