قاعدة نفي السبيل

فقهائنا وتوظيف قاعدة نفي السبيل لمجابهة الاستعمار وقوى الاحتلال

الاجتهاد: قاعدة نفي السبيل التي يدور عنها بحثنا فهي أشمل و أوسع نطاقاً فتُعتبَر قاعدةً عامّةً تسوتعبُ جميعَ أبوابِ الفقه، و قوله تعالى : (ولن يجعل الله للكافرين…) هي العمدة و الركيزة الأساسية في الاستدلال على قاعدة نفي السبيل من القرآن الكريم. / بقلم: فاطمة نذير علي

 قاعدة نفي السبيل في الجانب الفقهي و القرآني:-

تعريف القاعدة:

لغةً: تستعمل القاعدة، في اللغة، تارةً بمعنى الأمر الكلِّيّ المنطبق على جميع جزئيّاته، القاعدة: حكمٌ كلّيّ ينطبق على جزئيّاته،

والقاعدة في مصطلح أهل العلم: الضابطة، وهي الأمر الكلِّيّ المنطبق على جميع الجزئيّات، كما يقال: “كلّ إنسان حيوان، وكلّ ناطق إنسان” ونحوذلك.

فعندما تُضاف كلمة القاعدة إلى الفقه يُراد بها الحكم الشرعيّ الكلّيّ المستنبط من أدلّته، المنطبق على موارده الجزئيّة، فقاعدة: “من ملك شيئاً ملك الإقرار به” مثلاً هي حكم شرعيّ كلّيّ بعد أن يستنبطه الفقيه من مداركه يطبّقه على مصاديق متعدّدة، كنفوذ إقراره في بيعه، وشرائه، وهبته، وصلحه، وعاريته، وإجارته، وطلاقه، وعتقه.

قاعدة نفي السبيل: تعني في المفهوم الفقهيّ نفي سلطة الكافر على المسلم فلا مانع من العلاقة بين المسلم و الكافر لكن يجب أن لا تكون العلاقة بشكل يوجبُ هيمنة و تسلط و استعلاء الكافر على المسلم

و تُعدُّ إحدى القواعد الفقهية التي لا تختصّ ببابٍ معيّنٍ من أبواب الفقه دون الأخرى فلا تقتصر على باب الجهاد و إن كان هذا من أهمّ أبوابها، فكما هو معلومٌ هناك قواعد تعمُّ جميع أبواب الفقه المختلفة من عبادات و معاملات مثل قاعدة (لا ضرر) وقاعدة (نفي العسر و الحرج)،بينما هناك قواعدٌ تخصّ باباً فقهيّاً واحداً مثل قاعدة (لا تعاد) وقاعدة (التجاوز) الخاصّة بباب الصلاة.

لعلّ أول من عبّر عن مضمون قاعدة نفي السبيل في فقهنا هو المحقق صاحب الجواهر حيث عبّر عنها بقوله : (الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه) مستوحياً تعبيره من الحديث النبويّ الشريف، و في كلامٍ له أيضاً (رحمهُ الله) : لو زوج المرتد فطرياً أو مليّاً فضلاً عن الكافر الأصلي (بنته المسلمة لم يصح) بلا خلاف أجده فيه للأصل و (لقصور ولايته عن التلسط على المسلم) الذي لم يجعل الله له سبيلاً عليه.(١).

لكن ما ينبغي الإشارة إليه في هذا المقام هو اشتراط كون السبيل المنفي موجباً للذلة و المهانة للمسلم، فجواب السؤال القائل: هل تكون إجارة المسلم نفسه للكافر محرمةً مطلقاً أم تختصّ في فرض تحقّق الذلة؟

التحقيق: إن الملاك في المقام السبيل المنفي هو تسلط الكافر من جانب و ذلة المسلم من جانب آخر فلو تحقق هذا الملاك فلا شكّ في فساد المعاملة و إلا فلا دليل على البطلان كما قال السيد الحكيم (رحمه الله): فالتحقيق أن السبيل المنفي ما كان موجباً لمذلة المسلم و مهانة عليه لا مطلقاً فإذا لم تكن الإجارة موجبة لذلك صحّت بلا مانع من دون فرق بين كونه في الذمة أو في الخارج كما لو استأجره لخياطة ثوبه، والأمر كما أفاده.(٢).

الدليل القرآنيّ:

لم يردْ نصّ قاعدة نفي السبيل في آية قرآنية صريحة ولا رواية لكن فقهاءَنا استفادوها من خلال الآية الكريمة المسمّاة بآية نفي السبيل (ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا) سورة النساء/آية ١٤١.

و تعدُّ هذه الآية الكريمة هي الأساس الذي استند عليه الفقهاء في الاستدلال على حجية و اعتبار قاعدة نفي السبيل، إذ تدل على عدم جعل السبيل الضرري للكافر على المؤمن، والجعل المنفيُّ هاهنا هو جعل تشريعيٌّ لا تكوينيٌّ أي إن الآيةَ في مقام التشريع لا التكوين ذلك أن غلبة الكافرين المادية على المسلمين قد تحققت في بعض الأحيان كما في قوله تعالى: (إِنَّ فرعونَ لعالٍ في الأرضِ و جعلَ أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم و يستحي نساءهم إنه كان من المفسدين) سورة القصص/آية٤.

و قوله تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس و ليعلم الله الذين آمنوا و يتخذ منكم شهداء و الله لا يحب الظالمين).سورة آل عمران/آية١٤٠. وقوله تعالى: (و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون).سورة آل عمران/آية١٢٣.

فظاهر الآية (ولن يجعل الله …) هو نفي السبيل بمعنى نفي الحكم الذي كان موجباً لتسلط الكافر على المسلم، فلا يكون مثل هذا الحكم مجعولاً شرعاً، كما قال السيد الحكيم (رحمه الله): فإن السبيل إلى الشيء غير السبيل عليه، و الأول: ظاهر في الوصول إلى ذاته و الاستيلاء عليه (الشيء) و الثاني: ظاهر في القدرة على التصرف به، فحمل الآية (على المسلمين) على الثاني متعين فتدل على نفي السلطنة على التصرف بالمسلم.(٣).

و أحد وجوه الاستدلال على قاعدة نفي السبيل هو مناسبة الحكم والموضوع، بمعنى أن شرف الإسلام وعزته مقتضٍ بل علة تامة لأن لا يجعل في أحكامه وشرائعه ما يوجب ذل المسلم وهوانه، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)، فكيف يمكن أن يجعل الله حكماً ويشرعه يكون سبباً لعلو الكفار على المسلمين، ويلزم المسلم على الامتثال بذلك الحكم؟ فيكون الكفار هم الأعزة، ويكون المسلمون هم الأذلة الصاغرون، مع أنه تبارك وتعالى حصر العزة لنفسه، ولرسوله، وللمؤمنين في الآية الشريفة التي تقدم ذكرها.

والإنصاف أن الفقيه يقطع بعد التأمل فيما ذكرناه بعدم إمكان جعل مثل ذلك الحكم الذي يكون سبباً لهوان المسلم وذله بالنسبة إلى الكافر الذي لا احترام له، وهو كالأنعام بل أضل سبيلاً.

وليس هذا الكلام من باب استخراج الحكم الشرعي بالظن والتخمين كي يكون مشمولاً للأدلة الناهية عن العمل بالظن والقول بغير علم والافتراء على الله، بل هو من قبيل تنقيح المناط القطعي بل يكون استظهاراً من الأدلة اللفظية القطعية كما تقدم شرحه.(٤).

وبعضٌ يعتبر هذا الوجه أحسن وجوه الاستدلال على هذه القاعدة لأنه مما تركن النفس إليه ويطمئن له الفقيه.

و كذلك في الاعتبار العقلي، فإن شرف الإسلام قاضٍ بأن لا يكون صاحبه مقهوراً تحت يد الكافر ما لم ينشأ السبب من نفسه، فإنه حينئذٍ أسقط احترام نفسه، و هذا و إن لم يكن في حد ذاته دليلاً، لكنه مؤيد قوي مستند إلى فحوى ما ورد في الشرع.(٤).

و من الجدير بالذكر أنّ بعضاً من علمائِنا الأعلام ذهبوا إلى رأي آخر، ففهموا من الآية الكريمة (ولن يجعل الله …) هو نفي السبيل في يوم القيامة أي نفي الحجّة للكافر على المسلم في ذلك اليوم، و سبب قولهم و تبنّيهم لهذا الرأي هو وجود قرينةٍ سابقةٍ قبل هذه الآية : ﴿فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، و يضيفون إلى ذلك حرف الاستقبال -لن- الدال على نفي المستقبل فاستدلوا به على نفي الجعل التكويني، لا الجعل التشريعي.

و استعانوا كذلك بما رواه الطبري في تفسيره عن ابن وكيع بإسناده عن أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، قال: قال رجلٌ:يا أمير المؤمنين، أرأيتَ قول الله: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، و هم يقاتلوننا فيظهرون و يقتلون؟ قال له عليٌّ: ادنه، ثم قال: (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ).

و هذا ما ذهب إليه كلٌّ من الشيخ الأنصاريّ، و السيّد الحكيم، و السيّد الخوئيّ.

و أجابَ السيّد البجنوردي في قواعده عن هذا الكلام قائلاً: [لكن أنت خبير أن تفسير الإمام عليه السلام ببعض مصاديق ما هو المتفاهم العرفي من اللفظ لا ينافي عموم المراد، ولا يقتضي الخروج عما هو ظاهر اللفظ، بل يكون الظهور باقياً على حجيته فيؤخذ بظاهر اللفظ الذي هو عبارة عن نفي غلبة الكافر على المؤمن، سواء أكان بالحجة يوم القيامة، أو في الدنيا بالنسبة إلى عالم التشريع.

نعم تفسيره عليه السلام بالحجة في يوم القيامة حيث أنه في مقام أنه ليس المراد من نفي السبيل نفي القهر والغلبة الخارجية التكوينية، فتكون تلك الغلبة خارجة عن عموم نفي السبيل، وخروج مثل هذه الغلبة عن العموم أمر واضح محسوس في الخارج، فقد قال الله تبارك وتعالى في قضية انكسار المسلمين في غزوة أحد: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس](٥).

و ذكر الشيخ اللنكراني أيضاً أنّ المورد لا يخصّص الوارد، فالمورد (يوم القيامة) و الوارد (نفي سبيل الكافرين على المؤمنين)، فورود نفي السبيل في مورد يوم القيامة لا ينفي ما عداه فهو لا يختصّ بيوم القيامة.

-هناكَ آيات أخرى من القرآن الكريم استُنِدَ عليها لإثبات قاعدة نفي السبيل مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران/١١٨.

فهنا نهي واضحٌ و صريحٌ من اللهِ -جلّ وعلا- للمسلمين جميعاً بأن لا يتخذوا الكافرين بطانةً، أي لا تأمنوهم و لا تطمئنّوا إليهم ذلك أنّ الكافر لا يدّخرُ جهداً لتقويض دولة الإسلام وإضعاف أركانها و توهينها وهذا ظاهرُ أفعالهم فقط فالقرآن الكريم يؤكد أنّ ما تخفي صدورهم و تضمره نفوسهم أعظم و أكبر و أشدُّ وطأةً فينبغي للمسلمين أن لايلقوا إليهم بالمودة ولو سرّاً إن كانوا يعقلون.

إلّا أنَّ هذه الآية الكريمة خصّصت الحديث عن بابٍ من أبوابِ الفقه ألا و هو باب الجهاد فمنعت المسلمين من كشف أسرارهم و إظهار ثغراتهم للكافرين خوفاً من نفاذ الكافرين واختراق مجتمع المسلمين من قبلِ المغرضين بما يهدد أمن المسلمين أو يستوجب إلحاق الضرر بدولتهم، فهي بذلك قاعدةٌ مقيّدة محددة لا مطلقة كما هو حال آية نفي ولاية الكافر مع المؤمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ) النساء/١٤٤.

و عدد آخر من الآيات التي تصبُّ في نفس المعنى.

أما قاعدة نفي السبيل التي يدور عنها بحثنا فهي أشمل و أوسع نطاقاً فتُعتبَر قاعدةً عامّةً تسوتعبُ جميعَ أبوابِ الفقه، و قوله تعالى : (ولن يجعل الله للكافرين…) هي العمدة و الركيزة الأساسية في الاستدلال على قاعدة نفي السبيل من القرآن الكريم.

الدليل من السُنّة النبوية الشريفة:

لقاعدة نفي السبيل اسمٌ آخر هو (قاعدة العلو) كما وردَ في الحديث النبويّ الشريف: (الإسلام يعلو و لا يُعلى عليه، و الكفّار بمنزلة الموتى لا يحجبون و لا يورثون).(٦).

و بصيغة مشابهة للحديث النبوي وردَ حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) رواه الصدوق في الفقيه و رواه الحر العاملي في الوسائل.

فنستدلّ بهذا الكلام على خلوّ شريعتنا الإسلامية من أي حكم يمنح الكافر سلطةً على المسلم سواء في الحرب أو الاقتصاد أو الثقافة أو العلاقات الاجتماعية، بغض النظر عن الجانب التكويني الذي قد يعلو فيه الكافر على المسلم.

و هناك رأيٌ مخالفٌ آخر يقول بأنّ هذا النبويَّ مرسل فلا اعتمادَ عليه، أو أنه يدلُّ على علوّ الإسلام بحد ذاته لا بلحاظ الكفر فليس ناظراً إلى مدلول القاعدة في بحثنا.

تطبيقات قاعدة نفي السبيل في العصور الماضية:

[قاعدة نفي السبيل للكافرين على المسلمين من القواعد الفقهية التي عمل بها الأصحاب، وطبقوها على موارد كثيرة في مختلف أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام، القاعدة المعروفة المشهورة، أي (نفي السبيل للكافرين على المسلمين وبهذه القاعدة تمسك شيخنا الأعظم (قدس سره) في عدم صحة بيع العبد المسلم على الكافر (٧).

وفيها جهات من البحث:

الجهة الأولى:- في مستندها وهو أمور الأول: قوله تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً).

والظاهر من معنى الآية الشريفة أن الله تبارك وتعالى لم يجعل ولن يجعل في عالم التشريع حكما يكون موجباً لكونه سبيلاً وسلطاناً للكافرين على المؤمنين.

وتشريع جواز بيع عبد المسلم من الكافر ونفوذه وصحته، موجب لسلطنة الكافر على المسلم، منفيٌّ بهذه الآية، وكذلك إجارته وإعارته له.

ويكون المراد من الجعل المنفي فيها هو الجعل التشريعي لا التكويني، فتكون قاعدة حاكمة على الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية.

مثلاً الأدلة الأولية مفادها ولاية كل أبٍ أو جد من طرف الأب على أولاده الصغار، أبناء كانوا أو بناتاً، ومفاد هذه الآية – بناء على المعنى المذكور – نفي الولاية إذا كان الأب أو الجد من طرف الأب كافراً، والابن أو البنت كانا مسلمين، وهكذا في سائر موارد تطبيق الآية، فتكون هذه قاعدة حاكمة بالحكومة الواقعية على الأدلة الأولية، مساقها في ذلك مساق حديث (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (١) وقوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج (٨))](٩).

أما الجهة الثانية:– في بيان مضمون هذه القاعدة ومفادها، وما هو المراد منها فأقول: المراد من هذه القاعدة – كما تقدم شرحه في الجهة الأولى في مقام الاستدلال عليها – هو أنه لم يجعل الله تبارك وتعالى في التشريع الإسلامي حكماً يكون من ناحية ذلك الحكم سبيلاً وعلواً للكافر على المسلم،

ففيما حكينا ونقلنا عن الفقيه من قوله (ص) (والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يورثون) دلالة صريحة على عدم الاعتناء بشأنهم، وتنزيلهم منزلة الأموات في عدم استحقاقهم الإرث من المورث المسلم، فعلى فرض ثبوت هذه القاعدة بتلك الأدلة المذكورة تكون حاكمة على العمومات الأولية واطلاقاتها.

فقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).(١٠).

 أو سائر آيات الإرث مثلاً عام يشمل الوارث الكافر والمسلم، وهذه القاعدة حاكمة على تلك العمومات، لما ذكرنا من قوله (ص) وجعلهم بمنزلة الموتى، فتكون نتيجة هذه الحكومة تخصيص الإرث بالوارث المسلم وحرمان الكافر، وعلى هذا فقِسْ في موارد سائر العمومات والإطلاقات.

الجهة الثالثة:– في ذكر جملة من موارد تطبيق هذه القاعدة فمنها: عدم جواز تملكه – أي الكافر للمسلم بأي نحو من أنحاء التملك الاختياري، سواء أكان بالشراء، أو كان بالصلح، أو بالهبة، أو بأي ناقل شرعي، وذلك من جهة أنه على تقدير ثبوت هذه القاعدة فما ذكر أي عدم جواز انتقال العبد المسلم إلى الكافر، يكون من أوضح مصاديق هذه القاعدة، لأنه أي سبيل وعلو يكون أعظم من كون المسلم عبداً مملوكاً للكافر لا يقدر على شئ وهو كَلٌّ على مولاه؟

ولذلك لو تملك بالملك القهري – كالإرث فيما إذا كان المورث أيضا كافراً، أو أسلم في ملك الكافر – يجبر على البيع ولا يقر يده عليه، بل يباع عليه، ولا يعتنى بمولاه، كما هو صريح ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في عبد كافر أسلم وهو في ملك مولاه الكافر:

في المرسل عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (ع): (إن أمير المؤمنين (ع) أتي بعبد ذمي قد أسلم، فقال (ع) (اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده) (١).

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قدس سره) في هذا المقام – من معارضة هذه القاعدة بعموم أدلة صحة البيع، ووجوب الوفاء بالعقود، وحل أكل المال بالتجارة عن تراضٍ، وعموم (الناس مسلطون على أموالهم).(١١).

 فيدفع بما ذكرنا في الجهة الثانية من حكومة هذه القاعدة على العمومات الأولية وإطلاقاتها، لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلهم بمنزلة الموتى في قوله (ص): (والكفار بمنزلة الموتى)، فالكفار خارجون عن تحت تلك العمومات والإطلاقات خروجا تعبديا، وهذا معنى حكومة القاعدة عليها.

[بقي الكلام في أنه هل يجوز إجارة العبد المسلم، أو أمة المسلمة على الكافر، أو لا تصح؟

فيه أقوال:

قول بعدم الجواز مطلقاً، وقول بالجواز مطلقاً.

وقول بالتفصيل بين أن يكون وقوع الإجارة على الذمة فلا تصح – وإلى هذا ذهب جامع المقاصد.(١٢). والمسالك .(١٣). – وبين أن يكون وقوعها على العمل الخارجي فلا تصح.

وهناك تفصيل بين الحر والعبد، فتصح في الأول دون الثاني.

وحكى هذا التفصيل عن الدروس (١٤).

ومنشأ هذه التفاصيل والأقوال هو صدق العلو والسبيل في بعض الصور دون بعض.

ولكن أنت خبير بأن هذه الوجوه والأقوال في هذه المسألة كلها ليس كما ينبغي.

أما القول الأول: فلأنه ربما تكون إجارة العبد المسلم للخدمة عند الكافر موجبا لسلطنة الكافر عليه، ولا شك في أن سلطنة الكافر عليه سبيل وعلو عليه بالمعنى الذي ذكرنا للسبيل والعلو، فلا يمكن القول بصحتها مطلقا.

كما أن القول الثاني – أي: بطلانها مطلقا – أيضا لا وجه له، كما أن الكافر لو استأجره للتعلم عنده فليس هناك علو أو سبيل للمستأجر الكافر على المسلم قطعا.

وصرف استحقاقه التعليم عليه بواسطة عقد الإجارة ليس علوا عليه قطعا، وإلا ينسد باب جملة من المعاملات بين الكافر وبين المسلم إن لم نقل بانسداد أبواب جميعها، بل ربما يكون بعض الإجارات الواقعة بينهما عزا وعلوا للمسلم عليه كما هو واضح.](١٥).

فتُعدُّ قاعدة نفي السبيل ذات تأثير هو من الآثار الفقهية الإسلامية المهمة الذي أنتج لنا أحكاماً شرعياً خصوصاً في باب المعاملات و النكاح و الولايات و الإرث و غيرها، إذ على فرض تفسير الآية الكريمة: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) بتفسير شامل مستوعب للتكوين و التشريع معاً (فرضية الإطلاق) التي أخذ بها المحقق المراغي ما أفضى إلى أحكام تكليفية و أحكام وضعية.

منها مثلاً عدم اشتراط صحة نذر الولد ونحوه من العهد واليمين على إذن الوالد الكافر في وجه، وكذا كل من يشترط إذنه في عبادة – كالزوج ونحوه – وفي الماليات مسألة أخرى، وعدم لزوم إطاعة الكافر في مقامات لو كان مسلماً لوجب، وعدم نفوذ قضاء الكافر وإن جمع سائر الشرائط، وعدم جواز تولّيه للوقف المتعلق بالمسلمين، وعدم جواز تملكه للمسلم بشراء أو صلح وهبة وإصداق، أو نحو ذلك من دفع عوض دين أو ضمان، وبعبارة أخرى: كل سبب اختياري ناقل للملك إلى الكافر، فإنه غير صحيح. كما أنه لو ملك بسبب قهري – كالإرث لو قلنا به – أو كان المملوك كافرا عند كافر فأسلم المملوك يباع على مالكه قهرا ولا يقر يده عليه.

وعدم جواز إعارة المسلم للكافر ورهنه عنده ولا إيداعه له في وجه مبني على أن الاستنابة في الحفظ سبيل.

وعدم جواز حوالة الكافر على المسلم في وجه وإن ضعف، وعدم ولايته على صغير أو مجنون أو سفيه في نكاح أو مال و كذلك لو كان لمسلم ميّت أولاد كفّار فليس لهم الولاية في تجهيزه و تكفينه و دفنه،

كما لا تتوقّف على إذنهم لأنه نوع سبيل، وعدم جواز استئجاره للمسلم في عينه وإن جاز في ذمته، وعدم جواز إجارة العبد المسلم، وعدم جواز وكالته على مسلم لكافر أو مسلم، وعدم جواز وكالته في بيع عبد مسلم مرهون أو غيره، وعدم ثبوت شفعة له إذا كان المشتري مسلما وإن كان البائع كافراً، وعدم جواز وصايته على مال مسلم أو مولى عليه محكوم بإسلامه ولو بالاشتراك،

وعدم جواز نكاحه للمسلمة ابتداءا وكذا استدامة، فإن بإسلامها يبطل النكاح لو لم يسلم الزوج في العدة، لأن الرجال قوّامون على النساء، والزوج له نوع سبيل على الزوجة فيما قرر الشارع له من الحقوق، وعدم العبرة بالتقاطه إذا كان اللقيط محكوماً بإسلامه بأحد الطرق المذكورة في محلها.

وفي عد عدم استحقاقه الإرث مع الوارث المسلم وعدم جواز القصاص من المسلم بالكافر من هذا الباب إشكال.

و عدم جواز جعل الكافر متولّياً على الأوقاف الإسلامية، كالمدارس و المستشفيات و دور الأيتام و المساجد و الحسينيات و قبور الأولياء و الصالحين فضلاً عن المعصومين(عليهم السلام).(١٦).

التطبيق العملي و العلمي لقاعدة نفي السبيل:

من التطبيقات العلمية العملية لقاعدة نفي السبيل من قبل فقهاء الشيعة:-

-فتوى المجدد الشيرازي (قدس سره) في تحريم التنباك (١٣٠٩ ه-١٨٩١ م)التي كانت بمثابة صفعة موجعة للاستعمار البريطاني، فقد أيقظت العالم الإسلامي و أعطته الوعي السياسي في تاريخه الحديث، فتنبَّهَ بسببها المسلمون إلى أخطار النفوذ الأجنبي في البلاد،

وقد أرسل المجدد الشيرازي برقيّة من سامراء المقدسة إلى الشاه القاجاري حول هذا الموضوع، جاء في بعض فقراتها: (إن تدخل الأجانب في الأمور الداخلية للبلاد، واختلاطهم بالمسلمين، وإشاعة الفساد تحت ستار امتياز التنباكو، يُعتبر منافياً لصريح القرآن الكريم، والقوانين الإلهية، وبالتالي يؤدي إلى ضعف الدولة وعدم تمكنها من المحافظة على سيادتها واستقلالها، وهذا مما يزيد قلق المواطنين وقلقنا على مستقبل المسلمين).

ثم أعقبها المجدّد بالفتوى الأخرى: (إذا لم يُلغَ امتياز التنباك بشكل كامل، سأعلن الجهاد العام خلال ثمان وأربعين ساعة) وعلى أثر ذلك حدثت أضطرابات وتظاهرات في أماكن متعددة تطالب بإلغاء الامتياز بصورة كاملة، وأخيراً أضطر الشاه القاجاري تحت ضغط الجماهير بقيادة العلماء إلى الإعلان عن إلغاء الامتياز كاملاً.

وفي الحقيقة كانت قضية التنباك، نهضة إسلامية ضد الأهداف الاستعمارية، قادها علماء الدين الأفاضل بقيادة المجدد الشيرازي الكبير، لنيل الحرية والاستقلال، والحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب الإيراني المسلم.

و قد ذكرَ الإمام الخميني (قدس سره) عدة مسائل إشارةً إلى تطبيقات القاعدة في أبواب فقهية مختلفة منها:-

مسألة١: لو خيف على حوزة الاسلام من الاستيلاء السياسي، والاقتصادي المنجر إلى أسرهم السياسي والاقتصادي ووهن الاسلام والمسلمين وضعفهم يجب الدفاع بالوسائل المشابهة والمقاومات المنفية، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة معهم مطلقاً.

مسألة٢: لو كانت الروابط السياسية بين الدول الاسلامية والأجانب موجبة لاستيلائهم على بلادهم أو نفوسهم أو أموالهم أو موجبة لأسرهم السياسي يحرم على رؤساء الدول تلك الروابط والمناسبات، وبطلت عقودها، ويجب على المسلمين إرشادهم والزامهم على تركها ولو بالمقاومات المنفية.

مسألة٣: لو أوقع واحد من الدول الاسلامية عقد رابطة مخالفة لمصلحة الاسلام والمسلمين يجب على سائر الدول الجسد على حل عقدها بوسائل سياسية أو اقتصادية كقطع الروابط السياسية والتجارية معه، ويجب على سائر المسلمين الاهتمام بذلك بما يمكنهم من المقاومات المنفية، وأمثال تلك العقود محرمة باطلة في شرع الاسلام.

والدليل على عدم جواز تلك المراودات و بطلان المعاملات هو قاعدة نفي السبيل، و أيضاً لا يجوز استخدام الكفّار لإدارة بعض مرافق الدولة التب تمارس رقابةً و إشرافاً على المسلمين، مثل القضاء و الرتب العسكرية؛ لقاعدة نفي السبيل.(١٧).

إضافةً إلى ذلك يعتبر موقف الإمام الخميني من قانون (كابيتولاسين) أحد تطبيقات القاعدة أيضاً،

ويقصد بهذا القانون امتياز الحصانة القضائية، و يتضمن أنواعاً من الحصانات الممنوحة لهذا الجيش الكبير من الرعايا الأميركيين مثل:

١-أنهم مصانون من التوقيف و الاحتجاز، فلا يحق لأحد اعتقالهم مهما كانت الأسباب.

٢-تجب معاملتهم بلطف و لا تمسّ حرياتهم و كرامتهم، وقد خصصت الحكومة الإيرانية عدداً كبيراً من قوات الشرطة لحراسة منازلهم و ممتلكاتهم كما تحرس السفارات الأجنبية.

٣-إنهم مصانون من إجراءات الدعاوى المدنية، كما يتم إيقاف جميع الدعاوى و الأحكام الصادرة بحقهم.

٤-الإعفاء من دفع الضرائب، خاصة في عمليات التصدير و الاستيراد، فلا يدفعون رسوم الگمارگ.

فساد الاعتراض و الرفض في الأوساط الشعبية والدينية التي رأت فيه إذلالاً للمسلمين و إهانة لهم، فألقى الإمام الخميني (قدس سره) خطاباً في ٢٦ تشرين الأول عام ١٩٦٤ م، ندد فيه بالقانون، كاشفاً عن الثغرات التي تضمنها فجاء فيه:

(…لقد باعونا، باعوا استقلالنا و راحوا يحتفلون و ينشرون معالم الزينة و الفرح، لقد سحقونا بأقدامهم…لقد داسوا على كراماتنا و عزتنا…لقد قدموا قانوناً إلى المجلس، ألحقونا بموجبه، أولاً: بمعاهدة ڤيينا، و منحوا الحصانة القضائية ثانياً لجميع المستشارين العسكريين الأميركيين…).

و يذهب السيد الخميني إلى أنّ هذا التأكيد على علوّ الإسلام و المسلمين للحثّ على الخروج عن سلطة الكفار بأي وسيلة متاحة، و عدم الخضوع إليهم و تسليمهم مقاليد الأمور فقال في بحوثه:

(بل يمكن أن يكون له وجه سياسي، هو عطف نظر المسلمين إلى لزوم الخروج عن سلطة الكفار بأية وسيلة ممكنة; فإن تسلطهم عليهم وعلى بلادهم ليس من الله تعالى; فإنه لن يجعل للكافرين عليهم سبيلاً وسلطةً، لئلا يقولوا: «إن ذلك التسلط كان بتقدير من الله وقضائه، ولا بد من التسليم له والرضا به» فإنه تسليم للذل والظلم، وأبى الله تعالى ذلك; فإن (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين).(١٨).

قاعدة نفي السبيل و هيمنة الاستكبار العالمي على بلاد المسلمين:

يقول السيّد علي الخامنئي (دام ظله) : (من أعظم مسؤوليات الإنسان حيثما وجد معرفة حدوده القانونية وعدم تجاوزها، وتجاوز الحدود ما هو إلا عبارة عن الاستبداد والاستكبار بما ينطويان عليه من مفهوم قبيح ومشين؛ وأعظم خطر يحيق بالإنسان هو أن يستحوذ عليه الاستبداد والاستكبار، وهذا وبال ربما يصاب به الجميع أيضاً ).

و يقول أيضاً : (الاستكبار العالمي يشمل جميع القوى المتغطرسة والمتجبّرة في العالم، وجميع الوجوه الوقحة المتسلطة على الشعوب).

وتعتبر قاعدة نفي السبيل إحدى القواعد المهمّة والفاعلة في البعد الخارجي من الفقه السياسي. وتتجلى أهمية القاعدة في الوقت الراهن الذي تزعم فيه الولايات المتحدة الأمريكية ريادة العالم والهيمنة عليه بأسره تحت اسم النظام العالمي الجديد.

و إنّ من أهمّ المعطيات اليوم لهذه القاعدة هي حركية الفقه السياسي على ضوئِها ، فممّا لا شكّ منه أنّ الدول الأجنبية والمستعمرة تبسط نفوذها اليوم على البلدان الإسلامية بمختلف أساليب الاستعمار القديم والجديد منه.

وتعتبر قاعدة نفي السبيل واحدة من أفضل الطرق التي يمكن الخروج من خلالها من هذا الوضع المزري للاُمّة الإسلامية ، لأنّها تفيد حرمة كل هيمنة وسلطة للأجنبي ولزوم المقاومة لذلك والمواجهة معه. وعلى ضوء ذلك تحرم الكثير من الممارسات والعلاقات بين الدول أو الشعوب الإسلامية والدول الغربية أو الشرقية في المجالات الثقافية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية .

ومن مصاديق ذلك بيع النفظ وشراء البضائع المنافية للدين أو المؤدية إلى تقوية الأجنبي والسماح بإقامة القواعد العسكرية واظهار المودة لسفرائهم ورجال السياسة منهم وتقليدهم في الزي وما شاكل من مظاهر الحياة.(١٩).

أمّا القاعدة في آراء صاحب العروة الفقهية ومواقفه السياسية فلاشك أنّ قاعدة نفي السبيل قد استمدت قوامها من الكتاب والسنة، ولها تطبيقات في مختلف أبواب الفقه،

هذه القاعدة قد انعكست بشكل واضح على الآثار الفقهية للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، فهو إضافة الى استخدامه لتلك القاعدة في استنباط الاحكام في الفقه الفردي كذلك استثمرها في المسائل الفقهية السياسية والاجتماعية، وقد ترك بصمات واضحة على المجتمع من خلال إجراء تلك القاعدة على صعيد فكر الفقه السياسي وأيضاً على صعيد الفقه الاقتصادي،

فقد أوضح موقف الاسلام إزاء سلطة الاستعمار، كما أن أفكاره في مضمار الفقه الاقتصادي قد عرضها في عدة رسائل وكانت تدور حور محور زيادة الانتاج الوطني واقتناء المبيعات الداخلية ذلك لان التبعية الاقتصادية تؤدي الى المزيد من تسلط الكفار على المسلمين.

و يذكر التاريخ مواقف السيد الصارمة و الحازمة حيال الاحتلال البريطاني و الامتدادات الروسية في إيران و الغزو الإيطالي لطرابلس الغرب في ليبيا فكان يرى وجوب تصدّي المسلمين لتلك الانتهاكات و الدفاع عن كيانِهِم.

و ليس هذا بغريبٍ على مؤسسة دينية كالحوزة المشرفة فمواقفها من الاحتلال و الاستعمار والاستكبار العالمي كانت واضحة معروفة على مرّ العقود، وسنستعرض بعضاً منها :-

-في عام ١٩١١ عندما اجتاحت القوات الروسية شمال إيران إثر الخلاف المائي الحاصل بينهما وقيام القوات البريطانية باحتلال جنوب إيران حين بررت تلك الدولتان إن الهجوم على إيران جاء استناداً على اتفاقية عام ١٩٠٧، قامت القوات الروسية بقتل علماء الدين في “تبريز” وإثارة الرعب و الفزع بين الناس، وعندها أعلن علماء الدين في العراق -وخاصةً في النجف الأشرف- الجهاد ضد القوات الروسية الغازية ومنهم الآخوند الخراساني الذي أوعز بنصب الخيام خارج مدينة النجف لتعبئة الجماهير استعداداً لمواصلة الجهاد ضد الغزاة .

فقد فضح كاظم الخراساني، السياسة التي انتهجها مظفر الدين شاه، وجاء اعتراضه بالخصوص على القرض الذي حصل عليه من روسيا، والذي أغرق البلاد بالديون.

وحينما اقتحمت القوات الروسية ولاية خراسان انتفض الإمام الخراساني في وجه الغزاة فأبرق قائلًا: “لئن تنسحب جيوشكم من خراسان لأصرخن في العالم الإسلامي صرخة”، وهو ما كان له دور قوي في وضع حد لتقدم الروس في إيران.

وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن الآخوند الخراساني قد أعد جيشًا من المجاهدين، وصمم على الذهاب بنفسه لمجاهدة الروس، فنُصبَتْ الخيام خارج سور النجف من الجهة الشرقية، ولكن المنية عاجلته في ١٨ ذي الحجة ١٣٢٩للهجرة، المصادف ليوم ٢٩ سبتمبر ١٩١١للميلاد وكانت هذه الليلة هي ليلة عيد الغدير.

وعندما قصفت القوات الروسية مرقد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) اجتمع علماء الدين في مدينة الكاظمية وهم السيد مهدي الحيدري والشيخ مهدي الخالصي والسيد إسماعيل الصدر والسيد عبد الله المازندراني والشيخ فتح الله الاصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني والسيد علي الراماد والسيد مصطفى الكاشاني والسيد محمد تقي الشيرازي المقيم في سامراء ولم يتخلف عن ركب العلماء سوى السيد كاظم اليزدي المقيم في النجف.

-وعندما بدأت البوادر الاستعمارية البريطانية تظهر للعيان باحتلال العراق تبعا لتنوع المصالح السياسية والاقتصادية والإستراتيجية في العراق وتنفيذاً لهذا المخطط عملت بريطانيا على تسيير حملة عسكرية من البحرين نزلت في الفاو عام ١٩١٤،

وكانت هذه أولى المواجهات المسلحة التي قادها واشترك فيها رجال الدين والعلماء الشيعة ضد الاحتلال والتي شكلت تجربة مهمة ومقدمة لمواجهتين مسلحتين هما ثورة النجف عام ١٩١٨ وثورة العشرين عام ١٩٢٠، استجاب على الفور المراجع العظام لهذا الحدث و أوجبوا الجهاد بفتوى دفاعاً عن بيضة الإسلام وعندما اتخذت المدن العراقية في الفرات الأوسط وبغداد طابع النفير العام،

وخلال هذه المدة برزت تيارات دينية من كبار المجتهدين ورجال الدين الآخرين الذين قاموا بأدوار قيادية بارزة في حركة الجهاد سواءً بتصدرهم الدعوة أو بإشرافهم على تنظيم التطوع للمجاهدين، ومن ثم مشاركتهم العملية في القتال، وأصبحت كربلاء والنجف والكاظمية وبغداد آنذاك مراكز أساسية لتجمع وانطلاق المجاهدين منها إلى جبهة الحرب في البصرة.

ففي مدينة النجف قام عدد كبير من علماء الدين بادوار مهمة في حركة الجهاد وكان أبرزهم المجتهد محمد سعيد الحبوبي الذي قام بدور رئيس فيها حيث كان أول من بادر إلى قيادة مجموعات من المجاهدين والتوجه بهم إلى البصرة وقد التف حوله العديد من العلماء الذين عملوا على تعبئة عشائر الفرات الأوسط وحثها على الجهاد .

ولهذا كان التهيؤ إلى الثورة قد وصل مراحل متقدمة لا يحتاج إلا لشرارة تطلق بيد المرجعية الدينية التي درست هي الأخرى حراجة الموقف ووصلت إلى نتيجة إصدار فتوى يُعلن فيها الجهاد ضد المحتل.

ولهذا عندما استفتى عدد من زعماء العشائر العراقية الإمام الشيرازي حول جواز استخدام السلاح بوجه المحتل أجابهم الإمام الشيرازي بفتوى صريحة أشار فيها” بسم الله الرحمن الرحيم، مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين. ويجب عليهم، في ضمن مطالبهم، رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذ امتنع الإنكليز عن قبول مطاليبهم”.

إن هذه الفتوى كانت بمثابة الركيزة الأساسية في انطلاق العمل الثوري ضد الاحتلال، إذ أُيدت من قبل خطباء وعلماء كربلاء ومنهم محمد حسين المازندراني ومحمد صادق الطباطبائي وعبد الحسين الطباطبائي، ومحمد علي الحسين وغلام حسين المرندي ومحمد رضا القزويني ومحمد إبراهيم القزويني ومحمد الموسوي الحائري وعلي الشهرستاني وهادي الخرساني وجعفر الهر وكاظم اليهبهاني وفضل الله وعلي الهادي الحسين. والأمثلة والشواهد كثر على مواقف الحوزة العلمية و تطبيقهم العملي لقاعدة نفي السبيل ضد المحتل الغاشم.

التخلص من سبل الاستكبار و الاستفادة من التطور التكنولوجي العالمي:

هيأ الله سبحانه و تعالى أسباب النجاة لبني إسرائيل، تلك الأمة الفتية التي تستعد الآن لبناء حضارتها بعد تخلصها من سلطة الطاغوت، فتركوا أرض مصر باتجاه فلسطين بعد أن تهيّأت لهم أسباب العبور على البحر، وقبل أن تجف أقدامهم أصيبوا بنكسة إيمانية، حيث مروا على قومٍ يعبدون أصناماً لهم فطالبوا نبيّهم موسى (عليه السلام) باتخاذ إلهٍ لهم كما لأولئك القوم‌ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ…)

إن بني إسرائيل كانوا يعيشون تحت سيطرة الطاغوت سياسياً وثقافياً، وكانت علاقاتهم الاقتصادية ببعضهم مبنيّةً و قائمةً حسب تلك السيطرة، وقام النبي موسى (عليه السلام ) والمؤمنون من أصحابه بتفجير ثلاث حركات متتالية لإنقاذ قومه من السيطرة- السياسية، فالثقافية، فالاقتصادية-، ويبدو أن هذه المرحلة هي مرحلة الثقافة التي تحمل في طياتها تصفية آثار السيطرة السياسية أيضاً.

إنَّ قوم نبيّ الله موسى (عليه السلام) عاشوا ردحاً طويلًا من الزمن وهم يعانون الذل والخضوع والاستسلام للآخرين، وكانت السياسة الطاغوتية لفرعون هي ما فرضت عليهم تلك الحالة، ولكنهم على أيِّ حالٍ تأثروا بها نفسياً، فحين أنقذهم الله غيبياً بقيت آثار تلك السيطرة عالقةً بنفوسهم، ولم يقدروا على ممارسة حريتهم والحضور في ساحات الحياة، واتخاذ القرارات المناسبة فيها اعتماداً على أنفسهم،

لذلك حنّوا إلى حالتهم السابقة فطالبوا موسى (عليه السلام) بإله- كما لهم آلهة- والإله هو السلطان الاجتماعي والسياسي والثقافي، ورمز هذا الإله هو الصنم، وبنو إسرائيل في هذه الصفة كانوا تماماً مثل الشعوب التي تتحرر من الاستعمار السياسي، ولكنها تقلد الغرب أو الشرق في أنظمتها وثقافتها، وكأنها تخرج من الاستعمار القسري وتعود إلى الاستعمار اختيارياً، وذلك لاستمرار قابلية الاستعمار في أنفسهم.

أما كيفيّة تعامل نبي الله موسى (عليه السلام) معهم فإنّه قد شرح لقومه و بيّن لهم أنّ العمل الذي يقوم به الإنسان في إطار النظام الفاسد هو عمل باطل، وينتهي إلى الدمار حتى ولو كان ظاهر العمل حسناً،

مثلًا: ظاهر البناء أنه عمل جيد، ولكن إذا كان المهندسون والبناؤون ومصانع الحديد ومعامل الإسمنت كلها تعمل من أجل بناء معتقل أو قاعدة صاروخية تقذف المستضعفين فإن هذا العمل تخريب وليس بناءً، كذلك كل عمل لا يكون ضمن إطار صالح أو هدف مقدس فانه باطل لذلك قال موسى (عليه السلام) لقومه :- (إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‌).(٢٠).

والسؤال المحوريُّ المطروح هنا هو: كيف ينبغي لنا أن نكافح هذا الاستكبار و نقاومه وننقذ العالم من شروره؟!

قبل الاجابة عن هذا السؤال لابدَّ أن نضع نصب أعيننا حقيقة هامّة، وهي أننا كلما خضعنا للاستكبار أكبر كلما ساهمنا في جرائمه أكثر، لأنّ الضحية التي تسكت على الجرم تساهم في الجريمة من ميث تشعر أو لا تشعر، والشعب الذي يسكت وهو يرى الظالمين يمارسون الفساد و الخراب في أرضه فإنّه يشاركهم في جريمتهم.

ومن الأمم التي أُبيدَت شرَّ إبادة، ودُمّرَت شرَّ تدمير، وضرب الله تعالى بها مثلاً هي أمة ثمود؛ أي قوم صالح، فالقرآن الكريم يذكرنا بهذه الأمة وسوء مصيرها، وكيف ينبغي لنا ان نتجنب هذا المصير؟!.

والسبب الذي أدّى إلى نزول العذاب الإلهي القاصم والمدمر على هذه الأمة، هو أنَّ رجلًا واحداً منها وصفه القرآن الكريم بأنّه (الأشقى-إذ انبعث أشقاها-) فعمد إلى قتل الناقة التي جعلها الله لهم آية، فكانت النتيجة ان دمرت أمة ثمود كلها باستثناء ثلة من المؤمنين المتّقين الذين امتثلوا للأوامر الإلهية،

فيقول تعالى : (فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) و لا يخفى أن الذي باشر عقر الناقة هو واحد فما علّة التحدث بصيغة الجمع وشمول كل أهل القرية ب(واو الجماعة)؟ ذلك لأن الراضي بفعل قومٍ كالداخل فيه معهم، و على كلِّ داخلٍ في باطلٍ إثمان: إثم العمل به، و إثم الرضى به.(٢١)

وبناءً على ذلك فإنَّ الأممَ التي تلوذ بالصمت فإنها تنتحر في الحقيقة، وهذا يعني أن الانتحار قد يكون فردياً، ولكن الانتحار الجماعي أعظم وأشد هولاً.

وعلى هذا الاساس فهل نسكت عن الاستكبار؟، وهل نستمر في عيشنا تحت ظل هذا النظام؟

إنّنا لو فعلنا ذلك فإنّنا نكون قد دمرنا سعادتنا في الدنيا والآخرة؛ ففي الدنيا سنعيش أذلّاء مهانين، وفي الآخرة نحشر مع المجرمين.

وفي آيات قرآنية عديدة يؤكد الله تقدّسَت أسماؤه على أنّ المستضعفين والمستكبرين والمظلومين والظالمين سيحشرون معاً في جهنم، ثم يتنازعون في جهنم لعدة ملايين من السنين.

وعليه فالمستضعف الساكت، والراضي عن ممارسات المستكبر لايقل جرماً عن هذا المستكبر نفسه، او لنقلْ أنّه مساهمٌ ومشتركٌ في جرائم المستكبرين.(٢٢).

و حوزتنا المقدسة التي تؤمن و تعتقد بضرورة الحرية و الحياة الكريمة للشعوب بعيداً عن براثن الاستعمار والاستكبار العالمي كانت ذات لسان ناطق أقضَّ مضاجع دول الاحتلال ولم تلتزم الصمت أو تقف مكتوفة الأيدي بوجه من استحلَّ الأرض، على سبيل المثال نذكر ما يلي:-

– عند اندلاع الثورة السورية الكبرى عام ١٩٢٥ بعد أن فُرِضَ الانتداب الفرنسي بالقوة العسكرية المباشرة و سوء الإدارة الفرنسية و خنق حرية التعبير و الرأي في ٢٤ تموز ١٩٢٢ بعد معركة ميسلون في شهر تموز من عام ١٩٢٠ ما كان أحد الاسباب الرئيسة لاندعلاع الثورة السورية الكبرى.

أما موقف الحوزة العلمية في النجف وكربلاء المقدسة، فكان للروح القومية والتمسك بالديانة الإسلامية المغروسة في مشاعر الشعب العراقي الدور الأول في مساندة كل الحركات التحررية العربية و تُعتبَرُ سوريا في مقدمة الأقطار التي جاهد العراقيون لمساعدتها بواسطة إعلان الفتاوى الدينية وإقامة المظاهرات وتقديم الاحتجاجات ونشر المقالات وجمع التبرعات وغير ذلك.

-عند قيام ثورة الريف في المغرب العربي:

قُسِّمَ المغرب قبيل الحرب العالمية الأولى إلى ثلاث مناطق، المنطقة الأولى: منطقة نفوذ فرنسي وتضم مراكش، والثانية:منطقة نفوذ إسباني مركزها تطوان، و الثالثة: طنجة تحت الإدارة و السيطرة الدولية.

وكما هي عادة الشعب العراقي الأبيّ فقد كان موقفه إيجابياً مشرفاً من المجاهدين ضد القوات الفرنسية-الاسبانية و كان مؤيداً للمقاومين في المغرب، وخصوصا أبناء مدينة كربلاء المقدسة والنجف الاشرف بسبب تأثرهم بوجود المؤسسة الدينية الحوزوية، فقد كان لفرض فرنسا حمايتها على مراكش صدىً واضحاً في أرجاء الحوزة العلمية حيث شاع التذمر وأقيمت المظاهرات الاحتجاجية لنصرة مراكش، ألقيت فيها الخطب والكلمات والقصائد المعبرة عن رفض الشعب العراقي لأعمال فرنسا واسبانيا في المغرب، وقد استمرت مدينة النجف وكربلاء تؤيد نضال الشعب العربي في المغرب إلى ما بعد ثورة العشرين.

وقد نشرت جريدة النجف مقالاً تحت اسم مستعار فضحت فيه أساليب فرنسا الوحشية في التعامل مع أبناء الشعب العربي في المغرب حيث تقول : (أيُّ ذنب جناه إخواننا الريفيون غير قيامهم ودعوتهم لتحرير أنفسهم من رقّ عبودية الإسبان لهم ولا يكادون يزيلون الإسبان عنهم حتى قامت عليهم فرنسا الزاعمة إنها أعظم الدول تحدثاً ورقياً وانتصاراً للإنسانية ودفاعا عنها بل هي الوحيدة بذلك بزعمها، فحملت على الريف بكل ما تملك من حول وطول وآلات وغازات وسموم حتى شقت البطون وقتلت الأطفال…).

كما كتب من شعراء النجف ومن رجال الحوزة العلمية الكثير من القصائد في نصرة الشعب العربي في المغرب معبرين بذلك عن عمق الرابطة القومية بين طرفي الوطن العربي رغم بعد المسافات ومنهم الشيخ محمد علي اليعقوبي، الشيخ محمد جواد الشبيبي، صالح الجعفري وكثيرين غيرهم.

-موقف الحوزة العلمية من القضية الفلسطينية:

كانت المدن المقدسة خصوصا النجف وكربلاء في مقدمة المدن العربية التي أولت اهتماما كبيرا بقضايا العرب القومية يشكل عام وقضية فلسطين بشكل خاص، فقد تحسس رجال الدين بالخطر الصهيوني على الأمة العربية منذ صدور وعد بلفور (١٩١٧)، حيث اخذ الشعب العراقي بشكل عام ينشد لفلسطين، ويمد يد العون والمساعدة الى الشعب العربي الفلسطيني ماديا وأدبيا ويخصها بالعديد من التجمعات والاحتفالات العامة، حتى أصبح حديث فلسطين مادة الشاعر والأديب العراقي وحديث المجالس والتجمعات الدينية.

حينما تصاعدت حركة المقاومة العربية الفلسطينية في (آب١٩٢٩)، واتخذت طابع الثورة الواسعة، كان السبب المباشر لذلك ما يعرف بـ (حادثة البراق) وهي حادثة معروفة، انعكست أحداث الثورة في النجف و بين رجال الدين خصوصاً،

وعند استشهاد الشيخ عز الدين القسام في (١٩٣٥) أثناء أحدى المعارك مع القوات الصهيونية في فلسطين، كان لهذا الحادث الأثر الكبير في أروقة الحوزة العلمية في النجف وكربلاء، فأقيمت مظاهرة ألقيت فيها الخطب الحماسية الوطنية التي تندد بالاستعمار البريطاني والوجود الصهيوني في فلسطين، وعلى اثر قرار (لجنة بل) بتقسيم فلسطين الى ثلاث مناطق عربية ويهودية وبريطانية،

عقدت الحوزة العلمية بجميع مراجعها العظام العديد من الاجتماعات في النجف وكربلاء المقدسة أسفرت عن تقديم الاحتجاجات البرقية الى ملوك العرب والإسلام من قبل رجال الدين والشخصيات الوطنية، وكلها تستنكر بأشد لهجة فكرة التقسيم وتطالب بالتدخل في هذه القضية التي شغلت العرب والمسلمين.

كما تقرر اعتبار يوم (٢٦تموز١٩٣٧) يوم فلسطين في كربلاء والنجف حيث أضربت المدينتان بالكامل وخرجت المظاهرات العامة إلى الأضرحة المقدسة وكلها تهتف لفلسطين وعروبة فلسطين وتستنكر التقسيم الذي جاءت به بريطانيا، وهنا أضافت المدن المقدسة يوما آخر لأيامها الفلسطينية حيث تجلى الشعور القومي الثائر حين اعتبر يوم (١٦- مايس١٩٣٨) يوما فلسطينيا فأضربت مدينة كربلاء برمتها و أغلقت الأسواق وعطلت المدارس واجتمع العلماء والزعماء والشباب وتظاهروا محتجين على ما يجري في فلسطين وهم يهتفون بحياة الأمة وحياة فلسطين وفي ختام التظاهرة أبرق الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء إلى مفتي القدس أمين الحسيني والمندوب السامي)

هاجت مدينة كربلاء والنجف الاشرف لفكرة التقسيم المشؤومة، يطلبون منا فتاوى الجهاد الديني، نشكر جهودكم وبسالة عرب فلسطين المجاهدين دام النصر لهم)، وفي (٢٨تشرين الأول١٩٣٨) احتجت النجف الاشرف بجميع حوزاتها الدينية وشرائحها الاجتماعية على سعي الصهيونية العالمية لدفع الحكومة الأمريكية للتدخل في فلسطين والتزام جانب الصهاينة فيها حيث بعثت العديد من الهيئات والشخصيات النجفية رسائل احتجاج الى السفير الأمريكي في بغداد لابلاغ حكومته عن سخطهم للمحاولات الصهيونية لجر الحكومة الأمريكية الى جانبهم، وجاء في برقية (جمعية الرابطة العلمية والأدبية) (إن على أمريكا أن تعلم ان بلاد العرب للعرب كما هي أمريكا للأمريكيين).

القاعدة عند أهل السُنّة:

تُعَدُّ قاعدة نفي السبيل أحد أهمّ و أشهر القواعد بين الفريقين و ليست خاصّةً بفريقٍ دون آخر بسبب كون الدليل الأبرز و الآوضح عليها مُستَمَدّ من القرآن الكريم لا من الروايات فالقرآن حجةٌ على جميع المسلمين و لا يختصّ تشريعه بفئةٍ دون أخرى.

أما الحديث النبوي الشريف المشهور : (الإسلام يعلو و لا يُعلَى عليه) فهناك من يرى أن لا إشكال في الاعتماد عليه، لكونه مشهوراً بين الفريقين على ما شهد به الأعلام، والشيخ الصدوق (قدس سره الشريف) نسبه إلى الرسول (صلى الله عليه و آله) جزماً.

و هناك رأي آخر ذكرناه آنفاً يقول بأنّ هذا الحديث مرسل فلا يعتمد عليه أو أنه يدل على علو الإسلام بحد ذاته فليس ناظراً إلى مدلول القاعدة.

أما عند أهل السنة فهو حديثٌ مرفوع أخرجه الطبراني الأوسط، و البيهقي في الدلائل من حديث عمر بن الخطاب، و أخرجه الدارقطني من حديث عائذ بن عمرو، و أخرجه أسلم بن سهل في تاريخ واسط من حديث معاذ بن جبل.

-وجه دلالة لفظ (المؤمنين) الواردة في الآية الكريمة : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً):

إنَّ الرأي القائل بأن المراد من المؤمنين في الآية ليس مطلق المسلم، بل خصوص الإسلام المقرون باعتقاد الإمامة، هو رأيٌ غير صحيح في البنية التحتيّة، فعنوان المؤمن في القرآن الكريم يعني المسلم المصدّق بالشهادتين، في مقابل الكافر، فمعنى اللفظ العرفي هو المصدّق بالله و رسوله، و قد أقرّ غير واحد من العلماء بأن إطلاق (المؤمن) على الشيعي إطلاق حادث بدأ في عصر الصادقَين، حتى أن المحقق النجفي وصفه بالاصطلاح الجديد، حين قال : (…ضرورة كون الإيمان السابق مرادفاً للإسلام، فإنه بالمعنى الأخصّ اصطلاحٌ جديد).(٢٣).

 

 

الهوامش:-

١- جواهر الكلام/ج٤١/ص٦٢٩.

٢- نهج الفقاهة/ص٣١٧.

٣- نهج الفقاهة/ص٣١٤.

٤- القواعد الفقهية-السيد البجنوردي-ج١/١٩٢.

٥- القواعد الفقهية-السيد البجنوردي-ج١/ص١٨٩.

٦- الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج٤/ص٢٤٣.

٧-(الفقيه) ج٤، ص٣٣٤، باب ميراث أهل الملل، ح٥٧١٨، (وسائل الشيعة) ج١٧، ص٣٧٦، أبواب موانع الإرث، باب١، ح١٠.

٨–الحج(٢٢):٧٨.

٩- القواعد الفقهية-السيد البجنوردي-ج١/ص١٨٧-١٨٨.

١٠- (الكافي) ج ٧، ص ٤٣٢، باب النوادر (من كتاب القضاء والأحكام)، ح ١٩، (تهذيب الأحكام) ج ٦، ص ٢٨٧، ح ٧٩٥، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح ٢، (وسائل الشيعة) ج ١٢، ص ٢٨٢، أبواب عقد البيع وشروطه، باب ٢٨، ح ١. وفي الكافي والتهذيب: (أتي بعبد لذمي قد أسلم) (٢) (المكاسب) ص١٥٩.

١١- القواعد الفقهية-السيد البجنوردي-ج١/ص١٩٣-١٩٤.

١٢- (جامع المقاصد) ج ٤، ص ٦٣.

١٣- (مسالك الأفهام) ج ٣، ص ١٦٧.

١٤- (الدروس) ج ٣، ص ١٩٩،كتاب البيع، في شرائط المتعاقدين، درس (٢٣٩).

١٥-(القواعد الفقهية)-السيد البجنوردي-ج١/ص١٩٧.

١٦- العناوين الفقهية-الحسيني المراغي-ج٢/ص٣٥٠-٣٥١.

١٧- تحرير الوسيلة-السيد الخميني-ج١/ص٤٨٥-٤٨٦.

١٨- كتاب البيع-الإمام الخميني-ج٢/ص٧٢٥.

١٩- فقه أهل البيت (عليهم السلام) عربي- مؤسسة دار المعارف (فقه إسلامي) /ج٣٢/ص١٦٨-١٦٩.

٢٠- من هدى القرآن-السيد محمد تقي المدرسي-ج٣/ص١٠٥-١٠٦.

٢١- نهج البلاغة-الحكم-حكمة١٥١.

٢٢- على طريق الوحدة-السيد محمد تقي المدرسي-ج١/ص٩٠-٩١.

٢٣- جواهر الكلام-الشيخ الجواهري-ج٣٠/ص٩٦.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky