فتاوي الأفراد

فتاوي الأفراد وفتاوي الأمة .. الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء

الاجتهاد: إن فتاوي الأمة مثل فتوى وجوب الانتخاب أعضاء كتابة الدستور والاستفتاء عليه أو وجوب الانتخاب على شكل نظام الحكم، لابد من دراسة مميزات فتاوي الأمة وشروطها وخصائصها وممن تصدر وفرقها عن فتاوي الأفراد وعدم تسييس الفتوى وذلك لخطورة الشأن الإفتائي في هذا المجال.

كانت الفتوى ومازالت محط اهتمام بالغ لدى الأوساط الإنسانية التي يمثل فيها الدين محركاً أساسياً للسلوك وأنماط التفكير، ولا يقف هذا الاهتمام عند المسلمين فحسب، بل أخذت الفتوى مكانتها لدى كل العقائد لما لها من أثر نفسي بالغ في توجيه الأفعال وتحديد الرؤى والأفكار.

غير أن الفتوى في الإسلام لها شأن أعظم وأخطر، خاصة عند من يستشعر مسؤولياتهم تجاه ربهم وأمتهم.

وذلك لما دل على أن العالم حجة الإمام _ على الناس لقوله _: (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) وأن الحجة يجب أتباعها فيكون العالم واجب الأتباع في فتواه.

ومن المعلوم وجوب الإفتاء على العالم المجتهد في زمن الغيبة فيما لم يكن يخاف على نفسه كما أن الجرأة على الإفتاء من غير علم تؤدي بصاحبها أن يكبه الله على منخريه في نار جهنم.

إن كتب الفقه قد امتلأت بالحديث عن الإفتاء والشروط الواجب توافرها في المفتي والمستفتي والحالة الإفتائية، ولكن أهملت الحديث عن الإفتاء الجماعي التي يتعلق بالأمة وكيانها وهذه الفتوى ربما تعلقت بحالة إنسانية فردية لا تتعدى صاحبها من التوجيه إلى الفعل أو الاعتقاد أو التصرف وهو ما نطلق عليه فتاوي الأفراد والأعيان.

وربما تعلقت الفتوى بجماعة أو أمة، وارتبطت بمصير الشعوب والأمم والحضارات، وهو ما نطلق عليه (فتاوي الأمة) وعندها يكون الإفتاء في غاية الخطورة والحساسية، لاسيما ما كان متصلاً بالعلاقات الدولية والسياسية الشرعية، لأنها موجهة لطبقة أوسع، وتأخذ شكلاً أفقياً في الانتشار والنفوذ، كما أنها تتعلق بقضايا المسلمين وتحدياتهم الحضارية والإستراتيجية الممتدة.

كما أنها تؤثر بشكل ما على طبيعة العلاقة بين الدولة وأفرادها أو بين الدولة وغيرها، أو على أمة تجاه أمة أو حضارة تجاه حضارة أخرى تختلف في الموروث العقائدي والثقافي وغيرهما.

وإن الأمة الإسلامية تمر في مرحلة عصيبة وبلدنا العراق خاصة حيث ان فتاوي الأمة مثل فتوى وجوب الانتخاب أعضاء كتابة الدستور والاستفتاء عليه أو وجوب الانتخاب على شكل نظام الحكم، لابد من دراسة مميزات فتاوي الأمة وشروطها وخصائصها وممن تصدر وفرقها عن فتاوي الأفراد وعدم تسييس الفتوى وذلك لخطورة الشأن الإفتائي في هذا المجال

كما أصبح هنالك زيادة غير مسبوقة على طلب فتاوي الأمة وأصبحت سرعة انتشارها بسبب وجودها على الفضائيات والشبكة العالمية (الإنترنيت) ووسائل الأعلام الأخرى من مسموعة ومقروءة ومرئية.

إن الفرق بين فتاوي الأفراد وفتاوي الأمة هي أن فتاوي الأفراد هي الفتاوي التي تتعلق بأفعال المكلفين المذكورة في الرسائل العملية للمجتهدين التي امتلأت كتب الفقه بها،

أما فتاوي الأمة فهي التي تتعلق بقضايا المسلمين من التحديات الحضارية والإستراتيجية للأمة فهي فتاوي مواقف الأمة في إطارها العام وإن فتاوي الأفراد تكون أجوبة استفتاءات المجتهدين على أسئلة المقلدين، بينما فتاوي الأمة يتصدى لها المرجع حتى من دون استفتاء فهي لا تنتظر المستفتي كما إنها تستدعي مراجع الأمة لها.

وأما خصائص فتاوي الأمة فهي ليست لمصلحة فرد أو فئة أو حاكم معين لكنها لمصلحة الأمة الإسلامية، وأن يستشعر المراجع قضايا الأمة الإسلامية ومصلحتها قبل وأثناء الفتوى.

وهي التي تجمع الأمة الإسلامية ولا تفرقها. ويصدرها المرجع الديني فقط لأنه يكون أعلم زمانه وأفضلهم وأبصرهم بتدبير الأمور وإدارة الشؤون، وباعتبار أن له الولاية على الأنام وموكول له تدبير النظام ويحتل مركز نيابة الأمام _، ويتولى شؤون المسلمين في أمور الدنيا والدين فمن أنطبق عليه هذا العنوان كانت له الأهلية في إصدار فتاوي الأمة.

أما فتاوي الأفراد فيمكن أن يصدرها كل من كان له أهلية الإفتاء وهو من أهل الاجتهاد وإن لم يكن أعلم أهل زمانه وأفضلهم وأبصرهم بتدبير الأمور وإدارة الشؤون ولهذا نقولها بصراحة إننا نخاف أن تتحول فتاوي الأمة إلى أمة فتوى كما شاهدنا ذلك في أيامنا هذه التي تمر بنا.

وتتميز بالذيوع والانتشار والتراكم والجدل على المستوى الشعبي والرسمي، فتتحول الفتوى لحالة رأي عام. وأن ممارسة الضغط السياسي واقعاً وموجهاً على فتاوي الأمة دون فتاوي الإفراد مثل فتاوي العمليات الاستشهادية أو فتاوي الأقليات والمظاهرات.

ولا مانع في فتوى الأمة أن يقوم المرجع بتعديل السؤال أن لزم الأمر وما يفترض أن يسأل فيه حتى يعلم المرجع المستفتي كيف يسأل وما يفترض أن يسأل فيه؟

وإضافة إلى شروط صلاحية الفتوى العامة ان تكون صادرة من المرجع الديني بعد اطلاع والأخطار مستشاريه عليها، واستشارة أهل الاختصاص فيها ضرورة أن الاستعانة بالمتخصصين في مختلف التخصصات تكون الفتوى مناسبة وحقيقة في تعبيرها عن الواقع،

لأنه لا معنى للمرجع أن يصدر فتوى للأمة عن واقع ليس له دراية به وأن يلاحظ فيها تنزيه الفتوى من الضغوط السياسية ومآلات الفتوى والأضرار والأفطار فيما أذا كانت هنالك تابعة للفتوى.

ولأهمية فتاوي الأمة فلا بد من التصدي والنقد لكل ممن لا يكون له أهلية ولا ينطبق عليه عنوان المرجعية لتأثيره السلبي لامتلاء الساحة في عصرنا وفي كل عصر بمن يزاحم المرجعية برأيه مما يخلط الحابل بالنابل فيهلك الضرع والحرث والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky