غدير خم في البحوث الغربية المدونة باللغة الانجليزية

غدير خم في البحوث الغربية المدونة باللغة الانجليزية + تحميل المقالة

المنهجية التي يتّبعها الباحثون الغربيون في دراساتهم حول الإسلام أو التشيّع عادةً ما ترتكز على أسلوبٍ تأريخيٍّ أو ظاهري (فينولوجي-phenomenological). وحسب رأي الدكتور حسين نصر الذي يعدّ أحد المتأثّرين بالفكر الغربي، فإنّ كثيراً من الباحثين الغربيين لدى دراستهم المسائل الاعتقادية اتّبعوا الأسلوب التأريخي، وهناك عددٌ قليلٌ جدّاً منهم اتبع الأسلوب الفينولوجي؛ وعلى هذا الأساس فإنّ رؤية الأكثرية من الباحثين الغربيين قد ألقت بظلالها على قضية الغدير ممّا دعاهم لأن يصدروا أحكاماً مسبقةً ويرجّحون التصوّرات الذهنية على الحقائق الموجودة على أرض الواقع. بقلم:محـمـد مـقـداد أميري-ترجمة: أسعد الكعبي.

الاجتهاد: واقعة غدير خُم تعدّ واحدة من أهمّ الأحداث المصيرية في تأريخ الإسلام، فالشيعة يعتقدون بأنّ رسول الله (ص) عيّن فيها مصير العالم الإسلامي وأخذ البيعة من الأمّة الإسلامية لما صدع به في ذلك اليوم؛ لذا يمكن وصف هذا الحدث التأريخي العظيم بأنّه الأبرز من بين سائر أحداث على عهد الرسالة وهو المنشأ الأساسي للتشيّع، وأيضاً حسب اعتقاد الشيعة فإنّ الأمّة الإسلامية منذ يوم الغدير انقسمت إلى فئتين، إحداهما موالية لأهل البيت والأخرى غير مواليةٍ، إذ التزمت الفئة الموالية بالعهد الذي قطعته مع رسول الله (ص) وتنصّلت الأخرى عنه. وبناءً على هذا فإنّ واقعة غدير خُم أصبحت على مرّ العصور حدثاً يميّز الشيعة عن غيرهم.

أمّا بالنسبة إلى الدراسات التي قام بها الباحثون الغربيون حول التشيّع والإمامة، فإنّها تتمحور حول واقعة الغدير وما تحظى به من مكانةٍ بين المسلمين، لذلك عند دراسة ما دوّنه الباحثون الغربيون بشأن التشيّع وتحليله فلا بدّ من معرفة آرائهم واستنتاجاتهم حول هذه الواقعة.
ولو ألقينا نظرةً شاملةً على البحوث العلمية التي دوّنها المفكّرون الغربيون حول المعتقدات الإسلامية بشكلٍ عامٍّ ومعتقدات الشيعة بشكلٍ خاصٍّ، بكلّ تأكيدٍ سنجدها متأثّرةً بالأصول المعرفية المتجذّرة في أفكارهم ومن ثَمَّ فإنّهم عجزوا عن بيان الكثير من البحوث المتعلّقة بمعتقدات الشيعة من قبيل الإمامة وحقيقة الأئمّة الذين هم حجج الله على خلقه والنصّ الذي تمّ على أساسه تنصيبهم أئمّةً للمسلمين ومسائل أخرى كثيرة تتفرّع عن هذه المعتقدات كواقعة الغدير، وذلك لأنّهم لم يفهموها فهماً صحيحاً.

المنهجية التي يتّبعها الباحثون الغربيون في دراساتهم حول الإسلام أو التشيّع عادةً ما ترتكز على أسلوبٍ تأريخيٍّ أو ظاهري (فينولوجي)، فالباحثون الذين يتّبعون الأسلوب الأوّل في دراساتهم ـ التأريخي ـ يتطرّقون إلى دراسة الأُسس الاعتقادية على ضوء مختلف العوامل التأريخية التي لها دورٌ في ظهور المعتقدات، وهؤلاء على خلاف أتباع الأسلوب الثاني، إذ لا يكترثون بمعرفة واقع المعتقدات والأُسس الفكرية ويرتكز موضوع بحثهم على أنّ كلّ ظاهرةٍ قد حدثت في رحاب أحداثٍ ووقائع تأريخيةٍ، ومن هذا المنطلق يعتقدون بعدم إمكانية دراسة أيّة ظاهرةٍ بعيداً عن تلك الأحداث والوقائع.

وبما أنّ هذا الأسلوب يعتمد في أساسه على معايير مادّيةٍ وتجريبيةٍ تأريخيةٍ نوعاً ما ونظراً لكون أتباعه لا يؤمنون بأيّ دورٍ لعوامل ما وراء الطبيعة، نلاحظ أنّ النتائج التي يتوصّلون إليها في دراساتهم تؤكّد على أنّ الظواهر الناجمة عن الأحداث التأريخية إمّا أن تكون مزيّفةً أو لا تتطابق مع الواقع أو أنّها مبالغٌ فيها.

أمّا الباحثون الذين يتبنون في دراساتهم الأسلوب الثاني ـ الفينولوجي ـ فإنّهم يقيّمون موضوع البحث ويوضّحون المعتقدات ويبيّنون وظائفها في المنظومة العقائدية لأيّ دينٍ أو مذهبٍ على أساس آراء أتباعه، لذلك يمكن القول إنّ الرؤية المطروحة أكثر إيجابيةً من غيرها.
وحسب رأي الدكتور حسين نصر الذي يعدّ أحد المتأثّرين بالفكر الغربي، فإنّ كثيراً من الباحثين الغربيين لدى دراستهم المسائل الاعتقادية اتّبعوا الأسلوب التأريخي، وهناك عددٌ قليلٌ جدّاً منهم اتبع الأسلوب الفينولوجي؛ وعلى هذا الأساس فإنّ رؤية الأكثرية من الباحثين الغربيين قد ألقت بظلالها على قضية الغدير ممّا دعاهم لأن يصدروا أحكاماً مسبقةً ويرجّحون التصوّرات الذهنية على الحقائق الموجودة على أرض الواقع.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود بعض الدراسات التي قام بها باحثون غربيون حول الإسلام لكنّها لا تتطرّق إلى موضوع الغدير من قريبٍ ولا من بعيدٍ، في حين أنّ الأمانة العلمية وأسلوب البحث العلمي الصحيح يقتضيان ذكر هذه الواقعة المصيرية في تأريخ الأمّة الإسلامية، أو على أقلّ تقدير ذكر رأي الشيعة حولها.

على سبيل المثال فإنّ كارل بروكلمان ألّف كتاباً موسّعاً عرض فيه مختلف الأحداث التي طرأت على الأمّة الإسلامية في حياة رسول الله (ص) بالتفصيل وعنونه (تأريخ الشعوب الإسلامية)، لكنّه عندما وصل إلى الحديث عن حجّة الوداع لم يتطرّق إلى واقعة الغدير وتجاهل كلّ ما يرتبط بها بالكامل، في حين أنّه في ضمن كلامه عن الخلفاء الراشدين ذكر النزاعات التي نشبت بعد رحيل رسول الله (ص) للاستئثار بمنصب الخلافة وزعم أنّ الإمام عليّاً قد طمع فيها من دون أن يلمّح إلى واقعة الغدير، إذ قال: «ثمّ إنّ علياً ابن عمّ النبيّ وزوج بنته، ادّعى لنفسه الحقّ في خلافته كرئيسٍ للدولة بوصفه أقرب الناس رحماً إليه، ولكنّه كان كسعد بن عبادة سيّد الأنصار الذي طمع في الخلافة أيضاً، لايملك من القوّة أو من النفوذ ما يساعده على تحقيق طلبته».

أمّا الآثار العلمية التي ألّفها الباحثون الغربيون باللغة الإنجليزية والتي جعلناها محوراً للنقد والتحليل في هذا البحث، فهي مصادر عرضت ما حدث في غدير خُم بالشرح والتحليل أو إنّها على أقلّ تقديرٍ أشارت إليه، كالمصادر التي طرحت فيها دراساتٌ حـول حيـاة النبيّ الأكرم (ص) والتشيّع في باكورة الإسلام ونشأة التشيّع والإمامة لدى الشيعة ودور النصّ في تعيين الإمام، وما ماثل هذه المواضيع.

وبالطبع فإنّ بحـوثاً كهذه لم تدوّن باللغـة الإنجليزيـة فحـسب، بل إنّها دوّنت في مختلف اللغات الأوروبية كالفرنسية والألمانية، ومنها كتاب (محمّد) لمكسيم رودنسون و(محمّد والقرآن) لرودي بارت و(تأريخ الشعوب الإسلامية) لكارل بروكلمان حيث تمحورت هذه الآثار على سيرة النبيّ الأكرم (ص) وسائر المواضيع المتعلّقة بالإسلام الحنيف، لكنّ البحث هنا مختصّ بما دوّنه الباحثون الغربيون باللغة الإنجليزية.
وضمن هذه الآثار، هناك مؤلّفاتٌ لم تدوّن على وفق منهجٍ علميٍّ صحيحٍ وافتقدت الأمانة العلمية التي هي شرطٌ أساسيٌّ لكلّ بحثٍ علميٍّ، إذ لم تتطرّق إلى واقعة الغدير مطلقاً، ونذكر منها ما يأتي:

1) مدخل كلمة (محمّد) في موسوعة القرآن ـ تدوين يوري روبن.
2) مدخل كلمة (محمّد) في الطبعة الثانية من موسوعة الدين ـ تدوين كارين آرمسترونغ.
3 ) كتاب (محمّد في المدينة) ـ تأليف وليام مونتغمري واط.
4 ) كتاب (محمّد نبيّ وسياسي)ـ تأليف وليام مونتغمري واط.
5 ) مدخل كلمة (محمّد) ـ موسوعة الأديان العالمية.
6 ) كتاب (محمّد) السيرة الذاتية لرسول الله 9 ـ تأليف كارين آرمسترونغ.
7 ) مدخل عبارة (عليّ بن أبي طالب) في الطبعة الثانية من موسوعة الإسلام ـ تدوين لورا فيشيا فاغليري.
8 ) مدخل عبارة (عليّ بن أبي طالب) في موسوعة القرآن ـ تدوين علي آساني.
9 ) مدخل عبارة (حجّة الوداع) في الموسوعة القرآنية ـ تدوين ديفين جَي. ستيوارت.
10 ) كتاب (التأريخ الإسلامي الموجز) ـ تأليف كارين آرمسترونغ.
11 ) مدخل عبارة (الإسلام الشيعي) في موسوعة أوكسفورد للعالم الإسلامي ـ تدوين جوزيف أي. كشيشيان، السيّد حسين أم. جيفري، حميد دباشي، أحمد موسالي.
12 ) مقالة تحت عنوان (كيف تحوّل التشيّع الأوّل إلى فرقةٍ) نشرت في مجلّة اتحاد مشرق أمريكا ـ تأليف مارشال هوجسن.
13 ) مدخل كلمة (شيعة) في موسوعة الأديان العالمية.

ومن الجدير بالذكر أنّ أصحاب هذه الآثار اعتمدوا اعتماداً كاملاً على المصادر التي تحظى بأولويةٍ لدى أهل السنّة فقط، أو أنّهم جعلوا بعض المصادر الفرعية الغربية مرتكزاً لدراساتهم؛ وهذا المنحى في البحث العلمي بكلّ تأكيدٍ يدلّ على ضعف الأسلوب، ومن ثمَّ فإنّ النتيجة المتحصّلة منه باطلةٌ لأنّه لا ينسجم مع ما تقتضيه المعايير العلمية الثابتة، وذلك لسببين:

الأوّل: الأسلوب العلمي الذي يجب اتّباعه في دراسة أيّ موضوعٍ دينيٍّ وتحليله يلزم الكاتب بأن يتطرّق إلى آراء ومعتقدات جميع المذاهب المنضوية تحت راية ذلك الدين والتي لها صلة بموضوع البحث.

الثاني: مصادر أهل السنّة التي اعتمد عليها هؤلاء الباحثون ترد عليها كثير من الاشكالات والمؤاخذات، وبما في ذلك نقصان المعلومات الموجودة فيها والأسلوب الانتقائي الذي اتّبعه مؤلّفوها وعدم صحّة كلّ ما ذكر فيها.

وأمّا أهمّ المصادر التي اعتمد عليها الباحثون في الآثار المذكورة أعلاه، فهي عبارةٌ عن: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن الترمذي، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، فتح الباري لابن حجر، سيرة ابن إسحاق، سيرة ابن هشام، طبقات ابن سعد، أُسد الغابة لابن الأثير، تأريخ الطبري، أنساب الأشراف للبلاذري، وقعة صفّين لنصر بن مزاحم الكوفي، تفسير ابن كثير، تفسير الطبري، تفسير (الكشّاف) للزمخشري، تفسير مجمع البيان للطبرسي.

والمثير للدهشة أنّ بعض هؤلاء الباحثين قد اعتمدوا على مصادر سنّية ذكرت فيها واقعة الغدير، لكنّهم مع ذلك لم يتطرّقوا إليها في مؤلّفاتهم. على سبيل المثال فإنّ يوري روبن الذي دوّن مدخل كلمة (محمّد) في موسوعة القرآن، ذكر مختلف الأحداث التي واكبت حياة النبيّ الأكرم (ص) وما جرى إبّان رسالته المباركة، لكنّه لم يذكر شيئاً حول ما جرى في غدير خُم رغم أنّه اعتمد مصادر تضمّنت أخباراً حول واقعة الغدير وبما فيها أنساب الأشراف للبلاذري وتفسير ابن كثير.

 

 

المصدر: مجلة دراسات استشراقية – العدد : 5 – السنة الثانية – صيف 2015 م / 1437 هـ -( أصل هذه المقالة نشر في مجلة امامت پژوهی( باللغة الفارسية) العدد الثالث.

 

تحميل المقالة

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky