خاص الاجتهاد: كثير من طلاب العلوم الدينية لايحتكون بالفضاء الثقافي والعلمي في مجتمعاتهم الا الفضاء الثقافي والعلمي الحوزوي فقط. ولذلك عندما يخرج إلى هناك، يصاب بالإحباط ولعدم قدرته على إقناع الطرف الآخر. بسبب عدم وجود سياسة استراتيجية تفتح له الطريق للاحتكاك الثقافي والفكري خارج إطار وأسوار أو الحرم الحوزوي. الشيخ الدكتور حيدر حب الله *
سوف يدور حديثنا بشأن من شؤون حياتنا اليومية بوصفنا طلاباً للعلوم الدينية. سوف اقدم لحديثي ببعض المقدمات بعد ذلك سأتحدث عن الظاهرة التي اتكلم عنها، سوف سأتحدث عن الأسباب وبعد ذلك ننهي ببعض الأفكار والمعالجات.
المقدمة:
النقطة الأولي: الكلام الذي سوف نتكلمه الليلة ليس خاصا للحوزات العلمية، بل تعاني منه ايضا كثير من المراكز العلمية التعلمية من العالم الاسلامي، وكذلك مراحل التعليم العالي في الجامعات في كثير من الاماكن في بلداننا. فكلامي ليس خاصاً بالحوزات العلمية وإن كان في بعض جوانبه هو خاص.
وبالتالي انما نتكلم عن التعليم في الحوزة العلمية بصفته الموضوع الذي يعنينا نحن. سنسلط الضوء على الحوزة العلمية بكونه الموضوع الذي يعنينا.
النقطة الثانية: سأركز الحديث على موضوع الجانب العلمي فقط. يعني سأتكلم اذا صح التعبير عن إصالة الثقافة الدينية في الحوزة، الحوزة بوصف الاصل فيها هو تحصيل الثقافة الدينية.
أما مايتعلق بدور علماء الدين في المجتمعات كالصلاة على الميت و إقامة الجماعات و نشاطات الاجتماعية لهم نشاطات تربوية و التعليمية لهم في المدن و القرى فهذا ليس محل حديثنا. وانما نتكلم فقط عن الجانب المتصل بالشأن العلمي و الثقافي والتحصيلي عند طالب العلم
النقطة الثالثة: يجب أن ندرك جيداً بان التعليم و أنظمة التعليم هي احد المفاتيح الاساسية في ما يخص النهوض الحضاري لأي أمة من الأمم. كل أمة لا تهتم لشأن التعليم أو يكون التعليم فيها متخلفاً أو ضعيفاً أو معاقاً او مصاباً ببعض الأمور أو المشاكل فإنها بشكل تلقائي سوف تعاني في مستقبلها القريب من مشاكل نهوض حضاري ربما يؤدي ذلك بها الى انتكاسات حضارية
وذلك لما للتعليم و مناهج التعليم و طرائق التعليم منذ المراحل الاولى في حياة الناس الى اعلى المراحل العلمية لما له من دور عظيم في نهوض الأمم والشعوب و رُقيها
و لذلك نجد إن لبعض التجارب النهضوية الكبيرة التي حصلت في العالم مؤخراً بدأت نشاطها من التعليم مثل التجربة الماليزية،
اذا كان التعليم اليوم على هذه الشاكلة أو تلك في الحوزة العلمية فإن بإمكانك ان تتنبأ لمستقبل الحوزة يعني واقع التعليم اليوم في الحوزة يمكن أن يكون مؤشرا بالنسبة اليك الى التنبأ بوضع الحوزة بعد عشرين عاماً، اذا كان وضع التعليم ممتازاً، هذا معناه إنه من الممكن ان نتنبأ بوضع متقدم في العقود القادمة اما اذا كان وضع التعليم غير صحيحٍ معاقاً في مكانٍ ما، مصابا بمشكلة في مكانٍ ما، فإن تنبئنا سوف يذهب نحو تكوين صورة سلبية عن مستقبلنا. هذا معناه ان التعليم و مناهج التعليم و طرائق التعليم لها دور عظيم في رسم مستقبل الأمم و رسم مستقبل المجتمعات العلمية عموماً.
النقطة الرابعة: في هذه المقدمة هو ما أريد ان أركز عليه : يوجد خلاف اليوم في الحوزة العلمية، هل وضعنا العلمي متراجع أو متقدم؟ بإمكان كل واحد منا اليوم ان يتكلم عن انطباعاته، لكن اذا اردنا ان نتكلم عن احصائات وعن معلومات، هل يصنف اليوم وضع الحوزة متقدم عن ما كان عليه في السابق من الناحية العلمية؟ او انه يصنف متراجعاً؟
يوجد خلاف في وجهة النظر لهذه القضية:
هناك فريق من العلماء من كبار العلماء المعاصرين يصنفون وضعنا على انه متراجع، وان احوالنا ليست بالتي ينبغي ان تكون.
وهناك بعض آخر يقولون لا،و يصنف الوضع على انه جيد ولا ينبغي ان نعيش حالة من السلبية في تقويم الأمور و قراءتها، ولا ينبغي ان نكون سلبيين في انطباعاتنا.
حتى ان بعض كبار العلماء المعاصرين كان تقويمه للموضوع أن الحديث عن التراجع الوضع العلمي في الحوزات هو حديث يخدم الأعداء. هذه وجهة نظر اخرى،
اذاً في عندنا تنوع في وجهات النظر إزاء توصيف الواقع القائم اليوم و هذا لا يكفي فيه الانطباع. لا يكفي فيه انني انا عندي انطباع عام. ربما يكون انطباعي محدوداً من حيث منشأه و إنما يحتاج الى متابعات و الى مقاربات احصائية ميدانية تحدد لنا بدقة هل أوضاعنا تسير نحو الأفضل، بوصفنا مؤسسة علمية تعليمية بحثية ؟ أو ان الاوضاع تسير نحو الأسوء ؟!
لن ندخل في جواب عن هذا السؤال، فقط احببت ان اقول ان هناك وجهتَي نظر بهذه القضية، وجهة نظر ترى اننا في حال مترديٍ متراجع، و وجهة نظر ترى اننا في حال جيدٍ متقدم و هناك مؤشرات على هذا التقدم.
خلاصة وجهة نظري أنا هو أننا في تقدم من زاوية وفي تراجع من زاوية أخرى لا نريد ان ندخل في هذا الموضوع.
هذه المقدمات التي احببت ان اتكلم عنها،
اما ما هي الظاهرة التي نريد أن نتكلم عنها والتي يعيشها بعض طلاب العلوم الدينية و ليس كل الطلاب! البعض، لا اعني بالبعض “أقل البعض ثلاثة” و لا أعني بالبعض “الجميع الا واحد” بل أعني : حالة موجودة معتد بها في أوساط طلاب العلوم الدينية، في مراحلهم التعليمية الأولى، والمتوسطة العالية في الحوزات العلمية يشعرون بهذه الحالة التي سنشرحها الآن.
خلاصة هذه الحالة حتى لا أطيل أخشى أن يداهمني الوقت، أن بعض طلاب العلوم الدينية يشعر بأنه في حالة من الضياع لا يرى مستقبله أمامه، لا يعرف هل يسير على هدىً أو هو سائر على غير هدى!؟
لا يعرف هل هذا القرار الذي اتخذه في أن يسير بهذه الطريقة منتج؟ أو أن القرار الذي اتخذه في أن يسير بهذه الطريقة غير منتج!؟
في بعض الحالات تهب عاصفة في نفسه يشعر بعبثية ما فعل، ويقول: يبدو انني أضعت وقتي لزمن طويل. يبدو انني خسرت فُرص كانت متوفرة لي. مضى وقت طويل لم انتج مما كان ينبغي أن ينتج. أشعر بأنني لا اعرف وضعي لا استطيع ان اصنف نفسي أين انا؟! في اي مرحلة وصلت؟ هل انا راضٍ عن نفسي؟ هل انا راض عن وضعي؟ لست براض؟ حالة من الضياع النِّسبي إذا صح التعبير، حالة من التذبذب، من صراع في داخله. لا يعرف هل المدة الزمنية التي قطعتها كانت كافية في أن أصل ما وصلت اليه؟ او أنني أضعت زهرة شبابي في ما لا فائدة ،معتدٌ بها.
هذا موجود. يريد ان يكون في مجال ما، يجد نفسه في مجال آخر ! يطمح ان يكون شيئاً ما، يجد نفسه شيئا آخر! يأمل ان يكون مستقبله شيئاً معيناً، يجد المستقبل الماثل أمامه شيئاً آخر! يُصاب بحالة من الإحباط، يصاب بحالة من الفتور، يصاب بحالة من عدم الإستذواق العلمي وعدم التلذذ به، يشعر أنه يقوم بحياة وظيفية فقط، يمضي الوقت ويقطع الوقت ،ليأخذ في البلد هنا او هناك إقامةً، أنه بقي في الحوزة العلمية كذا سنة و كذا مدة زمنية علّ ذلك يشفع له.
هذه الحالة موجودة عند البعض و دعوني أن أكون أكثر وضوحا. موجودة عند النابهين اكثر ، موجودة عند من يملك طموحاً اكثر في حياته. موجودة عند أشخاص لديهم ذكاء، موجودة عند أشخاص كانوا يتوقعون أكثر أن لديهم امكانات و كانوا يرجون ان يكون لديهم نتائج ولكن بعد عشر سنوات او خمسة عشر او عشرين سنة، وجد أن الامور لم تكن بالشكل المتوقع ، بل كانت سيئة جدا، يحصل له حالة من الضغط النفسي يذهب ويأتي اذا صح التعبير ،هذا الامر أدعي بحكم انطباعي و قرائتي المتواضعه، ادعي انه موجود في الجملة في اوساطنا.
كم هي نسبته؟ لا ادري،! ليست لدي إحصائات ليس لدي معلومات دقيقة عن حجم هذه الظاهرة. لكنها ملموسة بالنسبة الينا نحن شهداء عليها، اذا أراد أحد أن هذه الظاهرة موجودة، نحن الشهداء، يمكنه أن يسئلنا نحن النوعي اتكلم، يمكن ان نقول له نعم لمسنا هذا من انفسنا او من غيرنا طيلة عشر أو عشرين أو ثلاثين سنة عشناها في الحياة الحوزوية يمكن ان نكون شهداء على ذلك.
اما بالدقة! لاادري. لا اريد أن اضخم الظاهرة حتى لا أبالغ و أكون سلبياً ولا اريد ان أغزمها حتى استخف بالتحديات و بالمخاطر. ،كل انسان يرجع الى نفسه و هو اخبر بنفسه يستطيع ان يسائل نفسه و يعرف ما اذا كان يعاني من هذه الظاهره هو و بعض ممن حوله او لا.
ما هي اسباب هذه الحالة الموجودة في اوساطنا ؟ وما الذي يمكننا ان نفعله لتجاوز هذه المشكلة؟ أي الاحساس باليأس و الاحساس بالعجز العلمي وعدم الرضا عن النفس؟
سأقسم الاسباب الى قسمين،
قسم الاول : أسباب محيطة موضوعية ربما لا تكون انت المسؤول عنها.
و القسم الثاني أسباب ذاتية فردية تشارك أنت في صنعها.
نستعرض نوعين من الاسباب ثم بعد ذلك ننتقل الى بعض الخطوات العملية التي يمكنها ان تساعدنا في هذا السياق، طبعا أنا انشاء الله سأحاول ان أنضبط لوقت محدد حتى لا أطيل عليكم، لكن الاسباب كثيرة وسأحاول ان اشرح ما استطيع شرحه لما تسمح لي الفرصة.
الاسباب المحيطة الموضوعية
السبب الاول: عدم تناسب المادة الدراسية مع الحاجات المجتمعية للطالب
عدم تناسب المادة العلمية، الموضوع، الدراسة التي تشتغل عليها مع تحدياتك في الخارج مع حاجاتك المجتمعية الثقافية. لا يوجد تناسب بينهما. فانت مثلا هنا تدرس الفقه و الاصول، تدرس مثلا عند هذا الاستاذ او ذاك الاستاذ كتاب الطهارة أو كتاب الصوم أو كتاب الخمس، ثم بعد عشرين عاماً أو خمسة عشر عاماً تحتك بتحديات ثقافية و علمية، ( كما قلت انا اتكلم فقط من الجانب العلمي) تصطدم بتحدٍ ثقافي او علمي، تجد نفسك أن كل تلك المعلومات التي حصلت عليها أو نسبة كبيرة من تلك المعلومات التي حصلت عليها، لا تستطيع ان تخدمك في هذا التحدي العلمي الذي تواجهه.
يعني لا يوجد تناسب بين طبيعة الموضوعات والمعلومات التي تكتسبها وبين طبيعة التحديات الثقافية والعلمية في مجتمعك او في من تحتك به خارج الحوزة. هذا عدم التناسب يؤدي الى شعورك بأن ما اخذته لا تستطيع توظيفه.
لأن ما حصلت عليه لستَ بقادر على استثماره. تصاب بالإحباط. تشعر و كأنك غير قادر على التكلم. رغم أنك تملك معلومات وفيرة في المجال الذي قرأت ولكن مع ذلك تصاب بهذه المشكلة، لماذا؟ لعدم تناسب المقروء مع التحدي الثقافي و الفكري الذي تحتك به في مناطقك في هذا الاطار.
مثلاً في الاخوة الذي يأتون من الغرب، من القارتين الأميركية و الأروبية يعانون في بعض الاحيان من هذه الظاهرة. كما نلمس منهم بعض الاخوة الذين ياتون من القارة الأفريقية يجدون مثل هذه المعاناة.
بعض الاخوة الذين يكون إحتكاكهم حيث يذهبون بالجامعات والجامعيين، بالتحديات الثقافية، بنوعية أسئلة مختلفة عما يدرس، يشعرون بهذه المشكلة.
هذا شيء ملموس في هذا الاطار. بل نكاد نلمس هذا الأمر في بعض الاحيان في جملة من الحوزات النسائية، المواد التعليمية ليست هي المواد التي يحتاج اليها في مكان التصدي و العمل و هذه الظاهرة موجودة ( هذا في ظني السبب الاول.)
السبب الثاني : الدوران حول العلوم المحدودة وبكتب محدودةٍ
أزمة الدوران حول العلوم محدودة جداً بكتب محدودةٍ جداً. يعني أنت من الممكن تبقى عشر سنوات مثلاً، او خمسة عشر سنة، و انت تدور في سته أو سبعة كتب و تنتمي هذه الكتب إلى مادة أو مادتين أو ثلاث. هذه مشكلة يشعر بها انسان.
لا تشعر بأن لديك تنوعا في المعرفة، لأن التنوع في المعرفة يجعل العقل منفتحاً يعطي نشوة، عنده تنوع في المعلومات المنتمية الى فضاءات ثقافية و فكرية متعدده. يعطي الانسان نشوة. يعطيه إحساساً بالسعادة.
اما اذا كانت معلوماته فقط في دائرة واحدة، من الممكن في يوم من الأيام أن يفتقد الإحساس باللذة ان دائما انه على تماس على موضوع أشبه بالمتكرر، ممكن بعد فترة تستيقظ ترى انك لم تعد تمتلك تلك الشهوة والرغبة في هذا الموضوع.
خاصة اذا اطلعت على تنوع في الموضوعات تشعر بأنك لا تملك ذلك التنوع الذي يعطي الانسان نشوة في هذا السياق. لا تنوع في الموضوعات! لا تنوع في العلوم! لا تنوع في المفردات. هذا التنوع يعطي الذهن نشاطاً.
الذي يصاب بالزهايمر الافضل له و احد الاشياء ان يكون له نشاط ذهني متنوع، وليس يعيش فقط على رتابة واحدة لاربعين سنة، فليذهب ينشط ذهنه. يُطلِعَه على ما هو جديد على ماهو مختلف. تنتقش الصورة في ذهنه متنوعة، متشكلة، ملونة تبعث في نفسه نشاطا حيوية قدرة. هذا مهم جدا.
بعض الاحصائات الاخيرة التي نشرت، لا ادري مدى دقة الاحصائات، لكن هي احصائات حوزوية، نشرت في الانترنت. تقول: 48 في المئة من دروس البحث الخارج في ايران لا في قم، في كل ايران، في فقه العبادات و12 في المئه في فقه الطهارة والنجاسة و 4 في المئه في مستحدثات المسائل! هذا يعطيك مؤشر على ان كل التركيز على موضوعات محددة حتى هي لاتستوعب كل الفقه، الاغلبية تتمركز على ملف متقارب ومتشابه ومتماثل ليس فيه تنوع، وبالتالي الطالب الذي يذهب نحو هذا الفضاء سيشعر بعد مضي مدة زمنية معينة انه عاش ردحاً من عمره داخل مربع واحد ولم ينتقل بين المربعات ليرى ثراء العلوم و أين وصل الانسان في العلم و المعرفة . بل أين وصلت سائر العلوم الدينية حتى الشرعية في التطور و التنوع.؟ وهذه نقطة مهمة في هذا السياق ينبغي الانتباه اليها.( هذا في تقديري موضوع مهم)
يفتقد الانسان بعد ذلك الشوق الى الدراسة بعد ان يشعر بالتكرار وتشابه الموضوعات التي يشتغل عليها تنبعث في نفسه حالة من الفتور، هذا اعتقد بأنه مهم. حتى بعض الباحثين في المجال التعليمي، يقول: لا ينبغي ان تعطي طالب الماجيستير أو طالب الدكتورا قائمة بعناوين مقترحة! هذا خطأ! لماذا؟
لأنه ينبغي ان يشتغل هو على موضوع هو يمثل له تحدياً، هو متشوقاً له، هو إحتك به مباشرة، يسئلك عنه تقول له نعم هذا موضوع جيد. إما أن تعطيه قائمة مكرورة بمئة او مئتي موضوع كل من يجي طالب تعطي نفس القائمة.
اولاً انت رسمت لكل طلاب العلوم الدينية خطاً واحداً ، وثانياً ربما يختار موضوعاً هو الأسهل بالنسبة اليه، وقد لا يكون مشوقا، سيشتغل على عناصر أخرى. اتركه يشتغل على عنصر مشوق، واجهه هو بنفسه، وهذا افضل. الشوق، العشق والحب عناصر مركزية نفسية في التعليم وفي تقدمنا العلمي في هذا السياق.
العنصر الثالث: أزمة نوعية الأساتذة و المهارات التعليمية
الأستاذ كما نعرف، (لا اريد ان أطيل في هذا الموضوع. أغلب هذه المواضيع أعتقد وأظن معروفة لأغلبنا و ربما للجميع. فقط أنا أريد أن أفهرسها لكي نلتفت اليها مجتمعة فقط .) كلنا نعرف ان الاستاذ له دور في جعل الطالب محباً للمادة التي يعلمها او يشعر بالفتور تجاهها أو يشعر بالكره لها.
في العالم العربي يقولون المادة التي يتعلمها كثير من طلاب العلوم الدينية ثم لا يعشقونها، هي اللغة العربية! وهي لغتهم القومية التي تمثل هويتهم القومية فضلاً عن تمثيلها لهوية دينية. لماذا؟ لان مناهج التعليم لاتشعر الطالب بالتلذذ والسعادة و هو يتعلم، تشعره بالقلق و بالخوف. تشعره بالجمود، تشعره بالجفاف. الاستاذ له دور عظيم الى جانب المناهج التعليمية. فيه اشعارك برطوبة البحث. بامكانية تسيير هذا البحث. بامكانية توظيف هذا البحث، بجمالية البحث، بالنقاط الخفية التي تعطيك شوقاً لاكتشافها في هذا البحث. نعم الاستاذ له دور مهم.
ليس الاستاذ فقط هو الخبير بالمادة العلمية. الاستاذ بما هو أستاذ، هو خبير بمهارات التعليم. يعرف كيف يجتذب الطلبة. يعرف كيف يحببهم بالمادة.
يعرف كيف يزيل من قلوبهم الخوف منها أو كره المادة ويضع مكان ذلك شوقاً الى القراءة فيها وإلى متابعتها وإلى تعلمها في هذا السياق، هذا مضافاً الى حالة الشحّ النسبي في الاساتذة في بعض الاختصاصات متصلة بالشأن الديني وهذا يعرفه المطلعون في هذا المجال، من مدراء الحوزات المشتغلون فيها. بعض الإختصاصات عندنا شحّ نسبي فيها، بعض الاختصاصات عندنا وفرة أكثر و تأتي مثلا الى علوم مثل علوم الرجال أو علوم الحديث أو الفلسفات المضافة أو علوم التاريخ تجد شحاً نسبياً. بينما اذا ذهبت الى الفقه أو اذا ذهبت الاصول في بعض الحوزات، اذا ذهبت الى الفلسفة، تجد وفرة نسبيةً لا تجد شحاً بتلك المثابة مثلا.
اذاً عندنا موضوع نوعية الأساتذة من حيث المهارات التعليمية، و عندنا موضوع نوعية الاستاذة من حيث طبيعة الموضوعات و حجم المتوفر من المختصين في هذه الموضوعات.
السبب الرابع: فقدان ثقافة التشويق و التشجيع عند الطاقم التعليمي
(طبعا بشكل نسبي نتكلم ما في هنا موجبة كلية) ، بشكل نسبي، لا تكاد تشعر ان الاستاذ يشجع الطالب. بل إن لم تشعر أحيانا أن الاستاذ يثبّت من ثقة الطالب بنفسه. هذا، انا لا اريد اعطي شواهد ،أزعم ان الجميع اذا قلت ارفعوا ايديكم سترفعون جميعا أياديكم. أزعم اننا جميعا عانينا من هذا.
نعم هناك أساتذة يقدّرون طلاب العلوم الدينية ويشجعونه ويبعثون في نفسه الأمل و يبعثون في نفسه المستقبل الزاهر. يرى امامه شيئاً مفرحاً يمكن ان يصل اليه. و هناك نوع من الاساتذة مثبّت. ،لا يشعرك .. إما هو لا مبال بك ، أو هو مثبت لك. ويقولون لك : الآن ليس الوقت ان تشكل على المحقق العراقي، الان وقت أن تفهم المحقق العراقي فأشكلته. (هكذا يقال لك مثلاً). من أنت حتى تشكل على السيد الخوئي؟! (اذا طمحَت نفسك في ان تسجل إشكالا على مسألة مثلاً عند السيد الخوئي في مجلس الدرس!) موجود هذا. يشعر بعض الطلاب بشيء من ذلك. من انت حتى تذهب لتشارك في مؤتمر علمي؟! ما زلت صغيراً لا تذهب. لا تذهب تشارك. لا تكتب. لا تتصّدر للموضوع الفلاني. لا تتصدر لتدريس الكتاب الفلاني.
ممكن في بعض الاحيان الاستاذ يكون على حق، والطالب لا يكون في مرحلة تؤهله لذلك. لكن احياناً يكون الاسلوب حتى لو كانت الفكرة على حق فضلاً عما اذا لم تكن على حق، مُثبّتاً و داعياً الطالب الى ان يلغي فكرة من هذا القبيل في ذهنه. وهذا امر خطير!
أخلاقيات الاساتذة و المعلمين في الحوزات العلمية وفي غير الحوزات العلمية، عنصر الاساس في التربية و التعليم. اذا لم تكن هذه الاخلاقيات جزء اساسي من هويتك كأستاذ، من الممكن ان تترك تأثيرا سلبياً على تلامذتك وعلى طلابك.
طبعا المثبتون المعنّفون للطلبة لديهم حجة. انا لا اقول بأنهم ليسوا بأخلاقيين . اليعاذ بالله. لكن لديهم حجة، ماهي الحجة؟ حفظ قداسة العلم و قداسة العلماء. نعم هذه حجة. لكن علينا أن نزن هذه الحجة بحجة أخرى وهي أن نحصل على علماء كأولئك العلماء. اذا اردت ان تحصل على علماء كاولئك العلماء لا يمكنك الا ان تستخدم سبيل التشجيع و التحفيز واذا لم تستخدمه لن يخرج الا أشخاص بعدد اصابع اليد.( هذه النقطة الرابعة.)
النقطة الخامسة: فقدان المهارات التعليمية
كثير (في ظني هذا ايضا له دور وهذا يرتبط ربما بالنقطة الثالثة) كثير من الادارات التعلمية في عدد من الحوزات العلمية، يختاروا الاستاذ بناء على علمه بالمادة التي يدرسها بناء على ما يملك من أبحاث بهذه المادة التي يدرسها. بناء على ما يملك من شرحات على هذه الكتب التي يدرسها مثلا. بناء على قدرته الذهنية على التحليل و الفهم. و لكن قليل من الإدارات التعليمة من يأخذ باعتبار مهارة الاستاذ في التعليم ايضا .
لايهم فقط ان يكون الاستاذ لديه القدرة الخاصة الذاتية على التأمل في الموضوع. انا لا اتعامل مع الاستاذ هنا على انه يتعامل مع نفسه و مع البحث. أنا اتعامل معه على انه يتعامل مع بشر يريد ان يؤثر عليهم و يريد ان يحثهم و يشجعهم. المهارات التعليمية مهمة جدا في هذا الإطار.
أعطي تجربة شخصية: عندما جئت الى الدراسة في قم، كان هناك يعني كان في استاذين بارزين وعلمين من الاعلام. وكنت أرى في احدهما انه اكثر دقة من الاخر. هكذا كان يبدو لي. و ربما هكذا يكون في الواقع. و لكنني لم اختر ذلك الذي كانت لديه تلك الدقة بل اخترت الثاني الذي لا يفصل له عن الاول شئ كبير. لماذا؟ لأنني وجدت في الثاني شخصاً قادرا على التنظيم، على الترتيب، على تناسق الافكار ،لا يهمني انا ان يعطيني الاستاذ مادة علمية فقط، يهمني ان يلقي ذهنه في ذهني. وأن أتأثر بقدرته التنظيمية، سيطرته على خارطة الابحاث، لترتيبه للموضوعات، لتأخيره ما حقه التأخير وتقديمه ما حقه التقديم. هذا بالنسبة لي ايضا هذا ضروري. اذا بقيت مع ذلك الاستاذ عشر سنوات اي الاستاذ الثاني، ربما أحصل على دقة علمية لكنني لا املك بعد ذلك الا الفوضى في التفكير، وفوضى التفكير ليس امراً محبوباً و مفضلاً في سياق النضوج العلمي.
السبب السادس: عدم احتكاك الطالب مع المحيط الثقافي و العلمي
في ظني أزمة عدم احتكاك طلاب العلوم الدينية مع المحيط الثقافي و العلمي. كما قلت انا اتكلم عن الجانب الثقافي والعلمي.كثير من الطلاب لا يحتكون بالفضاء الثقافي والعلمي في مجتمعاتهم الا الفضاء الثقافي و العلمي الحوزوي فقط.
و لذلك عندما يخرج إلى هناك، يصاب بالاحباط لعدم قدرته على إقناع الطرف الآخر. بسبب عدم وجود سياسة استراتيجية تفتح له الطريق للاحتكاك الثقافي و الفكري خارج إطار وأسوار أو الحرم الحوزوي (او صح التعبير).
دعوني أعطي مثالاً بسيطاً : اليوم مثلا وً هذا ما يجعله عاجزاً عن الحضور و اعتقد هذا ما يجعل الكثير منا عنيفاً في لغته، قاسياً على خصومه الفكريين خارج الاطار الحوزوي، و يركز دائما على شخصهم وانهم جهلة، لا يفقهون اكثر مما يركز على المادة الاشكالية التي يقدمونها. لماذا؟ لأنهم لا يقدرون على ان يدخل في جدلا حول المادة الاشكالية.
(دعني اعطي مثال بسيط جدا وان كان مازلت اخشى ان الوقت سيداهمنا): قبل خمس مئة عام وما قبل، محور كل تفكير البشر كان الله. اذا اردت ان تصف فعلا بأنه فعل جيد ماذا تقول: تقول؛ هذا يرضي الله.
اذا اردت ان تصف فعلا بأنه فعل قبيح، ماذا تقول؟ تقول: هذا يبغض الله. الله محور كل شيئ، محور توصيف الأفعال بالحسن والقبح كان في الثقافة العامة عند جميع الناس وليس فقط عند المسلمين.
لكننا منذ عصر النهضة الى يومنا هذا، دخلنا في فضاء جديد، هذا الفضاء الجديد هو فضاء الانسان، محورية الانسان “هيومانيزم ” دخلنا في بارادايم جديد. يعني في اطار ثانٍ للتفكير. و في هذا الإطار قواعد الاستدلال مختلفة، الاهداف مختلفة، الاولويات مختلفة، الحسن و القبح له معايير مختلفة. نحن في فضاء مركزية الله سبحانه و تعالى و نعيش في زمنٍ فضاءه مركزية الانسان.
الان اذا اراد مثلاً ان يصف فعل بأنه فعل حسن ماذا نقول نحن اليوم؟ الناس ماذا تقول؟ يقول: هو فعل انساني. هذه الكلمة لم يكن لها وجود قبل خمس مئة عام. لاتوصف الافعال الحسنة بأنها انسانية لكي تكشف عن حسنها . هذا لأننا دخلنا في بارادايم الانسانية. وبارادايم المذهب الانساني الذي اجتاح العالم بعد ان ابتلع الغرب برمته تقريبا.
ولذلك تراجَعَ الله في حياة الناس صار الله خلف القمام. كما يعبر الفيلسوف الاوروبي المعاصر طبعا توفي في الستينيات، فيلسوف المشهور مارتين بوبر، ليس كارل بوبر، هو يقول: كسوف الله، شمس الله كُسفت في زماننا، ترى الله، مكسوفة الشمس لم يعد هو معيار الحق و الباطل، معيار الحق و الباطل : الانسان.
الان الحوزوي الذي يعيش في بارادايم الله، والعالم اليوم كثير منه يعيش في بارادايم الانسان، ويريد الحوزوي الخارج من داخل باراديمه في الحوزة أن يخوض جدلاً معرفياً مع التيارات الفكرية الاخرى، صعب ،لان قواعد الاستدلال هناك مختلفة.
كيف ستستطيع ان تقنعه بقبح المثلية الجنسية؟ كيف ستتمكن ان تقنعه بقبح الانتحار ؟كيف تتمكن ان تقيم برهاناً اخلاقياً على ذلك وفق بارادايم جديد؟ نحن اليوم (باختصار) لسنا فقط في صراع افكار و لا في صراع حضارات و لا في صراع مذاهب و لا في صراع اديان، بل نحن (برأيي) في صراع بارادايمات. انساق فكرية اجنبية عن بعضها. و تتصايح و تتصارخ من خلف الجدار.
لذلك انت لا تستطيع ان تقنعه، لماذا هذا الامر مع انه غير انساني و مناف للحريات ومناف لحق الانسان لانه يفكر ببارادايم مختلف عن الباراديم الذي انت تفكر فيه .
شعور الطالب “هذا ما اريد ان اشدد عليه ” انه عاش عشرين عاماً في داخل بارادايم واحد والان دفعة واحدة أخرجتَهُ من هذا البارادايم، اخرجته من هذا البحر و وضعته في بارادايم اخر، ليواجه التحدي. سيشعره بالصعوبة ان يخوض تلك المعركة، صعوبة بالغة في ان يخوضها. لماذا ؟ لانه من الاول هو لم يعش تنوع التيارات الفكرية في مناهج التربية و التعليم عنده. لانه من الأول لم يُقَل له إحتك بالآخرين، بل قيل له: إياك و ان تحتك بهؤلاء سيجلبون لك الضلالة، طبيعي ، عندما سيحتك بهم سيكون من النادر أن يوفق.
ستشدد الصراعات في اوساطنا في في اوساط مجتمعاتنا وسنتصادم اكثر من القدرة على ان نتحاور.
العالم اليوم، في ثنائية الله و الانسان، بعض الوجوديين في المدرسة الوجودية “اغزيستانسياليزم” يقولون: لا يمكن للانسان ان يحيى اذا لم يبلغ الله نقطة الصفر خلاص، احذف الله حتى واحد بالمئة لا يقبلون له، نحن امام تحدي كبير في العالم، اذا لم تطلع على ذلك المحيط، اذا لم تحتك بذلك المحيط منذ مراحلك التعليمية، المتوسطة على الاقل ضمن توجيه وسياسة استراتيجية تعليمية حوزوية ستصاب بالإحباط الشديد عندما تواجه تلك التحديات. كما قلت انا اركز على جانب الثقافي و على الجانب العلمي.
السبب السابع: أزمة قلة المحفزات.
طبعا هذا موضوع مهم جداً و اعتقد اذا الان تكلمت عنه سنشعر به جميعا.
اصلاً يا استاذي العزيز في فائدة انت ان تتعلم، يعني اذا ذهبت الى مجتمعك (معذرة تعبيرنا اللبناني العامي: يبطعميك خبز؟) يعني انت محقق في اصول الفقه وانزلت الى بلدك وذهبت الى وطنك ما الفرق؟
شخص اخر بإمكانه ان يصعد الى المنبر وينجح بين الناس اكثر منك بعشرة الاف مرة، رغم إنه لايملك عشر معشارك ،ما في شيئ يحفزك على ان تتطور علمياً، فقط اذا بقيت داخل الحوزة تشعر بالتحفيز يعني داخل قوم انت تشعر بالمنافسة وبالرغبة ان تتقدم علمياً، لكن في الخارج عندما تخرج تشعر ان هذا الذي كنت تتصور انك محور العالم ظهر على انك خارج المنظومة الشمسية.
المحفزات قليلة، والمحفزات غير العلمية اكثر! ،الان يقول لك شخصاً (اعذروني ان اتكلم بصراحة)، يقول لك شخص انا و انت بعد روحي عشرين سنة و تدرس بحث خارج و فقه و اصول و نظريات و ابحاث ما الفائدة من وراء هذا يعني؟
بعد أن اذهب الى بلدي، نهايتها ان الله سبحانه و تعالى يتدخل و يسوي لي چاره “بالتعبير العراقي”، يسوي لي حالة معينة، بهذا التعبير و الا في الحالة الطبيعية، لا اجد شيئاً محفزاً ، ان اتعب كل هذا التعب و انا لا أشعر، اشعر بصعوبة بالغة خاصةً اذا لم أكن من الأسر العلمية خاصةً اذا لم أكن في فضاء ما ، يمكن ان يسمح لي ان أصل الى مكان ما.
هذه حقيقة يشعر بها الكثيرون لا اشعر بتحفيز، لا ، بل إذهب و رتّب صوتي احسن، اشتغل في وظيفة دعوية معينة افضل وراء مكتب ممكن اشتغل، ممكن اعيش اكثر ممكن، دائما الانسان يذهب على اثر محفزات،فيه محفزات مالية فيه محفزات اجتماعية، الان كونك عالم في الفقه و الاصول ليس محفزاً الا في الحوزة الا اتصير مرجع. هذه نقطة مهمة.
اذا فقدان شعور الانسان عدم وجود محيط محفز للعلم اصلاً. هذا ليس فقط في الحوزات هذا حتى في الجامعات لأن اغلب الجامعيين لا يهمه العلم لأنه ما في محفز. يهمه فقط الشهادة حتى يجد وظيفتاً وبالتالي لا يوجد شوق للعلم و الى الانتاج و الى الابداع العلمي لعدم وجود المحفزات.
السبب الثامن: العجز عن عدم تحديد موقعيتهم العلمية و مكانتهم
عجز العديد من طلاب العلوم الدينية عن تحديد موقعيتهم العلمية و مكانتهم بسبب عدم وجود معايير و جهات إدارية محايدة، تمنحهم موقعهم العلمي وتحدد لهم موقعهم العلمي.
انت درست الان مثلا سبع سنوات بعد خارج وسألتك سؤال وين تجد نفسك؟ كثيرون لا يعرفون أين ! مجتهد؟ والله مو مجتهد. نصف مجتهد ربع مجتهد ثلاثة ارباع ؟؟ مجتهد موفق غير موفق؟ ما تعرف شيئ. بينما لو كانت هناك جهة محايدة، موضوعية وتراقب الوضع الفضاء العام، كان كذلك و تستطيع أن تحدد لك بإعانتها لك تستطيع ان تحدد لك موقعك انت صرت الان في النقطة الفلانية و انت على الخارطة في المكان الفلاني و انت قطعت الخطوة الفلانيه، انت تقترب من الغاية الفلانية ممكن، اما بوحدك ستشعر بصعوبة.
عدم وجود سياسة عامة تحدد للطالب موقعه في ظل عدم وجود خطة استراتيجية في هذا الاطار. نعم كثير من طلاب العلوم الدينية يمكن يكون معه شهادة دكتوراه في الحوزة أو ماجستير في الحوزة لكن هو في واقع نفسه ما يعرف هو وين؟ و لايستطيع ان يحدد نفسه! و انتم تعرفون ان أزمة الاجتهادات هي أزمة كبيرة لأن ليس لها ضوابط محددة الان عملياً ،نظرياً لها ضوابط لكن عملياً ليس لها ضوابط.
السبب التاسع: العوامل الاقتصادية و الأسرية الضاغطة
أيضا الذي يؤدي الى هذه الحالة، العوامل الاقتصادية و الأسرية الضاغطة وهذا العامل المهم جداً. يعجزه عن استخدام الزمان و الوقت، يعجزه عن يكون له تفرغ ذهني و هذه نقطة مهمة تشغل تفكيره بطريقة سلبية هذا يحتاج الى اهتمام.
السبب العاشر: ازدياد عدد طلاب العلوم الدينية
قبل 1950 يقال عدد الطلاب في مدينة النجف كان لايزيد عن خمسة الاف شخص. اكبر حاضرة علمية حوزوية في ذلك الزمان.
اليوم انت تتكلم عن عشرات الالاف و ارقام هائلة في العالم هذا الإزدياد ليس امراً بسيطاً. هذا له نتائجه الايجابية و له تحدياته أيضاً . انت أصبحت تتكلم عن الاف بالمئة ازداد عدد طلاب العلوم الدينية. هذا بسوي ضغط مالي، هذا بسوي اجتماعي هذا بسوي ضغط اقتصادي هذا بسوي عبء كبير على الجهات الإدارية. هذا كله تحدي.
سابقاً الأمور لم تكن كذلك و هذا مهم جداً. “لاحظوا معي” مراحل المقدمات في الجامعات عندما تذهب الى مراحل الدكتوراه عادتاً يكون عدد طلاب العلوم الدينية اقل يكون التمركز عليهم عددهم اربعة خمسة، كل الثقل يكون عليهم.
الاستاذة يوزعون طاقتهم على خمسة اشخاص بينما في المراحل الاولى الليسانس و البكلوريوس تجد عدد طلاب العلوم الدينية بالعشرات بالمئات في قاعات الجامعات صحيح.
نحن بالعكس، نحن في مراحل المقدمات عدد الحضور في الصف كم؟ قليل! لكن عدد الحضور في مراحل الدراسات العليا كثير الاستاذ لم يستطيع أن يغطي. لم يتمكن بسهولة من تغطية و مراقبة اوضاع الطلبة والاهتمام بشأنهم وترقيتهم و تمركز الطاقة عليهم وهذا ايضا هذا تحديٍ فرضته الزيادات الكمية في اعداد طلاب العلوم الدينية.
إذاً هذه النقطة اعتقد انها مهمة لذلك انا شخصياً اعتبر ان مرحلة البحث الخارج في الحوزات العلمية ليست مرحلة تعليمية الآن! مرحلة البحث الخارج هي شخص أنهى مراحله التعليمية و دخل الى مدينة مليئة بالبحاثة الكبار، و كل بحاثة يعرض بضائعه وابحاثه و انت تجول على هذا السوق المتنوع البضائعي وتختبر هذا التنوع وتستفيد منه و الى الجوانب التعليمية، لا ،ليست موجودة ،الجوانب التعليمة أقل. بل بعض طلاب العلوم الدينية في مرحلة البحث الخارج يشعرون بالنقاهة اكثر، لأن عندهم امتحان واحد في السنة ،واحد فقه و واحد اصول.
طبعا بعض الحوزات حاولت تلافي هذه المشاكل مشكورة، لكن الأمر ليس مسيطراً عليه في ظروف موضوعية تجعله صعباً. انت الان في مرحلة الخارج مرة او مرتين تحس حالك،، خصوصاً مع سياسة عدم تدوين الحضور و الغياب تكون هذه نتيجة طبيعية و اذاً هذا تحدي ايضا وهذا سبب ادى الى كل هذا الاحساس في هذا السياق.
السبب الحادي عشر: عدم وجود افق زمني محدد للعملية التعليمية
يعني انت تدخل ماتعرف متى تنتهي و ما فيك تعرف. و حتى في مؤسسات العلمية التي وضعت مدداً زمنية من الصعب أن يتم الانضباط للمدة الزمنية، مثلا: خمس سنوات اتخلص اليسانس في الحوزة عملياً انت ابحث من الطلبة اقل واحد يمكن سبع او ثمن سنوات الى عشرة حتى خلص هذه المرحلة لماذا؟ لانه ما في معيار صارم ربما لا تستطيع الادارة ايضا يمكن نفس الادارة لا تستطيع فيه ضغوط موضوعية خارجية في هذا السياق. ايضا و هذه نقطة مهمة جداً في هذا الامر و لا اريد ان اطيل بعد.
السبب الثاني عشر: كثرة العطل
اضافة الى كثرة العطل التي ترهق وتشتت ذهن الطالب اذا لم يكن لديه برنامج في العطلة. سابقاً كان العلماء في الحوزات العلمية عندهم ما يسمى بدروس التعطيل وكانوا يعطون دروساً اختيارية في شهر رمضان المبارك و مناسبات اخرى و تخصصية ايضا و ليس فقط دروس عامة، هذا كانوا يعني يوظفون الوقت حتى في فترة العطلة في هذا السياق.
السبب الثالثة عشرة : فقدان الفضاء الايجابي للحرية
ايضا اشير فقط الى نقطتين، فقدان الفضاء الايجابي للحرية في اوساطنا. هذه نقطة يعني اعتقد انها مهمة جدا. الشخص المتفق الذهن، الشخص الذكي، الشخص الذي لديه خلاقية ذهنيه هو دائما طبيعي يخرج خارج المربع في افكاره.
اذا في مجلس الدرس لا يستطيع ان يبوح بهذه التساؤلات. اذا في محضر الطلبة لا يستطيع ان يبوح بهذه التساؤلات. أين يبوح بها؟ سيبقى ساكتاً. ستحصل في ذاته شخصيتان شخصية حقيقية و شخصية هي التي يريدها الاخرون من حوله. سيشعر بالازدواجية. سيبقى في حالة من اختناق. و هذا يشعر به كل من يعيش الفضاء الحوزوي و يختلف في تفكيره عن الفضاء. لأن لا يشعر بأنه يمكن اني كون متقبلاً اذا افصح ولو على نحو التساؤلات عن اثاراته الفكرية، عن افكاره.
لا يوجد فضاء ايجابي، الفضاء الايجابي ينبغي ان يكون موجودا، فليطرح افكاره في داخل الوسط و ليتقبل. هذا سيشجعه علي التفكير، و الا فانت تقتل في داخله حس الابداع، و تشعره بأن الابداع خطيئة و بأنه جرح اذا أبدع فكأنه يؤلم نفسه لأن المحيط يكرهه وسيشعر انه صار منبوذاً و بالتالي سيتخلى عن هذه المهمة شئت انت ام أبيت سيتخلى عن هذه المهمة وسيضطر ان يعيش الحالة التكرارية في حياته في هذا السياق.
السبب الرابعة عشرة: ضعف اساتذة المقدمات
نقطة ايضا اخرى ما قبل الآخيرة : أشير اليها، و هو ضعف اساتذة المقدمات هذه نقطة مهمة تؤدي الى تراجع الحالة العلمية. يعني الان الاساتذة الاقوياء يمكن ما يناسبه او ظروفه لا تسمح يعني نحن لا نستطيع ان نلومه، لا تسمح في ان يدرس مثلا المقدمات.
فيتصدى في العادة غالباً لتدريس المقدمات، عادتا، لا اقول دائما، يعني بنسبة معتد بها، اشخاص ربما لاتكون لديهم تلك القدرة الكافية مرحلة المقدمات بالغة الاهمية للطالب اذا حضره الطالب ضعيفا يمكن ان تؤثر على كل مسيرته العلمية اذا كان يدرس المقدمات تحت منبر اساتذة اقوياء من الممكن حينئذ ان تكون بنيته الأولية قويه. عدم وجود اهتمام بمرحلة المقدمات لتقديم مهام الطالب عبر اساتذة او كادر علمي قوي معتد به، يمكن ان يؤدي الى ضمور رغبة الطالب او الى صعوده الى مراحله العليا غير قوي وغير متين وهذا ما سيؤدي الى تراجع المستوى العلمي عموماً في الحوزات.
،هذا كله اضافة الى الحالة الموجودة في بعض المجتمعات سيما عند النخب من النظرة السلبية الى عالم الدين و رجل الدين. رجل الدين بالنسبة اليهم تحول الى قصاص ، الى واعظ من وعاظ السلطة. رجل الدين بالنسبة اليه رجل تبريري ليس تغييري. فقط يبرر الواقع. كل حياته يبرر الواقع و يبرر الأخطاء و يختلق الاعذار لمن هم من جماعته و من حوله.
وهكذا باتوا ينظرون اليه هذه النظرة السلبية بعض الطلبة يشعر بضغط نفسي تجاهها. لماذا، تشعره وكأنه عقدة حقارة! الطلاب العلم ليسوا متقدمين! ليسوا علماء! ليسوا مطلعين! ليسوا مثقفين و.. هذا دائماً يشعره بضغط نفسي وبالتالي ممكن ان يشعر بشيئ من الإرباك في مسيرته العلمية. الآن بصرف النظر اولئك على حق او لا نتكلم عن حالة توصيفية ؟ هذه في تقديري بعض اسباب الموضوعية المحيطة التي تؤثر بقوة على وضع طالب العلم النفسي و الروحي والسلوكي العلمي و التعليمي وعلى رغبته و شوقه و حماسته في ان يتقدم في مسيرته العلمية.
لكن، لا ينبغي ان تلقي دائما باللوم على غيرك. طالب العلم هو ايضا على المستوى الفردي يتحمل بعض بالمسؤوليات.
يتبع..
ألقيت هذه المحاضرة في قاعة معهد الثقلين، في مدينة قم، في إيران، بتاريخ 6 ـ 12 ـ 2017م ليلية السابعة عشر من ربيع الأول ليلة البعثة النبوية
2 – ظاهرة الإحباط والتراجع في مسيرة طلاب العلوم الدينية الدراسيّة (2).. أسباب ذاتية فردية
3 – ظاهرة الإحباط والتراجع في مسيرة طلاب العلوم الدينية الدراسيّة (3).. مقترحات للعلاج