خاص الاجتهاد: يُصادف 23 من شهر تشرين الأول/أكتوبر لهذا العام الذكرى الثامنة والأربعون لوفاة آية الله السيد مصطفى الخميني”ره” في النجف الأشرف، إبان فترة نفي الإمام الخميني(قدس سره) (في عام 1977م) على الرغم من أن الأدبيات الرسمية تشير إلى هذه الوفاة بـ “الشهادة”، إلا أن الإمام الخميني نفسه كان يتحفظ عن إطلاق تعبير “الشهيد” على نجله، واكتفى بالقول في وصف الحادثة: “إنه من الألطاف الإلهية الخفية”.
من الناحية السياسية، كانت وفاته هي الشرارة التي حطمت حظر ذكر اسم الإمام بعد 13 عاماً، مما دفع نظام الشاه لارتكاب خطأ مهلك تمثّل في المقال المهين والمستفز في صحيفة “اطلاعات”، الذي كان بمثابة عود ثقاب أشعل مخزن بارود. ومع ذلك، فإن رواية زوجة آية الله السيد مصطفى الخميني لا تحوّل الشك إلى يقين؛ لا بالرحيل الطبيعي ولا بالشهادة.
على الرغم من المشقات والضغوط الهائلة التي واجهتها السيدة الفاضلة معصومة حائري، كريمة آية الله الشيخ مرتضى الحائري وزوجة آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني، خاصة في فترة الغربة التي تبعت نفي الإمام الخميني، وما أعقبها من مصيبة استشهاد زوجها؛ حافظت هذه السيدة على دورها كأمّ وركيزة للأسرة في غياب عائلها. ولم تتمكن أي عارضة من إحداث انقطاع في مسيرة حياتها الأخلاقية، والفكرية، والاجتماعية. وما زالت مُخلصة لـ “مصطفى” ومرجع “مصطفى” (الإمام الخميني)، وهي تتذكر الأيام الجميلة برفقتهما في حديثها لـ مجلة “حريم إمام”.
إذا كان لديك ذكريات ونكات حول زواجك بالمرحوم الحاج آقا مصطفى، فتفضلي بها.
الحائري: في الواقع، لم أكن أرغب في الزواج وكانت نيتي مواصلة دراستي والسفر إلى الخارج. لكن وفقاً للعادات المتبعة والروتين السائد في الأسر التقليدية، كان رأي والدي أن أتزوج، وقد وافقتُ على ذلك. ولأن المرحوم الحاج آقا مصطفى كان يُكنّ لوالدي المودة، فقد تقدم لخطبتي، ووافق والدي أيضاً، لثقته بالإمام (الخميني) وبالحاج آقا مصطفى. لكن والدتي قالت: موافقتك وحدها لا تكفي، يجب أن توافق الفتاة أيضاً. كيف وافقت على زواجهما رغم أن الفتاة لم ترَ آقا مصطفى بعد؟!
أعطانا والدي عنوان محل مباحثة الحاج آقا مصطفى وقال:”اذهبا غداً وشاهداه بعد الانتهاء من مباحثته. في اليوم التالي، ذهبتُ أنا ووالدتي إلى المكان الذي أعطانا والدي عنوانه، فرأينا الحاج آقا مصطفى الذي كان مميزاً بين سائر الطلبة؛ كان طويل القامة، وذا مظهر حسن جداً، وبدا لي حديثاً وعصرياً. وعلى الرغم من كونه رجل دين ويرتدي الزي الحوزوي، كان واضحاً أنه يختلف عن باقي رجال الدين والطلبة.
أعلنتُ موافقتي، وتم عقد القران، وتزوجنا بعد عام. كان الحاج آقا مصطفى إنساناً جيداً وفهِيماً، وكنا متوافقين ومتآلفين، وكانت أفكارنا وعقائدنا منسجمة.
مع اندلاع وقائع الثورة ونفي الإمام الخميني ونجله الحاج آقا مصطفى إلى تركيا ثم العراق، انتقلتُ أنا أيضاً إلى النجف برفقة زوجة الإمام. ولم أرَ والديّ لحوالي ثلاث سنوات، وكان التواصل بالهاتف أو الرسائل مستحيلاً. كان انقطاع الأخبار عن والدي ووالدتي وصعوبة معرفة حالتهما يمثل مشقة كبرى لي في ريعان شبابي.
هل ذهبتِ إلى تركيا أثناء نفي الإمام والحاج آقا مصطفى؟
الحائري: كان الحاج آقا مصطفى يرغب بشدة في لحاقي أنا والأطفال به إلى تركيا، لكن الإمام عارض وقال إن الأوضاع غير ملائمة لحضورنا.
ويُشار إلى أن المرحوم الحاج آقا مصطفى كان متضايقاً من حضور بعض رجال الدين في النجف ممن يحملون أفكاراً متحجرة. وبسبب وجود هؤلاء في “البرّاني” للإمام، تجنب الجلوس هناك حوالي عشر سنوات، وكان يعبّر بانزعاج وعصبية شديدة قائلاً: ما هذا الفعل؟ يجلسون في البرّاني ويحتسون الشاي ويتحدثون عن اللحوم وما شاكلها! ولكنه كان يحترم ويُفضّل مجلس المرحوم آية الله الخوئي.
هل كنتم تمتلكون منزلاً مستقلاً في النجف أم كنتم تقيمون في منزل الإمام؟
الحائري: في البداية، كنا نعيش مع الإمام، وكان يكنّ لي الكثير من المودة. أتذكر أنه كل أسبوع، عندما كان يريد إصلاح شعره وحلاقته، كان يقول لي:تعالي واجلسي أمامي لنتحدث معاً ونحن نحلق.
في ذلك الوقت، كان سماحته يحلق لنفسه بنفسه. وبالإضافة إلى تقصير شعر الرأس والوجه، كان يقص أيضاً حاجبيه الكثيفين اللذين كانا يغطيان عينيه. وكانت رموش الإمام طويلة جداً، فكنتُ أقول مازحة: قصّوا رموشكم أيضاً.
كان سماحته نظيفاً جداً ومهتماً بمراعاة قواعد النظافة، لدرجة أننا كنا نضع له شوكتين على المائدة؛ ليأخذ كل نوع من الطعام بشوكة منفصلة إذا كان هناك نوعان. كان سماحته مهتماً بالنظافة والمراعاة إلى درجة أنني كنتُ أقول له: لقد رأيتُ عوائل كثيرة من رجال الدين، لكنكم أكثرهم حداثة وعصرية.
هل كان الحاج آقا مصطفى، كالإمام، منظماً ونظيفاً ومهتماً بمراعاة النظافة؟
الحائري: كان هو أيضاً شديد المراعاة؛ لكنه في هذا الجانب لم يكن يوجه تذكيراً لأحد غيري. وبالعودة إلى سؤالك السابق، بعد فترة، استأجرنا منزلاً بالقرب من منزل سماحة الإمام وانتقلنا إليه؛ لكني كنت أواظب على زيارة منزل الإمام، وكنت أقوم ببعض أعمال المنزل، ومنها كيّ ملابس الإمام والسيدة. وكان الإمام مُقيّداً بارتداء ملابس نظيفة ومكوية. ولأن الجو كان حاراً، كنا نغسل القباء الصيفي بسرعة، وكنتُ أنا أكويها، وهي عادة كان الإمام يحافظ عليها في إيران أيضاً، لكن هناك كان لديهم خادم للكي.
كما يعلم الجميع، كان الحاج آقا مصطفى كثير المزاح خارج المنزل ومع رفاقه. فهل كان كذلك في المنزل أيضاً؟
الحائري: لم يكن آقا مصطفى كباقي رجال الدين؛ بل كان عصرياً ومواكباً للحداثة، ولم يكن يتشدد في الكثير من القضايا، كـالحجاب. ولم يطلب مني أبداً أن أضع “البوشية” كما كان متعارفاً بين نساء النجف، خاصة زوجات رجال الدين. لكن الآخرين كانوا متشددين في هذا الأمر وينقلون الخبر للإمام إذا خرجنا دونها.
أتذكر يوماً أنني لم أُسدل البوشية، فتبعني رجل دين حتى باب المنزل، وبعد أن عرف مكانه، نقل القصة للحاج آقا مصطفى. لكن الحاج آقا مصطفى، الذي لم يكن يؤمن بهذه التشددات أصلاً، وبّخ ذلك الرجل بدلاً من أن يجاريه. لم يكن آقا مصطفى راضياً عن وضع النجف، وكان يقول: “لولا الإمام، لعدت إلى إيران”، مع علمه بأنه كان سيُعتقَل هناك.
إذا أمكن، اشرحي لنا تفاصيل حادثة الرحيل المشبوه للحاج آقا مصطفى.
الحائري: كانت لدينا خادمة، يزدية الأصل، وقد أحضرها والدي لمساعدتي عند زواجي، وبقيت معي في النجف حتى وفاتها. سأروي لكم قضايا ليلة رحيل الحاج آقا مصطفى على لسان هذه الخادمة التي كنا نناديها “نَنَه”، والتي كانت امرأة فهيمة جداً وواسعة المعرفة رغم أمّيتها، ولذا كان الإمام نفسه يحترمها. أنا شخصياً كنت مريضة ونائمة في الطابق السفلي مع الأطفال.
قالت “ننه” إن الحاج آقا مصطفى عندما عاد إلى المنزل تلك الليلة، قال لها: “أغلقي الباب، لكن لا تقفليه؛ لأن شخصاً ما سيزورني. اذهبي أنتِ أيضاً للنوم”.
قالت “ننه”: “ذهبتُ إلى غرفتي، لكني لم أنم”. كانت غرفتها مقابل باب المنزل، حيث كان بإمكانها رؤية من يدخل ويخرج. صعد الحاج آقا مصطفى كالعادة إلى مكتبته في الطابق العلوي للمطالعة. كانت عادة الحاج آقا مصطفى المطالعة من أول الليل حتى أذان الفجر، وبعد الأذان يصلي صلاة الصبح وينام.
شاهدت “ننه” تلك الليلة الأشخاص الذين ذهبوا لزيارة آقا مصطفى وتعرفت عليهم جميعاً، لكنها رفضت ذكر أسماء أي منهم لنا مهما ألححنا عليها.
في الصباح الباكر، أخذت “ننه” الإفطار للحاج آقا مصطفى ونادته ليتناوله، لكنها رأته لا يستيقظ. فجاءت إلي وقالت: “كلما ناديتُ الحاج آقا مصطفى لا يستيقظ”. صعدتُ إلى الطابق العلوي، فرأيت الحاج آقا مصطفى مائلاً ومنحنياً على الطاولة الصغيرة أمامه في وضعية الجلوس. تقدمتُ ورفعته من على الطاولة وأسندتُه على الأرض، فوجدتُ جسده ساخناً جداً، ومبتلاً بالكامل من العرق الغزير، مع وجود مناطق زرقاء في بعض أجزاء جسده… حضر بعض الجيران وحملوا الحاج آقا مصطفى إلى المستشفى، ولكن الأمر كان قد قُضي وكان الحاج آقا مصطفى قد فارق الحياة.
كيف كانت ردود فعل الإمام والسيدة تجاه رحيل الحاج آقا مصطفى؟
الحائري: لم نشاهد من الإمام أي دموع أو نحيب أو أي شكل من أشكال التعبير عن الحزن؛ فقد كان رجلاً مهيباً وجدياً بشكل يفوق الوصف. أما السيدة (زوجته)، فعلى الرغم من أنها لم تجهش بالبكاء أمام الناس، إلا أنها كانت تبكي في السر. كانت تصعد إلى الطابق الثاني، وتأخذ الـ “شَمد” الذي كان الحاج آقا مصطفى يضعه على كتفيه أثناء الصلاة، وتضعه على صدرها، وتذرف الدموع وتنتحب بحرقة.
مودة الإمام الخميني لأحفاده: عناية غير قابلة للوصف وتدقيق في التعليم
إن علاقة ومحبة الإمام الخميني لأطفالي كانت كبيرة جداً ولا يمكن وصفها. لقد كان تعامله واهتمامه بأبنائي مختلفاً عن أي شخص آخر. عندما كان حسين يذهب إليه، كان يقول له: “اجلس وكُل فاكهة، برتقالة مثلاً، لأرى أنك أكلتها بالفعل”.
وكان يتعامل مع مريم بلطف ومودة كبيرين، مثل معاملته لحسين تماماً. بلغت هذه المودة درجة أن الحاج آقا مصطفى نفسه قال لي: “أنا أتعجب من محبتك الاستثنائية لهذين الطفلين”. فرد الإمام عليه: “إذا أصبحتَ جَدّاً، ستفهم شعوري”.
أتذكر أنه عندما بلغت مريم سن المدرسة، أرسلها الحاج آقا مصطفى، بدلاً من المدرسة الرسمية، إلى معهد لتعليم اللغة العربية والقرآن أسسته أخت الشهيد الصدر (المرحوم). وأتقنت مريم اللغة العربية والقرآن ببراعة، حتى أن السيدة الصدر جاءت وقالت: “مريم تتحدث العربية كـ “البلبل”، فلماذا لا تسمحون لها بالذهاب إلى المدرسة ومتابعة الدراسة؟”
كم عدد الأبناء الذين أنجبتم من زواجكم بالحاج آقا مصطفى؟
الحائري: رزقني الله أربعة أبناء، توفي منهم اثنان، ولم يبقَ لي الآن سوى حسين ومريم.
ما هو سبب وفاة هذين الطفلين؟ وأين توفيا؟
الحائري: كلاهما كانتا فتاتين، توفيت إحداهما في إيران والأخرى في النجف.
الأولى توفيت بعد أيام قليلة من ولادتها. وربما يعود سبب وفاتها إلى أن أوضاعنا كانت مضطربة وسيئة للغاية ومتقلبة في تلك الأيام بسبب مسائل الثورة. ففي الأيام التي وُلدت فيها هذه الطفلة حديثاً، اقتحمت القوات الحكومية منزلنا، مما أثار الخوف والهلع، وكانت حالتي الصحية سيئة جداً، وربما توفيت هذه الطفلة نتيجة لتلك الظروف.
أما الثانية، فقد توفيت مباشرة بعد ولادتها بسبب مرض قاتل. بالطبع، قال لي البعض إن هذا الطفل كان ولداً، لكن المحيطين بي أخبروني أنها كانت بنتاً، لكي لا أحزن أكثر من اللازم.
كيف كانت شخصية الحاج آقا مصطفى؟
الحائري: كان الحاج آقا مصطفى عصرياً ومُحَدَّثاً جداً، ولم يكن يشبه رجال الدين الآخرين؛ فلم يكن يرتدي النعلين كبقية رجال الدين، وكانت أحذيته تأتي من الخارج. وبسبب هذه الأوصاف، كانت الحياة في النجف صعبة جداً عليه.
كان الإمام والحاج آقا مصطفى كلاهما عجيبين وغريبين في طبعهم؛ فعلى سبيل المثال، كان الإمام منظماً ودقيقاً للغاية، وكان دائماً يأكل طعامه في الوقت المحدد بالضبط. وفي هذا الصدد، تُروى هذه القصة المثيرة للاهتمام: في زمن نفي الإمام في النجف، كنا أنا والسيدة (زوجة الإمام) نذهب أحياناً إلى إيران، وكان الإمام يبقى وحيداً. ولذلك، كان الحاج آقا مصطفى يذهب إليه ليتناولا الطعام معاً، كي لا يبقى الإمام وحيداً.
في أحد الأيام، ذهب الحاج آقا مصطفى متأخراً قليلاً، فوجد الإمام قد تناول طعامه في الموعد المحدد وكعادته، ولم ينتظره. بعد ذلك اليوم، كان الحاج آقا مصطفى يذهب كل يوم ويجلس بجانب الإمام وقت الطعام ويكتفي بالنظر دون أن يمد يده للطعام، وكان الإمام يستمر في الأكل وكأن شيئاً لم يحدث، دون أن يعرض على الحاج آقا مصطفى أن يأكل معه إطلاقاً. “الأب والابن كانا يعرفان كيف يتصرفان” وكان كل منهما يعرف مقصده. على أي حال، كان الإمام والسيدة (زوجته) مرتبين ومنظمين ودقيقين جداً، لأن السيدة كانت في الأصل من طهران وعصرية ومن عائلة أصيلة، والإمام نفسه كان ذا أصالة عائلية رفيعة، كما أن أخاه المرحوم السيد بسنديده كان رجلاً محترماً بكل معنى الكلمة.
قال حسين آقا (الحفيد): “بعد رحيل الحاج آقا مصطفى، لولا قيام الحركة الثورية وانصراف فكر الإمام واهتمامه إلى هذه المسائل، لمات الإمام كمداً من شدة الحزن على مصطفى”.
الحائري: نعم، الأمر كذلك. كان سماحة الإمام بالفعل يكنّ للحاج آقا مصطفى محبة عظيمة، ولكن نظام شخصيته وتركيبته كانا يمنعانه من إظهار حزنه وغمه.
كيف كانت شخصية الإمام وسلوكه؟
الحائري: كان سماحة الإمام من أفضل الشخصيات التي رأيتها. كان كريماً حقيقياً، وعصرياً ومُحدَّثاً جداً. أتذكر أنني كنت أضع له بعضاً من التفاح والبرتقال في طبق وآتي به لأضعه بجانب سجادته ليتناوله عندما يستيقظ للتهجد وصلاة الليل.
عشتُ مع الإمام، وأعجبتُ بكل حركاته وسكناته، ولم يفعل قط ما يُزعجني، وكان شديد المحبة لي، وكما ذكرت، كان نظيفاً ومنظماً للغاية. أتذكر مرة أن طرف قبائه لامس طبق طعام أو ما شابهه، فقام فوراً بلملمة طرف القباء وتوجه إلى المغسل، خلع القباء وغسل طرفه، ثم عاد. سألتُه مرة: “كيف أنت عصري وحديث ونظيف ومنظم إلى هذا الحد، وقد نشأت في خُمَين (القرية)؟!”. فكان يكتفي بالضحك.
كنتُ، على الرغم من أنني من محارم الإمام، أرتدي أمامه عباءة الشيت المنزلية، فكان الحاج آقا مصطفى يقول لي: “لماذا تذهبين إلى الإمام بالعباءة؟!”. كنتُ أجيب: “هكذا كانت العادة في عائلتنا وقد اعتدنا عليها”.
استمر الأمر هكذا حتى تزوج أحمد آقا، وكانت زوجته تأتي أمام الإمام دون ارتداء عباءة. حينها، قال لي الحاج آقا مصطفى: “الأفضل أن تستمري أنتِ في ارتداء العباءة أمام الإمام”.
هل كان الحاج آقا مصطفى من أهل التهجُّد والقيام والمناجاة؟
الحائري: نعم، وإلى جانب هذه التقيُّدات والالتزامات العبادية، كان مُحَدَّثاً وعصرياً جداً. لدرجة أننا عندما كنا نسافر، كان يقول لي: “ارفعي العباءة أو الشادُر العربي عن رأسك!” كنت أظن أنه يمزح ويلاطفني، لكنني رأيت أنه كان جاداً جداً في قوله: عندما نخرج، ارفعي الشادُر وارتدي الوشاح واربطيه بإحكام، والبسي لباساً مناسباً لتكوني مرتاحة وتتمكني من التنقل بسهولة. هو نفسه لم يكن مُقيَّداً كثيراً بالالتزامات الشكلية التي يتقيّد بها رجال الدين التقليديون.
هل لديك ذكريات حول علاقة الإمام موسى الصدر بالحاج آقا مصطفى؟
الحائري: كان الإمام موسى الصدر صديقاً حميماً جداً للحاج آقا مصطفى، وكان يأتي إلى منزلنا في النجف، بل وكان ينام في منزلنا أحياناً. أتذكر أنه بسبب قامته الطويلة، كانت قدماه تبرزان من اللحاف والبطانية.
وللتذكير، كان الإمام موسى الصدر عاشقاً لوالدي (آية الله الحائري)، وسعياً منه للتقرّب أكثر من أبي، خطب أختي التي كانت حينها صغيرة، في حوالي الحادية عشرة من عمرها. لكن والدي اعتذر بلطف قائلاً: أولاً، هذه الفتاة لا تزال طفلة، وثانياً، قامتك المديدة وشموخك لا يتناسبان معها من الناحية الظاهرية. أختي أصغر مني بعشر سنوات، وهي متعلمة، وحاصلة على دراسات عليا، وتعيش في قم، ونتواصل مع بعضنا هاتفياً الآن بعد أن أصبحتُ مقعدة وألزمني المرض الفراش.