الاجتهاد: إذا ورد نصّ بنقل زيادة ونصّ بنقل نقيصة، فهل بناء العقلاء علی تعارض النقلين وتساقطهما، أو علی الأخذ بجانب الزيادة؟ الحقّ الثاني، وتم الاعتماد في الوصول الی النتيجة على منهج توصیفيّ تحلیلي کما تم الترکیز على تطبیقات المسألة واستشکفاف خفایاها فکانت حصیلة ذلک الوقوف علی شروط جریان أصالة عدم الزیادة وعلی صور جریانها الذي یعتدّ بها ولم أجد من تعرض لذلك.
إنّ من أهمّ المقدمات العلمیّة ابداء غایة المجهود في تحصیل الأحکام الشرعیّة عن أدلّتها التفصیلّیة، والاستعانة بکل ما له دخلٌ في الوصول إلی الغایة المذکورة.
ومن جملة ما له دخلٌ في ذلك معرفة ما ینبغي فعله عند مواجهة خبر نُقِل بنحوین یشتمل أحدهما علی زیادة والآخر علی نقیصة نسبیّة، وهو بحث تعرّض له بعض الأُصولیین المتأخرین ضمن أبحاث تعارض الأدلة وجمع من الفقهاء خلال أبحاثهم الفقهیّة، وحیث أنّ الموارد التی تتردّد نصوص أدلتها بین الزیادة والنقیصة کثیرة كان البحث المذکور ذا أهمیة بالغة،
وبما أنّ الاصولیین والفقهاء لم یتعرّضوا لهذا البحث بالتفصیل مع شدّة أهمیّته أقتضت الضرورة التعرض لما غفلوا عنه قدس الله اسرارهم و هو شروط جریان القاعدة المذکورة وأهم صور جریانها وهو أمر ضروري لابدّ منه، وهو بحث تحلیلي توصیفي، والنتیجة التي توصلنا الیها هي القول بجریان أصالة عدم الزيادة إذا احتوی النّص المردّد بین الزیادة والنقیصة علی الشرائط.
المبحث الاُول: شروط الأخذ بأصالة عدم الزیادة
إنّ شروط جریان أصالة عدم الزيادة تسعة یلزم إحراز بعضها و یکفی الاحتمال فی بعضها الاخر ویعرف ذلك من التأمل فی مواردها و الشروط ما یلي:
1- إحراز وحدة الواقعة الّتي یحکیها النقلان.
2 – إحراز وحدة الراوی بلا واسطة التي یحکی السنّة فاذا نقل السنّة راویان کانا حاضرین في المجلس بإختلاف في العبارة یدخل في الروایتین ویخرج عن المتیقَّن من أصالة عدم الزيادة.
3 – احراز وحدة النقل فإذا نقل الراوي الواقعة في زمان ثمّ نقلها بإختلاف في زمانٍ آخر تخرج عن المتیقَّن من أصالة عدم الزيادة.
4 – احتمال أن تكون الزیادة ناشئة عن غفلة الناسخ و خطاء الحواسّ حین استنساخ المكتوب فإنّ في مثله مجالاً لدعوی أنّ ما یسقط حین الكتابة سهواً كثیرٌ وما یضاف حینها سهواً قلیلٌ،
ویخرج بذلك ما اذا احرز عن محل البحث من الموارد التالیة:
أ. إذا أراد أن یلقی علی تلمیذه عن ظهر قلبه فیعتقد وجود كلمة فیزیدهاأو ینسی كلمة فیحذفها.
ب. إذا أراد أن ینقل الحدیث بالمعنی فإنّ في مثله قد یتوهّم وجود شیء فیزیده فیه، وهل یعتبر إحراز نشوء الزیادة عن خطأ الحواسّ أو یكفي إمكان ذلك؟ وعلی الأوّل یلزم أن نفصّل بین الصور الثلاث الآتیة وعلی الثاني ینتفي التفصیل وسیأتي توضیحه.
ج. ان یوجد داعٍ عقلائيّ علی التعمّد، كما إذا كان المحتوی اعتقادیّا لایلتئم مع معتقدات جمع فنحتمل أنّ المستنسخ منهم وأنّه زاد في نقل لیوافق المنقول مذهبه أونقص في النقل الآخر لیلائم مذهبه، أعني المذهب الآخر أو كان الوزن الشعري في كتاب أدبيّ لا ینسجم مع الوزن العروضيّ فیضیف الناقد تارةً وینقص اُخری بغرض إنسجام الوزن وغیر ذلك.
وعلیه فروایات فضائل أهل البیت : في كتب من تولّی عنهم لیست مجری أصالة عدم الزيادة؛ لأنّ كثرة التحریف في خصوص نصوص الفضائل لا سیِّما ما حصّل في كتبهم المطبوعة، كما یظهر من تطبیق النسخ الحدیثة للصحاح والسنن مع النسخ الخطّیة خارجة عن مجری الأصل المذكور.
5 – أنْ لاتكون الزیادة تكرار كلمات سابقة أو لاحقة، فإنّ في مثلها یقطع بالزیادة.
6 – أنْ یكون طریق النقیصة واحداً وطریق الزیادة واحداً، أو طریق الكلّ متعدّدا فیتساویان، أو طریق الزیادة متعدّدا وطریق النقیصة واحداً، وأمّا إذا كان طریق الزیادة واحداً وطریق النقیصة متعدّدا فلا یجري الأصل المذكور؛ لأنّ أصالة عدم الزيادة تبتني علی الغفلة وأنّها في جانب الزیادة أبعد من جانب النقیصة ویبعد أن یغفل جمع ویتركوا القید ولا یغفل واحد ویأتي بالزیادة و منه تعرفه نکتة خروج ما اذا تعدد طرق کلٍّ من الزیادة و النقیصة و دارالأمر بین الأکثر والکثیر، عن مورد القاعدة.
7 – أن تكون الزیادة من الزیادات البعیدة عن الأذهان دون المعاني المألوفة، أمّا جریانها في المعاني غیر المألوفة فلأنّه علی وفق القاعدة، وأمّا عدم جریانها في المعاني المألوفة فلأنّ احتمال زیادة الكلمة المألوفة أقوی من احتمال عدم زیادتها، وقیام السیرة العقلائیة علی تقدیم جانب الزیادة مع قوّة الاحتمال المذكور مشكوكٌ،
وأمّا منشأ احتمال الزیادة فأحد أمرین:
الف. ورود الكلمة في كثیر من خطابات الشارع مثل كلمة “في الإسلام” حیث وردت في موارد كثیرة مثل “لا نجش(1) في الإسلام” و “لا إخصاء في الإسلام” و “لا ضرورة في الإسلام” و “لا رهبانیة في الإسلام” ونحو ذلك، فسبّب استیناس المخاطب بها توهّم ورودها في قوله “لا ضرر ولاضرار في الإسلام” أیضاً، فأضافها هناك.
ب. ملاحظة المناسبة بین الحكم والموضوع وأنّ المؤمن هوالذي تشمله العنایة الإلهیة فزاد كلمة “في الإسلام” علی أساس ذلك.
والشرط الثامن أفاده المحقّق الشیخ موسی الخونساري (خوانساری، 1398 ، ج 2، ص 191).
ثمّ فصّل بین الخطب والأدعیة وبین الأحكام الشرعیة فقال بجریان أصالة عدم الزيادة في الأولیین بدعوی أنّ بناء الرواة علی نقل الألفاظ بعینها هناك، وقال بعدم جریانها في الأخیر بدعوی أنّ بناء الرواة علی النقل بالمعنی هنا.
ویرد علیه أنّ جریان أصالة عدم الزيادة فیما ینقل بلفظه مسلّم، وعدم جریانها فیما ینقل بالمعنی مسلّم أیضاً، هذا من حیث الكبری، وأنّ الصغری أي البناء في الخطب والأدعیة علی النقل باللفظ مسلّمة أیضاً
ولكن دعواه أنّ البناء في نقل الأحكام علی النقل بالمعنی فغیر واضحة، إذ لو اختصّ النقل بالمعنی بالطبقة المتّصلة بالمعصوم فلا دلیل یثبته وإن عمّ سائر الطبقات لزم أن لاتبقی روایة تحتفظ علی اتّفاق أكثر كلماتها في نقلها المتعدّد، والحال أنّ الروایات المنقولة بطرق متعدّدة متّحدة في غالب كلماتها إلاّ القلیل ممّا أخطأ فیه النسّاخ،
وعلی ما ذكر فإن ادّعی مدّعٍ أنّ بناء الرواة في جمیع الطبقات علی التحفّظ علی ألفاظ الشارع إلاّ ما شذّ كانت دعواه مقبولة عندي وإن كان النقل بالمعنی في جملة من الأحكام ومن بعض الرواة مثل “عمّار الساباطي” أنسب.
أن یدور الأمر بین كثرة الزیادة وندرة القلّة فإنّه المتیقّن من الدلیل اللّبّي ویخرج بذلك ما إذا كانت الزیادة أكثر والنقیصة كثیرة أو كانت الزیادة والنقیصة متساویتین فإنّ في مثلهما لاتجري أصالة عدم الزيادة.
8- أن لایختلف التلفّظ عن رسم الخط، مثاله ما إذا ورد في نسخة كلمة “علیه” وفي نسخة كلمة “علیهم” فإن “ه” علیه و”هـ” علیهم یتلفّظان بصورة واحدة ولكن رسم خطّهما مختلف فإن أخذ بالتلفّظ جری الأصل المذكور وإن أخذ برسم الخط كانا متباینین ولم یحرز في مثله الأخذ بالأصل المذكور إلا اللًهم أن یقال بأن القاعدة تبتنی علی الغفلة فی مقام الاستنساخ فیکون المناط الاخذ برسم الخط و مقتضاه إحراز عدم جریان القاعدة المذکورة فی مثله .
9- أن یكون الدلیلان قطعیّین أو ظنّیّین نحتمل – بدواً – وقوع الخطأ في كلّ منهما فیتحقّق موضوع أصالة عدم الزيادة، وأمّا إذا كان أحد الدلیلین قطعیّا والآخر ظنّیّا مثل ما إذا نقل الواسطة عن كتاب مؤلّف وسمع المنقول له من المؤلّف الذي كان مشغولاً بقراءة كتابه وفرضنا أنّ السماع منه یوجب القطع بصحّة المنقول وأنّ نقل الثقة عنه یوجب الظنّ بصحّته لاحتمال خطأ الناقل، خرج عن المتیقّن؛ لأنّ حجّیّة الدلیل الظنّي تبتني علی جریان الاُصول العقلائیة مثل أصالة عدم الخطأ ومدلولها الالتزامي أنّ الخطأ وقع في نقل الدلیل الآخر فإذا كان الدلیل الآخر قطعیّا لم نحتمل خطأه لم یبق موضوع لجریان الاُصول العقلائیة ویكون المحكّم هو الدلیل القطعي هذا، وأمّا إذا ألقی المؤلّف من ظهر قلبه واحتمل خطأه في النقل فقد قلنا بخروجه عن المتیقّن من جریان القاعدة مسبَقاً.
المبحث الثانی: في صور جریان أصالة عدم الزيادة
إنّ لاختلاف الروایة الواحدة من حیث الزیادة و النقصان صوراً، عمدتها ثلاثة:
1. أن ترد الروایة في كتابین من مؤلّفین بزیادة في كتاب وبنقیصة في كتاب آخر ولم یقع أحد الكتابین في طریق الآخر، مثاله الروایة المتقدّمة،
فإنّ لإسناد الصدوق إلی علي بن مهزیار في المشیخة طرقاً ثلاثة لم یقع الكافي في واحد منها، فإن وقع أحد الكتابین في طریق الكتاب الآخر رجع الفرض بالنسبة إلی الكتاب الواقع في الطریق ومَن سبقه من رجال السند إلی الصورة الثالثة.
2. أن ترد الروایة في بابین من كتاب واحد أو في كتابین من مؤلّف واحد بزیادة في كتاب أو باب وبنقیصة في الآخر، مثاله ما أورده محمد بن یعقوب، عن علي بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبي عمیر، عن ابن اُذینة، عن زرارة وبُكَیر بن أعین، عن أبي جعفر “عليه السلام” قال “إذا استیقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم یعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استیقن یقیناً” فإنه ورد في الكافي بزیادة كلمة “ركعة” (الکلینی، 1367 هـ، ج 3، ص 348) وفي موضع آخر منه بدون كلمة “ركعة” (نفس المصدر، ص 354) (هذا لو أغمضنا النظر عن سائر الاختلافات بین النقلین، إذ لو اُخذت تلك الاختلافات بعین الاعتبار – كنقلها عن زرارة وبكیر في سند وعن زرارة في السند الآخر، ووجود كلمة “قد” في متن أحدهما وعدم وجودها في الآخر، ووجود كلمة ” زاد في الصلاة” في نص و “زاد في صلاته” في النص الآخر ووجود كلمة “استقبل الصلاة” في نص أحدهما و” استقبل صلاته” في النص الآخر، فلا یبعد اعتبارهما روایتین، ولعلّه لذلك أوردهما الكلیني (رحمه الله) في بابین.
3. أن ترد الروایة في باب واحد من كتاب واحد بسند واحد وتصل إلینا منه نسختان، نسخة تحتوي علی زیادة ونسخة علی نقصان تلك الزیادة، مثاله ما أورده في الاحتجاج عن عبدالكریم بن عتبة الهاشمي قال ” كنت عند أبي عبد اللهّ بمكّة إذ دخل علیه اُناس من المعتزلة … كان رسول اللهّ “صلى الله عليه وآله” یقسّم صدقة البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ولا یقسّمه بینهم بالسویّة وإنّما یقسّمه علی قدر ما یحضره منهم وعلی ما یری” وقد ورد في نسخة اُخری ” ولا یقسّم” بدل “ولایقسّمه”.
اذا عرفت ما تقدّم نقول: إنّ مورد أصالة عدم الزيادة بناءً علی اشتراط إحراز أن تكون الزیادة من خطأ الحواس هي الصورة الثالثة من صور المبحث الثانی، فإنّ في مثلها یكون خطأ الحواس في رؤیة الكلمات السببَ في الزیادة والنقصان؛ لأنّ التغایر حصل من نسّاخ الكتاب لا ممّن وقع في سلسلة السند وإلاّ لنقل المؤلّف النسختین أو نقل إحداهما وربّما ترد الاُخری في كتاب آخر لا أن توجد لروایة کتاب واحد نسختان، هذا.
وأمّا في الصورة الاُولی والثانیة فإنّ احتمال أن تكون إحدی الطبقات ألقت الروایة عن ظهر القلب وإنّها أخطأت في إلقائها فنقصت منه أو زادت علیه أو نقلته بالمعنی وغیّرت فیه، وارد فیهما، كما أنّ احتمال وصول نسختین إلی المؤلّف نقل إحداهما في كتاب أو باب والاُخری في كتاب أو باب آخر قائم هناك، ومع التردید المذكور لم نحرز أنّ منشأ الخلل الواقع هو خطأ الحواس فلا تجری أصالة عدم الزيادة فیهما، هذا.
وأمّا لو قلنا بأنّ احتمال نشوء الزیادة عن خطأ الحواس ولو في بعض الطبقات كافٍ في جریان الأصل المذكور وأنّه مقتضی التحقیق لم یبق فرق بین الصور الثلاث، دراسة في أصالة عدم الزيادة وهذا الاختلاف هو الاختلاف الذي جعلناه منشأً للاختلاف في تقدیم روایة علي بن مهزیار الواردة في الكافي والتهذیب والمشتملة علی كلمة المشتملة علی كلمة “فاطمة” على روايته الواردة في الفقيه و غير المشتملة على تلك الكلمة.
إذا عرفت ما تقدّم نشیر إلی أدلّة ترجیح جانب الزیادة وإلی أدلّة عدم ترجیحها.
أدلّة أصالة عدم الزيادة
الدلیل الأوّل: ما أفاده السیّد الخوئي وتوضیحه: أنّ الأمر یدور بین غفلتین الغفلة عن الزیادة والغفلة عن النقیصة، وأصالة عدم الغفلة عن الزیادة مقدّمة علی أصالة عدم الغفلة عن النقیصة؛ لأنّ الغفلة في الزیادة أبعد منها في النقیصة فإنّه یحتمل قویّا غفلته في النقیصة، وأمّا غفلته في الزیادة فإنّها بعیدة. (الخویی، 1430 هـ ق، ج 2، ص 519)
ونُوقش فیه أوّلا: بأنّ الأمر لا یدور بین الغفلتین؛ لأنّه قد تكون الزیادة إنّما وقعت لأجل النقل بالمعنی وربّما استفاد الراوي وجود قید من قرائن كلام المتكلّم ولحنه فذكره في الروایة كما قد تكون النقیصة لأجل البناء علی الاختصار أو تصوّر الراوي أنّ القید غالبيّ ولیس احترازیّا فلا حاجة له أو غیر ذلك.
وثانیاً: أنّ ما ذكره لو سلّم فهو یبتني علی أمر عادي وطبیعي؛ لأنّ الغفلة بالنسبة للنقیصة التي هي بمعنی الذهول تقتضي بطبیعتها إلاّ ینقل الإنسان شیئاً؛ لأنّ ذلك ممّا یقتضیه النسیان. أمّا الغفلة بالنسبة لزیادة شيء في الكلام، فهي تحتاج لمؤونة زائدة، كما لو فرضنا أنّه كان هناك أمر آخرفي ذهن الراوي قد اختلط بكلام الإمام، وأضافه إلیه في النقل و نحو ذلك.
ولكن یعترض علیه بأنّ ما ذكره من البُعد في إیجاب الغفلة للزیادة مسلّم، ولكن إذا أرید من ذلك أنّه یوجب الظنّ بالزیادة، فالظنّ لایغني عن الحق شیئاً، وإن اُرید بناء العقلاء علی ذلك، فهو غیر ثابت فلو فرضنا أنّ شخصاً أراد تسلیم ألف دینار لآخر أو تسلّمه منه فأعطی المال لشخصین لكي یحسباه و یعدّاه، فقال أحدهما بعد الحساب: إنّه ألف دینار، وقال الآخر: إنّه ألف وخمسة وعشرون دیناراً، فهنا لا یُبني علی الزیادة وخاصّة في التسلّم الذي فیه منفعة للشخص. (الهاشمی، 1441 هـ ق، ج 2، ص 353)
ویرد علی المناقشة الاُولی؛ نقضاً: إنّ هذه الاحتمالات قائمة في كلّ خبر ولو لم یكن له معارض، إذ من أین نعلم أنّ المخاطب نقل ما سمعه بلفظه أو بمعناه، وعلی الثاني من أین نعلم أنّه كان عارفاً بدقائق اللسان وكنایاته واستعاراته وسائر فنونه البدیعیّة فلم یزد فیه أو لم ینقص منه ما یخلّ بالمعنی كما إذا ورد في الكلام قیداً احترازیاً احتمل أنّه غالبيّ فحذفه.
وحلاّ: بأنّ المفروض أنّ الراوي ثقة لم یأت بزیادة تخلّ بالمعنی كما أنّ المفروض أنّه من أهل اللسان وبناء العقلاء في مثله علی اعتباره عارفاً بأسالیب الكلام، ولذا تراهم في محاوراتهم مع نقل كثیر ممّا یسمعونه بمعناه، لا یلتفتون إلی الاحتمالات المتقدّمة فضلاً عن اعتنائهم بها وإلاّ لما استقرّ حجر علی حجر، وعلیه فاحتمال استفادة المخاطب من كلام المعصوم أو الراوي ما لا تساعده قواعد الكلام أو احتمال بناء المخاطب علی الاختصار وحذفه ما أوجب الإخلال بالمعنی أو تلقّیه خلاف الواقع بأن رأی القید الاحترازيّ غالبیا فحذفه، كلّها احتمالات لا یُعتنی بها.
ویرد علی المناقشة الثانیة: أنّ استشهاده بما لا یرتبط بمحطّ أصالة عدم الزيادة – أي باب الألفاظ – علی إنكار البناء العقلائي في تقدیم جانب الزیادة أمر عجیب.
الدلیل الثاني: ما قیل من أنّ الدواعي علی الزیادة أقلّ من الدواعي علی النقیصة؛ فإنّ الزیادة إمّا أن تكون ناشئة من الافتراء أو الخطأ، ولا سبیل للأوّل بعد افتراض وثاقة الراوي کما أنّ اصالة عدم الاشتباه تنفی الثانی، وأمّا النقیصة فقد یكون سببها الاختصار، أوالغفلة، أوتصوّره استفادة الخصوصیّة من سائر الكلام فلا یری بأساً في إسقاطها.
وقد نوقش فیه_ بإیجاز مني _ أنّ مناشئ الزیادة لا تنحصر في الافتراء والغفلة، فقد تكون الزیادة ناشئة من فهم الراوي القید من لحن الكلام أو استنباطه من القواعد الكلّیّة فیضیفه للروایة، كما یحتمل ذلك في ” لاضرر ولا ضرار علی المؤمن” حیث تخیّل الراوي أنّ تعمیم الحكم للكافر لا یناسب الشدّة المأمور بها في التعامل مع الكفّار؛ لذلك یحتمل إضافته (علی المؤمن)، أو لغیر ذلك. (نفس المصدر، ص 354 )
وجوابه یُعرَف ممّا سبق.
أدلّة منكري أصالة عدم الزيادة:
ونشیر زائداً علی ما عرف من خلال المناقشات المتقدّمة إلی دلیلین:
الدلیل الأوّل: إنّ أصالة عدم الزيادة تبتني علی دعوی أنّ الكلمات التي تسقط من قلم الناسخ سهواً كثیرة والكلمات التي تضاف سهواً قلیلة بحیث یُعدّ احتمال زیادتها احتمالاً غیر عقلائي یُطمئنّ نوعاً بخلافه والحال أنّ التتبّع یقضي بأنّ موارد الزیادة لاتقلّ عن موارد النقیصة فیبطل الأصل المذكور من الأساس.
أقول: إنّ الزیادة السهویّة الناشئة من خطأ الحواس في مقام الاستنساخ إذا لم تكن تكراراً لسابق أو لاحق ولا یحمتل صدورها عن عمدٍ ولا یحتمل تسبّبها عن الخلل في الحفظ وتکون واجدة لسائر الشروط المتقدّمة، ممّا یقطع بندرة حدوثها وكثرة سقوط ذاك المقدار، ودعوی كثرة الزیادات كالنقائص خلط بین الموارد الواجدة للشرائط المتقدّمة والموارد الفاقدة لها وموارد دوران الأمر بین الزیادة والنقیصة وموارد دوران الأمر بین المتباینین.
فتلخّص أنّ النسخة الواجدة لتلك الزیادة تقدّم علی النسخة الفاقدة لها سواء كانت في جملات متعدّدة أو جملة واحدة، أو في الكلمة أوالكلمتین.
الدلیل الثاني: إنّ أصالة عدم الزيادة معارضة بأصالة عدم النقیصة، واُجیب عنه بأنّ أصالة عدم الزيادة لها أثر وهوالأخذ بجانب الزیادة وأصالة عدم النقیصة لا أثر لها.
أقول: إنّ الإشكال یبتني إمّا علی أماریّة الأصلین وإمّا علی أنّهما أصلان تعبّدیّان، كما أنّ الجواب فرضهما أصلان تعبّدیّان فیتعارضان عند المستشكل والمجیب والحقّ أنّ أصالة عدم الزيادة أمارة عند من یقول بها، وأنّ أصالة عدم النقیصة لیست بأمارة عنده فلا معنی للمعارضة بین الحجّة واللاحجّة. ثمّ كیف لایكون لأصالة عدم النقیصة أثرٌ ومقتضاه الأخذ بباقي الجملة إلاّ اللهمّ أن یقال: إنّ إرادة ذاك المقدار قطعیّة ولا مجری لأصالة عدم النقیصة حتّی یكون إرادة ذاك المقدار أثراً لها وملخّص الكلام أنّ الإشكال یبتني علی الاحتمالین دون المختار.
نتائج البحث:
فتلخّص أنّ أصالة عدم الزيادة أمارة عقلائیّة تجري في الصور الثلاثة المذكورة في المبحث الثانی وأنّ موردها زیادة الالفاظ ونقصانها و دلیلها السیرة العقلائیة و ما أُورد علیها ضعیف لا یعبأ به و قد تقدم کیفیّة مناقشته.
—–
1. نَجَشَ الشيء الخَبِئ: استثاره واستخرجه. المعجم الوسیط: 903 ، )مادة نجش(.
المصادر
1. ابن منظور، محمد بن مكرم ( 1408 ق). لسان العرب، ج اول، بیروت: داراحیاء التراث،
2. حامد عبدالقادر، ابراهیم مصطفی، محمدعلی نجار، احمد حسن الزیارت ( 1387 ق). المعجم الوسیط، ج السادس، الصادق.
3. الحر العاملی، محمد بن حسن (1412 ق). وسائل الشیعة، بیروت: دار إحیاء التراث العربي.
4. الحکیم، السید محمد سعید ( 1418 ق). المحكم في أصول الفقه، الطبعة الثانیة، قم: مؤسسة المنار.
5. الخوانساري النجفي، موسي( 1398). تقریر بحث المیرزا النائیني منیة الطالب فی شرح المکاسب، قم: دفتر انتشارات اسلامی جامعه مدرسین حوزه علمیه قم.
6. الخویى، السید أبو القاسم ( 1422 ق). مصباح الاُصول، ج الرابع، قم: مكتبة الداوري، 1422 ق.
7. الخوئی، السید ابوالقاسم (1430 ق). موسوعة الإمام الخوئي، ج الرابع، قم: مؤسسة إحیاء آثار الامام الخوئي.
8. الکلینی، محمد بن یعقوب ( 1367 ق). الکافي، ج الثالث، قم: دار الکتب الاسلامیة.
9. الهاشمی، السید هاشم ( 1441 ق). تعارض الأدلة و اختلاف الحدیث، ج الاول، قم: اسماعیلیان.
المصدر: مجلة پژوهشهای اصولی بالفارسية (الدراسات الأصولية) السنة الثامنة العدد 28 خريف 1400 ش / 1442هـ/ وهي مجلة علمية محكمة متخصصة في الدراسات الأصولية تصدر عن حوزة ولي عصر العلمية في قم المقدسة تحت إشراف آية الله الشيخ صادق آملي اللاريجاني ويرئسها حجة الإسلام علي النهاوندي
رابط موقع المجلة