الاجتهاد: تواصل معي الأخ الشيخ حسين ظاهر الزبيديّ برسالة نصّها: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الجليل يوافق اليوم السادس من شهر رمضان ١٤١٦هـ رحيل المحقّق السيد عبد العزيز الطباطبائي (ره) وله حقّ علينا نتشوق إلى ما تذكرونه لمتابعيكم بهذه المناسبة)، فكتبت امتثالاً لطلبه بعض الخواطر التي علقت في البال:
1. سمعت من المحقّق الكبير آية الله السيّد محمّد مهدي الخرسان (ده) وهو يحدّث ولده المحقّق السيّد محمّد الطباطبائيّ في أوائل زيارتهم للعراق بعد سقوط النظام، قال:
عندما قرّر النظام تسفير والدك، جاءت إليّ الوالدة وإخوانك وهم في ذعر وخوف وبكاء يشتكون من السيّد الوالد أنّه رغم قرار التسفير فإنّ السيّد لم يهتم بذلك أبداً، فهو جالسٌ دون أي مبالاة يستنسخ مخطوطة لكتاب نفيس، فقلت لها: اتركوه وشأنه؛ لأنّه إذا فكر بالأمر ربّما يصاب بالسكتة القلبيّة.
ثمّ وجدت أنا في كتابه أهل البيت في المكتبة العربيّة عند ذكر كتاب ما، ذكر في الهامش أنّه استنسخه حين تسفيره من العراق، وشكى هجرته تلك وفراق بلد أجداده إلى الله تعالى وأهل بيته صلوات الله عليهم.
وكان لا يهتم لبعض الأمور فقط كنت معه في سفر في القطار لبغداد وكان جالس بقرب الشباك، وسقطت عمامته أثناء نومه فلم يتحيّر لذلك، فذهب لسوق الأسترآباديّ في الكاظميّة واشترى من هنالك قماشاً أسوداً ولفه على رأسه لحين وصوله للنجف الأشرف.
2. حدّثني المرحوم الخطيب العلّامة الشيخ شاكر القرشيّ بما مضمونه: (أنّه في يوم من الأيّام دخلت مدرسة السيّد اليزديّ والتقيت بالمحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي وكان حاملًا بعض أجزاء الذريعة، فمدح السيد الطباطبائي الكتاب، وقال لي: اشترِ فإنّه نافع لك، وأعطاني ستّة من أجزائه المطبوعة بالبيع الآجل، والأجزاء إلى الآن محفوظة عندي، وقد اشتريتها بدراهم معدودة)، فبهذه الطريقة كان يباع كتاب أستاذه الطهرانيّ.
3. سمعت من فضيلة الحجّة الشيخ عبد الرضا الهنديّ إعجابه بشخصه، وقال: رأيته كيف يتفانى بقضاء حوائج الطلبة بالخصوص، من توفير الحجر والفراش والكتب والمال بحسب الوسع والطاقة.
4. سمعت من فضيلة الشيخ إحسان الجواهريّ يتحدّث عن إيثاره حينما كان الجواهريّ رئيساً لتحرير مجلّة تراثنا قائلاً: كان السيد الطباطبائي يكتب للمجلة باباً بعنوان (ما ينبغي تحقيقه) فأطنب مرّة في وصف كتاب ما ونسخه وكلّ ما يتعلّق به من معلومات، فسألته عن ذلك مستغرباً؟ فقال: إنّ شخصاً يريد أن يحقّق هذا الكتاب وهو لا يكلّمني لأمر ما، وتمنعه مخاصمته لي من سؤالي، فقلت أقدم هذه المعلومات له هدية في مجلّتكم ليقرأها دون أن يكلّف نفسه للسؤال.
5. في مؤتمر العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسويّ كنت حاضراً هنالك مع جملة من أعلام النجف وعلمائها سنة 2005م فيما اعتقد، وقد وفر لنا العلامة السيّد جواد الشهرستانيّ كلّ شيء لخدمة الوفد العلميّ، وكان السائق الذي يقلّنا إلى مكان المؤتمر ـ ذكر لمناسبة ما ـ السيّد الطباطبائي رحمه الله، فقال:
إنّي سافرت معه في خدمته إلى بلدة بعيدة لشراء مخطوطات، وكان موفداً من قبل السيّد الشهرستانيّ، فحين الآذان كنّا ننزل في مسجد للصلاة فنصلّي وبعدها لا يرضى أن يدخل المطعم، فأذهب أنا واتركه في السيارة وعند عودتي للسيارة أراه قد فتح صرّة قماش فيها بيض مسلوق وخبز وملح ويتغذى منها، كان هذا زاده في طول الطريق،
فعندما أسأله لماذا لا تنزل وتأكل من المطعم؟ وقد أوصاني السيّد بخدمتك في كلّ شيء؟! قال لي: هذه الأموال التي عندنا هي من حقّ الإمام، وينبغي أن تصرف في محلّها، وغدائي ليس من وجوهها.
6. وجدت مجموعة من مستنسخاته في مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف من مؤلّفات الشيخ المفيد رحمه الله، فأخبرت ولده الصديق السيّد علي الطباطبائي فطلب منّي نسختها ففعلت وسلّمتها له في إحدى سفراتي لقم المقدّسة.
7. الأربعاء 13 شوّال سنة 1439هـ ، 27/6: تواصلت معي مؤسّسة نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينيّة المقدّسة وأخبرتني بندوة نهج البلاغة يوم السبت القادم وإلقاء بحثي فيها، وطلبت المؤسّسة منّي بعض الأسماء التي لها ارتباط بالمخطوطات العلويّة لتكريمهم، فرشحت عدّة أسماء منهم المرحوم السيّد عبد العزيز الطباطبائي وتمّ التكريم فيما بعد، واستلمه سبطه حفظه الله تعالى.
هذا وكنت حينما أجد اسمه في مقدّمات الكتب وتحقيقاته في زمن النظام السابق في كتب مصوّرة عن الأصل المطبوع، الله يعلم كيف نحصل عليها ونطالعها، كنت أتمنى أن أرى السيّد لإعجابي به وتبجيلي لما يكتب، ثمّ تشرفت بزيارة مكتبته في قمّ المقدّسة عدّة مرّات ولم يكن في الحسبان أنّ أوفق وأهدي لمكتبته بعض كتبي، وهو من نعم الله تعالى عليّ.
رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جنّاته، والحمد لله على كتابة هذه السطور في هذا الشهر الفضيل لعلّها تكون من دواعي دعاء المحتفى بذكره لي.
أحمد علي مجيد الحلّي، 6 شهر رمضان سنة 1441هـ، النجف الأشرف.