خاص الاجتهاد: يعتبر الشهيد الصدر”قدس سره” أنّ المرجعية تمثّل مؤسسة متكاملة لا تقتصر على الحالة الفردية، وأنّه مع وفاة المرجع يجب أن يتم تسليم جميع أركان وأجزاء المؤسسة إلى المرجع التالي (وهذا المبدأ يمكن أن يحول دون حصول المشكلات التي تواجهنا اليوم فيما يتعلق بالوقف ومتعلقات المرجعية، والإبقاء على مكتب المرجعية، و…)، كما أنّه لم يُنظّر للهدف الغائي للمرجعية؛ بل لقد تحدث حول جميع مراحلها؛ من أول مرحلة فيها وهي نشر الرسالة العملية وحتى النهاية، ووضع أنظمة مختلفة لهذه المؤسسة وآليةً للشورى والانتخاب فيها.
الشهيد الصدر “قدس سره” لم يكن يعتقد باختزال الحوزة وعلماء الدين في الحكومة.
ليس لدينا نظريات أفضل من النظرية الاجتماعية للشهيد الصدر”قدس سره”
لا ينبغي وضع الفكر الإصلاحي لكبار رجالات الحوزة في خانة واحدة مع أصحاب النقد الضحل والسطحي.
قال فضيلة الشيخ إلهي الخراساني أستاذ الحوزة العلمية في مشهد: من المسائل المهمة هي ورود الشهيد الصدر”قدس سره” بعض المجالات العلمية الخاصة كالاقتصاد والمسائل الاجتماعية بهدف جعل العلوم الإسلامية عملية وتطبيقية، وإلى الآن ليس لدينا نظريات أفضل من النظرية الاجتماعية للشهيد الصدر”قدس سره”؛ بل منذ عهد قريب فقط بدأ السعي لفهم آرائه الاجتماعية، وهناك بعض الكتب التي تفسّر نظريته الاجتماعية قد فازت بجائزة كتاب العام للحوزة العلمية.
موقع الاجتهاد- مشهد المقدسة: حاضر فضيلة الشيخ مجتبى إلهي الخراساني أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول في حوزة مشهد العلمية على هامش مراسم إزاحة الستار عن كتاب “الحوزة والمتطلبات (بالفارسية: حوزه وبایستهها)، أقوال وكتابات الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر “قدس سره”حول الحوزة وعلماء الدين والمرجعية” والتي تمت بحضور آية الله الشيخ محمد علي التسخيري، وقد أقيمت هذه المراسم في مركز التبليغ الإسلامي بمدينة مشهد المقدسة، وبحضور جمع من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية.
تحدث الشيخ مجتبى إلهي الخراساني في محاضرته حول أبعاد الفكر الإصلاحي عند الشهيد الصدر”قدس سره” في ثلاث أصعدة مرتبطة بالحوزة العلمية:
وهي الأصعدة التنظيمية والعلمية التعليمية والثقافية.
في مستهل محاضرته تطرق فضيلته إلى تاريخ الفكر الإصلاحي في الحوزة العلمية، والذي يمتد إلى أكثر من 200 سنة مضت، وقال في هذا الشأن:
هناك مجموعة من العلماء الكبار الذين ساهموا كلّ على حدة ووفق طاقاته وظروف زمانه في الحركة الإصلاحية للحوزة العلمية، وهم العلماء آيات الله: الميرزا الشيرازي، الآخوند الخراساني، الشيخ عبد الكريم الحائري، البروجردي، الحكيم، الخوئي”، الإمام الخميني، العسكري، المظفر، الميلاني”قدس سرهم”، السيد قائد الثورة “حفظه الله”، وغيرهم من الأعلام. هؤلاء ساهموا بفاعلية في تطوير الحوزة العلمية، وقد نشرت أجزاء من أفكارهم في سلسلة من الكتب والمقالات، وأكثر هؤلاء العلماء تجمعهم روابط فكرية، أو حلقات فكرية مشتركة أو أساتذة مشتركون.
وبيّن أستاذ حوزة مشهد العلمية أنّ النشاطات الإصلاحية كانت تحصل على يد زعماء الحوزة العلمية، ومن الواضح أنّ مثل هذه النشاطات لم تكن تهدف إلى إضعاف مكانة الحوزة العلمية أو إلى التخلي عن طاقاتها وكوادرها وتراثها، ولم تكن إهمالا لتقاليد الحوزة؛ فتلك الشخصيات العلمية الكبيرة القائدة للإصلاح تشكل رموزا للحوزة العلمية.
وأضاف: أحيانا ينبغي أن تشهد السنن والتقاليد تغييرات في التنفيذ والتطبيق، وهكذا يتم صون السنن الحوزوية دون أن يخبو تأثيرها، وهذه الموازنة بين صون سنن الحوزة وتقاليدها وبين الحفاظ على تأثيرها وأدائها لوظائفها هي موازنة هامة للغاية، وهناك نقاط ضعف وقصور في هذا المجال في غير الفكر الحوزوي؛ فإمّا أن يكون هناك تقصير في صون السنن أو في مجال تأثيرها وعملها، أحيانا لا يبقى من السنن إلا آداب محدودة بينما تصير ذات السنن في غياهب النسيان، ومصاديق هذا الأمر كثيرة ومتنوعة.
وإذا كان أساس عملنا ومنهجنا هو التعمق والتفقّه وبذل الوسع وأقصى الجهد فإنّ الاكتفاء بمراجعة آراء العلماء في المئة سنة الأخيرة لن يكون مصداقا لبذل الوسع، وعليه فإنّ حفظ سنة الاجتهاد يعني على سبيل المثال أن نرى في الفقه ما بعد السيد صاحب العروة وفي الأصول ما بعد الآخوند، وإلا سوف يكون في منهجنا قتلٌ لسنّة التعمق.
لا ينبغي وضع الفكر الإصلاحي لكبار رجالات الحوزة في خانة واحدة مع أصحاب النقد الضحل والسطحي الفاقدين للعمق الحوزوي.
واعتبر رئيس طاولة توسعة العلوم الإسلامية وتعزيزها في المكتب الإعلامي الإسلامي لحوزة قم العلمية أنّ ما يُميز الشهيد الصدر”قدس سره” هو “هندسة الأبعاد الإصلاحية” في فكره،
وقال موضحاً: يمكن أن نذكر قوائم للأعمال الإصلاحية التي قان بها بعض العلماء المبرزين، ولكنّ أغلبها كان يتلخص في بعد واحد، مثلا في مجال هيكلية الحوزة، أو إصلاح الوضع المعيشي، وعلاقة الحوزة بالنظام الاقتصادي، أو في مجال الموقوفات والأموال الشرعية، وبعض العلماء ركّز على إصلاح النظام التعليمي وتأسيس المراكز والمؤسسات العلمية، و… ولكن ما تميّز به الشهيد الصدر “قدس سره” هو عمله الإصلاحي الشمولي الذي تناول مختلف أبعاد الحوزة ومجالاتها.
الشهيد الصدر “قدس سره”وإصلاح هيكلية الحوزة العلمية
فضيلة الشيخ إلهي الخراساني قسّم تناوله للفكر الإصلاحي للشهيد الصدر”قدس سره” في الحوزة العلمية إلى ثلاثة محاور؛ هي:
“الشهيد الصدر”قدس سره” وإصلاح هيكلية الحوزة”
“الشهيد الصدر”قدس سره” والإصلاح العلمي والتعليمي للحوزة”
“الشهيد الصدر”قدس سره” والإصلاح الثقافي للحوزة”
وقال موضحا المحور الأول: أشهر نظريات الشهيد الصدر”قدس سره” في مجال إصلاح هيكلية الحوزة العلمية هي نظرية ” المرجعية الرشيدة”، فقد كان له محاضرات في ليالي الجمعة في الأعوام 1990 وحتى 1993 وطلب من تلميذه السيد كاظم الحائري أن يدّون هذه المحاضرات، وفيها تناول بالبحث مسائل مهمة للغاية كان منها مسألة المرجعية، وبعض هذه الأبحاث وصل إلى تكامله وتمامه بعد مباحثات الشهيد”رحمه الله” ومذاكراته مع تلامذته، وممن كان لهم دور في هذا الأمر المرحوم السيد محمد باقر الحكيم”رحمه الله”.
واستطرد قائلاً: يعتبر الشهيد الصدر”قدس سره” أنّ المرجعية تمثّل مؤسسة متكاملة لا تقتصر على الحالة الفردية، وأنّه مع وفاة المرجع يجب أن يتم تسليم جميع أركان وأجزاء المؤسسة إلى المرجع التالي (وهذا المبدأ يمكن أن يحول دون حصول المشكلات التي تواجهنا اليوم فيما يتعلق بالوقف ومتعلقات المرجعية، والإبقاء على مكتب المرجعية، و…)، كما أنّه لم يُنظّر للهدف الغائي للمرجعية؛ بل لقد تحدث حول جميع مراحلها؛ من أول مرحلة فيها وهي نشر الرسالة العملية وحتى النهاية، ووضع أنظمة مختلفة لهذه المؤسسة وآليةً للشورى والانتخاب فيها.
كان المرحوم السيد محمد باقر الحكيم”قدس سره” يرى أنّ أستاذه الشهيد الصدر”قدس سره” أراد عبر نظريته “المرجعية الرشيدة” أن يهيئ حوزة النجف لنظريته في باب ولاية الفقيه؛ بحيث يقدم نظام ولاية الفقيه بهذا الشكل المؤسساتي.
وبيّن عضو الهيئة التدريسية في جامعة باقر العلوم(ع) أنّ الفكرة الإصلاحية الثانية للشهيد الصدر”قدس سره” حول الحوزة العلمية هي “اللامركزية المؤسساتية مع وحدة البرنامج”، وتابع قائلاً:
يمكن أن أطلق على فكرة الشهيد الصدر”قدس سره” الآنفة ” الشبكة الشاملة اللامركزية لمؤسسة الحوزة العلمية” أي كيف يمكن للحوزات العلمية أن يكون لها استقلال إداري مع حفظ ارتباطها بإقليمها ومع كونها تحت إشراف علماء البلاد، بالنسبة للجامعات فالبرنامج يكون مركزيا وكذلك المؤسسات، وفي بعض المناطق البرامج والمؤسسات لامركزية،
وعليه كان في ذهن الشهيد الصدر “قدس سره” فكر آية الله الميلاني التي تابعها في النجف ونفذّها نسبيا في إيران، فآية الله الميلاني كان يعتقد بأنّه ينبغي ألا نجمع الحوزات العلمية تحت مظلّة واحدة، بل يجب تنفيذ برنامج متناغم بشكل اختياري، وتأسيس أقسام للأعمال الاجتهادية، والكلامية، والتبليغية الدعوية، وأن تقوم الحوزة بتغطية الأمور.
وأوضح سماحته أنّ الفكرة الإصلاحية الثالثة للشهيد الصدر”قدس سره” في هذا المجال هي عبارة عن ” إقرار شكل العلاقة بين مؤسسة الحوزة وبين السياسة والسلطة”، وقال:
أقام الشهيد الصدر”قدس سره” في مؤسسة الحوزة منهجا خاصا، ففي دولة العراق المتعددة المذاهب والقوميات كان فضاء الأحزاب مفتوحا للشيعة، وكان يجب تحديد النظرة إلى الأحزاب السياسية ودورها ومشروعيتها بناء على تعاليم الفكر الشيعي، ومن ناحية أخرى لو فرض أنّه تمكن الشيعة من قيادة البلاد بمساعدة الأحزاب وعبر نهضة ثقافية شاملة فحينها كيف ستكون العلاقة بين الحوزة العلمية والحكومة؟ وعليه فإنّ مشروع الشهيد الصدر “قدس سره” يفيد في مرحلة الانتقال وفي مرحلة الاستقرار أيضا.
المقترحات التي قدمها الشهيد الصدر”قدس سره” حول الدستور الإيراني بعد الثورة وغيرها من كتاباته تثبت أنّه لم يختزل كامل الحوزة العلمية ومجتمع علماء الدين بالحكومة والدولة.
وأضاف: عندما نفذ الشهيد الصدر”قدس سره” الإجراءات العملية لتأسيس حزب الدعوة ظهر حينها تصور بأنّ رأيه النهائي هو المشاركة المباشرة للحوزة العلمية في النشاطات السياسية المؤسساتية أو الحزبية، وفيما بعد عبّر عن آرائه بشكل نظري وعبر ابتعاده عن حزب الدعوة.
وأعتقد أنّ رأي آية الله الحكيم”قدس سره” وآية الله الشاهرودي”رحمه الله” هو أقرب للواقع، وهذا الرأي هو في الحقيقة استمرار لتطبيق نظرية الشهيد الصدر”قدس سره”، ولم يكن رأيا ناجما عن الضغوط الاجتماعية أو ضغط الرأي العام في النجف الأشرف،
والشهيد الصدر”قدس سره” كان يقول بـ “التعددية الحزبية”، أي أنّه يجب أن تشارك عدة أحزاب في الإدارة السياسية للمجتمع، (والحزب هو نوع تنظيم يشارك في تركيب السلطة) وعليه فإنّ نظريته تختلف عن ماهية الأحزاب السياسية، ووفقا لهذه النظرية يجب على علماء الدين عدم المشاركة والعضوية في أيّ حزب سياسي، ويكون دورهم هو الإرشاد والتوجيه وتنظيم العلاقات بين الأحزاب،
وبعد تشكيل الدولة يقومون بتنظيم العلاقات بين أجزاء وأركان هذه الدولة، وعمليا يجعل جزءا من الحوزة وليا ومرشدا في النقطة المركزية للسلطة السياسية، وباقي أقسام الحوزة تأتي تابعة للجزء الأول وتكون جزء من السلطة، فالشهيد الصدر”قدس سره” كان له مشروعه لما بعد المرحلة الانتقالية.
الشهيد الصدر “قدس سره”والإصلاح العلمي والتعليمي للحوزة
وأشار الأستاذ إلهي الخراساني في المحور الثاني إلى عدد من الأبعاد الإصلاحية العلمية والتعليمة للحوزة” في فكر الشهيد الصدر”قدس سره”، وقال مبيناً
البعد الأول: لقد جهد الشهيد الصدر”قدس سره” في البعد التعليمي إلى إيجاد التوازن العلمي في الحوزة بين مختلف فروع العلوم الإسلامية، وقد ظهر هذا التوازن من خلال تدريسه المتنوع
وأكدّ سماحته أنّ الشهيد الصدر”قدس سره” قد سعى لإخراج حوزة النجف الأشرف من احتكار الفقه والأصول، وأنه عمل على إيجاد موازنة بين إمكانيات علم الكلام والفلسفة والتفسير والحديث، والبحوث متعددة الأفرع؛ حتى أنّه ترك تدريس الفقه والأصول ووجّه اهتمامه لتدريس التفسير، وأوصى تلامذته أن يتابعوا جزءا من الموضوعات بشكل حلقات بحث، وأحيانا كان يشارك بنفسه في حلقات البحث تلك.
وبين أستاذ البحث الخارج في الفقه والأصول في مدينة مشهد أنّ الشهيد الصدر”قدس سره” اهتم في المجال العلمي التعليمي بأبحاث علم المعرفة، ومباني الفكر الإسلامي.
ومن النقاط المهمة دخول الشهيد الصدر”قدس سره” إلى بعض المجالات العلمية الخاصة كالاقتصاد والمسائل الاجتماعية بهدف جعل العلوم الإسلامية عملية وتطبيقية، وإلى الآن ليس لدينا نظريات أفضل من النظرية الاجتماعية للشهيد الصدر”قدس سره”، بل منذ عهد قريب فقط بدأ السعي لفهم آرائه الاجتماعية، وهناك بعض الكتب التي تفسّر نظريته الاجتماعية قد فازت بجائزة كتاب العام للحوزة العلمية.
كما أشار الشيخ إلهي الخراساني إلى دور الشهيد الصدر”قدس سره” في إحداث تحول في الوضع الشيعي العلمي العام، وقال: بدأت قوة الفكر الشيعي بأخذ مكانها في المحافل العلمية عندما انتشرت كتب اقتصادنا، وفلسفتنا، والمعالم الجديدة، و… ولذلك نرى أنّه عندما جاء مفكر غير شيعي مثل التيجاني إلى مدينة النجف أحاله المرحوم آية الله الخوئي إلى الشهيد الصدر”قدس سره”، وبعد لقائه إياه قال التيجاني: لقد وجدت الصدر “قدس سره”بحرا من العلم.
واعتبر أنّ “النظرة المنهجية إلى العلوم الإسلامية” تمثّل بعدا آخر من الفكرة الإصلاحية للشهيد محمد باقر الصدر”قدس سره”، وقال موضحا:
لدى مطالعتنا لكتب هذا المفكر الإسلامي نرى أنّها تشبه الهرم والمجموعة المنظمة والمرتبة ترتيبا منهجيا ومنطقيا، فالشهيد الصدر”قدس سره” يقدم معارفه على شكل مدرسة، وهو ينظر إلى الأصول على أنها مدرسة، وهذا الأمر واضح للعيان في كتابه المعالم الجديدة، والذي تتجلى فيه نظرته للأصول، وهو أكثر انتظاما من الحلقات، وكان له نظرة مدرسية في الاقتصاد، والفلسفة، والمنطق أيضا.
وتابع أستاذ الحوزة العلمية في مشهد قائلا: اهتم المرحوم الشهيد الصدر”قدس سره” بمسألة تطوير الحوزة وإصلاحها من الناحية التعليمية عبر مسارين؛ ومن ذلك تدوينه الكتب الدراسية الجديدة، والتي اُعتبرت خطوة عملية شجاعة منه، وقد برز نبوغه العلمي في تصنيفه لكتاب الحلقات في علم الأصول في أقل من ثلاثة أشهر.
الشهيد الصدر”قدس سره” والإصلاح الثقافي في الحوزة
عضو الهيئة التدريسية في جامعة باقر العلوم(ع) تحدث في المحور الثالث من محاضرته حول دور الشهيد الصدر”قدس سره”في الإصلاح الثقافي في الحوزة، وقال في هذا الشأن: لقد أولى الشهيد محمد باقر الصدر”قدس سره” اهتماما بالغا بالأبعاد الاجتماعية في الإسلام، وكان ذلك جليا في تصنيفاته ودروسه في التفسير وفي الفتاوى الواضحة، وكذا في محاضراته وخطبه، وفي أبحاثه حول المرجعية الدينية.
وكان المرحوم السيد باقر الحكيم”قدس سره” يعتقد أنّ الشهيد الصدر”قدس سره” كان يعمل على مشروع لإشراك جميع المراجع في المجالين الاجتماعي والسياسي، كان يمنح طلاب العلوم الدينية فكرا سياسيا وآفاق رحبة ليسألوا ويتعلموا.
وفي موضوع متصل لفت أستاذ حوزة مشهد العلمية إلى الفكر السياسي والاجتماعي للإمام الخميني”قدس سره” وذلك بنقل موقف عن المرحوم الإمام رواه آية الله السيستاني بقوله: صادفني الإمام الخميني”قدس سره” مرة فقال لي:
أسعار النفط آخذة في الارتفاع، كما أنّ معدل التضخم بدأ يزداد في العراق؛ لذلك سوف تسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية لطلبة العلوم الدينية في الأشهر القادمة، وأنا (الإمام الخميني) على استعداد لأن أرفع مبلغ شهرية الطلاب، ولكنّ السيد الخوئي هو زعيم الحوزة العلمية، وزيادة شهرية الطلاب يجب أن تبدأ من عنده، ليتبعه بقية المراجع في هذا الأمر.
يتابع آية الله السيستاني قائلا: ذهبت إلى السيد الخوئي وأخبرته بما قاله لي الإمام الخميني، فاتسعت عيناه، وعدل عمامته بذلك الأسلوب الخاص، وقال: “إلى أيّ مدى هذا السيد يحسب الأمور، أسواق النفط العالمية!” حسنا سوف نقرر حول هذا الأمر، ثم قلت: السيد الخميني عنده أفكار رائدة، ومن المناسب أن تعقد اجتماعات وجلسات معه، وفعلا عقدَ اجتماع معه في الكوفة، وأصر السيد الخوئي بأن تستمر هذه اللقاءات، وفي الختام انتهت هذه الاجتماعات بعد نفي الإمام”قدس سره”،
والسيد السيستاني كان يقول: لو استمرت اجتماعات المرحوم الإمام وآية الله الخوئي لم نكن لننتظر كل تلك السنوات لسقوط دولة حزب البعث؛ بل كان ذلك سوف يحصل في تلك الأيام،وكان الشهيد الصّدر”قدس سره” وراء ورود آية الله الحكيم”قدس سره” إلى المجال الاجتماعي والسياسي، وذلك عن طريق المرحوم السيد مهدي الحكيم”قدس سره”.
واعتبر عضو اللجنة الاجتماعية السياسية في المجلس الأعلى للحوزة العلمية في خراسان أنّ “تأكيد الشهيد الصدر”قدس سره” على ضرورة تشكيل الدولة الإسلامية” هي مصداق آخر من مصاديق الحركة الإصلاحية الثقافية السياسية للشهيد الصدر”قدس سره”، وقال: إنّ الرسائل والخطابات التي أصدرها الشهيد الصدر”قدس سره” حول الدستور الإيراني (بعد انتصار الثورة) تظهر بوضوح نظرته حول إقامة الدولة الإسلامية.
وقد وضع الشهيد الصدر”قدس سره” إطارا نظريا لمسؤولية عالم الدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يعتقد أنّ هذه المسؤولية لا تقبل أن تُحَد بالمحاسبات ولا باحتمال الخوف والضرر، بل يجب أن تكون مستمرة حتى حدود الشهادة، لقد امتلك الشهيد روح الجهاد والثبات، حتى أنّ أحد تلامذته كان يقول: عندما كنا نخرج من درس الشهيد الصّدر”قدس سره” كنا نشعر أنه يمكننا بقبضاتنا أن نوجه ضربة لأي ركن من أركان الحكم فنجعله هباء.
ولفت الأستاذ إلهي خراساني إلى نشاطات إصلاحية أخرى للشهيد الصدر”قدس سره”، ومنها اهتمامه بإقامة المناظرات العلمية، وكذا اهتمامه بآخر مستجدات العصر الفكرية والعلمية، وتعامله مع هذه المستجدات عن طريق التأليف والتدريس، وقال في ختام محاضرته: لقد كانت دروسه المتنوعة ملهمة للجميع، وقد ربّى علماء متخصصين ومتصفين بالوعي والبصيرة، ونحن نرى دورهم وتأثيرهم المبارك في بلادنا، ومنهم العلماء الأفاضل: هاشمي الشاهرودي، والأشكوري، والحائري، والتسخيري، والشيخ طالب السنجري.