خاص الاجتهاد: آية الله الشیخ محمد علي كرامي القمي وبالرغم أنه مشهور بالإستخارة، إلّا أنّ تدريسه خارج الفقه لسنوات، وامتلاكه رسالة علمية جعلته أحد الأساتذة البارزين في حوزة قم العلمية. فهو يعتقد أنه لا ينبغي الإهتمام بالمجتمع من الناحية المكانية فقط، بل ينبغي الاهتمام به من الناحية الزمنية أيضاً. بحسب رأيه أولئك الذين ليس لهم وجود بالفعل الآن، وسيولدون في المستقبل، لهم حق في الموارد والثروات الجوفية؛ لذلك سيكون مستهلكونها بشكل جائر لهذه الموارد ضامنين بالنسبة للأجيال القادمة.
من الناحية الفقهية فإن الموارد الجوفية لكل بلد هل تخص شعب وسكان نفس البلد، أو أن الحدود الإقليمية للبلد لا تؤدي إلى تخصيصها لبلد معين وتنتمي إلى جميع شعوب العالم؟
الموارد الجوفية أحد الأشياء غير الواضحة المصدر. على سبيل المثال افترض أن الغاز الموجود تحت الأرض الذي هو مشترك بين إيران والعراق. لا يمكن القول أن مصدره كان من إيران أو من العراق، وليس مثل الماء حيث نقول انه يأتي من النبع في الأعلى.
في مثل هذه الحالات ينبغي أن يحصل اتفاق بين الحكومتين وتقسيمها لصالح الإثنين، لأنها تختص بكلا البلدين.
ولكن هناك أشياء لها مصدر معلوم ومحدد. فمثلاً النهر الفلاني منبعه في سورية. البحيرة الفلانية في البلد الفلاني. هذه مختصة بنفس تلك المنطقة أو البلد. والأرض أيضاً كذلك. العقار الذي تشتريه بطوابقه العديدة العلوية والسفلية يعود لك.
لا تستطيع البلدية أن تقول أن هذان الطابقان العلويان ليسا لك، إنهما للهواء أو للمدينة. لذلك فالتراكم الذي يؤخذ من المباني يجب ان يُنفق على اساس قرار حكومي في مصالح البلاد. وإلّا فإن عدة طوابق كما هو متعارف تختص بنفس صاحب الملك.
على اي حال في الموارد الطبيعية العامة، فإن ما له مصدر محدد مثل الماء المعلوم مصدرها، بحسب الروايات فإن أهالي المنطقة أولاً يستفيدون منه. وإذا زاد شيء فإنه يختص بالمناطق الفرعية.
بعض المتفرعات هي محل نقاش. فبعد أن تكون المناطق الفرعية لسنوات تـستفیدون من الماء الفائض في الأعلى، فهل يمكن لمن يسكن في المناطق الأعلی أن يقول نحن بحاجة أكثر،
ولم نعطي الماء المناطق الفرعية حتى لو كنّا في السابق نعطيه؟ من الناحية الفقهية هذا بحث. في بعض الحالات يقول أنّه تم بناء هذه الطاحونة بإذن مني، الآن أريد توجيه نهري إلى جهة أخرى وعندها ستتوقف تلك الطاحونة عن العمل. يقول الإمام أنّه لا يحق له ذلك.
هذه هي مسائل فقهية محددة وينبغي النظر فيها من حيث القانون الفقهي والقانون الدولي. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هناك فرقًا بين الموارد التي لديها مصدر محدد والموارد الموجودة في حالة مشتركة.
من الجيد أن أقول شيئاً يكون مفيداً لهذه المقابلة ولأسئلتك: الإنسان لديه حياة اجتماعية. الحضارة البشرية، حضارة جماعية. في هذا العالم ، إذا كان الشخص يعيش على رأس قمة جبلية ، فهو يحتاج إلى مساعدة الآخرين لتوفير احتياجات حياته. بعد الموت وحتى في عالم القيامة هناك حياة اجتماعية، بمعنى أنّ القضية الأولى له فحص الملف. وذلک یومٌ مجموعٌ له الناس.
يجب أن يجتمع الجميع، لماذا؟ لأن أعمالهم تؤثر على الحياة الاخرى. نحن متأثرون بأفعال الماضیین، وأعمالنا تؤثر أيضًا على الحياة بعدنا. لذلك فالسرّ في أنّ عالم البرزخ يستغرق وقتاً طويلاً، الاول أنه يجب أن يأتي الجميع للنظر في ملفاتهم، لأنّ الجميع متهمون في هذا الملف. و ذلک یومٌ مجموع له الناس.
في عالم البرزخ ليست مسألة الملف، ولكن في الروايات موجود أنّ لديهم حياة اجتماعية. «یتزاورون»: يأتون لزيارة بعضهم البعض. بعض المكاشفات تدل على أنّ هناك اشتغالات علمية و درسية و مثل هذه الأشياء.
إذا كانت الحياة جماعية يجب مراعاة الجماعة. والجمع لا يختص بمكان لنقول أنّ هذا الجمع موجود في وقت معين والآن ليس موجود فليس مهماً. مستقبل هذه الأرض والناس الذين سيعيشون فيها لهم سهم من هذه الموارد. لذلك يجب توخي الحذر عند استخدام هذه الموارد لأنها لا تختص بالناس في زمن خاص، بل الناس في جميع العصور لهم الحق في الإستفادة منها.
من الناحية المكانية يجب أن نرى هل ینشأ مصدر طبيعي… من بلد خاص أم ليس لها مصدر محدد.
هل تعني أن الإسلام قد احترم الحدود التعاقدية لكل بلد أو لأي مجتمع يعيش في مكان ما؟
إذا كان المنبع من مكان خاص، فإنه يختص بهم أولاً. وما زاد يتعلق بالدول التالية. لدينا رواية أيضاً بأنه في كل مكان هناك ماء، يستفيد منها أولاً الأقسام العلوية ومافاض عنهم لمن دونهم.
لكن إذالم يكن هناك أعلى وأسفل، ویکون تحت الأرض، ولکلا البلدین هنا يتم الإتفاق بين الحكومتين للوصول إلى نتيجة.
باستثناء الكنوز والمعادن فإن موارد مثل الماء هل يمكن اعتبارها جزء من الموارد العامة والأنفال، والإستخدام الجائر من قبل الأشخاص لهذه الموارد التي تقع في ممتلكاتهم غير صحيح؟
هذه قضية أخرى. فالقضية الأولى هي لمن هذا الماء؟ حيث قلت أولاً لمن هم في الأعلى وما يزيد عنهم لمن في الأسفل. فهل إذا استخدمه من في الأعلى يكون لهم الحق في منع الذين في الأسفل؟ لا. بحسب الروايات عندما ينتهي من في الأعلى من استخدامه، بالكمية المتعارفة بشكل عقلاني، فليس لهم الحق في حرمان من هم في الأسفل منه.
لذلك فإن الماء أيضاً مثل الكنوز والمعادن يمكن أن نعتبره من الانفال؟
نعم، كما لدينا في بعض الروايات. فإن البحار، الشط، المحيطات من هذا القبيل. لكن الفرق الموجود هو أن الشيء الذي هو محل بحثنا ليس له مصدر،؟ مثل البحيرة. هنا نفس البحث هل يوجد لها أعلى وأسفل أم لا؟ عندما لا يوجد أعلى و أسفل فإنها تتعلق بعدة دول حول هذه البحيرة.
هل يمكن اعتبار الموارد الجوفية مثل الماء والنفط والغاز وأمثالها متعلقة بجميع الناس بما فيهم الحاضرين والاجيال القادمة؟ وعلى هذا الأساس فإن الاستخدام الجائر لها سيؤدي إلى حرمان الأجيال القادمة دون استبدالها بموارد رخيصة؟ في هذه الحالة كيف و بناءاً على الرأي الفقهي الحالي ستصبح الحدود الأرضية موجبة لاختصاص الموارد بأشخاص خاصين، بينما الحدود الزمنية لا تستتبع مثل هذا الحق؟
لا فرق، قلت أن حياة البشر حياة جماعية. مجموعٌ له الناس. الحياة الجماعية لا تختص بالجمع الحاضر. كما ينبغي على الأجيال القادمة الإستفادة منها. إذا أراد أشخاص الآن القضاء عليها، أو استهلاكها بشكل سيء ، فهو ضرار.
الضرر موجود أيضاً، ولكن قبل الضرر ضرار، يعني رمي الآخرين في المشقة. مثل الشخص الذي يريد أخذ منجم الملح في مکان ولا يعطي ملحاً لأي شخص آخر. مع انه مأخوذ من الحاكم، ولكنّ الحاكم ليس له الحق في إعطاء هذا الإحتكار لأشخاص خاصين، ولو اشتروه.
هذا الشخص لا يستطيع احتكاره ليقع الآخرين في مشقة. لاضرر ولا ضرار. هذا الضرار الذي يجعل الآخرين في مضيقة. ولا فرق أيضاً إن كان الأشخاص موجودون أم سيأتون في المستقبل.
هل التمسك بقواعد مثل لاضرر ولا حرج أو أحاديث مثل «کلّ من أضرّ بطریق المسلمین فهو ضامن لما یصیبه»، يمكن أن يثبت ضمان المُتلِف لموارد جوفية رخيصة للأجيال القادمة؟ بحيث أن المتلفين يجب عليهم توفير موارد أخرى بأموالهم بدل الموارد التي استفادوا منها بشكل جائر، مثل أن يشتري نفط من دولة اخرى ليستبدله بالنفط الذي استخدمه بشكل جائر.
هناك بحث آخر وهو هل لهم في الأساس حقٌ في الإسراف وأن يسلبوا من الآخرين حق الإستفادة من تلك الموارد؟ لا، قلت أن هذا ضرار. لکن إضرار بطريق المسلمين يعني في باب “الطريق”، ولكن يمكن إلقاء الخصوصية في كل شيء تتعلق به الحياة الإجتماعية للبشر. لذلك ممنوع أن نقول أن يستهلكوا بشكل كثير حتى لا يصل للآخرين.
والمسألة الأخری هو إذا قاموا بهذا العمل المخالف فهل من الضروري أن يقوموا بالتعويض أو يحضروا من دول أخرى؟ هذا راجع إلى أن يقوموا بعمل يتمكن من خلاله من في الاسفل والآتين في المستقبل الحياة. ومثل الشخص الذي أخذ مال الآخر واستفاد منه والآن يريد إرضاؤه.
كيف يجب أن يرضيه؟ يجب أن يتفقوا فيما بينهم، بطريقة يستطيع هو أن يعيش أيضاً. مثل المال الخاص. إذا قمت بأخذ مال شخص وأردت فيما بعد تعويضه، فماذا عليك أن تفعل؟ يجب أن يتم التراضي. التراضي أيضاً يتم عندما يستطيعون امتلاك عيشة مريحة.
بالنسبة للأجيال القادمة الذين ليسوا موجودين الآن كيف سيتم ذلك التراضي؟
جهة التراضي معلومة. بحيث يجلب تلك التراضی والسهولة في حياتهم بحيث يستطيعون العيش.
لذلك برأي سماحتك إذا استفاد شخص الآن من موارد رخيصة و أتلفها، فعليه أن يوجد بدائل للأجيال القادمة.
على أي حال نقول هكذا. قلت هناك قضيتان. القضية الأولى هو أن هذا العمل الآن خلاف وعلیه الضمان. القضية الاخرى هي كيف سيقوم بتعويض عمل الخلاف؟ بطريقة يوفر للأجيال القادمة حياة سهلة. كيف سيتم ذلك الضمان هو بحث آخر منفصل، ولكن على اي حال فإن الأجيال القادمة شريكة في هذا الرأسمال ولهم حق الإستفادة. نحن أيضاً ضامنون بالنسبة لهم، لذلك فالأمر يتطلب بحث تفصيلي.
نعم، حرام تكليفاً، وحرام لأنه متعلق بالآخرين، والإسراف والتبذير، كما أنهم ضامنون للإتلاف. وبالطبع لم يتم تعيين زمن لهذا في البحث الفقهي والقانوني. قلت ان القاعدة العقلانية له هي: بطريقة تستطيع الأجيال القادمة الحياة بشكل أسهل.
هناك جملة في عهد علي إلى مالك الأشتر وهي: قيّم الأسعار ولا تجحف بالفريقين. هذا الأمر بخصوص مسألة المكان ولكن بخصوص الزمان فهو كذلك. الجيل الحالي يستخدم الموارد بحيث تستطيع الأجيال القادمة الإستفادة أيضاً.