الاجتهاد: نتعرف على الحكم بالحلال والحرام من خلال الرجوع للفقيه الجامع للشرائط، والفتوى قد تكون فردية أي خاصة بالمكلف الشخصية، كالصلاة والطهارة وأحكام الصوم، ولا يجوز لغير الفقيه التصدي للفتيا..
هذا في الشأن الشخصي للمكلف، فكيف لو كان الأمر يتعلق بالشأن العام. الشأن العام السياسي أو الاجتماعي في منتهى الخطورة، لما يترتب على الفتيا فيه من تبعات قد تكون خطيرة جدا.
ولهذا ينبغي على كل مؤمن وبخاصة خطباء المنبر أن ينتبهوا لهذه المسألة، فلا يصح من الخطيب التصدي لقضية تتعلق بالشأن العام الاجتماعي مثلا، بناء على فهمه الذي قد يكون قاصرا؛ ومن أمثلة ذلك ما وردنا عن بعض الخطباء من دعوى أنه لا يجوز استخدام الحسينية في إقامة دورة او ندوة أو محاضرة تلبي حاجة المجتمع ومصلحته، بدعوى أن الواقف قد أوقفها للتعزية على الحسين عليه السلام، وقال آخر أنه يجوز ولكن بشرط أن يتم تناول القضايا من خلال علوم أهل البيت، فيتم تناول الاقتصاد في فكر أهل البيت والسياسة في تراثهم..ولا أدري هل يجب أن نبحث عن رواية تفيد كيفية الوقاية ضربة الشمس مثلا عندما نريد محاضرة في هذا الشأن؟ وهل يجب البحث عن روايات في كيفية التعامل مع المخاطر التي يتعرض لها الأطفال؟!!
وبالتالي لقد أحدث هؤلاء الأخوة بلبلة وارباكا..لماذا؟
لأننا منذ ولدنا كنا نرى أن الأهالي يستخدمون الحسينية لسد مختلف حاجات المجتمع في إطار الشرع، حتى جلوة العروس كانت تقام في الحسينية قبل ظهور الصالات، وكانوا يستخدمون الحسينية كمقر لتطعيم أطفال القرية في ذلك الزمان حيث كانت المراكز الصحية قليلة وبعيدة مع عدم توفر مواصلات، وما زال الناس يستخدمون الحسينية في التعزية وإقامة الفاتحة على أرواح أمواتهم، وكذلك يستخدمون الحسينية في استقبال المهنئين في أفراحهم، كالزواج أو الإفراج عن سجين..الخ.
كذلك اتخذت الحسينية مقرا لتعليم القرآن والصلاة، وتقام في الحسينية مختلف الدورات والندوات والمحاضرات ينتفع بها المجتمع، كالمحاضرات الطبية، أو دورة كمبيوتر لطلبة مشروع التعليم الديني، وفيها تقام دورات التقوية لطلبة المدارس وبخاصة في مادتي الانجليزية والرياضيات.
وهذا الأمر متوارث من الآباء، بالتالي عندما يريد أحد التصدي والزعم بأن هذه الاستخدامات مخالفة للوقف، عليه التأني والتوقف طويلا وعقد حوارات مع مختلف فئات المجتمع وعلى رأسهم العلماء، واستفتاء الفقهاء العظام، فالمبادرات الفردية في هذا الشأن أمر خطير وهو عبارة عن افتاء في الشأن العام الاجتماعي الذي يعد أخطر من الشأن الفردي االطهارة والصلاة.
بل ينبغي لكل متكلم وخطيب وكاتب عندما يريد تناول ظاهرة اجتماعية متجذرة، أن يكون حذرا جدا، فالظواهر الاجتماعية لا تعالج بالمبادرات الفردية، حيث تغيب عن الفرد كثير من الزوايا والجوانب، وبعد ذلك يتسع الفتق على الراتق ويصعب الترقيع.
وبعد تلك الدعاوى في شأن استخدام الحسينية، قمنا بالإطلاع على بعض وثائق الوقف، فوجدنا أنها لا تحصر الوقف في شأن التعزية وإن ذكرتها، فمثلا تجد عبارة الوقف هكذا: وقف لإقامة التعزية على سيد الشهداء، أو على الأئمة عليهم السلام، ولكن لم يحصر الواقف الوقف على ذلك، فلم يتبعها بكلمة: فقط..نعم لو صرح الواقف بأن الوقف فقط لإقامة التعزية فهذا لا اختلاف في عدم جواز استخدمها في غير ما أوقفت له. (راجع اجابة المرجع الشيخ محمد أمين زين الدين، كتاب بين السائل والفقيه، وقف الحسينيات، المسألة السادسة عشرة، ص 190 وما بعدها)
ولكن الواقف لم يصرح بذلك، فلم يحصر الوقف على التعزية لأبي عبد الله الحسين مثلا، ولهذا عندما رجعنا لفتاوى الفقهاء واستفتينا بعضهم مثل المفكر والفقيه آية الله السيد منير الخباز عن استخدام الحسينية في تلك الشؤون في حال لم يقيد الواقف الوقف بالتعزية وإن ذكرها كما لو قال الواقف في وثيقة الوقف: وقف لإقامة التعزية على الأئمة، فأجاب سماحته نصا: يجوز الاستخدام فيما تعارف المجتمع على استخدامه في الحسينيات ما لم يزاحم غرض الوقف.
الأمر نفسه في فتوى الشيخ الفياض والسيد الخامنئي كما هو مرفق مع هذه المقالة.
فالواقف لم يقصد حصر استخدامها في اقامة العزاء على الإمام الحسين وإلا لما صح اقامة العزاء فيه حتى على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله او على أحد من الأئمة، ولما صح اقامة الاحتفالات بذكر مواليد المعصومين، بينما كل ذلك يحدث بوجود الواقف نفسه، وتؤخذ منه مفاتيح الحسينية حتى للأفراح كالجلوة على العروس بالنسبة للنساء، وكذلك استقبال المهنئين بمختلف المناسبات وإقامة الفواتح، وتعليم الصلاة ولدروس الدينية.
والحديث ليس عن تاريخ سابق نختلف فيه، فغالبية الحسينيات في هذا البلد لم يمر عليها قرن من الزمان، فكل هذه الحسينيات مازال يوجد بيننا من عاصر بنائها ووقفها من كبار السن ممن هم فوق السبعين والثمانين عاما، فلو سألت أي واحد منهم سيقول لك ما ذكرناه آنفا.
بجانب ذلك، مازالت الحسينيات تبنى، والوقف مازال على اقامة التعزية على الأئمة، ومازال أمامنا الكثير من الواقفين أحياء يرزقون، فاستنطقوهم سيقولون لكم ، أن الحسينية لخدمة المجتمع في مختلف وجوه حاجاته.
والخلاصة، ينبغي بشكل عام لكل متكلم وخطيب وكاتب الحذر الشديد عندما يتناول ظاهرة اجتماعية متجذرة ونافعة، فلا يعلن مواجهته لها فيحدث في المجتمع ارباكا وبلبلة بين المؤمنين، بل ينبغي في تناول الظواهر الاجتماعية التشاور بين مختلف فئات المجتمع ممن يعول على تشخيصهم، وفي مقدمتهم العلماء، ثم اتخاذ القرار الجماعي في شأن الموقف من الظاهرة، تأييدا أم تحجيما ومنعا.
ملاحظة:
مرفق صور من:
– استفتاء السيد الخامنئي
– استفتاء الشيخ الفياض
– جواب الشيخ زين الدين في كتاب بين السائل والفقيه للشيخ السيهاتي.
– وهنا نص استفتاء آية الله السيد منير الخباز: سماحة السيد الأستاذ
تعلمون أن الحسينيات عندما تقوم بدور حيوي مهم في المجتمع، فمع أن محور وظيفتها اقامة المأتم الحسيني وذكر أهل البيت عليهم السلام إلا أنها تقام فيها مراسم استقبال المهنئين في الأعراس بل كانت تستخدم في ما يسمى تجلية العروس، وكانت مقرا للتطعيم عندما كانت الجهات الصحية في العصر الماضي تقوم بمحاربة الأمراض المعدية، ويستخدمها الذين لا يمتلكون مجالس لائقة في مناسباتهم كما لو أفرج عن سجينهم، وتقام فيها الدورات التي يحتاجها المجتمع للتوعية كدورة طبية او فكرية للتعريف بالليبرالية وكشف زيفها بل تقام دورة تعليم الكمبيوتر مثلا للأولاد المنضمين للدروس الدينية، ويتم فيها تعليم الصلاة والقرآن..
اليوم لدينا وثائق تنص على أن هذه الحسينية أو تلك قد أوقفها السابقون “لاقامة تعزية الأئمة عليهم السلام”.
السؤال: ما حكم توظيف الحسينية على الأنشطة آنفة الذكر بجانب اقامة التعزية على الأئمة عليهم السلام ؟
الجواب: يجوز الاستخدام فيما تعارف المجتمع على استخدامه في الحسينيات مالم يزاحم غرض الوقف.