حجية السيرة العقلائية

حجية السيرة العقلائية في غير العبادات، قاعدةٌ أوّلية أو ثانويّة؟ / تحميل المقالة

الاجتهاد: يُعَدّ البحث عن سيرة العقلاء أحد البحوث الأكثر تداولاً في علم أصول الفقه. ورُبَما أمكن أن يقال بأنّ الاستفادة من هذه المسألة في علم الأصول اليوم أكثر من أيّ مسألةٍ أخرى، ولكنْ ليست الاستفادة من هذه المسألة في الفقه بهذا المستوى، وذلك راجعٌ إلى الاختلاف في سيرة العقلاء بين الأصول والفقه؛ فإنّ أكثر الطرق الّتي تمّ إثبات حجِّيتها بالسيرة في علم الأصول كانت حاضرةً في عصر حضور المعصومين(عم)، وهم لم يردعوا عنها.

ومن هنا، فإنّ علماء الأصول عند تمسُّكهم بالسيرة لإثبات المسائل الأصولية المتعدِّدة يقولون بأنّ السيرة جاريةٌ على هذه المسألة في كلّ الأزمنة، أو السيرة على هذه المسألة من صدر الإسلام إلى اليوم، أو السيرة قائمة على هذا من اليوم إلى عصر التشريع.

بينما المسائل الفقهية على نوعين؛ فبعضها كانت سيرة العقلاء في زمن المعصومين جاريةً عليها؛ وبعضها لم تكن السيرة عليها آنذاك، لكنّ سيرة العقلاء في العديد من المجتمعات البشرية المعاصرة قائمةٌ على اعتبارها، دون أن تكون من السِّيَر المحدودة بمجتمعٍ خاصّ.

والسؤال الذي يطرح هنا هو: هل لنا أن نقول ـ بصورةٍ مطلقة أو مشروطة ـ بحجّية المسائل والطرق التي تستقرّ عليها سِيَرٌ عقلائية عامّة جديدة، مثل: اعتبار حقوق التأليف، والأخذ بآراء الأغلبية في تنظيم الشؤون السياسية للدول، وفي انتخاب مسؤولي الحكومات؟

وبعبارةٍ أخرى: هل يمكن الحصول على دليلٍ معتبر على حجّية السِّيَر العقلائية الجديدة والمتشكِّلة بعد عصر حضور المعصومين(عم) أم أنه لا يوجد دليلٌ معتبر على حجّية هذا القسم من السِّيَر العقلائية، لا بصورةٍ مطلقة ولا بصورةٍ مشروطة؟

وقد اتّخذت طرق متعدّدة لإثبات حجّية السيرة، مثل: الحجّية الذاتية للسِّيَر العقلائية، وحجّية السِّيَر التي علم المعصوم بتحقُّقها وأخبر عنها. لكنّني لم أقِفْ على مَنْ طرق الموضوع من هذه الجهة. لذلك فإنّ فكرة البحث تعتبر جديدةً.

ولقد تبيَّن في هذا البحث أنّ السيرة العقلائية هي جَرْي العقلاء المستمرّ على أمرٍ من جهة حيثيّتهم العقلائية، وأمّا سيرة المتشرِّعة فهي عملهم المستمرّ المنطلق من جهة تديُّنهم وتمسُّكهم بالشريعة. وبما أن غير العبادات والأمور الإمضائية هي أمور عقلائية، كانت موجودةً حتّى قبل مجيء الشريعة، والشارع في هذا المجال ليس بمؤسِّسٍ؛ حتّى يلزم عليه إبداء تأييده ورأيه الموافق لها، بل هو مصلحٌ وموجِّهٌ، من هنا فإنّ طريقة الشارع كانت بحيث يبيِّن رأيه في كلّ موردٍ يختلف موقفه بالنسبة إليه مع رأي وموقف العقلاء.

وانطلاقاً من كون الشريعة الإسلامية خاتمة الشرائع، ورسالتها هي هداية الناس إلى يوم القيامة؛ فإن أفق رؤية الشارع ونظره ممتدٌّ إلى يوم القيامة، وكلّ ما لم يكن يتمتَّع برضا الشارع الإسلامي وقبوله على امتداد الزمن فقد بيَّنه بنحوٍ ما، كما جاء في الروايات المعتبرة.

لذلك فلا بُدَّ للفقيه في غير مجال العبادات من أن يتتبَّع الأدلّة بدقّةٍ؛ ليحصل على دليلٍ معتبر، صدوراً ودلالةً وجهةً، على خلاف السيرة. وإذا لم يقف على دليلٍ معتبرٍ من النواحي الثلاثة المذكورة، يكون مخالفاً للسيرة العقلائية العامّة، ولم يكن هناك أصلٌ عملي مخالف أيضاً، فسوف تثبت حجِّية تلك السِّيرة.

ولقد تمّ في هذا البحث ذكر عدّة أدلّة على هذا المدَّعى، وإنْ كان بعض الأدلّة ـ كدليل وجوب دفع المنكر ـ لا يخلو من مناقشةٍ. ولكنّ أغلب تلك الأدلّة محكمةٌ ومتقنةٌ، مثل: مقتضى شمولية الشريعة، ومقتضى خلودها، ومسؤولية هداية جميع الأجيال، وخطبة الوداع، وطريقة الشارع في غير العبادات، واعتبار القاعدة الأوّلية في عصر الحضور.

 

حجِّية السيرة العقلائية في غير العبادات، قاعدةٌ أوّلية أو ثانويّة؟
الكاتب: الشيخ سعيد ضيائي فر؛ المترجم: مصطفى رئاب

المصدر: العدد الجديد (59 – 60) من مجلة الاجتهاد والتجديد

 

تحميل العدد (60 – 59) من مجلة الاجتهاد والتجديد

بصيغة وورد

59-60 الاجتهاد والتجديد

البي دي إف

59-60-.pdf الاجتهاد و التجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky