الاجتهاد: “ييطلبون المرعى فلا يجدونه”. هذا مثل يمثّل حال الشّيعة في غيبة إمامهم المهدي. يفقدونه ويطلبونه فلا يجدونه كما تفقد النعم الراعي ليرعاها فتطلب المرعى فلا تجده، ولا مساء فترده؛ لأنّ الفراغ الّذي في البشر لا تسدّه المقاييس الماديّة، ولا غيرها من الطّرق غير السّماويّة التّضمينيّة، لعدم ضمانها السّالم من النقص والعيب والخلل.
روى الشّيخ الصّدوق بإسناده عن ابن فضّال عن أبيه عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام أنه قال: ( كأنّي بالشّيعة عند فقدهم الثّالث من ولدي يطلبون المرعى ولا يجدونه، قلت له: ولم ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن إمامهم يغيب عنهم، قلت: ولم؟ قال : لئلّا يكون في عنقه لأحدٍ بيعة إذا قام بالسّيف »(1).
نظير المثل ما جاء في الحديث المرويّ عن أمير المؤمنين مع اختلاف يسير قال عليه السلام : « كأنّي بكم تجولون جولان النّعم تطلبون المرعى فلا تجدونه »(2)
وهذا مثل يمثّل حال الشّيعة في غيبة إمامهم المهدي. يفقدونه ويطلبونه فلا يجدونه كما تفقد النعم الراعي ليرعاها فتطلب المرعى فلا تجده، ولا مساء فترده ؛ لأنّ الفراغ الّذي في البشر لا تسدّه المقاييس الماديّة ، ولا غيرها من الطّرق غير السّماويّة التّضمينيّة، لعدم ضمانها السّالم من النقص والعيب والخلل .
فالمسلمون عامّة والشّيعة خاصّة في أزمان الفترات عند فقد المعصوم من آل محمد الّذي هو الفقد الكامل للكمالات كلها حتى الكمالات الإنسانيّة مصابون بمصيبة فقد الكمال والمعرفة الكافية بكل شيء ، وأهمّها المعرفة بالله جلّ جلاله وسبل الوصول إليه، ولا يضمن ذلك كلّه إلّا الأنبياء وأوصياؤهم عليهم السلام المبعوثون من أجل هذه المهمّة، وفي هذه العصور القائم بهاهو المهدي المنتظر روحي فداه، فطالبو الحقّ يجولون، مرّة عند زمرة يسمّون بأهل العرفان النّاهجين مناهج شتّى لم تسلم من الأنحرافات في الأصول ولا الفروع وعن نهج أهل البيت عليهم السلام ،
وربّما وقع البعض في مصائدهم كما شاهدناه، ومرّة عند من لا يصلح الرّجوع إليه وإن تحلّى بحلّي مطلوب، وثالثة البقاء على ما يتراءى الرّائي. ففي الحقيقة هو الجولان في الأوهام وبما لا يشفي الغليل . ومثال الكلّ هو کجولان النعم للحصول على المرعى فلا تجده ولا ماء فتروی .
وعلى الشّيعة الثّبات على عقائدهم الحقّة والتّمسّك بالولاية والعمل بما استيقن من الكتاب والسّنّة القطعيّة المرويّة عنهم عليهم السلام، والتّوسل بالمهديّ عجلّ الله فرجه والدّعاء له بالفرج، وليذكروا حديث الثّقلين: كتاب الله والعترة الطّاهرة (3) الضّامن لمن تمسك بهما عدم الضّلال والمحذّر للمتخلّف عنهما بالهلاك، وفيه بشارة ودلالة على بقائهما إلى آخر الدّهر وعدم افتراقهما حتّى يردا على النّبيّ الحوض في القيامة . فليطمئنّ المؤمنون بذلك ، ولينتظروا خروج صاحب الكتاب وقيامه المبارك إن شاء الله اللّهم أرنا أيامه الزّاهرة في الدّنيا والآخرة.
الهوامش
(1) عيون الأخبار ١ /۲۱۳ ، العلل ١ / ٢٤٥.
(2) إثبات الهداة ٣/ ٤٦٣ ، وحرف التاء مع الجيم من الأمثال والحكم و العلويّة ، مخطوط .
(3) المجلّد الخاص به من كتاب عبقات الأنوار ، وجامع أحاديث الشيعة ١/ ٢٠-٨٥ ، المقدمة جاء فيها بتفصيل .
من كتاب ” أمثال وحكم الإمام الرضا أو كلمات مختارة “محمد الغروي الجزء الثاني /ص 699