خاص الاجتهاد: يُعتبر كتاب “حلقات” الشهيد الصدر كتابًا تعليميًا ذا فائدة وكفاءة عالية منهجيًا ومضمونيًا. وعند مقارنة أي موضوع ومبحث من “الكفاية” بـ”الحلقات”، يتضح أن طريقة تقديم “الحلقات” أكثر جدوى وإتقانًا. لكن لأن الشهيد الصدر غيّر النسق المعتاد في تدوين الكتب الأصولية، لم يحظَ الكتاب في الحوزات بذاك الانتشار الذي كان أهلاً له.
وفقا للاجتهاد؛ سيكون كتاب “الحلقات” (دروس في علم الأصول للشيهد آية الله السيد محمد باقر الصدر) محور تدريس البحث الخارج لأصول الفقه للأستاذ محمد مهدي شبزندهدار في دورته الأخيرة.
ألقى أمين المجلس الأعلى للحوزات العلمية في الجلسة الافتتاحية لدرسه الخارج في أصول الفقه للعام الدراسي 1404ش / 1447هـ، مقدمةً حول ضرورات العمل الحوزوي، مُبيِّنًا: إن ما طرحته آيات القرآن الكريم واعتبرته معيارًا هو أحسن الأعمال وليس مجرد العمل الحسن. ولهذا، يجب على الطلاب أيضًا أن يسعوا ليُحوّلوا أعمالهم—والتي تشمل الدرس والبحث وتُعد كلها عملاً حسنًا—إلى “أحسن الأعمال”.
وتابع الأستاذ شبزندهدار ببيان أربع نقاط لتحقيق “أحسن العمل” في المسار الحوزوي، وهي: بدء العمل باسم الله جل شأنه. جعل رضا الله هدفاً، واستخدام السنن الحوزوية المعهودة في التدريس والتعلّم، والالتزام بـ “التقرير” و “المباحثة” و “المراجعة” و “التفكر والتعمق.
وأوضح أستاذ البحث الخارج في حوزة قم العلمية، في سياق شرحه لضرورة حرية الطلبة في اختيار الكتاب الدراسي، التي عدَّها من السنن الحسنة للحوزات العلمية منذ القِدم: “إن المرحوم الشهيد الصدر “قدس سره” لم يكتب كتاب ‘الحلقات’ لا للحوزة المباركة في النجف الأشرف ولا للحوزة العلمية في قم، بل ألَّف هذا الكتاب لمدرسة في مدينة أردبيل.
فقد أسَّس السيد عبد الغني الأردبيلي، أحد تلاميذ الشهيد الصدر، مدرسة علمية في مدينته أردبيل بعد عودته إلى إيران، وكانت المدينة آنذاك لا تُمثِّل حتى مركز المحافظة. طلب السيد الأردبيلي من السيد الصدر أن يؤلِّف كتابًا في الأصول لهذه المدرسة، فكتب الشهيد الصدر كتاب ‘الحلقات’ لأجلها. ولو كان السيد عبد الغني مُلزَمًا ومُقَيَّدًا بتدريس الكتاب المتعارف في الحوزة فحسب في مدرسته، لما أمكنه التمتع بهذه الحرية في العمل. وهذه الحرية في العمل هي التي كانت منشأً لانتشار كتاب ‘الحلقات’.
وأفاد الأستاذ شبزندهدار، مؤكداً أن كتاب “حلقات” الشهيد الصدر هو فعلاً مقرر دراسي ذو كفاءة عالية من حيث المضمون والمنهج، بقوله: إذا ما قورن أي موضوع أصولي في الكفاية بمثله في الحلقات، يتجلى أن أسلوب العرض في الحلقات أكثر نجاعة وإتقاناً. لكن السبب في عدم حصوله على الشيوع المستحق في الحوزات العلمية هو أن الشهيد الصدر “قدس سره” قد غيّر الطريقة المعتادة في تدوين الكتب الأصولية. فعلى سبيل المثال، بدأ بمبحث القطع، بينما جرت العادة في الكتب الأصولية المعهودة أن تبدأ بتعريف علم الأصول وموضوعه وما إلى ذلك. بالطبع، هذا التعديل من قبل الشهيد الصدر ليس اعتباطاً، بل له وجه فلسفي، وهو قاعدة ‘كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات’؛ وعليه يجب أولاً تثبيت حجية القطع لتُبنى عليها سائر المباحث.
ومضى الأستاذ شبزندهدار إلى القول بأنه سيجعل كتاب “الحلقات” المحور الأساسي لدرس الخارج في الأصول في الدورة الجديدة، مُشيراً إلى أنه: قام المرحوم آية الله السيد محمود الشاهرودي (رضوان الله عليه) مؤخراً بإصدار الصياغة الجديدة’ لكتاب “الحلقات”؛ أي أنه أعاد ترتيب فصول “الحلقات” بنفس العبارات والمحتوى، لكن على النسق المألوف، وأضاف إليها بعض المباحث التي أغفلها الشهيد الصدر، مثل مبحث المشتق. هذا الكتاب، تحت عنوان ‘دروس في علم الأصول صياغة جديدة على نهج كفاية الأصول’ (وهو في الحقيقة حلقات الشهيد الصدر)، هو مرجع تعليمي صالح للاعتماد عليه. ولهذا، كنتُ في السابق حين أُدرّس أصول الفقه، أُدرجُ إلى جانبه مباحث الحلقات؛ لاعتقادي الراسخ بأن هذا الكتاب يُبين مدى كفاءة الأصول وذاك المبحث على وجه أفضل لـطلبة العلم الأفاضل.
وتابع أستاذ السطوح العالية في حوزة قم العلمية قائلا: حالياً، وحيث سيتم تناول مباحث الأصول من البداية، وحيث جرت العادة على أن يُتَّخَذَ كتاب منهجي محوراً للنقاش، فإننا سنعتمد كتاب “حلقات” الشهيد الصدر بـترتيبه الجديد وصياغته الجديدة محوراً لدرسنا. والحمد لله، أصبح كتاب “الحلقات” اليوم مقرراً دراسياً، والطلبة الكرام لهم مطلق الحرية في الاختيار بين دراسة “الكفاية” أو “الحلقات”.
وسبب اختيارنا هو أن “الحلقات” كتاب دراسي، وقد ضمَّنَهُ المؤلف خلاصة المواضيع الضرورية، التي لو دُقِّقَ وبُحثَ فيها جيداً لكانت كافية. لا سيما أن بعض المباحث لا تستوجب تخصيص جلسات دراسية مطولة لها. ينبغي التفريق بين: المسائل التي تُطرح في الحصص والفصول الدراسية، والمسائل التي تتم بالتعمّق والبحث الشخصي. فمن كانت لديه المقدرة والرغبة في الوصول إلى مهارة فائقة في علم ما، فعليه حينئذٍ أن يوسِّع من نطاق مطالعاته ومباحثاته.