زكاة الفطرة

توضيح حول نظرية الزمكان .. سماحة السيد منير الخباز

هذه المسألة ليست جديدة على الفقه، بل هي موجودة في الفقه الإمامي، دخل الزمان والمكان في الحكم الشرعي، تسمّى نظرية الزمكان ، يعني دخل الزمان والمكان في حدود الحكم الشرعي./ النبي له الولاية على الناس بايعوه أم لم يبايعوه، ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، إذن لماذا أخذ البيعة؟ أخذ البيعة من أجل الاحتجاج على من لا يعترف بنبوته ودولته. البيعة عقد عقلائي قام به النبي من أجل إقامة الحجّة على الجميع، لا يوجد مجال للاعتراض، ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾.

الاجتهاد: عندما نأتي ونقول بأنَّ الفقهاء ينبغي أن يغيّروا بعض القوانين، لماذا يجعلون القوانين كما هي عليه، الذي كان في زمن النبي يبقى، والذي كان في زمن الإمام علي يبقى، لماذا لا يغيّرون بعض القوانين حتى تتماشى مع العصر ومع الثقافة المعاصرة؟

هذه المسألة ليست جديدة على الفقه، بل هي موجودة في الفقه الإمامي، دخل الزمان والمكان في الحكم الشرعي، تسمّى نظرية الزمكان، يعني دخل الزمان والمكان في حدود الحكم الشرعي، هذه نظرية حوزوية موجودة، الفقيه عندما يتلقّى النص – الثابت الذي لا كلام فيه – يقوم بقراءته قراءة تحليلية، يعني أن يدرس المدلول اللغوي للنص، وأن يدرس السياق الزمني للنص، النص ورد في أي زمن؟ هل للزمن دخالة في موضوعه أم لا؟ هل للمكان دخالة في موضوعه أم لا؟ هذا يقوم بقراءته الفقيه، وعلى أساسه يحدّد أنّ الحكم تاريخي أم الحكم مستمر.

مثلًا: عندنا رواية صحيحة، صحيحة زرارة عن الإمام الباقر أنّ أمير المؤمنين عليًا فرض الزكاة في الخيل العتاق وفي البراذين، الزكاة إنما تجب في الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلات الأربع والنقدين من الذهب والفضة، لكن الإمام عليًا فرض الزكاة في الخيل والبراذين، الفقهاء عندما يأتون إلى هذا النص يقولون: هذا نص تاريخي، يعني ما صدر من علي حكم مؤقّت، حكم ولايتي يختصّ بزمنه، لأنه كان ولي أمر المسلمين، وكان من حقّه أن يشرّع ما يعالج حالات الفقر في زمانه، فرأى أنّ علاج الفقر في زمانه يقتضي أن يضيف في الزكاة ضرائب أخرى، فأضافها بولايته، هذا حكم تاريخي مؤقت وليس حكمًا دائمًا.

مثال آخر: زكاة الفطرة التي أنت تدفعها في يوم عيد الفطر، بعض النصوص الواردة عن الأئمة تقول: زكاة الفطرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب، إذا لم يكن عندنا حنطة ولا شعير ولا تمر ولا زبيب، يعني لا يوجد زكاة فطرة؟! الفقيه عندما يقرأ النص يقول: هل هذه مصاديق تاريخية، أم هي مصاديق ثابتة؟ هل ذكر الإمام هذه العناوين لأنها هي موضوع زكاة الفطرة دون غيرها، أم ذكرها كأمثلة للقوت؟ القوت ما يأكله الناس بحسب متعارفهم، أغلب فقهائنا يقولون: هذه أمثلة للقوت، يقرؤون النص قراءة تاريخية، يقولون: هذه أمثلة تاريخية للقوت، المهم هو القوت، الحنطة والشعير والتمر والزبيب في زمن الصادق كان هو القوت المتعارف، كان الناس يأكلون ذلك، فلذلك قال زكاة الفطرة فيه، وأما إذا تغيّر القوت يتغيّر مورد الزكاة.

الآن في زماننا هذا ما هو القوت في الكويت؟ الرز، قبل مئتي سنة لم يكن هذا الرز موجودًا، قبل مئتي سنة أصلًا البلاد العربية لم يكن فيها رز، تاريخيًا الرز ليس من البلاد العربية، بل جاء من بلدان أخرى، لم يكن موجودًا، ثم زُرِع بعد ذلك، هذا الرز الذي أنت تضرب فيه بالخمسة لم يكن ثم كان، القوت المتعارف قبل مئتي سنة هو الحنطة، الآن أصبح القوت المتعارف هو الرز، المدار على القوت الذي قد يتغيّر بتغيّر الأزمنة بل بتغيّر المجتمعات، الآن هناك مجتمعات في الهند القوت المتعارف عندها هو العدس، تأكل أشياء أخرى لكن نادرًا، القوت المتعارف هو العدس، إذن زكاة الفطرة بالنسبة إليهم في العدس، زكاة الفطرة في القوت المتعارف، وهذا يختلف باختلاف المجتمعات وباختلاف الأزمنة.

إذن، المصداق مصداق متغيّر، وليس مصداقًا ثابتًا، فهذه النظرية – نظرية الثابت والمتغيّر، والزمكان، ودخل الزمان والمكان في تحديد الحكم الشرعي – موجودة في العلوم الحوزوية ومدروسة، لذلك حتى ما صدر عن الأئمة الطاهرين يدرَس من حيث التاريخية وعدم التاريخية، فمثلًا: النبي محمد أخذ البيعة من المؤمنين في زمانه، لماذا أخذ البيعة؟ هل هو محتاج إلى البيعة؟

النبي له الولاية على الناس بايعوه أم لم يبايعوه، ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، إذن لماذا أخذ البيعة؟ أخذ البيعة من أجل الاحتجاج على من لا يعترف بنبوته ودولته، شخص يعيش في الدولة الإسلامية، يقول: أنا لا أعترف بك كنبي حتى تكون لك ولاية عليَّ! لذلك أخذ منه البيعة، البيعة عقد عقلائي قام به النبي من أجل إقامة الحجّة على الجميع، لا يوجد مجال للاعتراض، ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾.

جاء الإمام علي وأخذ البيعة أيضًا، هل كان محتاجًا إلى البيعة؟ لا، هو ولي على الناس بايعوا أم لم يبايعوا، النبي يقول: ”ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه“، إذن أخذ البيعة لإسكات من لا يعترف بإمامته، ولذلك احتجّ على معاوية وكتب له: ”أما بعد، فإنّ الشورى للمهاجرين والأنصار“، الإمام علي لا يعترف بالشورى، لكن لأن معاوية يعترف بها يلزمه بما يعترف به، ”إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إمامًا كان لله فيه رضا، ولم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد“، أنت في الشام لا تستطيع أن تردّ بيعتي، لأن هذا نظام ملزم به، بيعة المهاجرين والأنصار نظام ملزِم ألزمك به وإن كنتَ في الشام.

هذا المنطق تاريخي، ألزم به الحسين بن علي أيضًا المقاتلين، قال: ”يا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا شبث بن ربعي، ألم تكتبوا لي أن أقبل إلينا“، هؤلاء كلهم بايعوا الحسين، لأن مسلم بن عقيل أخذ البيعة منهم كلهم للحسين، فهم في أعناقهم بيعة ملزمة للحسين، لذلك خاطبهم: ”ألم تكتبوا لي أن أقبل إلينا؛ فلقد اخضرّ الجناب وأينعت الثمار، وإنما تقبل على جندٍ لك مجنّدة“، قالوا: ما فعلنا ذلك يا أبا عبد الله، قال: ”بلى والله لقد فعلتم“.

المصدر: قسم من محاضرة بعنوان: الثابت وَالمتغير في التشريع الإسلامي للسيد منير الخباز 

كامل المحاضرة: (هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky