الاجتهاد: لم يكن من المتوقع في يوم من الأيام أن يجد الفقهاء والقانونيون أنفسهم مطالبين بالبحث عن التكييفات الفقهية، والطبيعة القانونية لآلات جامدة باتت تحمل من الذكاء الاصطناعي، والتعلُّم الآلي، والقرار الذاتي، ما يجعلها قادرة على محاكاة السلوك البشري، والقيام بما يقوم به الإنسان من وظائف وأعمال. / د. أحمد سعد علي البرعي
فالذكاء الاصطناعي اليوم لم يعد ضربا من ضروب الخيال العلمي، ولم يعد البحث فيه وفي أحكامه نوعًا من أنواع الترف الفكري، بل إنه بات حقيقة واقعة يتَّجه العالم إليها بقوة، وستُبنى عليه في السنوات القادمة اقتصاديات دول، وميزانيات حكومات،
فالمدن الذكية التي تطور هنا وهناك، والمركبات المستقلة (Autonomous Vehicles (AV) التي يتوقع لها أن تستحوذ على مكانة رئيسة في النقل والمواصلات في السنوات القليلة القادمة، والطائرات بدون طيار (Drones) واستعمالاتها المدنيَّة والتجارية التي انتشرت مؤخرا، والتي ستسيطر في المستقبل القريب على مجال الشحن والتوصيل، بعد أن سُمح لشركات التجزئة وشركات البريد باستخدامها في مجال توصيل البضائع والطرود البريدية، وظهور الجيل الثاني من هذه الطائرات ذاتي التشغيل والتوجيه والتنفيذ (Autonomous Drones) وما يُثيره من القضايا الأخلاقية والشرعية والقانونية المتعلقة بالتسليح، والحدود الفاصلة بين المشروع منه والمحظور،
وانتشار الوكلاء الأذكياء في التجارة الإلكترونية والاعتماد عليهم في إبرام العقود وتنفيذ المعاملات، وتطوير الروبوتات المستقلة التكيفية القادرة على التعلم الآلي، والتكيف الذاتي، والتطور الاجتماعي، والتي ستقتحم مجال الخدمات المهنية والمنزلية والشخصيَّة في السنوات القادمة، وما تثيره هذه الروبوتات من قضايا فقهية وقانونية تتعلق بتكييف طبيعتها الفقهية، وسط ما ينادي به بعضُ القانونيين اليوم من إضفاء صفة «الشخصية القانونية» و«الأهلية» على هذه الروبوتات؛ نظرًا لما تحويه من ذكاء واستقلالية في التصرف يجعلها مغايرة تمام المغايرة لغيرها من الآلات التقليدية،
والأجهزة الصماء، وما تثيره هذه الروبوتات من مسائل تتعلَّق بالمسؤولية والضمان في حال ما لو انفلتت فأحدثت ضررًا في نفس أو عضو أو مال، وكذا ما مكنت له التطورات في مجال تكنولوجيا النانو (Nanotechnology) من تطوير روبوتات نانوية يمكن زرعها في الأجسام البشريّة لأداء وظائف معينة، ومهام متعدّدة، وما تثيره هذه الروبوتات من قضايا وأحكام، إلى غير ذلك من القضايا الأخرى المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة، والتي فرضت كثيرًا من المسائل والمستجدات أردتُ أن أتناولها بالبحث والبيان في هذه الدراسة، التي عنونت لها باسم: تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوت من منظور الفقه الإسلامي،
راجيًا الله تعالى أن تكون مفيدة في بابها، نافعة لكاتبها وقارئها، وأن تكون فاتحة خير للبحث الفقهي المتعمق في هذه الموضوعات، باعتبارها واحدة من أولى الدراسات الفقهية الموضوعة في هذا الباب، والتي جاءت كثير من التكييفات الفقهية فيها مبنيَّة على تخريج ورأي منّي،
أسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت فيه، ويبقى المرجع دائمًا في مثل هذه النوازل والمستجدات إلى الاجتهاد الجماعي، والرأي المؤسسي.
خطة الدراسة:
قسمت هذه الدراسة إلى مقدمة وفصلين وخاتمة،
أما المقدمة فقد تكلمت فيها عن أهمية البحث وخطة الدراسة فيه، وأما الفصلان فقد وقعا على النحو التالي:
الفصل الأول: الذكاء الاصطناعي وأدوات الثورة الصناعية الرابعة.
وفيه مبحثان: المبحث الأول: التعريف بالثورة الصناعية الرابعة المعاصرة وأهم تقنياتها.
المبحث الثاني: الذكاء الاصطناعي ومشاريعه المختلفة. وفيه مطلبان:
المطلب الأول: التعريف بالذكاء الاصطناعي وأهدافه.
المطلب الثاني: أنواع الذكاء الاصطناعي ومراحل تطوره.
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الذكاء الاصطناعي وأثره في العقود والمعاملات. وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: البيع بالمعاطاة في المتاجر الذكية (المتاجر ذاتية التشغيل).
المطلب الثاني: إبرام العقود في التجارة الإلكترونية بواسطة الوكيل الذكي .(Intelligent Agent)
المطلب الثالث: المتاجرة بالبيانات الضخمة (Big Data) (بيع البيانات الشخصية).
المطلب الرابع: عقد الزواج الذكي (التوثيق بواسطة الروبوت).
المبحث الثاني: تطوير الروبوتات (Robotics) وما يتعلق به من أحكام. وفيه سبعة مطالب:
المطلب الأول: التعريف بالروبوت واستخداماته.
المطلب الثاني: التركيبة الهيكلية للروبوت وحكم تصميمه في صورة كائن حي.
المطلب الثالث: الروبوتات الحتمية والروبوتات المستقلة (ذاتية التشغيل).
المطلب الرابع: نماذج من الروبوتات المستقلة المعاصرة. وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: السيارات المستقلة (ذاتية القيادة). المسألة الثانية: الطائرات المستقلة (ذاتية التوجيه). المسألة الثالثة: الروبوتات المستقلة في مجال الصحافة والإعلام والتأليف. المسألة الرابعة: الإنسان الآلي البشري الاجتماعي.
المطلب الخامس: ما تثيره الروبوتات المستقلة من نوازل فقهية.
المطلب السادس: التكييف الفقهي للروبوتات المستقلة من حيث الأهلية والطبيعة القانونية. وفيه مسألتان :
المسألة الأولى: الأهلية ومحلُّها في الشريعة الإسلامية.
المسألة الثانية: الاحتمالات الفقهية والقانونية لطبيعة الروبوتات المستقلة من حيث الأهلية والشخصية القانونية. وفيها أربعة فروع:
الفرع الأول: القول بانعدام الأهلية وإجرائها مجرى الجمادات والعجماوات من الحيوانات.
الفرع الثاني: القول بأهلية الوجوب على غرار الشخصية الاعتبارية.
الفرع الثالث: القول بأهلية الأداء على غرار الشخصية الطبيعية.
الفرع الرابع: الموازنة بين الأقوال وبيان التكييف الفقهي المختار.
المطلب السابع: المسؤولية والضمان فيما تحدثه الروبوتات المستقلة من أضرارٍ في الشريعة الإسلامية.
وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المسؤولية والضمان قياسًا على العجماوات من الحيوانات (مرتبة الشَّيئية).
المسألة الثانية: المسؤولية والضمان قياسًا على أحكام الرقيق في الفقه الإسلامي (مرتبة الشخصية).
المبحث الثالث: زرع الروبوتات في الأجسام البشرية من منظور الفقه الإسلامي. وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الجراحات الروبوتية النانوية من منظور الفقه الإسلامي.
المطلب الثاني: زرع الروبوتات لتعزيز القدرات البيولوجية للإنسان من منظور الفقه الإسلامي.
المطلب الثالث: الأطراف الصناعية الروبوتية من منظور الفقه الإسلامي.
وأما الخاتمة: فقد خصصتها لذكر أهم نتائج البحث وتوصياته، وثبت المراجع التي اعتمدت عليها
د. أحمد سعد علي البرعي؛ أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة جامعة الأزهر الشريف
تحميل الدراسة:
.pdf تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوت من منظور الفقه الإسلامي