تحليل منهجي حول فتاوى التفرقة والعنف

تحليل منهجي حول فتاوى التفرقة والعنف

يعاني الاستنباط المؤدي الى الفتاوى التفريقية (أي: الفتاوى المتكونة ضد الامة) أو الفتاوى العنفية (أي: الفتاوى المتكونة ضد الانسانية): اما من نقص في المنهجية وإما من احتواء منهجيته على عنصر خاطئ وغير عقلاني.

صورة أرشيفية - عمان 2015
صورة أرشيفية – عمان 2015

موقع الاجتهاد: ما هو السبب الكامن وراء إصدار الفتاوى التي تحمل على عاتقها بذور فكرة التفرقة بين الامة او العنف في المجتمع؟

هذا الموضوع قابل للدراسة من زوايا مختلفة، كلها جديرة بالاهتمام والمتابعة، ومن أهم هذه الزوايا، زاوية منهجية الاستنباط.

الواقع الذي يبدو لنا عندما ننظر الى الموضوع من هذه الزاوية ان الاستنباط المؤدي الى الفتاوى التفريقية (أي: الفتاوى المتكونة ضد الامة) أو الفتاوى العنفية (أي: الفتاوى المتكونة ضد الانسانية) يعاني:

• اما من نقص في المنهجية.
• او من احتواء منهجيته على عنصر خاطئ وغير عقلاني.

وتوضيحا لذلك، ينبغي ذكر تقسيمات ثلاثة لمنهج الاستنباط كالآتي:

▪️ تقسيمه الى المنهج التجزيئي والمنهج التنسيقي.
▪️تقسيمه الى المنهج التجريدي والمنهج التجميعي.
▪️تقسيمه الى المنهج الفرضي والمنهج الفطري.

وفيما يلي شرح اولي وعابر لهذه التقسيمات، وطبعا يكون البحث العميق والمفصل فيها موكول الى محله.

أ) المنهج التجزيئي والمنهج التنسيقي:

ان المنهجة التجزيئية تفصل بين النصوص بعضها عن البعض، وتركز على النظر الى كل نص بمعزل عن صلته المحتوائية بالنصوص الاخرى، بينما المنهجة التنسيقية تجمع بين النصوص وتركز على النظر الى النص في اطار وجود الصلة له بغيره من النصوص (جملة منها او مجموعات منها) وتحاول الحصول على تلك النتيجة التي تلتقي النصوص فيها ويعطيها الوضع التناسقي بينها.

ب) المنهج التجريدي والمنهج التجميعي:

ان المنهجة التجريدية تجرد النص مما يكتنف به من قرائن فيفهمه في غياب النظر الى تلك القرائن، بينما التجميعية تحاول قبل كل شيء ان تحصل على كل ما يمكن ان يكون قرينة أوقع الشرع نصه من منطلق النظر اليه.

والقرائن على أصناف:

1. قرائن لفظية وسياقية.
2. قرائن لبية، وهي على أقسام:

• قرائن عقلائية ارتكازية.
• قرائن متشرعية ارتكازية.
• قرائن عقلية؛ حكمية او نظرية.
• قرائن خطابية وباراديمية.

3. قرائن ظروفية اجتماعية.

وتوضيح كل ذلك، له محله، وهو من أهم المباحث المنهجية ورعايتها تعطي الى الاستنباط اطارا ذكيا وفاعلية قوية.

ج) المنهج الفرضي والمنهج الفطري:

ان المنهج الفرضي يفترض ويفرض؛ يفترض أفكارا ويفرضها على النص، فليست النتيجة التي تحصل عبر هذا المنهج، ذلك المحتوى الواقعي للنص، فالواقع أن الانسان الذي وراء تلك الافكار ويكون مالكا لها هو الذي ينطق ولكن بلسان النص، بينما المنهج الفطري يحاول ان يفهم النص بالانطلاق من ممتلكات الفطرة التي خاطبها الله وبالاستعانة من دفائن العقول التي طعم الشارع أصول الشريعة باجمالها فيها وبارتداء نظارة الارتكازات العقلائية التي تتمتع بالبداهة والصرافة وهي ملهمات الخالق سبحانه للبشر. فحسب هذا المنهج فان النص يأتي ويعطي رسالته وكلمته والفقيه يتلقاها بصرافة رؤيته الفطرية، فليس هناك اي فرض على النص وتحميله ما ليس له صلة به.

وهذا البحث المنهجي بحث مهم وجذري ومؤثر للغاية، ولي كلام كثير وطويل في: 1- توضيح هذه التقسيمات، 2- التطرق الى الامثلة التي تأتي لكل منها، 3- تبيين الدور العظيم الذي يلعبه تنقيح منهج الاستنباط في المنتوج الاستنباطي الفقهي، 4- ذكر الدلائل التي يمكن اثبات المنهجة ذات الطابع التنسيقي والتجميعي والفطري بها، فكل ذلك موكول الى محاله.

الا أني أذكر مثالا باجمال وبسرعة، وهو ان المنهجة التي هي ذات الطابع التجزيئي والتجريدي والتحميلي عندما تذهب الى آية من آيات الجهاد، فهي

أولا: تفصلها عن الآيات الواردة في السلم والآيات الواردة في لزوم اطلاق الرحمة بين الناس والقاء الحسن في المجتمع،

وثانيا: تجردها عن الظروف الحرجة والحربية التي كانت آيات الجهاد واردة فيها ونزلت ناظرة اليها وبينت الحكم مقيدا بالقيود الموجودة لها،

وثالثا: تنطلق من الافكار العصبية والضيقة الى تفسيرها، فتستنتج منها رأيا جافا عاريا عن الرحمة والانسانية قاتلا للانسان وموقعا للأمة في الفرقة ومدخلا للمجتمع في اللا أمنية، بينما المنهجة ذات الطابع التنسيقي والتجميعي والفطري تذهب الى آيات الجهاد فتفسرها في إطار التنسيق المحتوائي بينها وبين مجموعات الآيات في المجالات ذات الصلة بالجهاد وتلحظ جميع القرائن المحفوفة بتلك الآيات وتفهمها من أصول فطرية مثل مبدأ اعظام قتل الانسان و…

المصدر: الدكتور أحمد مبلغي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky