الصوم

تاريخ الصوم .. من كتاب مواهب الرحمن في تفسير القرآن

الاجتهاد: الصوم عند النصارى مفروض في أزمنة معينة خاصة وإن اختلفوا في قواعده فإنّه عند أكثرهم الانقطاع عن المأكل من نصف الليل إلى الظهر، فالكاثوليك منهم الصيام عندهم كثير و شديد، و هو عندهم: الإمساك عن الطعام والشراب يومهم وليلهم ولا يأكلون إلا قرب المساء.

تقدم أنّ الصوم من أهمّ الوسائل التي يلتمس بها العبد التقرب إلى خالقه، و أعظم السُّبل في تحلية النفس بالفضائل و تخليتها عن الرذائل و أنّه أول ما يمكن أن يصدر من الحبيب في لقاء حبيبه، بالتنزه عما تشتهيه النفس من المستلذّات،

فهو من الخير الذي أمرنا اللّه تعالى بالاستباق إليه و لأجل ذلك و غيره مما هو كثير كتبه اللّه على الأمم السابقة، بل هو محبوب لدى جميع الأمم حتى الوثنية منها فلم يخل منه دين من الأديان سواء السماوية منها أم الوضعية،

فقد يظهر من بعض الروايات أنّ المجوس كان لهم صوم، و أنّ الصيامية نحلة منهم تجرّدوا للعبادة و أمسكوا عن الطيبات من الرزق، و عن النكاح و الذبح على ما هو المقرر عندهم و توجّهوا في عبادتهم للنيران.

و أما اليهود فالصوم عندهم هو الإمساك عن الأكل والشرب و لم يفرض عليهم إلا صوم يوم واحد، كما ورد في عهد [اللّاوييّن 16/ 29] و كان اليهود يصومون بعد ذلك أياما في مناسبات.

و كانوا في ذلك اليوم يلبسون المسوح، و ينثرون الرماد على رؤوسهم، و يصرخون و يتضرعون ويتركون أيديهم غير مغسولة إلى غير ذلك من العقائد التي كانت عندهم في الصوم، وكان اليوم هو يوم التكفير أي: اليوم العاشر من الشهر السابع، كما في سفر اللاوييّن، و فيه يحاول اليهودي التشبه بالملاك، و هذا اليوم يسبق بتسعة أيام تسمّى بـ (أيام التوبة) حيث يطهرون خلالها تطهيرا يكفل لهم النقاء في خلال العام القادم، والصوم عندهم يكون من غروب الشمس إلى مساء اليوم التالي.

و في غير ذلك يصومون تذكاراً للرزايا التي وردت عليهم فخصّصوا أربعة أيام للصوم حزنا بعد خراب الهيكل الأول، و هي اليوم التاسع من الشهر الرابع من كل سنة، و هو يوم استيلاء الكلدان على القدس.

و اليوم العاشر من الشهر الخامس، و هو يوم احتراق الهيكل و المدينة. و اليوم الثالث من الشهر السابع، و هو يوم استباحة نبوخذ نصّر لأُورشليم قتلاً و نهباً. واليوم العاشر من الشهر العاشر، و هو يوم ابتداء حصار القدس.

وأما النصارى– على اختلاف مذاهبهم- فهم متفقون على وجوب الصوم في الجملة فقد ورد في إنجيل [متى 6 ر 16] «و متى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين، الحق أقول لكم إنّهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك و اغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائما». و قد نسب إلى السيد المسيح أنّه صام أربعين يوما بلياليها.

و الصوم عندهم مفروض في أزمنة معينة خاصة وإن اختلفوا في قواعده فإنّه عند أكثرهم الانقطاع عن المأكل من نصف الليل إلى الظهر، فالكاثوليك منهم الصيام عندهم كثير و شديد، و هو عندهم:

الإمساك عن الطعام و الشراب يومهم و ليلهم و لا يأكلون إلا قرب المساء، و إذا أفطروا لا يشربون خمرا، و لا يتأنقون في المأكل، و الفرض عندهم هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح و ما سواه فهو نفل، و هو كثير كصوم يوم الأربعاء تذكارا للحكم على السيد المسيح و يوم الجمعة يوم صلبه، وكذا صوم الأيام الأربعة السابقة للميلاد و عيد انتقال العذراء، و عيد جميع القديسين،

هذا ما كان عليه الكاثوليك أول الأمر و لكن جرت تغييرات في فروض الصوم حتى صار صوم كثير من الأيام السابقة فرضا، و من ذلك وجوب الصوم و الانقطاع عن اللحم يوم الجمعة ما لم يقع يوم عيد، و أضيف إليه يوم السبت أيضا. و من ذلك صوم البارامون أي: صوم الاستعداد للاحتفال بالأعياد الكبرى.

و أما الروم الآثوذكس فأيام الصيام عندهم أكثر، و قوانينهم أشد، و أهمها

أربعة أولها: الصوم السابق لعيد الفصح.

الثاني: من العنصرة إلى آخر حزيران

الثالث: خمسة عشر يوما قبل انتقال العذراء.

الرابع: أربعون يوما قبل الميلاد

وأما الأرمن والقبط والنساطرة فهم أشد الملل النصرانية في الصوم و أكثرها صوما، و هو عندهم إجباري لا يجري فيه من التساهل ما يجري عند غيرهم، فإنّ الأرمن يصومون الأربعاء و الجمعة من كل أسبوع إلا ما وقع منهما بين الفصح و الصعود، و لهم أيضا عشرة أسابيع يصومونها كل سنة. و بالجملة إنّ الصّوم عندهم يذهب بنصف السنة.

و أما البروتستانت فالصوم عندهم سنة حسنة لا فرض واجب، و هو عندهم الإمساك عن الطعام مطلقا بخلاف سائر الطوائف المسيحية فإنّ الصوم عندهم الانقطاع عن بعض المآكل كما عرفت

و الصّوم عند المسلمين هو الإمساك عن الأكل و الشرب و غيرهما من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، و فيه من الشروط و الآداب و الأحكام ما لم يكن لغيرهم، و لذا يفسده عندهم ما لا يفسده عند غيرهم

و أما الفرض عندهم هو شهر رمضان، و غيره نفل يعم السنة إلا ما كان محرما كصوم يومي العيدين، و له أحكام كثيرة عندهم فلتراجع الكتب الفقهية

و أما الصّوم عند غير الأديان الإلهية، فالمصريون القدماء كانوا يصومون تعبدا لا يزيس واليونان لذيميتيز- آلهة الزراعة- و كذا إذا أراد أحدهم أن ينخرط في زمرة المطلعين على أسرار كيبلي استعد لذلك بصوم عشرة أيام

و أما الرومان فقد كانوا أكثر صوما من اليونان، و لهم أيام معلومة يصومونها كل عام تعبدا لزفس و سيريس، و إن ألمّت بهم حادثة صاموا استعطافا لمعبوداتهم.

و أما الهنود فقد فاقوا جميع الأمم بالصيام حتى إنّهم يقضون أياما لا يأكلون ولا يشربون ويألفونه صغارا فلا يوهن قواهم كثرته كبارا

المصدر: كتاب مواهب الرحمان في تفسير القرآن، لآية الله السيد عبد الأعلى السبزواري، ج‏3، ص: 28 _ 26

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky