اتّفق فقهاء أهل السنّة والجماعة على اختلاف مذاهبهم على نجاسة دم الحيض، ووقع الخلاف فيما عدا ذلك بالنّسبة إلى دم الإنسان، على قولين: الأوّل: أنَّ الدّم الخارج من الإنسان بجميع أنواعه نجس، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعية والحنابلة وابن حزم، وقد حكى ابن حزم على ذلك في كتابه “مراتب الإجماع”. القول الثّاني: أنَّ الدَّم الخارج من الإنسان طاهر كلّه،ما عدا دم الحيض،فإنّه نجس، وقد أيّد هذا الرأي الشّوكاني والألباني و.. بقلم محمد عبدالله فضل الله
موقع الاجتهاد: للدّم في الفقه الإسلامي أحكامه التي تناولها العلماء وتوسّعوا فيها لأهميّتها، وكثيراً ما يُبتلى الناس بها، فالدّم كما هو متسالم عند جلّ الفقهاء من السنّة والشيعة، من النجاسات التي لها أحكامها الخاصّة.
والدّم نجسٌ، سواء خرج من الإنسان أو الحيوان الّذي له نفس سائلة، وينجِّس ما يلاقيه من بدن وثوب، لكنّ دم الجروح أو القروح التي لم تبرأ معفوّ عنه في الصّلاة، ومنه دم البواسير، سواء كانت خارجة من الجسم أو داخلة فيه، كذلك كلّ قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى ظاهر الجسم، فمع عدم انقطاع الدّم، يمكن للمكلّف الصّلاة، ولو لم يطهر موضع الدّم، مع التحفظ من تعدّي النّجاسة.
إذاً، الدّم نجس من الإنسان ومن كلّ حيوان له نفس سائلة، فيشمل الحكم بالنجاسة دم الإنسان وجميع الحيوانات، ما عدا الأسماك والحشرات، مثل الأفعى والجراد والذّباب ونحوها، فهذه الحيوانات لا يشخب دمها (بمعنى لا يخرج الدّم منها بدفق وقوّة وغزارة، بل يرشح رشحاً خفيفاً)، حتى الدّم الّذي نراه في البيضة على شكل نقطة، فهو نجس على الأحوط وجوباً، على رأي المرجع السيّد فضل الله(رض).
ولو صادف أن قتل الإنسان بعوضة أو برغوثاً على بدنه أو ثيابه، وأصابه منهما الدّم، فهو محكوم بالطّهارة، حتى لو كانت هذه الحشرات قد امتصّت الدم حديثاً من جسم أو حيوان آخر.
ودم الحيض الذي يخرج من المرأة نجس باتفاق علماء الإسلام، وهو دم تراه المرأة ضمن دورة شهرية تختلف في الوقت والعدد من امرأة لأخرى، ويكون بصفات معينة، وغالباً ما يكون أحمر أو أسود، حاراً كثيفاً، يخرج بدفق وقوة، وهذه الصفات إنما تحتاج إليها المرأة عند حصول الاشتباه ليمكنها تمييز دم الحيض من غيره، ويشترط فيه أن لا يقل زمنه عن ثلاثة أيام ولا يتجاوز العشرة.
وقد يخرج الدّم من فرج المرأة بسبب جرح أو قرحة في الرّحم، إما لافتضاض البكارة، أو بسبب عمل جراحيّ، أو لوجود قرحة نازفة، مع كون الجرح خارجيّاً وليس دماً من الرّحم، وفي هذه الحالة، لا تعتبر المرأة في حالة حدَث (حيض)، وبالتالي لا يجب عليها الوضوء ولا الغسل، بل يكفيها تطهير الموضع من نجاسة الدَّم، ووضع فوطة لمنع انتقال الدَّم إلى المواضع الطّاهرة، ويكفيها الوضوء المعتاد للدّخول في الصّلاة، لذا يفترض بالمرأة الالتفات إلى ذلك، والتّمييز بين الدّم الذي تجري عليه حكم الحدث (الحيض) (الاستحاضة) (النفاس)، وبين دم الجرح أو القرح الّذي لا يترتّب عليه شيء.
وهناك دمٌ قد يتجمَّد تحت الأظافر، وهذا الدَّم المستور تحت الطفر قبل أن يخرق الجلد، لا يضرّ بطهارة البشرة، فإذا تقشّر الجلد وبان من تحته، فهو نجس رغم جفافه.
ويصادف أن يخرج سائل لزج ممزوج بالدّم، ناتج من التهابات معيَّنة، وما دام ممزوجاً بالدّم، يعتبر شرعاً نجساً، ويلزم بالتّالي تطهير ما يلاقيه من البدن والثّياب، إلا أن يكون دم جرح نازف، فإنّه معفوٌّ عنه إلى حين الشّفاء، وما نودّ الالتفات إليه، هو أنّ دم الجرح ليس طاهراً حتى لو يبس، إلا أن يتكوّن عليه الجلد، فيصبح من الباطن ولا ينجِّس.
وقد يصادف أيضاً وجود دم في الفم، فهو على ذلك نجس، ولا يجوز للإنسان ابتلاعه إلى الجوف، ما دام يمكنه بصقه إلى الخارج، ومع الشّكّ في وجود الدّم في الفم، يُبنى على الطَّهارة.
ونشير إلى أنّ الدّم المتخلِّف، أي الباقي في الذّبيحة بعد ذبحها على الطريقة الشرعيّة، وبعد خروج الكميّة المتعارفة من الدّم، هو محكوم بطهارته.
وقد اتّفق فقهاء أهل السنّة والجماعة على اختلاف مذاهبهم على نجاسة دم الحيض، ووقع الخلاف فيما عدا ذلك بالنّسبة إلى دم الإنسان، على قولين:
الأوّل: أنَّ الدّم الخارج من الإنسان بجميع أنواعه نجس، وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعية والحنابلة وابن حزم، وقد حكى ابن حزم على ذلك في كتابه “مراتب الإجماع”.
القول الثّاني: أنَّ الدَّم الخارج من الإنسان طاهر كلّه، ما عدا دم الحيض، فإنّه نجس، وقد أيّد هذا الرأي الشّوكاني والألباني وغيرهما.
نرجو أن نكون قد وُفِّقنا لعرض بعض الأحكام الشرعيّة المتعلّقة بالدّم، كونه من النجاسات وما يترتّب عليه من آثار.
ومن أراد الاستزادة، فليراجع:
1 ـ أحكام الشّريعة ـ المسائل الفقهيّة / المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض).
2 ـ العروة الوثقى، الجزء الأوّل/ تعليق السيد السيستاني.
3 ـ مجلّة البحوث الإسلاميّة/ جامعة السودان.
محمد عبدالله فضل الله
المصدر: موقع بينات