الاجتهاد: يناقش الباحث الأستاذ الدكتور مازن الحريري في هذا البحث الادعاء بأن في بعض عبارات الفقهاء، وبعض أحكامهم على عدد من المسائل دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، وأن ذلك نتيجة نزعة ذكورية لديهم، ولذا تناول البحث دراسة مسائل فقهية في إطار الأسرة يتم استغلالها للحديث عن وجود نزعة ذكورية في الفقه الإسلامي.
وكانت الدراسة وفق مناهج: الاستقراء ثم التحليل والاستنباط وذلك من خلال الاطلاع بعمق على هذه المسائل، وتتبع أقوال الفقهاء وعباراتهم المستخدمة في دراستها؛ لمعرفة ما إذا كانت تسهم في التقليل من قيمة المرأة أو تحط من كرامتها، وهل هي دليل على وجود نزعة ذكورية في الفقه الإسلامي؟
ومن أهم النتائج التي خلص إليها البحث أن الفقه الإسلامي بعيد عن تهمة الذكورية، وأنه لو كانت أقوال الفقهاء التي توهم التفضيل والتحيز نتجت عن ذكورية محضة لكانت كل أحكامهم أو جلها ضد المرأة، لكن هذا لم يحصل، فقد رأينا الفقهاء أنفسهم الذين يقولون بما يوحي الذكورية في مسألة يقفون مع المرأة في مسألة أخرى مشابهة.
المقدمة:
لا شك أن الشريعة الإسلامية جاءت للرجال وللنساء، ولم تختص بأحكامها جنساً دون آخر إلا في مواطن يسيرة نظرا لظروف معينة، ومراعاة لطبيعة كل واحد منهما على حدة، إلا أن عددا من الناس ينظرون إلى بعض تلك المواطن على أنها من باب تفضيل الذكر على الأنثى، ويثيرون من خلال المسائل المتعلقة بها تساؤلات عديدة قد يكون الغرض منها أحيانًا معرفة الحق، والوصول إلى الصواب، واستيضاح ما إذا كان ثمة تفضيل للذكر على الأنثى في التشريع، وأحيانًا أخرى يكون من شأنها إثارة الفتن والعداوة بين الرجل والمرأة، وترويج العديد من الشبهات المتعلقة بالمرأة، ومن ذلك الادعاء بأن الفقهاء هضموا المرأة حقوقها ، وفضلوا الرجل عليها في جوانب شتى، من خلال ترجيحاتهم وعباراتهم، ومرد ذلك إلى وجود نزعة ذكورية في الفقه الإسلامي ذاته.
أهمية البحث.
تتجلى أهمية البحث فضلاً عما ذكر أنها في الآتي:
1- يناقش البحث مصطلحا حساسا – الذكورية – يتجنبه كثيرون، لكن تداوله في الفترة الراهنة بكثرة في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يجعل من الضروري التعامل معه، ودراسته بموضوعية.
2- يسعى البحث للاطلاع بعمق على مسائل فقهية في إطار الأسرة، يمكن استغلالها في اتهام الفقه الإسلامي بالذكورية وتتبع العبارات التي استخدمها الفقهاء أثناء دراسة هذه المسائل، والأحكام التي خلصوا إليها؛ وذلك للوقوف على حقيقة هذا الاتهام، وبيان إن كان هناك تحيز للرجال على حساب النساء أم لا؟
حدود البحث ومجاله:
هذا البحث ليس في معرض الدفاع عن الرجل أو المرأة، أو المنتصر لأحدهما على الآخر، وليس معنيًا باجترار مسائل تناولها العلماء بالشرح والتفصيل قديما وحديثا، ولا بتلك التي ورد بشأنها نصوص قطعية ثبوثا ودلالة-(۱)، فضلاً عن عدم اهتمامه بدراسة أسباب تفضيل الرجل على المرأة عموماً، واستحضار المبررات لهذا التفضيل، وما إلى ذلك.
وعليه فإن الباحث اختار بعض المسائل الفقهية في (إطار الأسرة)، قد لا تكون مشتهرة كغيرها عندما يثار موضوع الذكورية، لكنها توهم وجود نزعة ذكورية، أو توهم تحيزاً للرجال على النساء، وهي في اعتقادي نماذج تعبر عن المطلوب.
منهج البحث.
سيكون مناسباً استخدام منهج الاستقراء ثم التحليل والاستنباط.
الدراسات السابقة.
لم أعثر – حسب جهدي – على دراسة تناولت الموضوع من جميع جوانبه، أو تعرضت لإشكالية الذكورية من خلال المسائل الفقهية المطروحة في البحث، وإن وجدت مقالات هنا وهناك، أو مشاركات في مواقع التواصل الاجتماعي تحدثت عن بعض جوانب الموضوع، فضلاً عن وجود دراسات علمية لمسائل فقهية مذكورة في البحث، لكن تناولها لم يكن بغرض بحث إشكالية النزعة الذكورية”، بل لبحث إشكاليات أخرى.
ويستحسن الإشارة هنا إلى أن هذا البحث امتداد لما نشره الباحث في مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والدراسات الإسلامية، المجلد ۱۷ ،العدد ۲ ديسمبر ۲۰۲۰م، بعنوان : النزعة الذكورية في الفقه الإسلامي – دراسة تحليلية في إطار العلاقة الزوجية ” ، فقد تناول الإشكالية ذاتها لكن من خلال مسائل مغايرة، ضمن حدود العلاقة الزوجية الخاصة،
أما البحث الحالي فتناول مسائل في إطار أوسع من العلاقة الخاصة هو إطار الأسرة.
إشكالية البحث.
استخدم بعض الفقهاء أثناء دراستهم بعض المسائل الفقهية، وبخاصة تلك المرتبطة بالمرأة عبارات وأمثلة تشبيهية، ولهم آراء وأقوال وترجيحات، قد توحي في ظاهرها إلى انتقاص قدر المرأة والتقليل من شأنها، وتفضيل الرجل عليها، وغالبًا ما يتم التساؤل : لماذا يحق للرجل… ولا يحق للمرأة….، أو لماذا يجوز للرجل… ولا يجوز للمرأة…؟
ونظرا لهذا كان التساؤل الآتي معبرا عن الإشكالية: هل هذه العبارات أو الأمثلة أو الأقوال والأحكام الجزئية هي نتيجة وجود نزعة ذكورية أو لا؟ وهل يجوز بناه على ذلك أن يوصف الفقه الإسلامي بالفقه الذكوري؟
والباحث يعلم أن هذه الإشكالية من حيث الإجمال قد تعرض لها الباحثون والمصلحون، لكن أغلب من تصدى للرد على هذه الإشكالية، أو أراد توضيح نظرة الإسلام للمرأة تناول الموضوع من خلال عموميات عقدية وفكرية، أو مسائل فقهية مشتهرة؛ لتأكيد احترام الإسلام للمرأة، وأنه كرمها ورفع من شأنها، وأثبت لها حقوقها (۲) – وهو عمل طيب ولا شك يسد ثغرة مهمة – لكنه لم يتعرض لمسائل فقهية فرعية وردت فيها عبارات مزعجة، أو خلص فيها بعض الفقهاء إلى أحكام قد تبدو في ظاهرها مثالاً للنزعة الذكورية، ولذا يستغلها بعض من يريد التشكيك في هذا الدين الحنيف، أو النيل من فقهاء الإسلام، فكان الغوص في طريقة الفقهاء ومعرفة أسلوبهم في دراسة هذه المسائل مهما لمعرفة ما إذا كانت عباراتهم وأحكامهم نابعة عن بيئة ذكورية فعلاً، أو لا.
أهداف البحث:
يهدف البحث إلى الآتي:
١- معرفة هل انحاز الفقهاء في أقوالهم وأحكامهم إلى طبيعتهم الذكورية أو لا؟
٢- توضيح طريقة تفكير الفقهاء، وفهم وجهة نظرهم عندما أصدروا بعض الأحكام، أو استخدموا بعض العبارات التي قد توحي بالذكورية.
3- معرفة إن كان ثمة نزعة ذكورية لدى بعضهم، فهل يصح وصف الفقه الإسلامي بأنه فقه ذكوري؟
4- يسهم البحث في تجلية نظرة الفقه الإسلامي إلى المرأة، ومعرفة مدى قرب الفقهاء أو بعدهم من روح الشريعة الإسلامية في التعامل مع الذكورة والأنوثة.
خطة البحث.
اقتضت طبيعة دراسة موضوع البحث اشتماله على هذه المقدمة، وتمهيد، ومسائل على النحو الآتي:
التمهيد: مفهوم وأساس ويتضمن:
أولاً: مفهوم النزعة الذكورية.
ثانيا: الأساس العقدي للتعامل مع الذكورة والأنوثة في الشريعة الإسلامية.
المسألة الأولى: إعطاء الأم ثلث باقي التركة في المسألتين الغرّاوين.
المسألة الثانية: منع الزوجة من التصرف في مالها إلا بإذن زوجها.
المسألة الثالثة: هل يضمن الزوج إذا أتلف شيئًا من بدن زوجته نتيجة التأديب؟
المسألة الرابعة: منع الزوجة من أكل أو استخدام واستعمال ما له رائحة كريهة يتأذى منها الزوج.
المسألة الخامسة: هل المهر بدل البُضْع؟
تحميل المقالة:
النَزْعة الذكورية في الفقه الإسلامي
المصدر: المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية المجلد 18، عدد 3 لسنة 2022