النهضة السياسية الشيعية في العراق في بداية القرن العشرين

النهضة السياسية الشيعية في العراق في بداية القرن العشرين

الاجتهاد: حين وصلت أخبار مدينة البصرة لعلماء الكاظمية، استجاب آية الله السيد مهدي الحيدري وآية الله الشيخ مهدي الخالصي لنداء أهالي البصرة، إذ وقف آية الله الحيدري في صحن الكاظمية المقدسة وخطب بالناس خطبة شهيرة وغير مسبوقة “الجهاد، الجهاد!”وتعالت الهتافات بين الحاضرين. وبجوٍّ مليء بالترقب أعلن آية الله الحيدري فتواه بالجهاد معلنًا وجوب الدفاع عن أرض الإسلام العراق ضد المعتدين.

في ظل الأحداث التي جرت في العراق منذ سقوط النظام البعثيّ، أصبح للشيعة، الذين يمثلون غالبية سكانية في العراق ويتركزون في المحافظات الجنوبية والمناطق الفقيرة وغير المستقرة أمنيًا، قوةٌ لا يستهان بها، بعد أن عانوا من الاضطهاد والتهميش على مدى التاريخ نظرًا لإيديولوجيتهم المختلفة عن تيارات العالم السُنـّي.

وكلما زادت الضغوط والقيود الاقتصاديّة والاجتماعية، كلما ساعد ذلك بظهور الحركات السياسية في هذه المجتمعات. وكانت هذه نقطة مؤثرة في تغيير الجغرافية الاجتماعية–السياسية في الشرق الأوسط، إذ تشكلت تكتلات سياسية جديدة للخروج من هذه الظروف الصعبة.

في هذا المقال سنتناول بداية إحياء الحركة السياسية في المجتمعات الشيعية منذ الحركة الجهادية في بداية القرن العشرين، أي عندما كان العراق في ظلّ الاحتلال العثمانيّ.

كان العالم حينها يعيشُ اضطرابات كبيرة بسبب الحرب العالمية الأولى. وكجزء من خطة القوى الغربية لاستعمار العالم، نشرت بريطانيا قواتها داخل العراق التي أعلنت بدورها الولاء لألمانيـا آنذاك. وقد نتج عن ذلك رد فعل غير مسبوق من الشيعة بقيادة المجتهدين من رجال الدين الذين غيروا مجرى الأحداث السياسية في العراق، ومنهم آية الله السيد مهدي الحيدريّ الذي كان شخصية رائدة في حركة الجهاد إلى جانب الكثير ممن شارك في هذه الحركة ولم يسعنا ذكرهم في هذا المقال المتواضع.

خلفية موجزة عن تاريخ الشيعة في العراق

الشيعة هم طائفة مسلمة يؤمنون بأحقية الإمام عليّ عليه السلام وذريّتـه بالخلافة بعد النبيّ “ص”. وأن آخر الأئمة هوالمهديّ عجل الله فرجه الذي غاب في سنة 879 للميلاد. وكما يعتقد الشيعة فإن المهديّ سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا. وفي السياق التاريخي، لطالما ارتبط العراق باسم الشيعة نظرًا لكثرة الأحداث في هذه المنطقة. إذ قام الإمام عليّ عليه السلام خلال فترة خلافته بتغيير العاصمة من المدينة في الحجاز إلى الكوفة في العراق، ويعود ذلك للاضطرابات السياسية وبيعة أهل الكوفة له عليه السلام.

وفي العام 661، قتل الإمام عليّ عليه السلام في الكوفة ودُفن في النجف وكذلك قتل ولده الإمام الحسين عليه السلام وآل بيته وأصحابه بكربلاء في العام 680. وقد ضمت أرضُ العراق قبورَ الأئمة الطاهرين، الإمام موسى الكاظم ومحمد الجواد عليهما السلام في الكاظمية المقدّسـة، والإمامين عليّ الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في سامراء.

وعلى مرّ الأعوام ظلت قبورهم أضرحةً شامخة يزورها الشيـعة بالملايين، ومركزًا للبحوث والدراسات الشيعية “الحوزات الدينية”، إذ توفر هذه الحوزات التعليم في مختلف المواضيع والمجالات التي كانت ولا تزال ضروريّةً ليصلَ طالب العلم إلى مرتبة “الاجتـهاد الدينيّ”.

الصعوبات التي عاشها شيعة العراق في ظل الحكم العثماني

ظلّ العراق تحت الحكم العثماني لمدة أربعة قرون، أي منذ عهد السلطان سليمان القانوني في العام 1534. وقد عم الفسادُ والفوضى فيه بسبب انعدام الحكومة المركزية وانعدام المسؤولية العامّة، وتكرر الاعتداءات من قِبَل النظام العثمانيّ.

وبدأت الانقسامات الطائفيّة بين الشيعة والسنة بالظهور بشكلٍ واضحٍ بعد تشكيل الدولة الصفوية الشيعية في بلاد فارس، في حين كان انتماء العثمانيين إلى المدرسة السنيّة1. خشيَ العثمانيون من المذهب الشيعيّ، فامتنعوا عن إعطائهم أيّ منصبٍ في السلطة خوفًا من النفوذ الصفويّ في الدولة، وقد وصل بهم الأمر إلى منع زواج العثمانيين من الإيرانيين، وقد عوقب رجال الدين الذين رفضوا الامتثـال لهذا القانون الذي أصبح جزءًا مهمًا من الدستـور العثمانيّ. 2

وكنتيجة لهذا الأمر حاول شيعة العراق إثبات هويتهم وخلفيتهم الدينية الشيعية دون الوقوع في فخّ الطائفيّة أو القوميّة أو الولاء للأجنبيّ، فلم يعملوا بما يتوافق مع الدولة العثمانية وهيمنتها وظلمها للشيعة، وقد شعروا بأن الحرب بين العثمانيين والصفويين لا علاقة لها بالدين، فرفضوا الانحياز لأيٍّ من الطرفيـن.

أثرت الطائفية التي مارسـها العثمانيون على المجتمع الشيعي، فإلى جانب القمع المستمر ضد الشيعة، كان هناك الإقصاء الاجتماعي والمحن الاقتصادية، إذ حرم العثمانيون العراقيين من استلام مناصب في الدولة، ولكنهم فشلوا في إلغاء المحاكم الجعفرية لنقل المعاملات إلى محكمة حكومية رسمية، كما فشلوا في إغلاق الحوزات العلمية في النجف، وكربلاء، والكاظمية، ولكنهم استطاعوا رفض طلب أي شيعي للدخول إلى المدارس العسكرية، وكذلك منعوا التلامذة الشيعة من البعثات الدراسية إلى الخارج. 3

ذكر كامل الجاردجي، أحد أبرز السياسيين السُنّة العراقيين خلال النصف الأول من القرن العشريـن، في إحدى مذكراته عن أحوال الشيعة في العراق أن سياسة العثمانيين منعت إعطاء المناصب الحكومية لأتباع المذهب الشيعيّ، كما أنهم لم يسمحوا للشيعة بالوصول إلى مناصب عليا في الجيش. وبشكلٍ عام فقد حرم الشيعة من إحراز التقدم على كافة الأصعدة واختلقوا المشاكل والعقبات لمنع الشيعة من دخول المدارس الحكومية.4

ولم يكن الوضع الاقتصادي للشيعة بأفضل من الاجتماعيّ، إذ وزع العثمانيون الأراضي الخصبـة الصالحة للزراعة للقبائل السُّنّـية، أما الأراضي الخصبة في جنوب العراق فقد بقيت للدولة العثمانية التي منعت المزارعين الشيعة من شرائها. 5

حماية الأمة الإسلامية وهويتها

وفي العام 1908 أدركت الدولة العثمانية الخطر المحدق بها المتمثل بالغزو الغربيّ، ناهيك عن فقدها عددًا من أراضيها، وخطر غزو روسيا لإيران المجاورة لها. وبازدياد هذه المشاكل والضغوطات أدرك العثمانيون أهمية وحدة المسلمين وخاصة بعد النداءات المتكررة من الشعب حول هذه القضيّة. احتاج العثمانيون لمساعدة المجتهدين من العلماء من أجل تعبئة القوة الشيعية ولكنهم تحذروا من إعطائهم حريتهم الكاملة خشية نشر المذهب الشيعي للقبائل العربية الأخرى. وللحصول على دعمهم قاموا بإعطاء محاضرات في المراقد الشيعية تتمحور حول حقوقهم الممنوحة لهم والوحدة الإسلامية. وبقبول الشيعة بهذه الوحدة كثُر نشاطهم وانتشرت أفكارهم مما أدى إلى استبصار الكثير وتشيعهم، وهذا ما دفع الدولة العثمانية بإدخال المدارس العلمانية الشيعية، وفرض القيود على الحوزات والزوار الإيرانيين القادمين لزيارة العتبات المقدسة.

وعلى الرغم من التعامل مع الشيعة كمواطنين من الدرجة الثانية، فقد ظل علماء الدين الشيعة يؤكدون على أهمية وحدة الأمة الإسلامية، ودعوا إلى الوحدة بين المسلمين وشاركوا في الحوار مع علماء السنة، وقد سمح لهم بالمشاركة في الندوات لمناقشة مشاكل المسلمين عقب الاستعمـار. 6

ويجدر بالذكر أن غالبية المجتهدين الشيعة آمنوا بضرورة الوحدة الإسلامية كمصدر قوة للدفاع عن أرض المسلمين ضد أي عدوان، وقد دعوا إلى هذه الوحدة لسنوات عديدة قبل أن يأتي المحتلّ العثماني ويأخذ على عاتقه الدعوة إلى الوحدة دعايةً له وتسترًا على مصالحه.

الغزو البريطاني ورد الفعل الشيعي

في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1911 احتلت القوات الروسية والبريطانية شمال وجنوب إيران، فدعا علماء الشيعة إلى الدفاع عن الأرض ضد هذا العدوان، ومنهم آية الله السيد كاظم اليزدي من النجف، الذي أصدر فتوى الجهاد ضد القوات الإيطالية في طرابلس، والروسية والبريطانية في إيران.

وقد لبى الشيعة نداء المجتهدين واستعدوا للجهـاد. وقد انتشر بين الشيعة أن واحدًا من عظماء رجال الدين، آية الله الشيخ محمد كاظم خراساني، سيقود المجاهدين في إيـران بمساهمة زعماء القبائل الذين قاموا بتسليح المجاهديـن. اتُّخذت كل الإجراءات اللازمة، ولكن الوفاة المفاجئة لآية الله الخراساني ليلة الانطلاق للجهاد أضعف الروح المعنويّـة، وأُلغيَت الحَملة.7

قررت الدولة العثمانية أن مع بداية الحرب العاملية الأولى أن مصلحتهم تقتضي الوقوف إلى جانب ألمانيا ضد فرنسا وبريطانيا، لكن الحرب بدأت ولم يستطع الألمان الوقوف ضدّ الفرنسيين والبريطانيين، فبدأت الدولة العثمانية تشعر بالخطر الذي يهددها. وفي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1914 انتشرت أول الوحدات البريطانية جنوبيّ العراق وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه احتلت بريطانيا مدينة البصرة. 8

أرسل أهالي البصـرة نداء استرحام للمجتهدين في كافة مناطق العراق يطالبونهم باستجابةٍ فوريّة لمساعدة المواطنين المعرضين للخطر. وهذا نص إحدى البرقيات التي أرسلها إلى الكاظمية رؤساء البصرة وزعماؤها: “ثغرُ البصرة، الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح، نخشى على باقي بلاد الإسلام، ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع”. 9

وزاد الخطر المحدق بالمسلمين في العراق، وهذا ما دعا العلماء في الكاظمية ومن ثم النجف وكربلاء وسامراء للاستجابة بشكلٍ فوريّ لهذا النداء.

الدعوة إلى الجـهاد

حين وصلت أخبار مدينة البصرة لعلماء الكاظمية، استجاب آية الله السيد مهدي الحيدري وآية الله الشيخ مهدي الخالصي لنداء أهالي البصرة، إذ وقف آية الله الحيدري في صحن الكاظمية المقدسة وخطب بالناس خطبة شهيرة وغير مسبوقة “الجهاد، الجهاد!”وتعالت الهتافات بين الحاضرين. وبجوٍّ مليء بالترقب أعلن آية الله الحيدري فتواه بالجهـاد معلنًا وجوب الدفاع عن أرض الإسلام ضد المعتدين. 10

وقد جمعَ الناسَ لمراتٍ عديدة في باحة ضريح الكاظمية وأعاد التأكيد على فتواه الجهادية وأجابهم عن أسئلتهم وحذرهم من الأخطـارِ المتوقعـة. وفي واحدة من المناسبات أعلن أنه هو وأبناؤه وعائلته ورفاقه سيغادرون المدينة للتوجه نحو الخطوط الأمامية للمعركة، مؤكدًا أن من سينضمّ معه في المعركة سينتصر ومن سيختار البقاء سيلقى الخسارة. 11 وبعدها قرأ الآية القرآنية: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء، 95

وقد استجاب الشعب لفتواه وانضمّ رجاله للخروج إلى الخطوط الأمامية، ثم بعث آية الله الحيدري رسالة إلى مجتهدي النجف وكربلاء وسامراء معلنًا عن الحاجة إلى الجهاد ضد الغزاة مهما كلّف الأمـر. 12 ووصلت أنباء استعداده رحمه الله للذهاب إلى الخطوط الأمامية وهو في الثمانين من عمره، للمرابطين في الجبهات فرفعت من معنوياتهم وتأهبوا للقتال ببسالة.

وفي عشية الاستعداد للتوجه نحو الخطوط الأمامية وصل جمعٌ كريم من رجال الدين من النجف إلى الكاظمية، مثل حجة الإسلام شيخ الشريعة الأصفهانـي، وسيد مصطفى الكاشاني، وسيد علي الداماد. وقد طلب آية الله من المواطنين استقبالهم بحفاوة، ووراء الأبواب الموصدة، تمت المناقشات حول الوضع الراهن وجاء الكثير من الأشخاص من المناطق المجاورة سيرًا على الأقدام بهدف الانضمام للحملة. 13

ووصلت فتوى الجهاد إلى سامراء، فأرسل آية الله ميرزا محمد تقي الشيرازي ولده الشيخ محمد رضا الشيرازي لينضم إلى الحملة بقيادة آية الله الحيدري. وإذ لم يستطع آية الله الشيرازي تلبية نداء الجهاد لمرضٍ شديد ألمَّ به، فقد أرسل رسائل كثيرة إلى مختلف المناطق العراقية مؤكدًا لزوم تلبية نداء الجهاد والانضمام لآية الله الحيدريّ.14 وقد تحرك الرجال بقيادة آية الله الحيدري وآية الله الخالصي من الكاظمية باتجاه الخطوط الأميمة في الثاني عشر من محرم في العام 1333 هجريّ الموافق 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1914. 15

وحينما وصلت إلى النجف أخبار البصرة وتأهب أهالي الكاظمية للجهاد أعلن آية الله السيد كاظم اليزدي واجب الجهاد وأرسل ابنه السيد محمد اليزدي للقتال في الخطوط الامامية. وأخذ السيد محمد سعيد الحبوبـس دروًا مهمًا في إرسال المجاهدين إلى الخطوط الأمامية. وانضم الكثير من رجال الدين المعروفين إلى السيد الحبوبي ومنهم آية الله السيد محسن الحكيم الذي لم يزل آنذاك فتىً يافعًا، والشيخ محمد رضا الشبيبي والشيخ محمد باقر الشبيبي والشيخ علي الشرقي. وقد غادروا مدينة النجف باتجاه الخطوط الأمامية بقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول في العام 1914. 16

جهاد الشيعة

سلك المجاهدون طريق النهر من الكاظمية باتجاه مدينة العمارة جنوب العراق. وأمر آية الله الحيدري المجاهدين بالتوقف على عدة قرى وبلدات على الطريق للتحدث مع السكان المحليين عن فتوى الجهاد وطلب العون منهم.

وفي إحدى المحطات التي توقفوا بها، خطب السيد أحمد الحيدري نجل آية الله مهدي الحيدريّ نيابة عن والده خطابًا حماسيًا تظهر فيه روح الشجاعة: ” بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل الجهاد بابًا من أبوابِ جنته، ومفتاحًا من مفاتيح رحمته، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد صلى الله عليه وآله، المبعوث رحمةً للعالمين، وعذابًا على الكافرين، وعلى آله وأصحابه الذين شيدوا بالسيفِ أركان الدين، وأبادوا عساكر المشركين.

أما بعد: فقد فرض الله الجهاد على كافة العباد، وجعله وسيلة ليوم المعاد، امتحن به أولياءه، وميز به أعداءه. أيها المؤمنون مالكم تقاعدتم عن نصرة الدين، وقد ندبكم الله ورسوله إلى جهاد الكافرين؟ الله الله في حرم الله ورسوله (ص) وقبور الأئمة الطاهرين، لا تتركوها بأيدي الأعداء فينالوا منها ما يشاؤون من الهتك والهدم. أفلا تقتدون بالأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين حيث بذلوا أنفسهم الزكية في إحياء هذا الدين، حتى صار القتل لهم عادة، وكرامتهم من الله الشهادة.

ولا عذر لكم اليوم بعد خروج العلماء الأعلام على عجزهم وشدة ضعفهم. فاعتبروا يا أولي الألباب، نرى جبلة البهائم والحيوانات –مهما بلغ بينها من العداوة والبغضاء– إذا دهمها حيوان أجنبي اتحدت وتعاضدت عليه. فكيف لا نكونُ بمنزلة البهائم؟ بأن نتحد ونتعاضد. وقال عز وجل: إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. 17

لدى اقتراب الجيش المؤلف من حوالي 20 ألفًا من الخطوط الأمامية، عقد آية الله الحيدري اجتماعًا مع الجنرال العثمانيّ جاويد باشا وتفاوضوا بشؤون الحرب الدائرة في القرنة بالبصرة. وما إن توجه آية الله إلى القرنة حتى وصلته أنباء سقوطها بيد المحتلّ وتراجع الجيش العثمانيّ. أجبر هذا الحدث آية الله لتغيير وجهته نحو العمـارة وعند وصوله اكتشف أن الجنرال العثماني أمر القوات العثمانية بالتراجع وتسليم العمارة للبريطانيين. رفض آية الله التراجعَ والتنحي عن موقفه قائلًا بأن جيشه سيجاهد، فإما النصر أو الشهادة. وحين سمع الجنرال العثماني كلمات السيد الحيدري استعاد ثقته بقوة جيشه وأمرهم بالثبات في ساحة المعركة بالعمارة. 18

ومن العمارة أرسل آية الله الحيدري برقيات لعدة مناطق عراقية طالبًا المساعدة على الخطوط الأمامية للمعركة، وأرسل كذلك برقيات لعدد من رجال الدين الذين لبوا نداءه، مثل حجة الإسلام شيخ الشريعة الأصفهاني، السيد مصطفى الكاشاني والسيد علي الداماد الذي تأخر في بغداد بسبب الفيضانات.

في غضون أسبوعين، احتشد حوالي 40 ألفًا من المجاهدين في العمارة، وعين العثمانيون الجنرال سليمان عسكري بيك بدلًا عن جاويد باشا. واتجهت الحشود الشيعية إلى القرنة في البصرة لاستردادها ورابطت على مشارفها. زار الجنرال سليمان بيك آية الله الحيدري وسلَّمه رسالة شكر من الدولة العثمانية تكريمًا للوجود الشيعي ودوره في الدفاع عن الأرض، وقام الجنرال بعرض مساعدات غذائية ومالية للقوات الشيعية ولكن آية الله الحيدري رفضها قائلًا أن الشيعة قادرون على الدفاع عن أنفسهم.

وفي خطوةٍ منه لتشجيع من معه من المجاهدين قرر آية الله الحيدريّ النزول إلى الجبهة بنفسه بالرغم من رفْضِ علماء الدين ومن معه لهذا القرار باعتباره الزعيم الروحي لحركتهم، إلا أنه لم يتراجع مشيرًا إلى حاجة الجبهة إلى وجوده ولغرس الشجاعة في قلوب الشباب الذين ضحوا بأنفسهم من أجل هذه القضية، ومؤكدًا أن هؤلاء الذين احتشدوا تلبية لنداء الجهاد لن يقفوا بخط المواجهة مع الأعداء ما لم نرافقهم في السراء والضراء.

ومع ذلك ظلَّ الجدلُ قائمًا فقرر آية الله أن يقوم باستخارةٍ قرآنية، فكانت الآية: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ . سورة العنكبوت، 6. فابتهج المجاهدون وزاد ذلك في إيمانهم وتقدموا للجبهة الحربية بشجاعة. 19

معركة الشيعة ضد المحتل البريطانيّ

حين بدأ الليل يسدلُ ستارته أمر آية الله الحيدريّ القوات بالتوقف في منطقة صخريّة بالقربِ من البصرة، أقاموا الليل هناك وأدوا صلاة الفجر وقرروا الالتحاق بالجيش العثمانيّ عند الصباح، لكنهم فوجئوا بوجودهم بالقرب من القوات البريطانية التي ما إن لاحظت وجودهم حتى بدأت بشنّ غاراتها عليهم، ومداهمة المعسكرات الشيعية. وحين أراد البعض التراجعَ رفض آية الله الحيدري وأمرهم بالقتال. وحين اشتدت المعارك بين الشيعة والبريطانيين حمل آية الله سلاحه وقرآنه ومشى إلى حيث الخطوط الأمامية للمعركة مرددًا: “لا تخافوا! ولا تحزنوا! إن الله معنا ضد هؤلاء الكفرة، أيها المجاهدون دافعوا عن حرمة الإسلام، وأنا أدعو الله أن لا تحرفكم هذه النار.”

حارب الشيعة ببسالة وكبدوا العدو خسائر فادحة تقدر بـ 2000 قتيل وجريح، بينما استشهد من الشيعة حوالي 14 مجاهدًا وجرح 50. 20 واعتبر هذا نصرًا كبيرًا بقيادة آية الله الحيدريّ وبفضل دعائه واستخارته التي بثت الشجاعة في روح المجاهدين، وذكر أحد المجاهدين فيما بعد أنه عندما حميَ الوطيسُ في المعركة قرر بعض المجاهدين الانسحاب، ولكننا كلما نظرنا إلى خيَم آية الله الحيدري وإليه حيث يقف إلى جانبنا على الخطوط الامامية في الجبهة كلما شعرنا بالخجل من الانسحاب وقررنا أن نكمل القتال والمواجهة. 21

وفي هذه المعركة نفسها، أُصيبَ الجنرال سليمان عسكري بيك بجروح نقل على إثرها إلى مشفى في بغداد. وقام أحد رجال الدين السنة في بغداد بزيارته للاطمئنان عن حاله، فقال له الجنرال العثماني بخيبة أمل: نحن نجلس هنا باسترخاء وراحة ونتلقى راتبًا حكوميًا كبيرًا في حين أن السيد الحيدري لا يزال على الخطوط الأمامية وهو شيخٌ كبيرٌ ويرفض قبول أي مساعدة مالية من الحكومة! 22

سقوط العثمانيين والتراجع

حشد البريطانيون قواتهم بعد الخسائر التي تكبدوها وشنوا هجومًا قويًا على منطقة الشـعيبـة في الثاني عشر من أبريل/ نيسـان من العام 1915، وفي الوقت نفسه ضم سليمان عسكري بك جيوشه إلى جيش السيد محمد سعيد الحبوبي الذي كان مؤلفًا من قرابة الخمسين ألف مجاهد على الخطوط الأمامية للجبهة. ومع ذلك، قبضَ على الجيش العثماني على حين غرة، وتكبد المسلمون خسارات بشرية منهم ثلاثة آلاف شهيد شيعيّ، نظرًا للضربات الضارية التي شنتها القوات البريطانية. وحين أدرك سليمان بك خسارته للشعيبة وعدم قدرته على استعادة البصرة والعودة مهزومًا للسلطات العثمانية، قامَ بالانتحـار 23. عادت هذه المعركة الخاسرة بالحزن والمرض على السيد الحبوبي الذي وافته المنية في حزيران من ذلك العام. 24

أما الجيوش الشيعية التي كانت بقيادة آية الله الخالصي فقد هزمت وتراجعت كذلك بسبب تفوق الجيوش البريطانية بالعدد والسلاح.25 كل ما تبقى تحت سيطرة المسلمين الآن هي منطقة القرنة وكانت الجيوش الشيعية فيها بقيادة آية الله الحيدريّ 25. قامت الجيوش البريطانية بهجوم شامل على المنطقة على حين غرّة، فطلب آية الله الحيدري وبقية من معه من المجتهدين من الجنرال العثماني المعيَّن حديثًا نور الدين بك بإبقاء القوات في المنطقة وأمرها بعدم التراجع، إلا أنه لم يمتثل لطلبهم وأمر القوات العثمانية بالتراجع وقد أشيع عنه بأنه عقد صفقة غير قانونية مع الجيش البريطاني مما جعل المجاهدين الشيعة يصابون بخيبة أمل كبرى. 26

وفي فوضى تراجع الجيوش، هوجمت قوارب الشيعة وغرق عدد منها بما في ذلك قارب آية الله الحيدري، ولكن استطاع المجاهدون إنقاذه ونقله لبرّ الأمـان.27 وصل السيد الحيدري إلى مدينة الكوت في تموز من العام 1915، وبقي هناك لمدة أربعة أشهر قضاها في تعزيز ودعم المجاهدين في تلك المناطق ولكن الجيش البريطاني كان أقوى وتمكن من السيطرة على المنطقة بشكلٍ كامل، فعاد آية الله إلى الكاظمية في العام 1916، أي بعد عام كامل بعد مغادرته لها للجهاد. 28

العراق بعد حركات الجهاد

في الكاظمية رفض آية الله الحيدري التواصل مع البريطانيين ولم يقبل بأي مساعدةٍ مالية منهم لأنه كان مؤمنا أن الاحتلال البريطاني هدفه تدمير العراق والمسلمين. تراجعت صحته وفي أوكتوبر/ تشرين الأول من العام 1917 توفي في مدينة الكاظمية29.

بعد الاحتلال البريطاني للعراق، كانت بريطانيا تفكر في حكم العراق بشكلٍ مباشر ولكنها واجهت رفضًا كبيرًا من العراقيين بشكل عام والشيعة منهم بشكل خاصّ، إذ رفضوا هذا الخيار نهائيًا وحاربوا لإقامة حكومة عراقية. وفي العام 1917 تشكل حزبٌ سياسيٌّ في النجف حمل اسم حزب النهضة الإسلاميّة وكان مسؤولًا عن الانتفاضة التي حصلت في النجف في العام 1918 والتي كبدت المستعمر البريطاني خسائر فادحة، وأحدثت فوضى كبيرة في المنطقة لعدة أسابيـع.30

خلال هذه المدة غير المستقرة التي عاشها العراق، كان اليهود والمسيحيون يرغبون بحكم بريطاني للعراق وأن تكون البلاد جزءًا من الإمبراطورية البريطانية، لكن علماء الدين الشيعة نبهوا الشعب مرارًا على أهمية إقامة حكومة عربية إسلامية، وأيدوا فكرة تتويج أحد أبناء الحسين بن علي، شريف مكة، ملكًا على العراق. طالي علماء الشيعة أن تكون سلطة الملك مقيدة بدستور ومجلسٍ تشريعيّ. وقد فضّل بعض السياسيين النظام الجمهوري آنذاك إلا أنهم كانوا أقليةً.

وفي الثلاثين من حزيران من العام 1919 توفي العالم الجليل آية الله السيد كاظم اليزدي في النجف، وكان من العلماء الذين حاولوا الوصول إلى تسوية سلام مع الحكومة البريطانية لإنهاء المشاكل. بعد رحيله عن الدنيا قام آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي بنقل إقامته إلى مدينة كربلاء المقدسة وأصبح الزعيم الديني الشيعي في العراق آنذاك. 31

وتشكل حزب الجمعية الإسلامية في سنة 1919 بقيادة الشيخ محمد رضا الشيرازي بن محمد تقي الشيرازي، وكان هدف الحزب هذا هو استقلال العراق بشكلٍ نهائي من الاحتلال البريطانيّ وإقامة حكومة وطنيّة بمجلسٍ تشريعيٍّ منتخب. في وقت لاحق من العام نفسه، أصدر آية الله محمد تقي الشيرازي فتوى معلنًا فيها أن لا يجوز للمسلمين البقاء تحت حكم غير المسلمين. وكذلك قام الشيخ والناشط السياسي محمد الخالصي في كربلاء بإلقاء خطاب يذكّر فيه المسلمين بأن الإسلام أعطاهم حقوقًا جليلة إلا أن البريطانيين يعبرون المسلمين أناسًا أقل منهم شأنًا وعبيدًا يمكن استخدامهم. وقال بما أن المسلمين الآن لا يمكنهم أن هزيمة البريطانيين عسكريًا إلا أن عليهم أن يحاولوا وبشتى الوسائل والطرق تحرير أنفسهم. 33

ونظرًا للنشاط السياسيّ في كربلاء، اعتقلت القوات البريطانية الشيخ محمد رضا الشيرازيّ، رئيس الجمعة الإسلاميةوبعضًا من أتباعه ونفتهم إلى جزيرة في المحيط الهنديّ. 34

زادت التوترات في المدة التي تلت استعمار العراق فقام العراقيون والشيعة على وجه الخصوص بالثورة ضد المحتلّ، سميت ثورة العشرين لأنها قامت في الثلاثين من شهر حزيران من العام 1920.كانت هذه الثورة بقيادة آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي. تكبد الطرفان خسائر فادحة وتمكن العراقيون حينها من تغيير سياسة الحكومة البريطانية التي رضخت وقبلت بحكومة عراقية مستقلة. 35

خاتمة

حين يتفكر الإنسان بالأحداث التي جرت في بداية القرن الشعرين تأتي العديد من الأفكار إلى ذهنه، وأكثرها أهمية هو قدرة علماء الدين الشيعة على حشد وتعبئة الجيوش الشيعية في وقت عصيبٍ للغاية. وهذا يدلّ على مدى احترام الشعب وطاعته لرجال الدين آنذاك.

وهناك نقطة أخرى جديرة بالذكر هو أن حركة الجهاد في العام 1914، كانت أول حركة سياسية حقيقة للشيعة في التاريخ الحديث. إذ كان الشيعة قبل هذه الأحداث مسالمين جدًا بسبب الاضطهاد الذي تمارسه عليهم السلطات على مدى التاريخ، اما بعد حركة الجهاد هذه عادت الحركة السياسية الشيعية بالظهور وقادت إلى انتفاضات مختلفة ومنظمات لها طموح سياسي وتشكيل حكومة عراقية مستقلة وإن كانت حكومة سنيّة.

انخفضت مشاركة الشيعة في الحياة السياسية في العراق بعد اعتقال الكثير من رجال الدين الشيعة ناهيك عن أن الحكومة آنذاك كانت بيد المسلمين السُّنّة. وعند تحليل الدور السياسي للمجتهدين في حركة الجهاد يجد المرء صعوبة في فهم موقف هؤلاء العلماء تجاه إقامة حكومة دينية، إذ لم يكن هناك أي تعريف لحكومة إسلامية من قبل آية الله الحيدري أو من أي مجتهد آخر خلال حركة الجهاد آنذاك.

فبعد انتهاء المعارك وبدء العملية السياسية لتشكيل الحكومة، كانت مطالب الشيعة بسيطة تتمحور حول استقلال العراق في المقام الأول مع تشكيل حكومةٍ وطنية تحترم حرية الأديان والمذاهب والأعراق. أما نظرية ولاية الفقيه التي عادت إلى الظهور لاحقًا خلال الثورة الإسلامية بقيادة الخميـني فلم تأخذ دورًا في حركات الجهاد في العراق. إذ وعلى الرغم من اهتمام رجال الدين بحماية أراضي المسلمين لم يهدف أيٍّ منهم بتولي أي منصب سياسي قبل تشكيل حكومة مستقلة عن المحتل.

هناك وجهات نظر مختلفة في بحث حركة الجهاد ونجاحها،. فمن وجهة النظر العسكرية فإن القوات البريطانية كانت أقوى من العراقية بكثير ومسألة الحتلال كانت مسألة وقتٍ لا أكثر، ولكن حين يمعن الإنسان النظر والتفكر بحركة الجهاد، يرى أن هذه الحركة كانت تقض مضع بريطانيا بشكل خاصّ. إذ تمكن المجاهدون الشيعة بالمشاركة مع القوات العثمانية من محاربة القوات البريطانية طوال أربعة أعوام متتالية حتى سقطت العاصمة بغداد بيد المحتلّ. وقد تكبد العدو خسائر فادحة في العراق بالمقارنة مع المناطق التي احتلها العدو البريطانيّ كالأردن وفلسطين، والعدو الفرنسي كسوريا ولبنان. وأثبت العراق آنذاك أنه حصنٌ منيع لا يمكن هزيمته.

في نهاية المطاف تمكنت حركات الجهاد هذه مع الانتفاضات التي قام بها الشعب العراقي من إجبار بريطانيا على تسليم السلطة لحكومة عراقية بدلًا عن جعل العراق جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. ظلّ ولاءُ النظام الملكي في العراق لبريطانيا، ولكنه كان الخيار الأفضل للعراقيين مقارنةً مع الاحتلال الرسميّ والمباشر.

أما النتيجة المؤكدة من هذه الأحداث السياسية التي جرت في بداية القرن العشرين فهو أن عهد نشاط الشيعة السياسي في العراق قد بدأ، وهذا من شأنه أن يجعل منهم قوة سياسية مهمة في أيّ عملية سياسية في المستقبل.

المصادر:

النقاش، إسحق. (2003). شيعة العراق. ( ط. 3). جامعة برنستون.

البارزركان، علي. الوقائع الحقيقة للثورة العراقية. (ص: 47-50). بغداد

عليان، عدنان. (2005). الشيعة والدولة العراقية الحديثة. (ط. 1، ص: 251-252). بيروت

الجاردجي، كامل. (1971). من أوراق كامل الجادرجي. (ط. 1، ص:63). بيروت

العلوي، حسن. (1992). التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق. (ص:42). قم

مرجع 1، ص: 59

مرجع 1، ص:60

مرجع 3، ص:270

الحسيني، أحمد. (1966). الإمام الثائر. (ط. 1، ص:44). بغداد

آل ياسين، محمد حسين. (1964) مجلة الإقليم. 1 (3). بغداد

مرجع 10

مرجع 9. ص:45

مرجع 9. ص:45

مرجع 9. ص:46

مرجع 10

مرجع 3. ص: 273

مرجع 9. (ص 166-172)

المرجع نفسه. ص:48

المرجع نفسه: ص: 53

الفياض، عبد الله. (1974). ثورة العراق الكبرى. (ص:112). بغداد

مرجع 9. ص: 57

المرجع نفسه. ص:59

المرجع نفسه. ص:59

نديم، شكري. حرب العراق. (ص: 33). بغداد

مرجع 9. ص:59

المرجع نفسه. ص: 60

المرجع نفسه. ص: 62

المرجع نقسه. ص: 69-71

المرجع نفسه. ص: 83

الحسني، عبد الرزاق. (1935). العراق في دوري الاحتلال والانتداب. (ص:36). بيروت

مرجع 24. ص: 293

مجلة الشرق (1953). 15 شعبان 1373. كربلاء

الوردي، علي. (1991). لمحات اجتماعية من تاريخ العراق. (ط. 2، ص: 205). لندن

مرجع 24. ص: 297

المرجع نفسه. ص: 305

المصدر: شفقنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky