النظام الإسلامي

منشأ تخوف الغرب وعملائهم من الحكومة الإسلامية / آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض

الاجتهاد: إن من المؤسف جداً إن عدداً كبيراً من المسلمين في الداخل والخارج الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين والمفكرين يخشون من إقامة النظام الإسلامي في البلاد الإسلامية.

و منشأ هذا التخوف أمران:

الأول: الجهل بالإسلام و نظامه الإنساني.

الثاني: الإعلام المضلل والدعايات الفارغة من الغرب والشرق التي تصب على محاربة الإسلام، واتصافه بالتطرف والتحجر و الأحكام المضادة للحرية وحقوق الإنسان، فإن لذلك دوراً بارزاً وهاماً في هذا التخوّف، وتأثيراً كبيراً في النفوس غير المزودة و المجهزة بالقيم و المثل الدينية و الإنسانية.

أما تخوّف الغرب من الإسلام فله مبرر لأنهم يخافون من النظام الإسلامي و قيمه الإنسانية و الأخلاقية و الاجتماعية و الفردية و العائلية و قوة نفوذه و انتشاره في العالم و تبلور نظامه الإنساني في كل يوم لا سيما بين الشباب و الشابات في الدول الإسلامية و غير الإسلامية و لهذا ينقل و يسمع أن عدداً كبيراً من الشباب و الشابات في الدول الغربية و غيرها ينتحلون الدين الإسلامي على أنه دين الحضارة و العدل و المساواة، مع قلة معرفتهم به و عدم اطلاعهم إلا على بعض القيم و المثل الإنسانية كالنظام العائلي الموجود بين المسلمين فإنه منهار و متفكك في المجتمع الغربي، حيث نرى و نتعايش الاجتماع العائلي بين الآباء و الأمهات و الأبناء و البنات و الأحفاد على سفرة واحدة في كل يوم عدة مرات و هذه الظاهرة مفقودة في حياتهم اليومية، و كذا كثير من الظواهر الإيجابية من الأخلاقية و الاجتماعية و العبادية و غيرها.

و من هنا كان هؤلاء يشعرون بأن الإسلام خطر عليهم و لذلك قاموا بالإعلام المضلل و الدعايات الفارغة على الإسلام بذرائع مختلفة،

(تارة) بذريعة أن الدين الإسلامي يروج للتطرف و الإرهاب، (و أخرى) إن الدين الإسلامي ضد الحرية و الديمقراطية، (و ثالثة) إن الدين الإسلامي ضد حقوق الإنسان و هذه الدعايات كلها دعايات مغرضة و فارغة لا يمت إلى الإسلام بصلة، و لا واقع موضوع لها.

أما الذريعة الأولى:

فلأن الدين الإسلامي دين سلم و عدل و إنسانية و رأفة و رحمة و ضد التطرف و الإرهاب بكل أشكاله و أنواعه و أنه دين يستنكر قتل الأبرياء بأشد الاستنكار حيث جعله أكبر جريمة في تاريخ البشرية بنص قوله تعالى: مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً فالإسلام‌ جعل قتل نفس واحدة بريئة بمثابة قتل الناس جميعاً و هو أكبر جريمة في عالم الإنسانية كما أنه جعل إحياء نفس واحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً و هو أكبر خدمة في عالم البشرية، بل الإسلام قد حرّم مثلة جسد الإنسان حتى في ساحة الحرب مع العدو، و هذا هو الإسلام.

و أما الذريعة الثانية:

فلأن الإسلام قد أعطى الحرية للأفراد في كافة نواحي حياتهم بشكل متزن معتدل بحيث لا تؤدي الحرية إلى زعزعة العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة، لأنهم أحرار في ممارسة النشاطات الاقتصادية بكافة أنواعها غير النشاطات المحذورة المعيقة في الإسلام و أحرار في ممارسة النشاطات الثقافية و الترفيهية و غيرهما في الحدود المسموح بها شرعاً و أحرار في التعبير عن آرائهم شريطة أن لا يكون كذباً و إيذاء للآخرين و تضييعاً لحقوقهم.

و بكلمة إن الإنسان لا يمكن أن يبقى مطلق العنان يفعل ما يشاء و يترك ما يشاء و إلا لزم الهرج و المرج بل لا يمكن الحياة حينئذٍ على سطح الكرة الأرضية لأن القوي يأكل الضعيف، فإذن لا بد من وضع حد لاطلاق عنانه، و لهذا قام العقلاء بوضع حدود له من جانبهم. و أما الشريعة الإسلامية فقد قيدت إطلاق عنان الإنسان بخطوط عريضة و هي إن الإنسان حر في سطح الكرة الأرضية بكافة ممارساته و تصرفاته في الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً و الهدف من وراء هذا التقييد و التحديد أمران:

الأول/ إن الإنسان حيث أنه أشرف مخلوقاته من جهة أنه تعالى أوهب العقل له فلا بد من الحفاظ على مكانته و كرامته و شرفه و لا يمكن الحفاظ عليها إلا بتقييد إطلاق عنانه بالحدود المسموح بها شرعاً و إلا فهو إنسان ساقط في المجتمع و لا قيمة له.

الثاني/ إن الإسلام قد أهتم في تحقيق العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة و لا يمكن تحقيق هذا المبدأ إلا بتقييد حرية الإنسان بحدود لا تزعزع هذا المبدأ و لا تضر بحقوق الآخرين و تتناسب مع الحدود العقلائية و الإنسانية.

فالنتيجة إن الدين الإسلامي دين حر شفاف يواكب العلم و الحضارة و التقدم و ينسجم مع متطلبات كل عصر مهما تطور كما إن الحرية في الإسلام تتناسب مع قيم الرجل و مكانته و قيم المرأة و مكانتها في الإسلام لأن المرأة حرة في الحدود المسموح بها شرعاً و لها أن تلعب دوراً هاماً في المجتمع كالرجل و لا فرق بينهما فأي عمل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي يجوز للرجل يجوز للمرأة أيضاً شريطة أن تحافظ على كرامتها و شرفها و عفتها و سترها الإسلامي و قيمها الإنسانية و لا تكون مبتذلة حيث لا قيمة للمبتذلات‌

حتى عند المجتمع العقلائي، لأن حرية المرأة لا تتطلب منها السفور و الابتذال و لا تفرض عليها ذلك. و أما الحرية في الغرب فحيث إنها ليست مبنية على قيم إنسانية و أسس دينية عقلائية. فلهذا وصلت إلى درجة الابتذال و حضيض الحيوانية و خرجت عن الحدود العقلائية و الإنسانية و الأخلاقية بل وصلت إلى درجة يشمئز الإنسان عن ذكر اسمها و يخجل و لكن مع ذلك فهم مصرون على تطبيق هذه الحرية المطلقة و نشرها في الدول الإسلامية و هدفهم من وراء ذلك تهديم الإسلام و تقاليده الإنسانية و ثقافته القيمة المبنية على الأخلاق و الاحترام.

و أما الذريعة الثالثة:

فلأن الدين الإسلامي ليس ضد حقوق الإنسان كيف فان الإسلام قد أهتم بالحفاظ عليها و عدم جواز تفويتها و جعل الغرامة عليها لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة و التوازن و لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالحفاظ على‌ حقوق الجميع على حد سواء من دون أي تمييز بين فرد و فرد آخر هذا من جانب، و من جانب آخر أنه لا يمكن من منظور الإسلام أن يذهب حق أحد هدراً بل الأمر كذلك من منظور العقلاء أيضاً. و من هنا يرى الإسلام المعادلة بالمثل في الحقوق بين الناس و في الجراحات: النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‌ … وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ‌ و أشار تعالى إلى حكمة هذه المعادلة بقوله عز و جل‌ وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ‌ و في الأموال المعادلة بالمثل أو القيمة.

و من هنا لو فرض أن شخصاً قام بقلع عين شخص آخر عدوانا و ظلماً و انتهاكاً لحرمته و سلب عنه هذا الحق فقد جعل الله تعالى للمظلوم حق الاقتصاص من الظالم بأن يقوم بقلع عينه و سلب هذا الحق عنه لسببين:

الأول/ إن حق الظالم ليس أولى من حق المظلوم فإذا لم ير الظالم هذا الحق للمظلوم و سلب حقه‌ و انتهك حرمته فقد جعل الله تعالى للمظلوم سلطانا عليه بأن يقوم بالاقتصاص منه بالمقدار الذي ظلمه في حقه لا أكثر و هو مقتضى العدل و الإنصاف و المعادلة بالمثل كما في الآية الكريمة.

الثاني/ إن في ذلك عبرة للظالم و للآخرين معاً بعدم التعدي على حقوق الآخرين و لهذا للقصاص أثر كبير في حفظ التوازن و العدالة الاجتماعية، و لا يمكن تطبيق حقوق الإنسان على الظالم بدعوى أنه لا يجوز الاقتصاص منه لأنه ينافي حقه في بقاء عينه سالمة و ذلك:

أولًا: إن معنى هذا هو ذهاب حق المظلوم هدراً و هو لا يجوز لا شرعاً و لا عقلًا و لا عقلائياً.

و ثانياً: إن تطبيق المنهج الغربي الجديد لحقوق الإنسان على الظالم مكافئة له في مقابل ظلمه و عدوانه و تشويق له فيه و للآخرين معاً، و ترويج للظلم و الطغيان و من الواضح إن ذلك مؤثر في عدم استقرار البلد و الأمن و هذا معنى قوله تعالى: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ‌.

مثلا للإنسان حق البقاء في الحياة و ليس لأحد أن يسلب عنه هذا الحق ظلماً و عدواناً و أما إذا سلبه عنه فقد جعل الله تعالى لوليه سلطاناً عليه بأن يقتص منه، لأن هذا هو مقتضى العدل و الإنصاف، و مقتضى قوله تعالى: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) فمن قتل أحداً ظلماً و جوراً فقد أضاع و هدر حقه في البقاء على قيد الحياة إذ من لم ير هذا الحق للآخر لم يكن هذا الحق ثابتاً له أيضاً و لا يمكن تطبيق حقوق الإنسان على القاتل دون المقتول لأنه مخالف للنظرة الإسلامية و العقلائية معاً و مكافأة له في مقابل ظلمه و عدوانه و تشويقاً له و للآخرين على ذلك مع أن في إجراء القصاص عليه عبرة للناس و تحقيقاً للعدالة و التوازن في الحقوق و الأمن في البلد لأن دم الإنسان لا يذهب هدراً و قد أعترف بذلك كقانون عام في أكثر دول‌ العالم و سيقر العالم بقانون القصاص في المستقبل القريب إذ من يؤيد هذا القانون و يطلب من حكومته تشريعه في ازدياد مستمر.

المصدر: كتاب الأنموذج في منهج الحكومة الإسلامية القائمة على أساس الحاكمية لله تعالى للمرجع الديني آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky