الاجتهاد: يعتمدُ إحياءُ موسم عاشوراء مجموعة من الأعمالِ تسمَّى (مراسيم عاشوراء) أو (شعائر عاشوراء). هنا سؤال يُطرح:
متى تسمى (الممارسات) شعائر عاشورائيَّة؟ وهل كلُّ عمل يصدر في هذا الموسم يُسمَّى شعيرة عاشورائيَّة؟
الممارسات العاشورائيَّة تُصنَّف إلى صنفين:
الصِّنف الأوَّل: ما ورد فيه نصٌّ خاصٌّ عن المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم):
• إقامة مجالس العزاء.
• الحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام).
• ارتداء السَّواد حزنًا على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وعلى مأساة عاشوراء.
• إنشاد الشِّعر في الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وفي قضيَّة عاشوراء.
• زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام).
هذه الأمور المنصوص عليها تُسمَّى باتِّفاق العلماء (شعائر حسينيَّة) أو (شعائر عاشورائيَّة).
الصِّنف الثَّاني: ما لم يرد فيها نصٌ خاص، وإنَّما ينطبق عليها عنوان (أحْيُوا أمْرَنا)، أو يشملها الاطلاق.
• المواكب العزائيَّة.
• اللافتات والأعلام العاشورائيَّة.
• المسارح العاشورائيَّة.
• المراسم العاشورائيَّة.
• المواقع العاشورائيَّة.
• الإصدارات العاشورائيَّة.
هذه كلُّها لم يرد فيها نصٌّ عن المعصومين (عليهم السَّلام)، لكنَّها تُشكِّل وسائل لإحياء موسم عاشوراء.
المنبر العاشورائي
أتناول في حديثي هنا واحدًا من أهمِّ عناوين (الموسم العاشورائي)، هذا العنوان هو (المنبر العاشورائي)
متى تأسَّس منبر عاشوراء؟
هذا المنبر تأسَّس منذ عصر المعصومين (عليهم السَّلام)
كان في بداياته مقتصرًا على (الرِّثاء)، ثمَّ دخل عنصر السَّرد التَّاريخي، والتَّحليل التَّاريخي، ودخل الوعظ والإرشاد.
وأخذ المنبر يتطوَّر، إلى أن تأسَّس المنبر المعاصر، وكان أحد أعمدة هذا المنبر المعاصر أمير المنبر الدُّكتور الشَّيخ الوائلي (رضوان الله عليه)، فقد كان أميرًا لهذا المنبر، وكان أحد أعمدة تطوير المنبر، ووصل المنبر إلى المنبر العاشورائي المعاصر.
مسؤوليَّات المنبر العاشورائي المعاصر
المسؤوليَّة الأولى: عرض مأساة عاشوراء
ضرورة أنْ يبقى الحزن العاشورائي، ومظاهر الحزن العاشوائي.
الدَّمعة العاشورائيَّة، الوهج العاشورائي، الألم العاشورائي يجب أن يبقى.
ما هي ضرورة البكاء والحزن؟
أوَّلًا: الثَّواب الكبير على البكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وعلى مأساة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، ففيها من الأجر والثَّواب العظيم الكبير.
ثانيًا: التَّفاعل الوجداني يُعمِّق العلاقة مع قضيَّة عاشوراء، ويُعطيها فاعليَّة وديمومة.
هناك مَنْ يتعامل مع عاشوراء فكرًا وثقافة ومفاهيم، لكن لا يوجد وجدان ولا عاطفة، هذا تفاعل راكد، مهما ارتقى مستوى الوعي والثَّقافة، يبقى التَّفاعل راكدًا ما دام مفرَّغًا من الجانب الوجداني الشُّعوري العاطفي.
إذن، لا بدَّ من عرض المأساة والحزن والألم العاشورائي، والوهج العاشورائي، والدَّمعة العاشورائيَّة.
مطلوبٌ في عرض مأساة عاشوراء:
أوّلًا: الحذر كلُّ الحذر من اعتماد المرويَّات غير الثَّابتة (الضَّعيفة) من أجل إنتاج الدَّمعة.
ليس المهم هو إبكاء النَّاس بأيِّ أسلوب، حتى لو كان بأساليب غير مشروعة، كاختلاق أحداث وأحاديث وقضايا غير واردة وليست صحيحة، فهذا يؤدِّي إلى الإساءة إلى عاشوراء.
ثانيًا: الحذر كلُّ الحذر من اعتماد الألحان غير المشروعة.
المهارات الصَّوتية أحد عوامل النَّجاح لدى خطباء المنبر العاشورائي كما سيأتي.
لكن يجب أنْ تتكامل (المهارات الصَّوتيَّة) و(المهارات العلميَّة).
المسؤوليَّة الثَّانية: عرض مفاهيم عاشوراء
(1) عرض قضيَّة عاشوراء في منطلقاتها وأهدافها، وفي أحداثها، وفي كلِّ معطياتها.
فعاشوراء منهج، ومدرسة، وإسلام متجسَّد.
(2) عرض مفاهيم الإسلام والقرآن.
(الحذر من المفاهيم التي تتنافى مع الدِّين كالغلو …).
وهنا أشير إلى نقطة خطيرة، فقد صار بعض أصحاب الخطاب العاشورائي سواءً خطيب منبر، أم رادود، أم شاعر، بدأوا يُقحمون مفاهيم غلو منحرفة عن الإسلام، فهذه مفاهيم مرفوضة، يرفضها القرآن والإسلام والرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأهل البيت (عليهم السَّلام).
فليس باختياري أن أدخل كلَّ مفهوم وأسمِّيه مفهوم عاشوراء، وليس باختياري أن أتحدَّث عن أهل البيت (عليهم السَّلام) كما أشاء، فأحوِّلهم إلى آلهة، وأحوِّل الإمام علي (عليه السَّلام) إلى ربِّ، فهذا غلو، وضلال، وانحراف، وابتعاد عن خطِّ الدِّين والإسلام وأهل البيت (عليهم السَّلام).
• عن الإمام الصَّادق (ع): «…، قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ وَاجْعَلُونَا مَخْلُوقِينَ، …» (بحار الأنوار، ج 25، العلامة المجلسي، ص 291)
فالحذر من اقحام مفاهيم الغلو، والمفاهيم التي تنزلق بالإنسان عن خطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام).
عاشوراء مفاهيم إسلام، وعاشوراء مفاهيم قرآن، وعاشوراء مفاهيم الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) والأئمَّة (عليهم السَّلام)، هذه هي مدرسة عاشوراء.
إذن، مطلوب عرض مفاهيم عاشوراء، وقضيَّة عاشوراء، ومفاهيم الإسلام، ومفاهيم القرآن.
(3) عرض أحداث التَّاريخ والسِّيرة.
لا بدَّ للخطيب الماهر القدير الكفوء أن يعرض أحداث التَّاريخ والسِّيرة عرضًا نزيهًا نظيفًا واعيًا بصيرًا.
(4) معالجة قضايا الفكر المعاصر، ومواجهة كلِّ التحدِّيات الثَّقافيَّة.
هناك فكر معاصر، وهناك مفاهيم، وهناك تحديات ثقافيَّة، اليوم أجيالنا الجديدة تواجه تحدِّيات فكريَّة وثقافيَّة، يجب على المنبر أنْ يعالجها، فهذا الجيل الجديد الذي يحضر لمنابرنا يجب أن يسمع شيئًا يعالج تحدِّياته الثَّقافيَّة والفكريَّة والعلميَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة.
هل المنبر قادر أنْ يجتذب الأجيال الجديدة؟
قد يقول بعض النَّاس: إنَّ شبابنا وأجيالنا لا يحضرون المآتم، ولا يستمعون إلى خطاب المنبر.
لعلَّ التقصير منَّا نحن أصحاب المنبر، فلم نتمكَّن من أن نجتذب هذا الجيل، ولم نتمكَّن من أن نقرِّب هذا الجيل إلى موسم عاشوراء وإلى خطاب المنبر.
وهذا الكلام موجَّه إلى أصحاب المنبر العاشورائي والَّذين نثمِّن دورهم، ونثمِّن جهادهم، ونثمِّن عطاءهم، بارك الله بهم، هذا الخطاب موجَّه إليهم.
فالمطلوب مِنَ الخطاب العاشورائي أن يُخاطب كلَّ الأجيال، مِنَ الكبار إلى الشَّباب إلى الصِّغار، ومن الرِّجال إلى النِّساء، ومن المستويات المختلفة.
إذن، شريحة الأجيال والشَّباب النَّاهض الجديد، مطلوب أن نعنى باجتذابه إلى أجواء الموسم العاشورائي.
فحتى نُقرِّب الجيل الجديد، وحتى نجعل جيلنا يتفاعل مع خطابنا وخطاب عاشوراء وخطاب المنبر، يجب أوَّلًا وثانيًا وثالثًا.
شروط اجتذاب خطاب المنبر للأجيال الجديدة
يُشترط في خطاب المنبر لكي يجتذب الأجيال الجديدة:
أوّلًا: أنْ يقارب همومَ هذه الأجيال
تحدِّيات خطيرة تواجه هذه الأجيال: تحدِّيات عقيديَّة، ثقافيَّة، أخلاقيَّة، اجتماعيَّة، ….
إذا وجد الجيل الجديد أنَّ المنبر يُحاكي ويُقارب هذه الهموم، فتلقائيًا ينشدُّ إليه، ويرتبط به، ويستمع إليه، لأنَّه يمثِّل معالجة لمشكل يعيشه هذا الشَّاب.
هناك مشاكل عقائديَّة، ومشاكل ثقافيَّة، وتحدِّيات مختلفة تواجه جيلنا، ومن هذه التَّحدِّيات بعض مفاهيم الإلحاد التي بدأت تغزو بعض عقول أجيالنا، ومفاهيم ضالَّة مُضِلَّة بدأت تغزو ذهنيَّات بعض أجيالنا، ومفاهيم خطأ بدأت تغزو ذهنيَّات أجيالنا.
إذن، هنا مطلوب من الخطاب المنبري، ومطلوب من خطاب عاشوراء الذي يحتضن كلَّ الشَّرائح أن يعالج مشاكل وتحدِّيات وهموم هذه الأجيال، الهموم العقيديَّة، والهموم الثَّقافيَّة، والهموم الأخلاقيَّة، والهموم الاجتماعيَّة.
ثانيًا: أنْ يُقارب عقل الأجيال
هذا العقل الذي تشكَّل وِفَق معطيات هذا العصر.
صحيح أنا سأقارب هموم، لكن بأيِّ عقل؟
الجيل الجديد تشكَّل عقله بطريقة جديدة، فهل أقدر أنا صاحب الخطاب الدِّيني أو صاحب الخطاب العاشورائي أن أخاطب جيلًا بمستوى عقل هذا الجيل؟
أم أنَّ هذا الجيل سيعتبر خطابي متخلِّفًا، وسيعتبر خطابي متدنِّيًا؟ ولا يرتقي إلى مستوى عقله، حيث هناك عقل متقدِّم، وهناك عقل مثقَّف.
إذن، يحتاج الخطاب أن يقارب عقل الأجيال.
ثالثًا: أن يقارب لغة الأجيال
(مفاهيم المفردات والمصطلحات)
أجيالنا الجديدة تعوَّدت على لغة جديدة، لغة برامج ولغة تلفاز ولغة صحافة، وهذا لا يعني أن نترك لغتنا الأصيلة ولغة القرآن، لكن أيضًا مطلوب أن نخاطب الأجيال باللُّغة التي تفهمها.
{مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ …}. (سورة إبراهيم/4)
{بِلِسَانِ قَوْمِهِ}: ربما ليس المقصود فقط لغة القوم، وإنَّما لعلَّ المقصود اللُّغة التي يفهمها القوم ويفهمها النَّاس.
فأنا حينما أتحدَّث مع الأجيال الجديدة بلغة وإن كانت معمَّقة، وإن كانت قويَّة لكنَّها لغة لا يفهمها هذا الجيل، فنحن بحاجة أن نقارب المفاهيم بلغته.
هذه ثلاثة أمور أساس مطلوبة من خطاب المنبر:
أوَّلًا أن يُقارب المنبر هموم الأجيال.
ثانيًا: أن يُقارب عقل الأجيال.
ثالثًا: أن يُقارب لغة الأجيال.
إذن، هذه المسؤوليَّة الثَّانية: عرض مفاهيم عاشوراء.
المسؤوليَّة الثَّالثة – من مسؤوليَّات المنبر العاشورائي -: عرض قِيم عاشوراء الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة والاجتماعيَّة.
ليس فقط عرض مفاهيم، وإنَّما عرض قِيَم، فعاشوراء قِيَم روحيَّة وقِيَم أخلاقيَّة وقِيَم سلوكيَّة واجتماعيَّة.
فمطلوبٌ من خطاب عاشوراء:
(1) أنْ يُحصِّن الأُمَّة روحيًّا.
(2) أنْ يحصِّن الأُمَّة أخلاقيًّا.
(3) أنْ يحصِّن الأُمَّة سلوكيًّا وتقوائيًّا.
(4) أنْ يحصِّن الأُمَّة اجتماعيًّا.
• التَّواصل الاجتماعي والتَّحذير من الصِّراعات المدمِّرة.
الصِّراعات الطَّائفيَّة، الصِّراعات المذهبيَّة، الصِّراعات الاجتماعيَّة، الصِّراعات القبليَّة، الصِّراعات العشائريَّة، هذه صراعات يجب أن تنتهي، فعاشوراء جاءت من أجل أن تُلغي الصِّراعات إلَّا صراع الحقِّ والباطل، صراع الإيمان والكفر، صراع الهدى والضَّلال، وأمَّا الصِّراعات الأخرى فيجب أن تنتهي.
• تنشيط العمل الاجتماعي.
• تنشيط التَّكافل الاجتماعي خاصَّة في ظروف الأزمات.
• معالجة المشاكل الاجتماعيَّة.
المسؤوليَّة الرَّابعة: تنشيط حركيَّة عاشوراء
عاشوراء ليس فقط مفاهيم، وإنَّما عاشوراء حركة، وعاشوراء جهاد، وحينما نتحدَّث عن الجهاد لا نتحدَّث عن فوضى، ولا نتحدَّث عن انفلات، ولا نتحدَّث عن هيجان غير مدروس.
وإنَّما حركيَّة عاشوراء هي:
(1) الدَّعوة إلى الله تعالى، ودعوة إلى المُثُل، ودعوة إلى القِيَم.
(2) الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
(3) دعم الفعَّاليَّات التي تخدم أهداف الدِّين.
• الفعَّاليَّات الثَّقافيَّة: عندنا فعَّاليَّات ثقافيَّة تخدم الإسلام، فيجب على منبر عاشوراء أن يخدمها ويدعمها.
• الفعَّاليَّات التَّعليميَّة: عندنا فعَّاليَّات تعليميَّة تخدم الإسلام والدِّين، فيجب على منبر عاشوراء أن يدعمها.
• الفعَّاليَّات القرآنيَّة: عندنا فعاليَّات قرآنيَّة تخدم الإسلام وتخدم الدِّين، فيجب على خطاب عاشوراء أن يدعم هذه الجمعيَّات القرآنيَّة.
– دعم الجمعيَّات القرآنيَّة تجسيد لأهداف عاشوراء.
– مشروع (طوبى القرآني) يتزامن مع موسم عاشوراء.
ينطلق هذه الأيام – أيام موسم عاشوراء – مشروع (طوبى القرآني)، وهو مشروع من أرقى وأنضج المشاريع القرآنيَّة، حيث تنطلق المرحلة العمليَّة لجمع التبرُّعات في موسم عاشوراء، وهذا تزامن واعٍ وموفَّق أن يتزامن تنشيط حركة مشروع قرآني في موسم عاشوراء.
فإذن، موسم عاشوراء هو موسم القرآن.
———
*كلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي تحت عنوان “المنبر العاشورائيُّ” التي ألقى بمناسبة استقبال شهر محرَّم الحرام للعام 1443هـ، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الخميس بتاريخ: (26 ذو الحجَّة 1442 هـ – الموافق 5 أغسطس 2021 م).
لقراء كاملة راجع الرابط التالي