الاجتهاد: مكتب المرجع النجفي دام ظله: كلمة مكتب سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي(دام ظله) بمناسبة ولادة الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه). العدد: 254/ 14 شعبان المعظم1443هـ، الموافق: 17/3/2022م.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والصلاة والسلام على أشرف المبعوثين رحمة للعالمين محمد بن عبد الله وعلى آله سادة الخلق أجمعين، واللعنة على شانئيهم أجمعين إلى يوم الدين.
قال الله سبحانه: (إذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً).
صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
وإن اختلفت أفكار الأعلام والمفسرين في تعيين المقصود من الفتح الذي بشرت به الآية الكريمة، وذهبت الأفكار إلى معانٍ وجوانب مختلفة، ولعل الصحيح أنه إشارة إلى ما يتحقق بظهور ولي الله الأعظم (عليه السلام) _أرواحنا لتراب مقدمه الفداء_، حينئذٍ يتحقق ما لم يحصل على مر التاريخ وهو خضوع الناس جميعاً لطاعة الله الصحيحة وبرعاية إمامنا المنتظر وجهده وجهاده بأنصاره.
نحن في هذه الأيام نعيش اللحظات التي لها صلة بولادة الإمام المنتظر (عليه السلام) وعيوننا ونفوسنا جميعاً شاخصة إلى جلالة وعمق وشرف تلك الأيام التي نحصّل فيها هذه النعمة الموعودة وهي ظهور ولي الله الأعظم وتستقر وتشمل البسيطة كلها.
ومن المهم أن نعي ونفهم وندرك هذه النعمة ونعد أنفسنا لتلقيها.
ومن المؤسف أن كثيراً منا يدرك عمق وعظمة نعمة الظهور لولي الله الأعظم لكننا غافلون عما ينبغي أن نفعله في إعداد أنفسنا لنكون أهلاً لتلقي هذه النعمة.
وإعداد النفس وتهيئتها إنما يتحقق بصياغتها في قالب طاعة الله سبحانه، بحيث تصبح حركاتها وسكناتها في إحاطة طاعته (عزّ وجل)، وهذا لا يتحقق إلا بمحاسبة النفس ومراقبتها بحركاتها وسكناتها، ومن المؤسف جداً أن معظمنا بعيدون عن هذه الوظيفة أعني: مراقبة النفس ومحاسبتها، بل لعل ما نتخيله ونفعله بعنوان طاعة الله وطاعة أوليائه _إذا تأملها أحدٌ في ضوء كلمات المعصومين وإرشادات العلماء_ لوجدنا أن طاعتنا _وإن كانت بالاسم والشكل الظاهري طاعة_، ولكن في واقعها ولُبِّ حقيقتها بعيدةٌ عن واقع الطاعة.
فمثلاً إن كثيراً منا يزور قبور المعصومين (عليهم السلام) وتكون غايته منها الحصول على المقاصد والحاجات الدنيوية ونعيم الآخرة التي تطمع فيها نفوسنا، ومعلومٌ أن الغاية أشرف وأهم من الوسيلة، وكيف تكون زيارة المعصومين مقدمة ووسيلة لغاية دنيوية أو ملذات الجنة، _وان كان مباحاً_ بل يجب أن تكون زيارة المعصومين والتشرف بالوقوف في محور الأضرحة المقدسة تقرباً إلى الله سبحانه؛ ليكون القرب الإلهي هو الغاية من المثول في المشاهد المقدسة.
بل نأسف ونحن نتأمل في جميع أعمالنا وحركاتنا وسكناتنا فإنها جلها أو كلها تصب في تحصيل غاياتنا الدنيوية أو الأخروية وحيث إننا عندما ندعو الله ونطلب شيئاً من حاجاتنا نبدأ بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الدعاء وبعد الدعاء، ونقصد بهذه الصلاة أن يستجاب دعاؤنا ونجعلها وسيلة وهدفاً من الدعاء، وهذه أيضاً آفة من آفات النفس حيث نجعل الصلاة على النبي (صلى الله عليه واله) وسيلة وذريعة لتحقيق غاياتنا مهما كانت مهمة في نظرنا دنيوية أو أخروية، أوليست الصلاة على النبي وآله مما أمرنا الله سبحانه به في كتابه الشريف وهي عبادة كسائر العبادات؟ فيجب أن تكون لأجل القربة لله سبحانه فقط لتصلح أن تكون عبادة منا، وهكذا معظم عباداتنا تنصب في هذا البعد المجهول الذي ينبغي تجنبه.
ثم حينما نحاسب أنفسنا على كل حركاتنا وسكناتنا نجدها غير سليمة وليست على نحو ما ينبغي، ومن هنا جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) الأمر بمحاسبة النفس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تشغلنكم دنياكم عن آخرتكم فلا تؤثروا أهواءكم على طاعة ربكم، ولا تجعلوا إِيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا).
وورد عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم).
ومعلوم أن المتابعة في محاسبة النفس تجعلنا متوجهين وملتفتين إلى ما نفعله وما نتركه، ويـبين لنا ذلك مدى بعدنا عن تقوى الله مع أن الله سبحانه يقول في كتابه الكريم: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
وكلنا نعلم أن سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام) يمتاز عن غيره بكونه إمام المتقين وفي شأنه الشريف نزل قوله سبحانه: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).
ويجب أن نلتفت قبل أن يفوت الأوان وتفاجئنا نهاية الحياة ولم نُعِد أنفسنا للوقوف بين يدي الله سبحانه.ويمكن تلخيص هذه المصيبة بأن يجعل الإنسان نفسه مقابل أحد المعصومين عليهم السلام ويراقب حركاتها وسكناتها ويقارنها مع أفعال وحركات المعصومين عليهم السلام بل يزيد الإنسان خجلاً أن حركاته وسكناته لا تشابه حركات وسكنات المعصومين عليهم السلام ولا غيرهم من عباد الله الصالحين كأبي ذر وميثم ومالك الأشتر والمقداد..
ويذكر أن أحد المراهقين في الكوفة أساء إلى مالك الأشتر _وكان لا يعرفه_، وقال بعض الصالحين له أتعرف من هذا؟، قال: لا، قال: هذا قائد جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة، فركض ذلك المراهق المعتدي الخاسر خلف مالك الأشتر ليعتذر منه، لا خوفاً من الله بل خوفاً من سطوته (رضوان الله عليه)؛ لأنه قائد من قادة جيش الإمام علي عليه السلام، ووجده في مسجد من مساجد الكوفة، فاعتذر إليه، فقال له مالك: أنا لم أدخل المسجدَ إلا لكي أصلي ركعتين وأطلب من الله العفو لك.
كيف ما كان، نحن حيث ندّعي أَننا من أتباع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه وشيعته والعائشين في جو عطفه؛ لأنه يدعو لنا ويشفع لنا عند الله؛ ليصرف الله عنا ما نستحقه من السخط؛ لعدم طاعتنا له.
فعلينا أن نعِدَّ أنفسنا لنصرته، وذلك إنما يكون بصياغة أنفسنا وجوارحنا في إطار طاعة الله سبحانه، وينبغي أن نعلم أن أعمالنا تُعرض عليه عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنه يتأذى ويبكي حينما يشاهد ويطلع على سيئاتنا، فكيف نطمع ونستحق أن نجعل أنفسنا من جيشه وأنصاره؟
فمناسبة مولد الإمام عجل الله تعالى فرجه تدعونا إلى الفرح، لكن يجب أن لا تكون هذه الفرحة لأجل أن ظهوره يُحقق أمانينا الدنيوية، إذ نجعل ظهور الإمام (عليه السلام) وجهاده وتطبيقه لشريعة النبي (صلى الله عليه وآله) الغراء غاية ووسيلة لدنيانا، وقلنا: إِن الغاية أشرف من الوسيلة.
اللهم أصلح نفوسنا، واجعلنا من عبادك الصالحين، ووفقنا إلى طاعتك؛ لنكون كما تحب ويُحب وليّك المنتظر عجل الله تعالى فرجه، والسلام..
الإمام المنتظر