الاجتهاد: لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في أن يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الإقتراع، في إنتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد. بقلم: عادل الموسوي
هدف لابد لتحقيقه من سلوك مسار في حكم البلد، مشروط بعوامل محددة، إن تخلفت حاد المسار ولابد من تصحيحه.
الهدف أن يكون للعراق “مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والإزدهار، ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا”
والخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل العراق هو: “.. طمس هويته الثقافية والتي من ركائزها هو الدين الإسلامي الحنيف”.
هدف أسمى وخطر أكبر بينهما معركة مصيرية كبرى، يفترض أن يتحمل الشعب العراقي أعباءها الثقيلة لوحده لأنها تخصه وحده.
مسار الحكم:
أرست المرجعية الدينية أسس بناء الدولة بفتوى الدستور الخالدة، إذ دعت لإنتخابات الجمعية الوطنية التي إنبثقت منها لجنة لكتابة الدستور الذي عرض على الشعب للإستفتاء.
“لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في أن يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الإقتراع، في إنتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد”.
عوامل النجاح:
بعد أن حددت المرجعية الدينية مسار الحكم في البلد وأنه لابديل عنه إن أريد تحقيق الهدف الأسمى لمستقبل العراق ، بينت “إن المسار الإنتخابي لا يؤدي الى نتائج مرضية إلا مع توفر عدة شروط، منها:
-أن يكون القانون الإنتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإتفاف عليها.
-أن تتنافس القوائم الإنتخابية على برامج إقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الإعلامية.
-أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الإنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك.
-وعي الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف او رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية او نحوها”.
تخلف العوامل:
من الواضح جلياً أن هناك أطرافاً لا يهمها او لا يروق لها تحقيق ذلك الهدف، لذا ف”إن الإخفاقات التي رافقت التجارب الإنتخابية الماضية ـ من سوء إستغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممن إنتخبوا او تسنّموا المناصب العليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، لم تكن إلا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة.. عند إجراء تلك الإنتخابات..”.
تصحيح المسار:
لابديل عن سلوك مسار التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع بإنتخابات دورية حرة ونزيهة “ولكن مثلما يعلم الجميع لم تجر الأمور كما تمنتها المرجعية الدينية وسعت اليها..” لذا كان لزاماً تصحيح المسار لتفادي الوقوع في مهالك الحكم الدكتاتوري ولدرء خطر طمس الهوية الثقافية للشعب العراقي.
اما امكانية التصحيح فقد اشارت لها المرجعية الدينية وبينت تفصيلاً شروط وآليات نجاحها، وبشرت ببقاء “.. الأمل قائماً بإمكانية تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد وإستخدام سائر الأساليب القانونية المتاحة لذلك”، وأكدت مراراً وتكراراً “إنّ الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في إدارة البلد ينبغي أن يتم بالطرق السلمية..” وأشارت الى امكانيته “إذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة في هذا الصدد”
ولبيان أهمية تصحيح المسار وصعوبته وتشعب مداخلاته وكثرة تداعياته وملابساته وصفته بأنه معركة، نعم “إن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون أعباءها الثقيلة”، إذ لم يبق “أمام الشعب إلا تطوير أساليبه الإحتجاجية السلمية لفرض إرادته على المسؤولين مدعوما من كل القوى الخيرة في البلد”.
لقد وصفت المرجعية الدينية الإصلاح بأنه معركة ضد الفساد في وقت سابق لهذا الحراك الشعبي الكبير وبينت في خطبة النصر على الإرهاب “إن المعركة ضد الفساد ـ التي تأخرت طويلاً ـ لا تقلّ ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى، والعراقيون الشرفاء الذين إستبسلوا في معركة الإرهاب قادرون ـ بعون الله ـ على خوض غمار معركة الفساد والإنتصار فيها أيضاً إن أحسنوا إدارتها بشكل مهني وحازم” ومما “لا شك في أنّ الحراك الشعبي اذا إتسع مداه وشمل مختلف الفئات يكون وسيلة فاعلة للضغط على من بيدهم السلطة لإفساح المجال لإجراء إصلاحات حقيقية في إدارة البلد..”.
“ومن هنا فإنّ من الأهمية بمكان الإسراع في إقرار قانون منصف للإنتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ولا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية، ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية..”
“إنّ إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه، كما يتعين إقرار قانون جديد للمفوضية التي يعهد اليها بالإشراف على إجراء الإنتخابات، بحيث يوثق بحيادها ومهنيتها وتحظى بالمصداقية والقبول الشعبي”.
“طالبت المرجعية الدينية بأن يكون القانون الإنتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإلتفاف عليها وأن تكون المفوضية العليا للإنتخابات مستقلة كما قرره الدستور ولاتخضع للمحاصصة الحزبية، وحذرت من أن عدم توفير هذين الشرطين سيؤدي الى يأس معظم المواطنين من العملية الإنتخابية وعزوفهم عن المشاركة فيها” وطالبت ب”سنّ قانون منصف للإنتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها”.
الخطر الأكبر:
ان الهدف الأسمى الذي توجه المرجعية الدينية في أن يسعى اليه الشعب والذي إقترن بسلوك المسار الديمقراطي في حكم البلد، يقابله هدف آخر خطير للنيل من المصالح العليا للشعب وقيمه الأصيلة مقترن بالسعي الى إرجاع البلد الى عصر الدكتاتورية المقيته،
إذ “إن هناك أطرافاً وجهات داخلية وخارجية كان لها في العقود الماضية دور بارز فيما أصاب العراق من أذىً بالغ وتعرض له العراقيون من قمع وتنكيل، وهي قد تسعى اليوم لإستغلال الحركة الإحتجاجية الجارية لتحقيق بعض أهدافها..” حيث “إنّ الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والإنجرار الى الإقتتال الداخلي ومن ثَمّ إعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة..”
لذا فهم “يتربصون بالبلد ويسعون لإستغلال الإحتجاجات المطالبة بالإصلاح لتحقيق أهداف معينة تنال من المصالح العليا للشعب العراقي ولا تنسجم مع قيمه الأصيلة”.
ذكر الدكتور حامد الخفاف في كتابه “النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية ” ضمن أسئلة صحيفة الواشنطن بوست:
“س: ماهو اكبر خطر وتهديد لمستقبل العراق ؟
ج: هو خطر طمس هويته الثقافية والتي من ركائزها هو الدين الاسلامي الحنيف”.
اقترن الهدف بسلوك مسار للحكم وهو الإنتخابات الحرة النزيهة.
وإقترن الخطر بالوقوع في مهالك الحكم الإستبدادي والرجوع بالبلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة.
فصار لزاماً خوض معركة الإصلاح.
المصدر: كتابات