الاجتهاد: يعرّف السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الاولى من دروس في علم أصول الفقه: الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله سبحانه و تعالى لتنظيم حياة الانسان. و يتضح من التعريف ان التشريعات الالهية منظمة لحياة الانسان سواء كانت فردية وشخصية وأسرية و اجتماعية واقتصادية و سياسية … الخ ، لان الحياة تشمل كل هذه الجوانب كما لا يخفى .
الفقه في اللغة هو العلم بالشيء و الفهم له { فقه الجنس للشيخ الوائلي ( قدس)
و في اصطلاح الفقهاء الفقه: هو العلم الذي يتكفل بيان الاحكام في الشريعة الاسلامية والاستدلال عليــها. ( السيد محمد الصدر ما وراء الفقه الجزء الاول )
ويتضح من تعريف السيد محمد الصدر(قد) للفقه ان الفقه هو علم أي أنه علم نظري إستدلالي (بالإجتهاد وليس علم بالتقليد) .
و ينبغي السؤال عن الثمرة و الغاية من هذا العلم و كذلك السؤال عن المجال الذي يبحث فيه هذا العلـــم ( موضوع العلم ).
ان الثمرة و الهدف و الغاية من علم الفقه: هو تحديد الحكم الشرعي او تحديد الموقف العملي بصورة مباشرة اذا كان الحكم الشرعي محتملاً او مجهولاً .
موضوع علم الفقه :
1– الادلة المحرزة ( الدليل الشرعي و الدليل العقلي )
2 – الاصول العملية ( الاحتياط والاستصحاب و البراءة و التخيير )
س ) ما هي علاقة علم الفقه بالشريعة ؟
ج ) الشريعة هي فروع الدين و علم الفقه هو الوسيلة الى معرفة أحكام الشريعة و الموقف العملي المبرء للذمة تجاهها
فالعلاقة هي علاقة الوسيلة بالغاية
و الفقه والشريعة بينهما علاقة ملازمة
س ) ما الفرق بين الشريعة و العقيدة ؟
ج) العقيدة هي أصول الدين : ( التوحيد و العدل و النبوة والإمامة و المعاد )
و الواجب شرعاً في العقيدة هو الايمان بها عن قناعة و لا يجوز التقليد فيها و هناك عدة مستويات لتحصيل القناعة و الاقتناع بالعقيدة الاسلامية و هي :
المستوى الاول :
الفهم البسيط و الساذج و هو يتناسب مع حال عامة الناس خصوصاً أصحاب الوجدان الطليق
المستوى الثاني :
علم الكلام وهو العلم المتخصص بالعقيدة الاسلامية و هو مزيج بين احكام العقل و نصوص النقل أي ان الاهداف محددة و هي إثبات العقائد الاسلامية و حتى العقائد المذهبية و البرهنة عليها عقلاً ونقلاً
المستوى الثالث :
الفلسفة لمّا كان موضوع الفلسفة هو الموجود بما هو موجود بغض النظر عن درجة وجوده فيكون الله الذي هو واجب الوجود ينطبق عليه كونه مبحوث عنه و قد توصلت الفلسفة الايجابية الى البرهنة على الايمان بالله وحده ( التوحيد) و سائر أصول الاعتقاد و هناك براهين فلسفية على إثبات وجود الله سبحانه و تعالى كبرهان الدور و برهان التسلسل و برهان النظام و فرق الفلسفة عن علم الكلام هو ان الفلسفة لا تعتمد على أدلة نقلية لا قرآنية و لا احاديث و كذلك ان الفلسفة لا تجعل من أصول الاعتقاد هدفاً لكي تسير نحوه بل انها تستهدف الموجود و الوجود سواء كان واجباً او ممكناً.
المستوى الرابع :
الدليل العلمي القائم على الحس و التجربة و الذي يتخذ من الاستقراء طريقته الاستدلالية و أول من نجح في اتخاذ الدليل العلمي التجريبي الاستقرائي هو المفكر الكبير و المحقق العظيم السيد محمد باقر الصدر ( قدس ) عن طريق علاجه للمشكلة التي جعلت الكثير من الفلاسفة و المفكرين يعرضون عن إتخاذ الدليل التجريبي لاثبات الصانع و هذه المشكلة لها جذور تأريخية منذ أن أكتمل لدى الانسان الفهم التجريدي لاساليب الاستدلال أي قبل اكثر من ألفي عام و لم يستطع مفكرّ من مفكري الانسانية حل هذه المشكلة و سد هذه الثغرة الى ان جاء السيد محمد باقر الصدر و بالرغم من الظروف التي كان يعانيها و الضغوطات التي مرّ بها من جهات متعددة
و بالرغم من الدور القيادي و الريادي الذي كان يتزعمه في توعية الامة و التصدي لمختلف التحديات التي تعددت اشكالها و اختلفت ألوانها فتارة من اللانظام البعثي الكافر و تارة من الاستعمار و أخرى من الشيوعية و لكنه بالرغم من ذلك و في مطلع السبعينيات استطاع ان يعالج هذه المشكلة و استطاع ان يسد هذه الثغرة عن طريق تأسيسه لمذهب جديد في المعرفة و هو المذهب ( الذاتي )
حيث استطاع ان يكشف عن الاسس المنطقية للاستقراء و بالتالي يكون من الصحيح و المنطقي أتخاذ الدليل العلمي دليلاً على اثبات الصانع و هذا ما طبقه في كتابه أصول الدين الموسوم بـ ( المرسل و الرسول و الرسالة ) و على ضوء هذا الانجاز و هو تأليفه (( للأسس المنطقية للاستقراء )) التي كان احد تطبيقاته هو كتاب المرسل و الرسول والرسالة و قد دخل بسبب هذا العمل العظيم مفكرين كثيرين الى الاسلام و أشهرهم المفكر الفرنسي روجيه غارودي
المستوى الخامس :
و هو العرفان حيث ان السيد محمد الصدر ( قدس ) يقول ان افضل المستويات للايمان بالعقيدة هو العرفان و هذا واضح واكيد ، الا ان العرفان لا يتسنى لعامة الناس بل هو مقتصر على اشخاص لا يتجاوزن عدد اصابع اليد إلا أن من توفق لذلك يكون إيمانه أعلى درجات الايمان لانه سوف يلتفت الى مستويات خفية للشرك فيكون توحيده لله أدق و أعظم .
أما الشريعة فهي فروع الدين و أن الواجب شرعاً فيها هو تطبيق أحكامها حتى اذا كان هذا العمل و هذا التطبيق يعتمد على التقليد لأن أحكام الشريعة تحتاج الى جهد و إلى عملية استنباط وتحتاج الى علم الفقه وعلم اصول الفقه و هذا ليس متيسر لكل الناس و بالتالي تعين تقليد العوام من الناس لمن هو اقدر على ذلك(المجتهد) والخلاصة:
ان العقيدة تقتضي الايمان عن اقتناع و ان الشريعة تقتضي التطبيق فقط.
الحكم الشرعي و متعلقه
يعرّف السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الاولى من دروس في علم أصول الفقه :
الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله سبحانه و تعالى لتنظيم حياة الانسان.
و يتضح من التعريف ان التشريعات الالهية منظمة لحياة الانسان سواء كانت فردية وشخصية وأسرية و اجتماعية واقتصادية و سياسية … الخ ، لان الحياة تشمل كل هذه الجوانب كما لا يخفى .
متعلق الحكم الشرعي
متعلق الحكم الشرعي اما ان يكون فعل الانسان و اما ان يكون غير الفعل. و على هذا الضوء يقسم الحكم الشرعي الى :
1 ) الحكم التكليفي:
و هو حكم شرعي يتعلق بأفعال الانسان مباشرةً أي انه موجه لسلوك الانسان بصورة مباشرة ( افعل أو لا تفعل ) و الحكم الشرعي التكليفي بدوره ينقسم الى خمسة اقسام :
أ ) حكم الوجوب : هو الأمر بالشئ مع المنع بالترك كوجوب صلاة الظهر.
ب)حكم الإستحباب: هو الأمر بالشئ مع الترخيص بالترك كإستحباب صلاة الليل.
ج) حكم الحرمة : هو النهي عن الشئ مع المنع عن الفعل كحرمة شرب الخمر.
د ) حكم الكراهة : هو النهي عن الشئ مع الترخيص بالفعل ككراهة خلف الوعد.
هـ ) حكم الاباحة: هو خلو الفعل عن الأمر والفعل كإباحة شرب الماء.
2- الحكم الوضعي:
و هو حكم يشرع وضعاً معيناً و ينظم علاقة الانسان بالاشياء الاخرى التي هي غير الافعال كالمال كما في حكم الملكية و هو بالتالي يوجه سلوك الانسان بصورة غير مباشرة.
ان حكم الزوجية هو حكم وضعي متعلقه ذات الانسان و به يصبح الرجل حل على المرأة والمرأة حل على الرجل في شروط معينة.
و كذلك حكم الملكية الذي به يكون المال ملكاً للانسان في شروط معينة و كذلك الضمانات والاجارة و المسؤوليات و الذمة والعهدة والنجاسة والطهارة والصحة والبطلان والجزئية والشرطية والمانعية والتذكية كلها مصاديق للحكم الشرعي الوضعي.
و توجد علاقة بين الحكم الشرعي الوضعي و الحكم الشرعي التكليفي فحكم الملكية الذي هو حكم وضعي ايضا يستلزم احكاماً تكليفية كحرمة التصرف بالمال دون إذن المالك و حرمة تلف المال او سرقته و غصبه بجانب هذا و ذاك و جوب الضمان فالفرد الذي يسرق مالاً في هذه الحالة يكون عليه حكمين :
الأول : الحكم التكليفي و هو الحرمة (( حرمة السرقة )) و ينبغي ان يتوب عن هذا الذنب الى الله و الا أستحق العذاب
الثاني : الحكم الوضعي الذي يلزم هذا السارق ارجاع المسروق او الضمان في حالة اتلافه للمال. و هذا هو معنى علاقة الحكم الوضعي بالحكم التكليفي.
الموقف العملي ( التطبيق أو العمل )
قلنا في ثمرة علم الفقه هو أما تحديد الحكم الشرعي او الموقف العملي المباشر و بالحقيقة أن هناك علاقة بين الموقف العملي و الحكم الشرعي و هي علاقة الدلالة
و بتعبير آخر ان الموقف العملي هو المدلول العملي للحكم الشرعي و بالتالي يكون الحكم الشرعي له مدلولان
الأول : المدلول النظري للحكم الشرعي و كما بيناه سابقاً بأن حكم الوجوب هو أمر بدرجة الالزام و هذا هو المقصود بالمدلول النظري
الثاني : المدلول العملي للحكم الشرعي و هذا ما نريد ايضاحه و عبّرنا عنه كما هو المصطلح بالموقف العملي
فحكم الوجوب مثلاً له مدلول عملي و هو الفعل و عدم الترك و حكم الحرمة يقتضي الترك و هكذا أذن أن لكل حكم شرعي يوجد موقف عملي بأزائه .
و المهم هو ليس معرفة الحكم الشرعي بل المهم هو أتخاذ الموقف العملي و تطبيقه ، فشارب الخمر لا ينفعه علمه بحرمة شرب الخمر فالموقف العملي هو الجانب الأهم في الشريعة لان الشريعة اللازم فيها هو التطبيق و العمل. و على ضوء الأقسام الخمسة للحكم التكليفي يمكن أن نقسمه قسمة ثنائية الى :
1 ) الأحكام التكليفية الالزامية و تشمل الوجوب والحرمة
2 ) الاحكام التكليفية الترخيصية ( الغير الزامية ) وتشمل الاستحباب و الكراهة و الاباحة
و تكتسب الاحكام الالزامية اهمية لانها تتطلب موقفاً عملياً ليس فيه رخصة في المخالفة و العصيان على عكس الاحكام الترخيصية
فحكم الحرمة ( و هو حكم الزامي ) يتطلب موقفاً عملياً و هو الترك
و حكم الوجوب ( وهو حكم إلزامي يتطلب موقفاً عملياً و هو الفعل و العمل هو اما ترك و أما فعل
و الترك نقيض الفعل و النقيضان لا يرتفعان و لا يجتمعان ان اهمية الاحكام الالزامية ناشئة بسبب ان عصيانها يقتضي استحقاق العذاب و العقاب .
انواع الموقف العملي
الاول : الموقف العملي غير المباشر و هذا يتم تحديده عن طريق تحديد الحكم الشرعي أي ان الموقف العملي يتحدد بواسطة الحكم الشرعي فالمجتهد حينما يحدد الحكم الشرعي و يفتي مثلاً بحكم الوجوب فنحن نعلم ان الموقف العملي تجاه هذا الحكم هو الفعل و بالتالي يكون المجتهد قد حدّد الموقف العملي بصورة غير مباشرة .
الثاني : الموقف العملي المباشر : وهذا يتم تحديده من قبل المجتهد بصورة مباشرة و بدون توسط الحكم الشرعي لان الحكم الشرعي في هذه الحالة يكون اما مشكوكاً او محتملاً احتمالاً غير راجح او مجهولاً بالمرة و بالتالي يقوم المجتهد بتحديد الموقف العملي بصورة مباشرة.
فثمرة علم الفقه هو تحديد الحكم الشرعي او تحديد الموقف العملي بصورة مباشرة اذا كان الحكم محتملاً او مشكوكاً او مجهولاً.
موضوع الحكم الشرعي :
بعد ان عرفنا الحكم الشرعي ومتعلقه لا بأس بمعرفة موضوع الحكم . ان موضوع الحكم اشبه بظرف الرسالة كما في الرسائل البريدية فالظرف هو الموضوع و الرسالة هي الحكم و متعلقهِ و كذلك الاناء و السائل فالاناء هو بمثابة الموضوع و السائل هو الحكم و متعلقه.
الموضوع كما يعرفه السيد محمد باقر الصدر في الحلقة الاولى من دروس في علم الاصول :
الموضوع : هو مجموع الاشياء التي يتوقف عليها فعلية الحكم المجعول.
فالموضوع يتألف من مجموعة أشياء و هذه الأشياء اذا تحققت يكون الحكم الشرعي مجعولاً و فعلياً و نافذاً على سبيل المثال :
ان الله سبحانه وتعالى جعل حكم وجوب الحج على المكلف المستطيع فالموضوع هو المكلف المستطيع فهذا الموضوع يتألف من عدة اشياء : 1 ) البلوغ 2 ) والعقل 3 ) والاستطاعة
فالبلوغ مع العقل هو معنى التكليف و مع الاستطاعة يتحقق موضوع هذا الجعل و هو وجوب الحج و يصبح هذا الجعل بعد تحقق موضوعه مجعولاً وفعلياً .
واذا انتفى هذا الموضوع أي اصبح الفرد مجنوناً او فقيراً ينتفي الحكم المجعول ( فعلية الحكم ) و لا ينتفي الجعل فهو ثابت عند الله سبحانه و تعالى
فتحقق الموضوع هو سبب لفعلية الحكم المجعول . أن المسألة الشرعية تتكون من ثلاثة أشياء:
أ ) الموضوع ب ) الحكم الشرعي جـ ) متعلق الحكم الشرعي
فمسألة وجوب الحج موضوعها المكلف المستطيع و حكمها هو الوجوب و المتعلق هو أتيان الحج ( الفعل )
فالموضوع أسبق من الحكم المجعول و الحكم أسبق من متعلقه :
( الموضوع الحكم المجعول المتعلق )
المقدمات
هناك نوعان من المقدمات هما :
1 ) مقدمات الموضوع :
و هي التي ينتج منها تحقق الموضوع كالأستطاعة التي تكون مقدماتها الكسب و التجارة ولا بد ان نلاحظ ان مقدمات الموضوع منها ما يكون اختياري و كسبي كما في الاستطاعة و منها ما يكون غير اختياري كالبلوغ و العقل و المقدمات الاختياري يكون الفرد غير مسؤول عن ايجادها و غير ملزم
2 ) مقدمات المتعلق :
– و هي التي ينتج منها تطبيق الحكم الشرعي و تنفيذه بعد ان يكون مجعولاً و فعلياً كما في مثال وجوب الحج فان المكلف المستطيع يكون جعل وجوب الحج عليه مجعولاً و فعلياً و متعلق هذا الحكم هو إتيان الحج و إتيان الحج يتطلب مقدمات كالسفر و غيرها فيكون الفرد هنا مسؤولاً عن تذليل المقدمات بل تصبح هذه المقدمات واجبة لان إيجاب شيء يستلزم إيجاب مقدمته (( يعني مقدمة الواجب واجبة )) بسبب فعلية حكم الوجوب بعد تحقق الموضوع .
الشبهة الموضوعية و الشبهة الحكمية
الشبهة الموضوعية : و هي الشك في تحقق الموضوع و بالتالي يكون الموضوع مشكوكاً
مثال ذلك :
الشك في السائل الذي في الا ناء أ هو ماء مطلق أم ماء مضاف . و اللحم المشكوك كونه غنماً او خنزيراً . والشك في كون هذا السائل خمراً او خلاً . و الشك في ثبوت الهلال و عدمه و لذلك سمي اليوم بيوم الشك و هو من مصاديق الشبهة الموضوعية.
الشبهة الحكمية : – و هي الشك في الحكم الشرعي و تواجه هذه الشبهة غالباً المجتهد و خصوصاً في تحديد حدود الجعل أي انها هل تشمل موارد أخرى أم لم تشملها . مثال ذلك الشك في حرمة التدخين أم لا .
توضيح
الحكم الشرعي له ثبوتان :
الثبوت الأول : هو الجعل و هو ثبوت الحكم في الشريعة
الثبوت الثاني : هو الفعلية ( المجعول ) و هو ثبوته على المكلف بعد تحقق موضوعه و يعتمد هذا الثبوت و يتوقف على تحقق الموضوع فأنتفاء الموضوع يعني إنتفاء الحكم الشرعي بالثبوت الثاني الذي هو المجعول
فمثلاً أحكام الرق و العبيد في عصرنا هي أحكام لها ثبوت من حيث الجعل و ليس لها ثبوت من حيث المجعول لانتفاء موضوعها .
العلم التفصيلي و العلم الاجمالي و الشك البدوي :
العلم التفصيلي : يعرفه السيد محمد باقر الصدر هو : ( علم بالشيء محدد او علمٌ بنفي الشيء محدد )
مثال : كما لو علمت ان الذي سافر هو اخوك محمد فهذا العلم فيه تفصيل و هو علمك بالسفر و علمك بالمسافر بالتحديد و هو محمد
العلم الاجمالي : – ايضاً يعرفه محمد باقر الصدر في كتاب الأسس المنطقية للاستقراء انه علم بالشيء غير محدد او علم بنفي الشيء غير محدد
مثال : كما لو علمت أن أحد اخويك قد سافر و لكنك لا تعلم بالتحديد من هو محمد او علي.
وهذا الشك يسمى بالشك المقترن بالعلم الاجمالي فالعلم الاجمالي له اطراف فاذا اخذنا أحد الاطراف على حدة فأننا نجد ان نسبة احتمال السفر و عدم السفر من هذه الطرف هي متساوية و هذا معنى الشك
الشك البدوي ( الساذج او الابتداءي ) : و هو ليس علم اجمالي و لا تفصيلي و هو ليس شك مقترن بعلم اجمالي بل هو شك ساذج مثال ذلك هو شكنا في ان الماء الذي في الاناء هو طاهر ام نجس و شكنا بهذا الماء هل هو ماء مطلق او ماء مضاف حيث لا يوجد اطراف متعددة
س / ما نوع الشك في الشبهة الموضوعية و الشبهة الحكمية
ج ) هو مطلق الشك أي الشك الساذج و الشك المقترن بالعلم الاجمالي فالشبهة الموضوعية تنقسم من حيث عدد الاطراف الى :
أ ) الشبهة الموضوعية المحصورة : و هو كون الاطراف محددة كما في الاناءيين الذي يكون احدهما نجس والاخر طاهر و لا نعلم الاناء النجس بالتحديد
ب ) الشبهة الموضوعية الغير محصورة : وهو كون الاطراف غير محدودة و كثيرة كما في البيت المغصوب الذي يكون من ضمن 100 بيت مباح و لا نعلم المغصوب من بين هذه الاطراف الكثيرة
فالشبهة اما ان تكون ناشئة من شك مقترن بعلم اجمالي كما في الشبهة المحصورة و الشبهة غير المحصورة و أما ان تكون ان تكون ناشئة عن شك بدوي ( ساذج )
ان العلم التفصيلي و العلم الاجمالي و الشك البدوي يلعبُ دوراً مهماً في عملية الاستباط أي في تحديد الحكم الشرعي او الموقف العملي بصورة مباشرة
مراحل عملية الاستنباط
عملية الاستنباط هي عملية تحديد الحكم الشرعي او الموقف العملي المباشر تجاه الحكم المجهول و هي على مرحلتين :
المرحلة الاولى لعملية الاستنباط :
و هي المرحلة الاساسية حيث يقوم المجتهد في هذه المرحلة بتحديد نوع الحكم الشرعي بالاعتماد على الادلة المحرزة و تسمى ايضاً بمرحلة الادلة المحرزة.
س / ما هي الادلة المحرزة ؟
الادلة المحرزة هي الادلة التي تحرز الحكم الشرعي و هي على نوعين :
و يسمى ايضا الدليل السمعي او الدليل النقلي. والكتاب هو القرآن و بالتحديد آيات الاحكام و التي تزيد على خمسمائة آية
و السنة هي قول المعصوم و فعله و تقريره.
والأجماع هو الرأي الذي يكشف عن رأي المعصوم ( ع )
الدليل العقلي و هو الذي يشمل العقل و أحكامه القطعية في القضايا القطعية اليقينية و كذلك يشمل العلاقات القائمة بين الحكم الشرعي و متعلقه و الحكم الشرعي و موضوعه
كالحكم العقلي القائل ان إيجاب شيء يستلزم إيجاب مقدمته فالسفر الى الحج هو مقدمة الحج الذي هو واجب على كل مكلف مستطيع و بالتالي تكون هذه المقدمة واجبة بسبب هذا الدليل العقلي و كذلك و جوب الوضوء في حال وجوب الصلاة عند دخول الوقت.
فاذا حصل للمجتهد علم تفصيلي بالحكم الشرعي عن طريق قيام دليل محرز لديه فأنه يستطيع تحديد الحكم الشرعي اما اذا لم يحصل له علم تفصيلي فهذه المرحلة لا تكون نافعة و تبدأ المرحلة الثانية من عملية الاستنباط و هي المرحلة الثانية لعملية الاستنباط :
وهي المرحلة التي يقوم من خلالها المجتهد بتحديد الموقف العملي بصورة مباشرة بعد ان فشلت المرحلة الاولى في تحديد الحكم الشرعي وهنا يكون نظر الفقيه فقط نحو الاحكام الالزامية و يتم تحديد الموقف العملي بالاعتماد على نوع جديد من الادلة و هي الاصول العملية و تسمى هذه المرحلة بمرحلة الاصول العملية و يكون العمل في هذه المرحلة من قبل المجتهد على ضوء العلم الاجمالي و الشك
والأصول العملية : هي ادلة عملية لا تحرز الحكم الشرعي بل تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول و يكون هذا الموقف العملي مبرءاً للذمة
و الاصول العملية التي تعتمد على العلم الاجمالي هي : الاحتياط و التخير
و الاصول العملية التي تعتمد على الشك هي : الاستصحاب و البراء
ما هي الأصول العملية؟
الأصول العملية: هي نوع من الأدلة التي تساهم في تحديد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول ويأتي دور الأصول العملية في حالة عدم إحراز الحكم الشرعي بسبب عــدم توفر الدليل المحرز أو ضعف الدليل ففي هذه الحالة يكون الحكم الشرعي مجهول والحكم الشرعي المجهول أما أن يكون محتملاً أو مشكوكاً وبسبب هذا التقسيم تنـوعت الأصول العملـية ففي حالة الشك بالحكم يكون العمل بالأصل العملي البراءة أو الاستصحاب
مثـال ذلك : مسألة التدخين يقوم المجتهد من اجل تحديد الحكم الشرعي أو الموقف العملي بما يلي :-
أولاً: الجواب على هذا السؤال ما هو نـوع الحكم الشرعي الذي تعلق بالتدخين ؟ ويكون الجواب عن طريق إجراء عملية الاستنباط القائمة على أساس الدليل المحرز(الدليل الشرعي أو الدليل العقلي) فإذا لم يتوفر لديه دليـل محرز يحدد نوع الحكم الشرعي أهو وجوب أم حرمة استحباب أم كراهة أو إباحة هنا سوف يكون الحكم الشرعي مجهول وبالحقيقة يكون التدخين مشكوك الحرمة
وهنا يستبدل المجتهد السؤال بسـؤال آخر وهو: ما هـو الموقف العملي تجاه حكم التدخين المجهول (المشكوك أو المحتمل) ؟ ويكـون الجـواب عن طريق إجراء عملية الاستنباط القائمة على أساس الأصـل العملي فالأصل العملي يحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول أي أن الحكم الشرعي للتدخين يبقى مجهولاً ولو على نحو الشك .
الأصول العملية هي : البراءة والاستصحاب والاحتيـاط والتخير. والبراءة والاستصحاب موضوعها الشك أي أن يكون جريانها وتطبيقها في مـوارد الشك في الحكم الشرعي كما هو الحال في مثال التدخين فالتدخين مشكوك الحرمة ومقتضى اصل البراءة واصالة الحل هو عدم التكليف وعدم التحفظ أي أن المكلف يتصرف اتجاه التدخين كما يحلو له .
أما الاحتياط والتخير فأنهما يجريان في حالة الظن والعلم الإجمـالي أو في مورد الشبهة المحصورة فمثلاً لو كانت الحرمة على نحو الشبهة المحصورة أو العلم الإجمالي فمقتضى الأصل العملي هو الاحتياط الوجوبي مثال ذلك طريـق الاحتياط فأنه مردد بين الجواز والمنع فمقتضى الاحتياط هو ترك طريق الاحتياط ..
والخلاصة: أن الشك موضوع لأصالة البراءة والاستصحاب. والعلم الإجمالي موضوع للأصل العملي الاحتياط والأصل العملي التخير.
بقى شئ آخر وهـو الشروع في شرح الأصول العملية واحدة واحدة وعلى الله التوكل .
1-أصالةالبراءة: وهو دليل عملي يحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول المشكوك عند عدم توفر دليل محرز معتبر من دليل شرعي ودليل عقلي . وقاعدة البراءة معناها هو أن الأصل في حالة الشك بالحرمة أو الوجوب هو عـدم الحرمة وعدم الوجوب فكـل تكليف إلزامي مشكوك فأن الأصل هو عدم التكليف وعدم التحفظ تجـاه هذا التكليف وهناك أدلة كثيرة تبرهن حجية هذا الأصل وهذه القاعدة نذكر واحد منها وهو حديث الرسول (صلى عليه وآله وسلم ) الذي جاء فيه ((…رفع عن أمتي …ما لا يعلمون )) والشك مصداق واضح فهو جهل وليس علم وبالتالي يكون مرفوع عنه قلم المؤاخذة وهذا دليل محرز معتبر حجة على قاعدة البراءة .
2-قاعدة الاستصحاب:- وهو أصل عملي يشمل الشبهة الموضوعية والشبهة والحكمية على حدٍ سواء بنـاء على رأي السيد محمد باقـر الصدر (قدس) وخلاف لرأي السيد الخوئي(قدس) حيث أنه يرى في علم أصول الفقه إنّ الاستصحاب كأصل عملي يجري في الشبهة الموضوعية فقط .
وفكرة الاستصحاب هي (في حالة الشك في بقاء اليقين فأنّ مقتضى هذه القاعدة هو استصحاب اليقين السابق) ولهذه القاعدة شروط :
الأول: اليقين السابق
الثاني: الشك في بقاء اليقين
الثالث: وحدة الموضوع
فمثلاً لو أن لديك إناء فيه ماء نجس يقيناً وبعدها طرأ الشك في بقاء النجاسة أم لا فمقتضى قاعدة الاستصحاب هو البناء على النجاسة واعتبار الماء نحساً استصحاباً للحالة السابقة وهناك عدة أدلة معتبرة على حجـية وصحة هذه القاعـدة (الاستصحاب) وبسـببها اصبح من الممكن اعتـبار الاستصحاب دليل عملي ونذكر أهمها وهي صحيحة زرارة والتي جاء فيها بما مضمونه (إنّ الشك لا ينقض اليقين) ولكن ينبغي مراعاة الشروط لكي تكون هذه القاعدة سارية المفعول .
ونقصد بوحـدة الموضوع أي عدم تعدده واختلافه فمثلاً الماء النجس يقـيناً عندما يصبح ثلجاً ثمّ طرأ الشك على الثلج من حيث النجاسة والطهارة لا يمكن أن نجري قاعدة الاستصحاب على هذه الحالة بسبب عدم توفر الشرط الثالث وهو وحدة الموضوع وذلك لأن الماء موضوعه يختلف عرفاً عن موضوع الثلج فالمهم هو توفر جميع الشرائط التي ذكرناها .
3- قاعدة الاحتياط(الاشتـغال): وهي إحدى الأدلة العملية التي يعتمد عليها الفقيه في تحديد الموقـف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول على نحو الشبـهة المحصورة أو العلم الإجمالي ولكن بشرط عدم التـعارض بين الوجوب والحرمة أي تردد الحكم الشرعي بين الوجوب والحرمة…
أما إذا كان أحد المحـتملات الوجوب فإنّ مقتضى الأصل العملي هو الفـعل وأما إذا كان أحد المحتملات الحرمة فإنّ مقتضى هذا الأصل العملي هو الترك والدليل على شرعية هذا الأصل عدة أدلة منها (الاحتياط طريق النجاة) . والأمثلة كثـيرة في الرسائل العملية بل إنّ الأعم الأغلب من الاحتياطات في الرسائل العملية هي مصاديق ونتائج لهذا الأصل سواء كان الاحتياط وجوبي أم استحبابي .
4-التخيير:- وهو أصل عملي يحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول الذي يكون على نحو العلم الإجمالي أو الشبهة المحصورة ولكن في حالة الـتعارض الغير مستقر ويكون مقتضى هذا الأصل هو التخير بـين الترك والفـعل في التعارض بين الوجوب والحرمة وذلك لتـعذر العمل بالاحتـياط لأن الترك يوافق حكم الحرمة ويخـالف حكم الوجوب وكذلك الفعل يوافق حكم الوجوب ويخالف حكم الحرمة .
وحيث أن التـعارض مستقر وثابت فإنّ هذا الأصل العملي يكون ساري المفعول والتعارض على قسمين :
الأول: التعارض المستقر الثابت:- وهو العـارض الذي لا يمكن الجمع العرفي بين الدليـلين المتعارضين بقـواعد الجمع العرفي الإطلاق والتقـيد والعموم والتخصيص والحـاكم والمحكـوم
وهذا هـو موضوع لهذا الأصل العملي التخير بأن يكون المكـلف مخـير بين الترك أو الفعل .
الثاني : التعارض الغير مستقر:- وهو العام مع الخـاص والمطلق مع المقيّد والحاكم مع المحكوم وهذا النوع من التـعارض يمكن الجمع فيه بقواعد الجمع العرفي كما هو مسطور في محله في علم أصول الفقه .
ما هو الشك؟ وماهو العلم التفصيلي؟وما هو العلم الإجمالي؟
أود أن أسلط الضوء على بعض المصطلحات المهمة التي ينبغي على دارس الفقه والأصول معرفتها وسوف نخصص هذه المحاضرة لبيان الشك والعلم التفصيلي والعلم الإجمالي .
1-العلم التفصيلي :– وكما يعرفه السيد محمد باقر الصدر (قدس) في كتابه العظيم الأسس المنطـقية للاستـقراء (( العلم التفصيلي هو علم بالشيء محدد أو علم بنفي الشيء محدد )) .
وينبغي لنا معرفة العلم وهو حصول صورة الشيء في الذهن وهو على نوعين تصور وتصديق .
ومن خلال هذا التعريف فـأن المراد من تعريف السيد الشهيد (( قدس)) هو التصديق وذلك لوجود قرينة على ذلك وهي العلم بالشيء والعلم بنفي الشيء فبعد أن نـتصور الشيء نحاول إثباته ونـفيه في الواقع فالعلم التفصيلي وحسب التـعريف هو الخبر أو القضية المراد إثباتها أو نفيها . فإذا علمنا بالنفي كان تـفصيلياً وإذا علمنا بالإثبات كان تـفصيلياً أيضاً . ونعود للتوضيح توخياً للفائدة وعلى الله التوكل .
وخير ما نبدأ به هو إعطاء مثال أو أمثلة على العلم التفصيلي فمثلاً لو أن أحد أخوتك سافر إلى البصرة وعلمت بالتحديد إنه زيد كان علمك بسفر زيد علم تـفصيلي لأنه علم بالشيء محدد .. ولو علمت أيضاً بأن الشمس غير مشرقة فـعلمك علم تـفصيلي لأنه بنـفي الشيء محدد .. وعلى هذا المنوال يمكن التطبيق على الكثير من الأشياء ومثال آخر أيضاً إذا حصل لك العلم بأن هذا الإناء الذي أمامك هو طاهر فهذا العلم تـفصيلي أيضاً .
وعلمك بأن بغداد عاصمة العراق أيضاً علم تـفصيلي . وعلمك بحرمة الزنا وشرب الخمر أيضاً تـفصيلي وعلمك بأن العراق في الوقت الحالي تحت سيطرة الاحتلال علم تفصيلي .
والعلم التـفصيلي هو هدف المجتهد ومن هنا عرف السيد محمد باقر الصدر(قدس) عملية الاستنباط أنها تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديداً أستدلالياً ))
ويدلنا على ذلك كلمة ((تحديد)) فهو تحديد للموقف العملي أي هو علم تـفصيلي بالموقف العملي وعملية الاستنباط بكلا نوعيها لو صح التعبير ينـتج منها تحديد الموقف العملي سواء كانت عملية الاستنباط القائمة على أساس الدليل أو عملية الاستنباط القائمة على أساس الأصل العملي …
2- العلم الإجمالي:– ويعرّفه السيد محمد باقر الصدر (قدس) في نـفس المصدر بأنه ( علم بالشيء غير محدد أو علم بنفي الشيء غير محدد ) وينبغي التمثيل بعدة أمثلة توضيحاً للمطلوب
فمثلاً لو أنك علمت بسفر أحد أخوتك ولكنك لا تعلم بالتحديد من الذي سافر هل هو زيد أم عمرو فهذا العلم علم إجمالي لأنه يتألف من علم بالجامع وهو السفر وجهل بالمسافر فإنك لا تستطيع أن تـنفي أو تـثبت المسافر من هو فلان أم فلان .
ومثال آخر وكما يعبرون في الفقه (( متحير القبلة )) أي الشخص الذي يجهل اتجاه القبلة فأنه يعلم إجمالاً باتجاها ولكنه لا يستطيع تحديدها لأن الاتجاهات محصورة وهي أربعة مع إن الاحتمالات هي أكثر من أربعة أي من ناحية نظرية ولكن حيث إن الإنسان يعلم بأن القبلة موجودة في الأرض وليس على سطح القمر فالذي يكون في الأرض تكون الاحتمالات لديه أربعة ..
مثال آخر لو أن لديك قدحان من الماء أحدهما نجس ولكنك لا تستطيع تحديد القدح النجس من الطاهر بسبب الاشتباه ولكنك تعلم بالنجاسة إجمالاً وتجهلها تـفصيلاً .. وكذلك الأمر بالنسبة لو كان هناك ثلاثة بيوت أحدهما مغصوب ولكنك لا تعلم أيهم المغصوب فأنك تعلم إجمالاً بالبيت المغصوب دون تحديده ..
فالعلم الإجمالي هو علم بالجامع وشك بالأطراف …
الشك : هو قسم من أقسام الجهل وفيه يتساوى النفي والإثبات أي نـفي الشيء وإثبات الشيء بحيث لا يوجد ترجيح طرف على الطرف الآخر والشك يمكن تقسيمه إلى قسمين ونوعين :-
الأول :- الشك المقترن بالعلم الإجمالي ، وهو شك في أطراف العلم الإجمالي . فـفي مثال السفر هناك طرفان للعلم الإجمالي وهو هل المسافر زيد أم المسافر عمرو ؟
مع إننا نعلم بالسفر وقوعاً ولكننا نشك بالمسافر فلو أخذنا أحد الأطراف في هذا المثال وليكن زيد نلاحظ أن نسبة سفر زيد إلى نسبة عدم سفره متساوية وحيث إن السفر هو الإثبات وعدم السفر هو النفي والنسبة بينهما هي التساوي فيكون هذا الطرف مشكوكاً ويسمى هذا الشك ( بالشك المقترن بالعلم الإجمالي أي إنه مرتبط بالعلم وليس مستـقل عنه وهناك خلاف بين علماء أصول الفقه في جريان أصالة البراءة في هذا النوع من الشك أي الشك المقترن بالعلم الإجمالي ..
الثـاني :- الشك الساذج (( الابتدائي أو البدوّي )) وهو شك غير مقترن بعلم الإجمالي وبعبارة أدق لا يوجد علم بالجامع أي إننا إذا جمعنا الأطراف ينتج علماً بالجامع ..
فالشك الساذج ليس علم وغير مقترن بعلم . فمثلاً عندما يحصل لنا شك بأن هذا الإناء هو طاهر أم نجس فهذا الشك ساذج لأنه لم ينشأ بسبب العلم بأحد الأطراف تحديداً ثم حصل الشك به وبالتالي أصبح علم إجمالي لأن العلم بالجامع موجود ولكن الشك حصل في أطراف العلم .
بعد أن تمّ توضيح وشرح هذه المصطلحات الثلاثة نحاول المقارنة بينهما بمقدار ما ينفعنا علمياً ..
نلاحظ إن العلم التـفصيلي يشترك مع العلم الإجمالي بالعلم ونلاحظ أيضاً أن العلم الإجمالي يشترك مع الشك بالشك .
ولكن لا يوجد اشتراك بين العلم التـفصيلي والشك بكلا نوعيه الساذج والمقترن بالعلم الإجمالي ..
فالعلم التـفصيلي علم وتحديد بينما الشك هو لا علم ولا تحديد . ومن هنا وبعد هذا التمهيد نستطيع أن ندخل في شرح مصطلح آخر من المصطلحات في الفقه والأصول وهو (( الشبهة )) الشبهة هي الشك بالشيء سواء كان ساذجاً أم غير ساذج وبالتالي يندرج العلم الإجمالي والشك الساذج في عنوان الشبهة فالشبهة معناها عدم التحديد أي أنها تقابل العلم التـفصيلي فأما شبهة وأما علم تفصيلي . فلا توجد شبهة في العلم التفصيلي إطلاقاً .
والشبهة مرتبطة بالشك بغض النظر عن نوعه ولذلك اندرج العلم الإجمالي تحت هذا العنوان لارتباط الشك به والشبهة بدورها تنـقسم إلى قسمـين من حيث متعلقها :-
1-شبهة موضوعية : وهي الشك في الموضوع مثاله الشك في القبلة والشك بالسائل هل هو ماء أم ماء ورد والشك في ثبوت الهلال والشك في الأعلمية وعدمها والشبهات الموضوعية ليس فيها تقليد ولكن قد تتـعلق الشبهة الموضوعية بأمر ونهي الولاية إذا تحققت مصلحة عامة أو مفسدة عامة من قبيل الشبهات التي تأخذ اهتمام المجتمع مثل الهلال وغيرها فيأمر بها الولي بعد ثبوت الهلال لديه من اجل حفظ المصالح العامة وتوحيد الصف .. ولكن القاعدة العامة في الشبهة الموضوعية هو عدم وجوب التـقليد ..
2- الشبهة الحكمية : وهو الشك في الحكم مثال ذلك الشك في صحة الصلاة وبطلانها والشك في الملكية وعدمها والشك في تحقق الزوجية وعدمها والشك في الطهارة وعدمها وكذلك الشك بالوجوب أو الإباحة وهكذا .. والشبهة الحكمية تواجه الفقيه والمجتهد بل إن من أهم وظائف المجتهد هو تحديد الحكم الشرعي أو تحديد الموقف العملي تجاه الشبهة الموضوعية فهي راجعة للمكلف نـفسه .
والشبهة بدورها من حيث تعدد الأطراف تنـقسم إلى
أ – الشبهة المحصورة: وهي الشبهة التي تكون محصورة الأطراف مثال ذلك متحير القبلة فأن الأطراف هي أربعة .
ب- الشبهة غير المحصورة : وهي شبهة تتعدد أطرفها بحيث تسقط أهميتها مثال ذلك البيت المغصوب من بين مائة بيت غير مغصوب مع أننا لا نستطيع تحديد هذا البيت من بين جميع البيوت فـتكون قيمة الاحتمال ضئيلة وهي 1% مع أن قيمة الشك تنـقسم على عدد الأطراف وفي الشك الساذج تصل إلى 50% وكذلك الأمر بالنسبة للعلم الإجمالي إذا كان ذو طرفين ..
وعلى ضوء ذلك كله نستطيع أن نـفهم الأصول العملية ومتى يكون دورها فاعلاً ومتى يلجأ إليها الفقيه فـعلى ضوء العلم التفصيلي والإجمالي وعلى ضوء الشك تـتنوع الأدلة والأصول العملية وبالتالي تخـتلف نتائج عملية الاستنباط فتارة تكون النتيجة هو العلم التـفصيلي بالحكم الشرعي وأخرى تكون وجوب الاحتياط أمام الشبهة أي اشتغال الذمة وأخرى تكون عدم وجوب الاحتياط أي البراءة وعدم الاشتـغال وهذا هو الذي يفسـر تنوع الإصطلاحات المستـعملة من قبل الفقهاء في رسائلهم العملية