الاجتهاد: كثيرا ما نسمع كلام من هنا وهناك حول مسألة الهلال وطرق تحديد بداية الشهور القمرية وفق نظريات ومباني علماء الطائفة -اعلى الله شأنها- لكننا اليوم نريد ان نعرض للموضوع من زاوية اخرى محددة وفق مبنى المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني دام ظله ونسعى ان نزيح الابهام والايهام حول هذا الموضوع بالذات.
لأن الكثير من المؤمنين يشتبه عليه الامر ويحتار كيف يوجه تأخر اعلان العيد من مكتب السيد السيستاني عن بقية المراجع العدول -حفظ الله الجميع- كما حدث في السنين الاخيرة
وسنتعرض ان شاء الله لأسباب ذلك بطريقة مبسطة وان كان هناك خللاً ما فأرجو من المؤمنين العذر فحسب كل امرؤٍ ان يعمل ما بوسعه وما التوفيق الا من عند الله سبحانه.
ثبوت الرؤية والاختلاف بين مراجع التقليد
ان الاختلاف في اعلان ثبوت بدايات الاشهر الهجرية راجع الى الاختلاف في المباني الفقهية بين الفقهاء وهذا لا محيص عنه في عصر الغيبة الكبرى عصر فقد امام الزمان عجّل الله فرجه , وينبغي ان لا يكون هذا الاختلاف مثيرا لأي مشكلة او تنابز من أي نوع كان, لأن هذا الاختلاف في شتى الفروع الفقهية فلا وجه بتخصيص مسألة الهلال بهذه الضجة التي نأمل من المؤمنين تجنبها على اي حال.
ان المباني الفقهية المعاصرة اليوم تنقسم الى التالي
الرؤية بالعين المجردة في بلد المكلف او البلاد القريبة التي تشترك معه في الافق بنحو لو رُأي الهلال في بلد المكلف فسَيُرى حتماً في البلاد القريبة المشتركة معه في الافق لولا المانع من الغبار او الغيوم. ويعتمد عليها اليوم سماحة المرجع الاعلى السيد السيستاني دام ظله فقط حسب تتبعي.
الرؤية بالعين المسلحة (التلسكوب) بنفس الشرط اعلاه وهذا الرأي هو المعتمد في البيان الرسمي في ايران اي المرجع السيد الخامنئي دام ظله.
الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع الراحل السيد الخوئي قدس سره والكثير من تلامذته في النجف الاشرف وقم المقدسة.
الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك بجزء معتبر من الليل وهذا مبنى المرجع الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله.
الرؤية بالعين المسلحة في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع السيد كاظم الحائري دام ظله.
الرؤية بالعين المسلحة (بالناظور لا التلسكوب) في اي بقاع العالم بشرط الاشتراك ولو بجزء بسيط من الليل وهذا مبنى المرجع السيد محمود الشاهرودي دام ظله حسب ما ينقل الاخوة الثقات.
الرؤية بالعين المجردة في القارات الثلاث او العالم القديم الذي كان تحت حكم الامام امير المؤمنين عليه السلام وهو مبنى المرجع السيد سعيد الحكيم.
الاعتماد على الحسابات الفلكية المورثة للعلم والتي توجب الاطمئنان وهكذا لو حصل هذا العلم بالأجهزة المتطورة (والمراد من العلم هو الطمأنينة التي لا يأبه العقلاء بخلافها) وهو مبنى المرجع السيد المدرسي وآخرين.
الرؤية بالعين المجردة في اي بقاع العالم وهذا مبنى المرجع الشيخ بشير النجفي دام ظله.
كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية: فقد ذهب عدد من الفقهاء إلى أنه إذا رؤي الهلال في بلد ما كفى في الحكم بثبوته في كل البلاد التي تقع غرب بلد الرؤية، ولكن لا يثبت الهلال في البلاد التي تقع شرق بلد الرؤية, وينبغي ملاحظة أن هذه المسألة تختلف عن مسألة اتحاد الأفق التي تطرقنا إليها سابقاً في بداية الموضوع.
لأن تلك المسألة لا يفرق فيها بين الشرق والغرب. والسيد السيستاني لا يرى قاعدة (كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية) على إطلاقها، بل يشترط لثبوت ذلك أن يتحد البلدان في خط العرض، ولا يتعدى الفارق بينهما درجة أو درجتين فقط.
هذه هي المباني الفقهية لكبار علماء الطائفة اعلى الله شأنها حسب تتبعي واذا كان هناك مبنى آخر فيرجى من الاخوة الكرام تزويدنا به وللعلم ان هذه المباني يقول بها اكثر من مرجع وانما ذكرنا بعض الاسماء رعاية للأختصار.
مبني المرجع الاعلى السيد السيستاني
ان سماحته ينفرد باشتراطه الرؤية بالعين المجردة اضافة الى اشتراطه الرؤية المحلية وان لكل بلد هلال خاص به اللهم الا ان يكون افق البلدين متحداً بأن تكون رؤية الهلال في البلد ملازمة لرؤيته في البلد الثاني الا بوجود مانع خارجي مثل الغيم او الغبار وغيرها.
ويربط سماحته بين النصوص الروائية بهذا الموضوع وما توصل اليه العلم الحديث من تكنلوجيا لكن ليس على اطلاقها بل يخصصها بما كان عن تفاصيل علمية لا تقبل الخطأ وهي محل اتفاق بين اهل الاختصاص من الفلكيين ولمزيد من التوضيح نقول ما يلي.
علم الفلك والسيد السيستاني
ان سماحة السيد السيستاني دام ظله يعتمد مبدأ الوسطية في الاعتماد على اقوال المختصين في علم الفلك وما يقوله الخبراء بهذا الخصوص ويفرق سماحته بين اقوالهم على نحوين:
الاول: يعتمد سماحته على اقوال الفلكيين التي تثبت ولادة الهلال (اقترانه) ووقت خروجه من المحاق وكذلك مقدار ارتفاعه عن الافق ونسبة القسم المنار الى اكبر قطر يبلغه قرص القمر ونحو ذلك من التفاصيل, وبالجملة الاعتماد على اخبارات الفلكيين ما دامت تعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخلله الاجتهاد والحدس الشخصي، ولا يحدث كما هو الظاهر اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم.
الثاني: لا يعتمد سماحته على اقوال اهل الفلك اذا كانت من قبيل ما يخضع للحدس والاجتهاد وتعتمد التجربة والممارسة، كقولهم أن الهلال لا يكون قابلاً للرؤية إلا إذا كان بارتفاع 6 درجات فوق الأفق أو بعمر 22 ساعة أو ببُعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك من الاقوال، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف ويقل التوافق بين المختصين بعلم الفلك.
والنتيجة ان الاخبار عن رؤية الهلال اذا كانت تخالف النحو الاول لها حكم شرعي واذا كانت تخالف النحو الثاني لها حكم شرعي آخر بالتفصيل الاتي الوارد في استفتاء منشور في موقع السيد المرجع ذو الرقم 2 جاء فيه:
يحكى عن سيدّنا المرجع (دام ظلّه) أنه لا يأخذ أحياناً بشهادات الشهود على رؤية الهلال إذا خالفت إخبار الفلكيين بعدم قابليته للرؤية مع أن الشهادات حسّية والإخبار حدسي فما الوجه في ذلك؟
الجواب: إن إخبار الفلكيين على قسمين
1ـ ما يعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخلله الاجتهاد والحدس الشخصي كإخبارهم عن زمان ولادة الهلال ووقت خروجه من المحاق ومقدار ارتفاعه فوق الأفق ونسبة القسم المنار إلى اكبر قطر يبلغه القرص ونحو ذلك، ولا يحدث عادةً اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم، نعم ربما يخطأ بعضهم في المحاسبة.
2 ـ ما يخضع للحدس والاجتهاد ويعتمد التجربة والممارسة، كقول بعضهم أن الهلال لا يكون قابلاً للرؤية إلا إذا كان بارتفاع 6 درجات فوق الأفق أو بعمر 22 ساعة أو ببُعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف في وجهات النظر.
فإذا كانت شهادات الشهود على رؤية الهلال مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الأول يحصل عادة العلم أو الاطمئنان بخطأ الشهادة إذا اخبروا وفق حسابات دقيقة أن الهلال بعدُ في المحاق أو أنه قد غرب قبل غروب الشمس ومع ذلك شهد اثنان أو أزيد برؤيته!
وأما إذا كانت الشهادات مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الثاني فربما يحصل الاطمئنان بخطأ الشهادات ـ بتجميع القرائن والشواهد ـ و ربما لا يحصل الاطمئنان بذلك، وإن لم يحصل وكان من ضمن الشهود عدلان تتوفر في شهادتهما شروط الحجيّة لزم العمل بمقتضاها ولا أثر للظن بخلافها.
وبالجملة: إن من شروط حجّية البيّنة (شهادة العدلين) على رؤية الهلال هو عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها، فإن حصل العلم أو الاطمئنان بذلك ولو من إخبار الفلكي ــ مثلاً ــ بكون الهلال بعدُ في المحاق أو بكونه بعدُ رفيعاً جدّاً بحيث لم ير مثله بالعين المجرّدة من قبل فلا عبرة بالبيّنة، و إلا يؤخذ بها ولا أثر لإخبار الفلكي(2).
وهذا امر مهم جدا فان قال اهل الفلك بان القمر مثلا يغرب قبل الشمس هذه الليلة وادعى الرؤية عادلان فعند السيد المرجع لا عبرة بشهادة هذان العادلان لوقوعهما فريسة الوهم والخطأ على اقل تقدير.
مسألتان مهمتان:
في المسألتين ادناه وجوابهما تتضح جملة من الاشكالات لذا نرجو من الاخوة مراجعتهما بشيء من التأمل والدقة.
المسألة الاولى: احيانا تنبعث شهادات منفردة برؤية الهلال من اشخاص موثقين من بلاد متقاربة في الافق , وهي بمجموعها تشكل رقما كبيرا – كثلاثين شهادة – ومع ذلك يلاحظ ان سيدنا المرجع (دام ظله) لا يأخذ بها ولا يعتمدها في ثبوت اول الشهر , فما هو الوجه في ذلك؟
الجواب: مورد عدم الاخذ بها هو ما أذا استهل في كل بلد جمع من الناس ولم يدعي الرؤية الا نفر قليل منهم وفي الباقين من يماثلونهم في معرفة مكان الهلال وحدة البصر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل ان يكون مانعا من رؤية الآخرين ,فان في مثل هذه الحالة لا يعتد بدعاوى الرؤية كما يستفاد ذلك من عددٍ من النصوص:
1) معتبرة ابي ايوب إبراهيم بن عثمان الخزاز عن الصادق عليه السلام: قلت له: كم يجزئ في رؤية الهلال ؟ فقال: ” إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدة فيقول واحد: رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، وإذا رآه مائة رآه ألف..(7).
2) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية، والرؤية ليس ان يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا هو، وينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة والف.. (8).
3) موثقة عبد الله بن بكير بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صم للرؤية وأفطر للرؤية، وليس رؤية الهلال ان يجئ الرجل والرجلان فيقولان رأينا، إنما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدقت(9).
فيلاحظ تأكيد الامام عليه السلام في هذه النصوص على عدم الاعتداد بدعوى رؤية الهلال من واحد أو أثنين في ضمن جمع من المستهلين , ومحمله هو ما تقدم من توفر فرص مماثلة للآخرين لرؤية الهلال لو كان موجوداً في الافق وفي هذه الحالة يغلب ابتناء دعاوى الرؤية على الخطأ في الحس وتوهم ما ليس بهلال هلالاً, كما ثبت ذلك في وقائع كثيرة (10).
المسألة الثانية: لماذا لم يثبت هلال العيد عند سيدنا المرجع دام ظله في ليلة الاثنين من عامنا هذا (1419) على الرغم من:
اولا: توفر شهادات على رؤية الهلال في تلك الليلة من قبل جمع من المؤمنين الثقات بل العدول وعدم تحقق شهادات معاكسة لشهادتهم لوجود بعض العوائق الطبيعية مثل الغيم والضباب في مختلف المناطق مما يحتمل ان تكون هي المانع من رؤية الآخرين؟
ثانيا: الاعلان عن ثبوت رؤية الهلال عند بعض العلماء في ايران استناداً الى شهادة جمع من المؤمنين في مناطق مختلف فيها وافطار معظم الشعب الايراني على هذا الاساس , وايران تقع في شرق العراق ورؤية الهلال فيها ملازمة لرؤية الهلال في العراق لولا المانع من غيم ونحوه, وهكذا الامر بالنسبة الى سائر الدول الاسلامية التي هي الاخرى اعلنت الاثنين اول ايام عيد الفطر؟
الجواب: ان سماحة السيد (دام ظله) كان متأكدا من ان هلال شوال لا يمكن أن يكون قابلاً للرؤية في ليلة الاثنين وأن كل الذين شهدوا برؤيته في تلك الليلة قد وقعوا – على احسن تقدير – فريسة الخطأ في الحس فتوهموا ما ليس بهلالٍ هلالاً كما يقع كثيراً والوجه في ذلك أمران:
ومن الواضح لكل من له المام بطريقة عمل الفلكيين أن اخبارهم عن موعد ولادة الهلال لا يبتني على الحدس والتخمين ولا يخضع للاجتهادات الشخصية ليقال انه لا عبرة بالخبر الحدسي في مقابل الشهادات الحسية بالرؤية , بل انه يعتمد على محاسبات رياضية بحتة ولا يحتمل تعرضها للخطأ الا بنسبة 001% ومقدار الخطأ المحتمل لا يتجاوز الدقيقة الواحدة!!
الامر الثاني: انه لم يمكن رؤية الهلال في ليلة السبت بالأدوات المقربة والرصد المركّز كما اعلنت ذلك مراصد معروفة كالمركز الفلكي البريطاني والمركز الفلكي المصري وهكذا عشرات الذين راقبوا الهلال من خلال مراصدهم الخاصة ,فكيف يحتمل انه قد تيسّر لجمع من (الثقات أو العدول) أن يروا بأعينهم المجردة ما عجز الرصد العلمي عن رؤيته!!.
فلهذين الامرين البيّنين كان سماحة السيد دام ظله متيقنا من عدم احتمال رؤية الهلال في ليلة السبت , وقد تأكد ذلك بما لا يقبل الجدل ليلة الثلاثاء حيث كان الجو صافياً في مناطق كثيرة في العراق ومنها النجف وكربلاء وبغداد والحلة واستهل عشرات الآلاف من الناس ولم يتمكن 99% من المستهلين ان يروا الهلال!! وبعض من رآه استعان في ذلك بالمنظار وأما بدونه فلم يكن قادراً على رؤيته!.
فواعجباه كيف يكون الهلال ابن ليلتين ولا يراه الا نفر معدود ولا يرى الا كخيط ضعيف مثل الشعرة الواحدة ؟! بل كيف يكون الشهر السابق تاماً ولا يرى هلال هذا الشهر الا ضعيفاً في غاية الدقة ولا يتسنى لمعظم الناس رؤيته؟!!
والحاصل ان الذي منع سماحة السيد دام ظله من الاعتماد على شهادة المدّعين في ليلةالسبت هو ما تقدم , واما من ثبت لديهم رؤية الهلال في تلك الليلة هنا وهناك فعذرهم في ذلك توفر عدد من الشهادات على رؤيته مع عدم التفاتهم الى مخالفتها للثوابت الفلكية او توهم انها محاسبات اجتهادية تعتمد الظن والحدس فلا يعتنى بها في مقابل الشهادات الحسية.
خلاصة البحث:
اتضح جيدا مبنى سماحة السيد المرجع الاعلى دام ظله وسنلخصه على شكل نقاط مركزة:
اولا: سماحته يشترط ان تكون الرؤية بالعين المجردة وفي بلد المكلف او البلاد القريبة المشتركة معه في الافق التي لو رُأي الهلال في احدها حتماً وجزماً يُرى في الثاني مع عدم وجود مانع ما.
ثانيا: سماحته لا يرى قاعدة (كفاية رؤية الهلال في البلاد الشرقية لثبوته في البلاد الغربية) على إطلاقها، بل يشترط لثبوت ذلك أن يتحد البلدان في خط العرض، ولا يتعدى الفارق بينهما درجة أو درجتين فقط فلاحظ ذلك جيداً.
ثالثا: سماحته يرتضي شهادة الشهود العدول أو الثقات بشرط عدم تعارضها مع اقوال الفلكيين المجمع عليها من قبيل ولادة الهلال وغروبه بعد غروب الشمس ونحو ذلك التي لا تحتمل الخطأ نهائيا الا بنسب لا تكاد تذكر ولا يعتنى بها اصلا.
رابعا: سماحته يرتضي شهادة الشهود العدول أو الثقات بشرط عدم ابتلائها بالتعارض الحكمي الذي اوضحناه والا فلا اعتبار لها عنده دام ظله.
خاتمة البحث:
وفي الختام بودي ان أشير الى مجموعة ملاحظات مهمة الى جميع اخواني في الله سبحانه:
الملاحظة الاولى: اقول بعد التوكل على الله انه يجب على المهتمين بمسألة الهلال ولمساعدة الناس في تحديد البداية و النهاية الصحيحة للشهر إعتماداً على القواعد الشرعية ينبغي من المتصدين توضيح هذين العاملين للناس حتى يبتعدوا عن الإختلاف ويصبح عندهم طمأنينة في إثبات بداية ونهاية الشهر وهذان العاملان هما:
العامل الاول: لما كانت عملية تعين بداية الشهر تعتمد على الاساس بمبدأ الرؤية بالعين المجردة لذا يجب تشجيع الناس على الأستهلال ومساعدتهم في تحديد الزوايا أو الإتجاهات التي سيظهر فيها الهلال، ويجب ايضا على اخواني المؤمنين بمعية رجال الدين والمثقفين الكرام احياء سنة الاستهلال للشهر القمري وفيه دعاء مروي باحاديث عديدة وبصيغ مختلفة ما يدل على تركيز الائمة عليهم السلام على موضوع تحري الهلال.
ويمكن الأخذ بنصائح الفلكيين في مسألة تحديد يوم الولادة وساعتها ومن ثم معرفة إمكانية الرؤية من عدمها وبعدها تحديد الإتجاهات والوقت الذي سيظهر فيه الهلال، بعد هذا التنسيق ما بين نصائح الفلكيين و المهتمين بمشاهدة الهلال سوف تسهل عملية رؤية الهلال كثيراً.
العامل الثاني: وهو أراء الفقهاء من ناحية المباني الفقهية التي يعتمدون عليها في حجية الرؤية في منطقة معينة للمنطقة الأخرى(كوحدة الأفق أو حجية الشرق على الغرب أو تعدد الأفاق)، وهذه النقطة مهمة جداً ويجب على المكلف فهم مبنى مرجعه في التقليد بصورة شفافة وواضحة حتى لا يقع فريسة الخطأ والوهم،
ولكن يحتاج الناس توضيح أكثر لهذه النقطة من ناحية رأي مرجعهم في هذا الأمر، وبعد فهم الناس لهذه النقطة بشكل وافي ودقيق عندها يصبح الأمر أكثر وضوحاً وسهلاً لأكثر الناس، عندها لا يحدث أي إشكال أو إختلاف في مسألة تحديد بداية الشهر لأنهم سوف يطمأنون من ناحية الرؤية التي تساعدها نصائح الفلكيين وفي نفس الوقت الرأي الفقهي عندهم واضح من ناحية حجية المناطق التي شاهدوا فيها الهلال.
الملاحظة الثانية: نتمنى كذلك في الجهة المقابلة من السادة والمشايخ الوكلاء ومكاتب المرجعيات ان يهتموا بالتثقيف بهذا الجانب وان يذكروا مستندهم لأثبات بداية الاشهر القمرية حتى يستطيع المكلف تطبيق فتوى مرجعه وهل تتطابق مع بيان مرجع من المرجعيات لكي يستطيع العمل وفق بيانه
لان تحديد المصداق لا يكون جزما محصورا بمرجع التقليد بل اكثر الموضوعات الخارجية اليوم ملقاة على عاتق المكلف فهو من يحدد مصاديقها والهلال من بينها طبعا فمن الطبيعي مثلا اذا رأى المكلف الهلال بأمِ عينيه وكان من المحتمل رؤية الهلال بالعين المجردة فلكياً ولم يثبت عند مرجعه هلال العيد فما حكم المكلف الذي رأى الهلال؟ طبعا حكمه الافطار.
او على الاقل يكون المكلف مطمئناً بأن المرجع الفلاني ثبت عنده العيد حسب المبنى الفقهي الفلاني وبذلك تكون الصورة واضحة وشفافة عند الجميع وتنتهي الاشكالات والاقاويل عندئذٍ.
الملاحظة الثالثة: يجب تحلي جميع المؤمنين بأخلاق آل محمدٍ عليهم السلام وضرورة التحلي بمسألة قبول الرأي الآخر فبنظري القاصر ان تعدد المرجعيات الدينية لا يضر ابدا على وحدة المؤمنين –وفقهم الله- بل بالعكس يزيد من وحدتهم كما نراه واضحا في الاعصار السابقة التي كانت خالية من التدخلات الاجنبية التي تسعى وبكل قوة الى فك هذا الارتباط الروحي بين الناس وبين مراجعهم.
نعم يجب على المؤمنين ان يميزوا بين الحق وبين الباطل فوصف الامام عليه السلام دقيق جداً (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)(12).
الملاحظة الرابعة: ان شبهة ان مقلدي المرجع الفلاني قد صاموا عيدهم او لم يصوموا شهر رمضان وارتكبوا المعصية غير صحيحة وغير واردة اطلاقاً لسبب بسيط وواضح وهو أن حرمة صوم يوم العيد إنما هي حرمة تشريعية لا ذاتية أي إن من يعلم أنه يوم عيد ويصومه بداعي كونه مأموراً به يرتكب الحرام وأمّا من لا يعلم أنه يوم عيد فلو صامه لا يكون مرتكباً للحرام واقعاً وهذا ما افتى به المرجع الاعلى دام ظله في النقطة الثانية من الاستفتاء المرقم 18 فراجع (13).
وأخيرا اقول لا بد للمؤمنين ان يتفقهوا في دينهم وان لا يركزوا بنحو مفرط على قضية الهلال كونها مسألة حالها حال المسائل الفقهية الاخرى نعم انها مهمة لأنها تحدد شهر الصيام وشهر الحج والكثير من العبادات لكن عند التفقه فيها ومعرفة مباني مرجع التقليد فيها ستذوب الكثير من الاشكاليات وتصبح المسألة عادية جدا وواضحة.
هذا هو مبنى سماحة المرجع الاعلى الامام السيستاني دام ظله من نواحٍ عدة واعتقد انه اصبح واضحاً وهذا ما نتمناه والا فالعذر منكم اخواني المؤمنين.
شكرآ لجهودكم
حياكم الله