الاجتهاد: إنّ من أجلى وأظهر الأهداف الإلهية في الخلق هو معرفة المخلوق لخالقه والاعتراف به والخلوص له بوحدانيته وعدم الشرك به وشكره على ما أسبغ عليه من النعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى،
وبعدها يتّبع الإنسان التوجيهات الإلهية والتكاليف السماوية التي من شأنها تحقيق العدالة الإجتماعية، والمساواة بين الناس فيما ينبغي التساوي فيه من الحقوق والواجبات، لينعم الإنسان براحة البال، وهدوء الخاطر وليحيا حياة طيبة سعيدة ينشر فيها الحب والتكافل والرحمة والسلام، ليكونوا سواسية كأسنان المشط الفقراء والأغنياء والوجهاء والضعفاء وسائر الطبقات والشرائح والأطياف، فلا يعتدي أحدٌ على أحدٍ ولا يظلم أحدٌ أحداً.
ولكن عندما يستفحل الظلم والبغي والخيانة والفساد الأخلاقي والسياسي والإقتصادي، ولا تنتهي الناس عن غيّهم وفسادهم ولا يرتدعون عن ظلمهم للآخرين وهضمهم لحقوق الضعفاء، فإنه قد لا يتيسّر للانسان أن يرعوي عن ظلمه وغيه في حالة الرجاء، فلا بد عندئذٍ من البلاء علّهم يرجعون، فيُنزل اللهُ البلاء وإذا نزل عمّ وشاع، سواءٌ أكان للظالمين أو للمظلومين وللمستكبرين أو المستضعفين.
فأمّا الظالم والمستكبر فالهدف من ابتلائه واضح، وأمّا المظلومون والمستضعفون فلركونهم إلى الذين ظلموا فتمسّهم النار. ونار الله في الدنيا ابتلاء الخلق بشيء من الخوف والجوع و”نقص من الأموال والأنفس والثمرات …” لعلهم يحذرون.
وعودٌ على بدء في عنوان الموضوع، فإنه قد “ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس لِيُذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
ومن هنا نرى أنّ في الابتلاءات وإن كان ظاهرها النقمة إلاّ أنّ باطنها فيه الرحمة والنعمة، ومنها:
- الرجوع إلى الله تعالى بالتّضرّع والصلاة والدعاء، وإلى وصاياه والكفّ عن الفساد، فإنّ جرثومة حقيرة تكاد لا تُرى بالعين المجرّدة قد جرّدت الجبابرة وأدعياء العظمة وقوّة التطور الميكانيكي والمعلوماتي في الطبّ وغيره عن مظاهر الاستكبار والتحدّي للعظمة الإلهية، ليجدوا أنفسهم ضعافاً لا يلوون على شيء أمام أحقر الجراثيم خسّة وضعفاً.
- دفع الناس بجانبها الحسن نحو الاعتقاد بإحدى المظاهر الإلهية في يوم القيامة “يوم يفرّ المرء من أخيه وأمّه وبنيه و…”.
- التوقف عن ارتياد مجالس الفسق والفجور والمجون وسائر وجوه الفساد من مجالس القمار والزنا وشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير خوفاً من انتشار الجراثيم فيها والاقتصار على الطعام النظيف النقيّ.
- التجاء الناس للاهتمام بالنظافة والتعقيم والطهارة وهذا ما دعى اليه الله تعالى.
- فرض واقع الحال في المساواة بين الأغنياء والفقراء في الهمّ والمصيبة والبلاء، حيث لا ينفع مال الأثرياء في هكذا ابتلاء، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ منْ أتى الله بقلب سليم.
- كبح جماح الشهوة والتفلّت الأخلاقي ورجوع أفراد الأسرة إلى الإجتماع والتعرّف على بعضهم بعضًا بعد التّشتّت والفرقة، لاصلاح الخلل والتوجه نحو بناء غدٍ أفضل.
- انبعاث روح التكافل والتعاضد والتضامن بين أفراد المجتمع وبه يتماثل الناس للشفاء من روح التباعد والتباغض والشحناء.
وغيرها الكثير من الوجه الآخر لهذا البلاء مما تكثر فوائده، وتتجلى أنعم الله على خلقه.