الكاظم

الكاظم.. خلق ومنهجية وسياسة / سماحة الشيخ حسن الصفار

الاجتهاد: يصادف الخامس والعشرون من شهر رجب ذكرى شهادة الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) التي كانت سنة 183 ﻫ، وهو في الخامسة والخمسين من عمره. والإمام موسى الكاظم هو السابع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ولد سنة 128 ﻫ، أواخر الدولة الأموية، التي انهارت سنة 132 ﻫ على أيدي العباسيين.

نشأ وتربى في ظل أبيه الإمام جعفر الصادق، الذي أتاحت له الظروف آنذاك القيام بحركة علمية كبيرة، مستثمراً ضعف الدولة الأموية الآفلة، والدولة العباسية الناشئة، فاهتم بتربية الكفاءات العلمية في مختلف التخصصات، حتى بلغ عدد تلامذته والرواة عنه أربعة آلاف، حسبما ذكر العديد من المؤرخين.

قال ابن حجر: نقل الناس عنه (الإمام جعفر) من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمة الأكابر، كيحيى بن سعيد، وابن جريج، والسفيانين، وأبي حنيفة، وشعبه، وأيوب السختياني(1).

في هذه الأجواء العلمية عاش الإمام موسى مع أبيه الإمام جعفر عشرين سنة، حيث التحق الإمام الصادق بالرفيق الأعلى سنة 148 ﻫ، فآلت إليه زعامة البيت النبوي، والإمامة الدينية. وتحمل أعباءها لمدة خمسة وثلاثين عاماً.

بالطبع لم تعد الظروف مهيأة ومناسبة كما كانت في عهد أبيه الإمام جعفر، بل واجهته المتاعب والضغوط من قبل الحكم العباسي، الذي توطدت أركانه، إلاّ أنه واصل القيام بمسؤولياته الدينية والعلمية إلى أقصى حدٍّ تسمح به الظروف، وبلغ عدد من ذكره المؤرخون من تلامذته والراوين عنه 319 شخصاً، أثبت أسماءهم وترجماتهم الباحث القرشي في كتابه عن الإمام موسى بن جعفر .(عليهما السلام)(2)

الكاظم

من الطبيعي أن يتصف الإمام موسى بمختلف صفات الفضل والكمال، فهو من أهل بيت قد أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وقد تحدث معاصروه، ومن قرأ سيرته من العلماء والمؤرخين، عما تجسّده شخصيته من مثل عليا، وقيم سامية، حتى أصبحت بعض مكارم أخلاقه لقباً له، وعلماً عليه.

يقول ابن الجوزي في صفة الصفوة: «موسى بن جعفر (عليهما السلام)، كان يدعى العبد الصالح، وكان حليماً كريماً، إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال.(3)

ومن أشهر ألقابه التي يعرف بها: الكاظم. قال ابن حجر الهيتمي: «موسى الكاظم: وهو وارثه (الإمام جعفر الصادق) علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللّه، وكان أعبد أهل زمانه، أعلمهم وأسخاهم .(4)

وقال ابن الأثير: «إنه عرف بهذا اللقب لصبره، ودماثة خلقه، ومقابلته الشر بالإحسان .(5)»

كظم الغيظ

كظم الغيظ صفة أخلاقية مهمَّة تحدث عنها القرآن الكريم: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللّهُ بُحب الُْمحسِنِينَ(6).

والكظم لغة مصدر قولهم: كَظَمَ يَكظِمُ تدل على معنى الإمساك والجمع للشيء، ومن ذلك الكظم للغيظ الذي يعني: اجتراع الغيظ والإمساك عن إبدائه، وكأنه يجمعه الكاظم في نفسه.

والغيظ لغة مصدر قولهم: غَاظَه يَغيظُه. جاء في لسان العرب: الغيظ: الغضب، وقيل هو أشد منه، وقيل: هو سَورَتُه وأوله.

أما اصطلاحاً فقال الطبري في تفسيره: الكاظمين الغيظ: يعني الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه. يقال: كظم فلان غيظه، إذا تجرعه فحفظ نفسه أن ضُمتي ما هي قادرة على إمضائه، باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها.

فحينما يواجه الإنسان إساءة تزعجه، أو تصرفاً يؤذيه أذى بالغاً من جهة ما، فينفعل نفسياً، ويمتلأ قلبه ألماً وغضباً، لكنه يسيطر على انفعالاته، ويكتم مشاعره الثائرة، فلا يبدي ولا يظهر أي ردِّ فعل انتقامي، بل ولا ينعكس غضبه حتى على قسمات وجهه، أو ألفاظ لسانه. هذا المستوى من الإرادة والتحكم وضبط الأعصاب، يطلق عليه كظم الغيظ.

ولا يصل الإنسان إلى هذه القمة الأخلاقية السامقة، إلا بدرجة متقدمة من الوعي، والنضج والتهذيب النفسي. حيث إن الطبيعة الأولية للإنسان تستجيب للمثيرات، وتندفع للانتقام، وتقع تحت تأثير الغضب والانفعال.

لذلك استحق الكاظم لغيظه من اللّه تعالى الثواب العظيم والتقدير الكبير، جاء في الحديث عن ابن عمر عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: من كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ اللّه قلبه رجاءً يوم القيامة.

وفي حديث آخر عن ابن عمر أيضاً عنه  أنه قال: ما من جرعة أعظم أجراً عند اللّه من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه اللّه(7).

إن كظم الغيظ يدل على قوة الإرادة، وقدرة السيطرة على النفس، وتلك أهم من قوة العضلات، وهذا ما يؤكده الحديث الوارد عن أنس قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بقوم يصطرعون، فقال: ما هذا؟ قالوا: فلان ما يصارع أحداً إلا صرعه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أفلا أدلكم على من هو أشدّ منه؟ رجل كلمه رجل فكظم غيظه، فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه(8).

وكظم الغيظ لا يتحقق من قبل الإنسان الضعيف أو الجبان،الذي لا يمتلك قوة الردّ، ولا شجاعة المواجهة، وإنما يصدق من المقتدر الجريء، الذي يقرر باختياره عدم الاستجابة للانفعال، مع قدرته على ذلك، وهذا ما تشير إليه النصوص الواردة: «لو شاء أن يمضيه أمضاه .»

إن من يُساءُ إليه، ويعتدي على شيء من حقوقه، فينزعج ويُستفز ويغضب وهو يملك شجاعة المجابهة، لكنه يقرر لجم غضبه، وكبح جماح غيظه، لهدف أسمى، ومصلحة أهم، فهو الذي يتصف بهذه الصفة العظيمة: كظم الغيظ، وهو المستحق لثواب اللّه تعالى وثنائه، والجدير بالتقدير والإكبار.

الكاظم في أخلاقه

لقد جسد الإمام موسى بن جعفر هذا الخلق الرفيع في سيرته وحياته، حتى أصبح لقباً له مصاحباً لاسمه، ويذكر المؤرخون العديد من الشواهد والمواقف، التي ضرب الإمام موسى بن جعفر فيها أروع الأمثلة والنماذج على كظم الغيظ، في تعامله الشخصي مع الآخرين، وكانت نتيجة ذلك التعامل في الغالب التأثير في أولئك المسيئين وتحويلهم إلى محبين.

رووا أن شخصاً كان يسيء للإمام، ويكيل السب والشتم لجدِّه أمير المؤمنين E، وحول الإمام أنصار وأتباع متفانون في الدفاع عنه، فأرادوا الانتقام من هذا الرجل بتصفيته واغتياله، فنهاهم الإمام عن ذلك، وكان يتحمل الإساءات المتكررة من ذلك الرجل،

وذات يوم سأل الإمام عن مكانه، فقيل: إنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب الإمام بغلته، ومضى إليه، فوجده في مزرعته، فأقبل نحوه، فصاح الرجل: لا تطأ زرعنا. وانتهى الإمام إليه، وجلس إلى جنبه، وأخذ يلاطفه، ويحدثه بأطيب الحديث، ثم قال له بلطف ولين: كم غرمت في زرعك هذا؟

قال الرجل: مئة دينار، فسأله الإمام: كم ترجو أن تصيب منه؟، قال الرجل: أنا لا أعلم الغيب ، فقال الإمام: إنما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟، قال الرجل: أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار. فأعطاه الإمام ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله(9).

بعد هذه الحادثة تغ موقف الجل من الإمام، وأدرك أنه لا مبرر لحقده وسوء تعامله مع الإمام، فصار يبدي الاحترام والتقدير للإمام كلما التقاه.

في أول اعتقال للإمام الكاظم من قبل الخليفة هارون الرشيد سنة 179 ﻫ حمل الإمام من المدينة إلى البصرة، وأودع في السجن، تحت إشراف عيسى بن أبي جعفر، الذي كان بحسب وظيفته، وأوامر السلطة، يضيّق على الإمام في سجنه، لكن تعامل الإمام معه بلطف وإحسان، وما رآه من سيرة الإمام، وصدق أحاديثه وتوجيهاته، ولمدة سنة كاملة أوجدت تحولاً في موقفه فأصبح يظهر للإمام كل احترام وتقدير،

وأخيراً اعتذر للخليفة هارون الرشيد عن تنفيذ مهمة اغتيال الإمام أو الاستمرار في سجنه، وكتب الرسالة التالية:

«يا أمير المؤمنين، كتبت إليَّ في هذا الرجل، وقد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عيناً عليه، فلم يكن منه سوء قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلا بخير، ولا دعا قط على أمير المؤمنين، ولا على أحد من الناس، ولا يدعو إلا بالمغفرة والرحمة له ولجميع المسلمين مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة، فإن رأى أمير المؤمنين أن يعِفيني من أمره، أو ينفذ من يتسلمه مني وإلا سرحت سبيله، فإني منه في غاية الحرج (10).

وتكرر مثل هذا الأمر حينما اعتقل الإمام للمرة الأخيرة في سجن السندي بن شاهك في بغداد، الذي عانى الإمام فيه الكثير من الأذى والتنكيل، لكن ذلك لم ينعكس على تعامله مع المحترفين لإيذائه، وكان حدهم يقال له بشار، وهو مولى لمسؤول السجن السندي بن شاهك،

وكان بشار هذا من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب، وكان يبالغ في إيذاء الإمام، لكن الإمام كان يتحمل إساءاته وتنكيله دون أن يقابله حتى بلفظة نابية، أو نظرة قا سية، وبعد فترة من الزمن تغيرّت شخصية بشار، وأصبح من المحبين والموالين للإمام(11).

هكذا كان الإمام يكظم غيظه، وينطوي على الأمة، في تعامله مع الأشخاص المسيئين إليه.

الكاظم في منهجيته

يبدو لي أن السبب الأهم لإطلاق لقب الكاظم على الإمام موسى بن جعفر، والتفسير الأدق يكمن في طبيعة المنهجية التي اتسمت بها سيرة الإمام، وطريقة تعامله مع الظروف السياسية التي أحاطت به.

فقد تحمل أعباء الإمامة لخط أهل البيت (عليهم السلام) في ظروف بالغة الحساسية والصعوبة، حيث تركزت السلطة في أيدي العباسيين، وكانوا في أوج قوتهم السياسية والاقتصادية، حتى اشتهر عن هارون الرشيد مخاطبته للسحاب:

«اذهبي إلى حيث شئت يأتيني خراجك »

وأصبحت عاصمتهم (بغداد) عروس الدنيا، بثرواتها وقصورها وحدائقها، ونقل ابن خلدون في مقدمته أن المحمول إلى بيت المال في أيام الرشيد بلغ 7500 قنطاراً في كل سنة. لقد دانت لهم البلاد، وخضع لهم العباد.

من جانب آخر، فإن العلاقة بين الحكم العباسي والعلويين كانت متوترة متشنجة؛ لأن العلويين كانوا شركاء العباسيين في الثورة على الحكم الأموي، بل كانت الشعارات والدعوة باسمهم، وكانوا هم المرشحين لاستلام الحكم، بموجب مؤتمر (الأبواء) الذي اجتمع فيه زعماء هاشميون من علويين وعباسيين، وتداولوا أمر الدعوة، وإسقاط الحكم الأموي، واتفقوا على مبايعة محمد بن عبد اللّه بن الحسن،

وممن تقدم لمبايعته السفاح وأبو جعفر المنصور اللذان تولَّيا السلطة فيما بعد، وتجاوز العباسيون العلويين وتجاهلوهم وانفردوا بالحكم، فأوجد ذلك غضباً وانزعاجاً في أوساط العلويين، وأدرك العباسيون ذلك، فأصبحوا حذرين من العلويين، يتوقعون منهم ردّ فعل مناوئ،

ولتوقي أية مضاعفات محتملة من قبل العلويين تجاه الحكم العباسي، بدأ العباسيون حملة من الضغوط والتضييق على منافسيهم وأبناء عمهم العلويين، أعادت إلى الذاكرة العلوية مآسي الحكم الأموي، وفي بعض الأحيان كانت ضغوط العباسيين أشد وأقسى، حتى قال الشاعر:

تاللّه ما فعلت أمية فيهم      معشار ما فعلت بنو العباس

نتيجة لهذا الواقع ولهذه الضغوط تفجرّت بعض الثورات من قبل العلويين، كثورة محمد بن عبد اللّه بن الحسن، وثورة أخيه إبراهيم، في عهد المنصور، وثورة فخ الشهيرة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، في عهد موسى الهادي.

ورغم أن الإمام موسى بن جعفر لم يشارك في أي من ثورات العلويين وانتفاضاتهم، لكن السلطة العباسية كانت حذرة قلقة من وجوده، لما يمثله من موقعية روحية دينية، ليس عند العلويين قط وإنما في أوساط جماهير الأمة بشكل عام.

خط أهل البيت: تقدم ونمو

بعدما عاشت الأمة مظالم العهد الأموي، وتكشفت لها نيات الحكم العباسي، وأنهم طلاب سلطة، وليسوا حملة رسالة، اتجهت الأنظار أكثر إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، باعتبارهم الأمل في تصحيح واقع الأمة وإنقاذها.

ونتيجة للنهضة الفكرية الثقافية الواسعة التي قادها الإمامان الباقر والصادق، فترة انشغال العباسيين بالأمويين، انتشرت المفاهيم والمعارف التي تتبناها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والتي تمثل مبادئ الإسلام الحقة، ومناهجه الأصيلة، المنبثقة من الكتاب والسنة، والنقية من الأهواء والتأثيرات السياسية والمصلحية.

كما أن التميز الواضح في شخصيات أئمة أهل البيت علماً وتقوى وأخلاقاً، جعل أفئدة الناس تهوي إليهم.
لكل هذه الأسباب كان خط أهل البيت في تقدم ونمو مطَّرد، وخاصة في عهد الإمام موسى بن جعفر(عليهما السلام)،

حتى وصل بعض الموالين لأهل البيت إلى مناصب ومواقع حساسة في جهاز الدولة، نتيجة لكفاءتهم المتميزة، ولتشجيع الإمام موسى لهم، بأن يتحملوا ظروف الحكم وأجواء الحاكمين، من أجل أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه من المصالح العامة، وأن يصححوا ما يمكن تصحيحه من القرارات والإجراءات، وأن يكونوا عوناً للضعفاء والمؤمنين.

فمثلاً علي بن يقطين أصبح وزير الحكم في عهد المهدي ثم في عهد هارون الرشيد، وتشير بعض الروايات إلى أن الوالي على منطقة )ريّ( لمهمة، كان من أتباع أهل البيت.

ومن مظاهر تقدم خط أهل البيت في تلك الفترة، المبالغ الطائلة التي كانت تبعث للإمام من مختلف الأمصار، كزكاة وخمس، يقول يونس ابن عبد الرحمن: مات موسى بن جعفر وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته، طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار(12).

إن خط أهل البيت لم يعد مقتصراً على الحجاز والعراق، بل اتسعت رقعته إلى إيران ومصر والمغرب وسائر البقاع.
يقول أحدهم محرضاً هارون الرشيد ضد الإمام موسى: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت موسى بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة، وأن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب(13).

اشتداد الضغوط على الإمام

تعرّض الإمام موسى لضغوط كبيرة قاسية أكثر من سائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد اعتقل خمس مرات، لمدد متفاوتة، قد يصل مجموعها إلى سبع سنوات، ووضع تحت الإقامة الجبرية في بعض الفترات.
وعانى في بعض السجون تنكيلاً وأذى رهيباً يتمثل في تقييده بالقيود والأغلال الثقيلة من الحديد، وفي جعله في سجن مظلم ضيق، وتسليط جلاوزة حاقدين عليه.

كما كانت الرقابة شديدة عليه ترصد حركاته حينما يكون خارج السجن، إضافة إلى الضغط النفسي الكبير الذي يعانيه بسبب اضطهاد العلويين من أسرته ومطاردتهم والبطش بهم من قبل السلطة.

كل هذه الضغوط كانت تدفع باتجاه أن يعلن الإمام معارضته للحكم العباسي، وأن يتحرك لمواجهته، دفاعاً عن نفسه وحريته، ولوضع حدٍّ لمعاناة أسرته العلوية وأتباعه الموالين.

ولم تكن تنقص الإمام الشجاعة والجرأة، وما كان يشكو من قلة الأتباع، لكنه كظم غيظه، وقاوم الضغوط المتوجهة إليه، من أجل أ يعطي الفرصة للسلطة لتشن حرب إبادة ضد أتباع خط أهل البيت، وحتى لا تتأزم الأمور أكثر فتحدّ من نمو التشيع وتقدمه واتساع رقعته.

فالإمام ليس طامحاً للسلطة، ولا طامعاً في الحكم، إنه صاحب رسالة، يفكّر من خلال مصلحة الرسالة والأمة، ويتجرع الغيظ، وينطوي على الألم، ويتحمل المعاناة، لكنه لا يضحي بالمصلحة العامة، استجابة للانفعال، وطلباً للانتقام.

وهنا يتجلى كظم الغيظ كمنهجية عمل، وكسياسة دعوة، وكخطة تحرك، وبهذه المنهجية، بقي خط أهل البيت مدرسة أصيلة في فهم الإسلام، ورؤية حضارية في حياة الأمة، يتحدى الضغوط، ويتجاوز العقبات، ويبشّر بغدٍ مشرق للإسلام والعالم.

الهوامش

1- الصواعق المحرقة. ج 2ص 586 .
2- حياة الإمام موسى بن جعفر. ج 2 ص 225 – 374 .
3- عبدالوهاب الأنصاري الشعراني. مختصر صفوة الصفوة 1967 م (مكة: مطبعة النهضة الحديثة)، ص 178 .
4- الصواعق المحرقة. ج 2 ص 590 .
5- حياة الإمام موسى بن جعفر. ج 1 ص 50 .
6- سورة آل عمران، آية: 134
7- مسند الإمام أحمد بن حنبل. حديث 6116 .
8-أحمدبن علي بن حجرالعسقلاني.فتح الباري في شرح صحيح البخاري،ط الأولى1418ﻫ،الرياض:مكتبة دارالسلام(حديث 6116)
9- حياة الإمام موسى بن جعفر. ج 1 ص 156 .
10- المصدر نفسه. ج 2 ص 467 .
11- المصدر نفسه. ص 487 .
12- بحار الأنوار. ج 48 ص 252 ،.
13- حياة الإمام موسى بن جعفر ج 2، ص 455 .

 

المصدر: كتاب إضاءات من سيرة أهل البيت عليهم السلام ، للشيخ حسن الصفار

تحميل الكتاب

إضاءات من سيرة أهل البيت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky