الشريعة شريعة سهلة وسمحة وهذه خصوصية للشريعة. فلو قبلنا هذه الخصوصية للشريعة بحسب النصوص، كمبدء أساسي وكلي، فالسؤال هو أننا فيمالو جئنا في عملية الإستنباط باستنباط انتهى بنا إلى فتوى تحمل عسرة ومشقة، لا فقط لشخصٍ ما بل لمجتمع ما، او للأمة فتجعلها في حرج وصعوبة، فهذه المشقة الدائمة التي ننتجها هل هي يسر يأتي من قبل الشريعة للناس أم هي عسر لهم؟
خاص الاجتهاد
🔷 المقصود من العقلية التشريعية
ان المقصود من العقلية التشريعية، تفعيل العقل نحو أوصاف التشريع. ومعلوم أن التشريع فعل من أفعال الله سبحانه وتعالى، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي شرّع لنا.
لاشك ان هناك مواصفات وخصائص لهذا الفعل، فلو حاولنا للمعرفة بهذه المواصفات و الخصائص، فحصلت لنا، فإن هذه المعرفة هي التي تمثل العقلية التشريعية.
🔷 نحن بحاجة الى العقلية التشريعية
من جملة الأسباب المؤدية بنا إلى أن لاتكون لنا نظرات شاملة كما يريدها الإسلام وكما يطرحها الإسلام، أننا ليست عندنا عقلية تشريعية.
لا شك اننا همّشنا الإجتماعيات الإسلامية الكبرى وركزنا على الجزئيات و بقينا داخل دوائر محدودة وأننا لم تتكون لنا رؤية شاملة حول الإسلام وحول الأمة الإسلامية وحول العلاقات الشاملة التي لابد أن تقام بين أجزاء الأمة الإسلامية.
لماذا هذا الفقدان ؟ فقدان الرؤئ الشاملة ؟ فقدان الرؤى الإجتماعية، فقدان التركيز على الأمة و فقدان التركيز على العلاقات بين الأمة؟ هذا داخل في سؤال.
جوابنا واضح
هناك أسباب ومن جملة هذه الأسباب: إهمال المعرفة بخصائص التشريع. لأن خصائص التشريع هي التي تكون فيك النظرات الشاملة والرؤى الشاملة.
🔷دور العقلية التشريعية في الاستنباط
الحقيقة ان الذي يلعب في الإستنباط ويوجّه الإستنباط و يُكوِّن الإستنباط ويأطر الإستنباط، ليس فقط القواعد التي نستغلها و نستفيد منها في الإستنباط، بل هناك شئ آخر غير القواعد ولها الدور ايضا وهو ما يمثل “البنى التحتية” التي يقوم الإستنباط عليها .
فلو ذهب الفقيه وحاول للحصول على خصائص هذا التشريع وكَوَّنَ لنفسه النظرات حول التشريع، فسوف تنعكس هذه المعرفة على هذا الفقيه واستنباطه، فهو حينئذ يفهم النصوص بصورة ادق ويذهب إلى النصوص بشكل أعمق فيستطيع ان يجمع بين النصوص وأن يوجهها وأن يوظفها في اطار حيوي أكثر واوسع، بحيث تتلائم نتائجها مع تلك الخصائص التي للتشريع.
فالعقلية التشريعية تجعلك كفقيه تذهب إلى الفوق وتنظر إلى الإستنباط من فوق وتنظر إلى كل الشريعة من فوق، وهذه النظرة التي تتم من فوق يعطي إليك روئ شاملة، ويفتح أمامك آفاق واسعة ويجعلك تعرف الإسلام والشريعة كما يكون عليهم.
🔷 الخصوصية ليست قاعدة
هذه الخصوصية واستغلالها ليست من القواعد ومع ذلك لهذه البنية التحتية دور مهم وفاعل في الإستنباط وهي تجعل الإستنباط في منحى خاص و في سبيل خاص.
🔷 توضيح مصطلحين
توضيح مصطلحَيْ”القواعد في الاستنباط”
و”البنى التحتية” (التي يتكفل علم خصائص الشريعة بايجادها وتكوينها).
١. المقصود من القاعدة:
القاعدة هي آلية ذات الشأن التطبيقي؛ أي: تستخدم في الاستنباط عبر تطبيقها، سواء الاصولية منها ام الفقهية منها.
فشان القاعدة هو التطبيق فهي كبرى لها صغريات، مع فرق بين الاصولية والفقهية، من جهة أن الاولى ليست صغرياتها نفس الاحكام بل هي تقع كبرى في قياس الاستنباط، بينما الثانية تكون كبرىً، صغرياتها عبارة عن نفس الأحكام (وليس هنا المجال المناسب لتوضيح اكثر لهذا الفرق) وعلي حال تكون القاعدة آلية ذات الشأن التطبيقي.
٢. المقصود من البنية التحتية:
البنية التحتية هي فكرة أساسية تُبْنى (أو تنبني) على اساسها، عملية الاستنباط
١. كيانها.
٢. أو منهجيتها.
والمنهجية مترامية الاطراف لا نريد الدخول فيها هنا ولكن اشير فقط الى ركن من المنهجية وهو نوعية الفهم الحاصل في عملية الاستنباط تجاه النص
فانها:
١. قد يكون فهما استنطاقيا للنص وقد يكون فهما تحميليا للنص.
٢. قد يكون فهما اجتماعيا للنص وقد يكون فهما فرديا للنص.
٣.قد يكون فهما متلائما مع خصائص الشريعة ومحققا لها وقد يكون فهما منافيا معها ومزيلا لها.
٤. قد يكون فهما للنص مع ما يهدف اليه من اهداف ومقاصد وقد يكون بمعزل عن الالتفات الى المقاصد.
وما الى ذلك من النوعيات المتصورة للفهم المتوجه الى النص).
🔷 ذكر خصوصية من خصائص الشريعة كمثال
وذكرها ياتي كمثال، ولبيان كيفية تأثيرها على الفتوى بصورة موجزة
وهي موافقة النظام التشريعي مع النظام التكويني. فان النظام التكويني فعل الله تعالى والنظام التشريعي أيضا فعله سبحانه.
فلو أن الفقيه عرف هذه الخصوصية وأذعن بها وصدقها، فان هذه يسود على ذهنيته الإستنباطية، فعندما يقترب من أن يستنبط حكماَ على خلاف النظام التكويني، يتحذر وينتبه و يقول: هناك خطأ في إستنباطي، هناك حالة نقص في إستنباطي .
ففي هذا الاطار فان الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان لكي يتعايش بعضه مع البعض، جُعلت القبائل للتعارف وفتاونا تجعل الأمة تتنازع. هناك حتما مشكلة في فتاونا وفي استنباطاتنا.
🔷ذكر خصوصية اخرى للشريعة
هنا نذكر خصوصية اخرى للشريعة مصحوبة بالقاء نظرة على تاثير التركيز عليها على الفقه
وهي ان الشريعة شريعة سهلة وسمحة، هذا واضح من أنها خصوصية للشريعة. فلو قبلنا هذه الخصوصية بحسب النصوص وبشكل أساسي وكلي ومبدئٍ، وجئنا في عملية الإستنباط وانتهى استنباطنا بنا إلى فتوى تحمل مشقة، لا فقط عسرة شخصٍ بل عسرة المجتمع، يعني يجعل الأمة في حرج.
هل هذه المشقة الدائمة يسر أم عسر ؟
نحن حتى لم نقبل أن يكون هناك عسر لشخص، فضلاً للأمة.
نعتقد أن العسر مرفوض حتى في مورد. فضلا أن نأتي بفتوىً يجعل أمة في عسر لمدة طويلة، لقرن أو أكثر من قرنٍ. أن نجعل تاريخهم مليئاً ومستقبلهم مليئاً بالمشاكل. هل هذه هي الشريعة؟!
يجعلنا أن نفتقد كل الإمكانيات و كل التعايش و كل الرفاهيات، هل هذه هي الشريعة السمحة؟ هل العقل يقبل هذا ؟ فعلينا أن نعيد النظر في منهجيتنا الإستنباطية ونشك في فتاونا.
المصدر: ملفات صوتية في صفحة سماحته على الفيس بوك