خاص الاجتهاد: للقرآن الكريم قدرة دلالية فريدة في مجال الإجتهاد و استنباط الحكم الفقهي. فآيات القرآن لها قدرة دلالية استثنائية خاصة في الفروع؛ فالفروع الفقهية في القرآن كثيرة جداً، وإلى الآن لم تُطرح في الفقه، بينما يستطيع القرآن لعب دور هام في إدارة الدلالات المختلفة.
اختتمت المدرسة السادسة لمشروع “مشق اجتهاد”* بتنظيم المائدة المستديرة تحت عنوان ” تحديات الفقه في العالم المعاصر” في مدرسة كريمة أهل البيت(ع) في قم المقدسة وذلك بحضور حجة الإسلام الشيخ حسنعلي علي اكبريان، الأستاذ المشارك بمعهد العلوم والثقافة الإسلامية، والأستاذ الباحث الشيخ خالد الغفوري عضو الهيئة العلمية في جامعة المصطفى العالمية، و الشيخ مصطفى دري أستاذ في الحوزة العلمية.
وفقا ل” الاجتهاد ” في هذه الجلسة، أشار الباحث الدكتور الشيخ خالد الغفوري إلى مكانة القرآن في الاستنباط، مؤكدا أن المواضيع القرآنية في مجال استنباط الحكم الفقهي بقيت متروكة.
كما قام الشيخ علي اكبريان بالبحث عن فقه مقاصد الشريعة، نافيا الإفراط والتفريط في البحث عن مقاصد الشريعة، متحدثا عن جانب الاعتدال في هذا الموضوع.
واخيرا قام الباحث الشيخ مصطفى دري ببيان خصائص مدرسة النص في الفقه، وعدّ مخالفة هذه المدرسة للقرآن والعقل من تحديات كبيرة لهذه المدرسة.
الشيخ خالد الغفوری:
بعض الأصعدة لديها الكثير من القدرات البحثية ومن بينها البحث في أدلة الفقه. القرآن الكريم من أهم مصادر الفقه، فالقرآن له مكانة رفيعة وواضحة في أذهاننا جميعاً، والصراعات الطويلة بين الأخباريين و الأصوليين على مرّ التاريخ حول الروايات و القرآن تُظهر منزلة القرآن الكريم؛ لأنّ الأصوليين قد استفادوا من مكانة القرآن في الإستنباط، وكانوا يؤكدون أننا نستطيع الإستفادة من القرآن دون الرجوع إلى الروايات، وعلى العكس يعتبر الأخباريون أن الروايات هي بوابة الدخول إلى القرآن.
المباديء الرائجة والتي تحكم الحوزة العلمية اليوم هي حجية ظواهر القرآن الكريم في الجانب النظري، لكن هل للقرآن مكانته الخاصة في الجانب الإستنباطي و الإجتهادي؟ ظاهر هذه المكانة و دورها في الاستنباط ليس واضحاً؛ إذا قارنّا بين وسائل الشيعة و آيات الأحكام سنرى أنه لا مجال للمقارنة، لأنّه ذُكرت عشرات الآلاف من الروايات بينما الكتب الفقهية القرآنية محدودة للغاية؛ لذلك فإن هذا الإختلاف الشديد دليل على عدم الاهتمام بالقرآن في الأحكام، بينما للقرآن قدرة كبيرة جداً في جانب الدلالة على الأحكام.
للقرآن الكريم قدرة دلالية فريدة في مجال الإجتهاد و استنباط الحكم الفقهي. فآيات القرآن لها قدرة دلالية استثنائية خاصة في الفروع؛ فالفروع الفقهية في القرآن كثيرة جداً وإلى الآن لم تُطرح في الفقه، بينما يستطيع القرآن لعب دور هام في إدارة الدلالات المختلفة.
مثلاً في موضوع إرث وسهم الأخوة للأم والأخوة للأبوين لا يستند الفقهاء إلى آيات القرآن، ويهبون مباشرة إلى الروايات، أو فيما يتعلق بتحديد وقت الصلوات الخمسة فإنهم لا يستشهدون مباشرة إلى القرآن بل يذهبون مباشرة إلى الروايات، وهذه المسألة سبب لظهور المشاكل.
من قال بأنّ الروايات يمكن أن تغطي الآثار القرآنية؟ يجب أن نعرض الروايات على القرآن، لذلك إذا لم نذهب إلى القرآن في المقام الأول ولم نضعه كمعيار، فليس هناك معنى للتقديم و التأخير في الأدلة؛ يجب أن نذهب إلى القرآن أولاً ومن ثم نستفيد من الروايات من اجل استنباط الحكم.
مثلاً وردت آيات في موضوع الوصية ومن بينها: “كتِبَ عَلَیْکُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَکَ خَیْرًا الْوَصِیَّهُ لِلْوَالِدَیْنِ وَالْأَقْرَبِینَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِینَ”.
هذه الآية في مقام بيان الحكم وليست قصة. القصة يمكن أن تكون حكماً واجباً أو مستحباً، لذلك ألا ينبغي دراسة هذه الآية والبحث فيها وتوضيح دلالتها؟ وإذا كانت تدل على الوجوب فلماذا يصدر الفقهاء حكماً في رسالاتهم العلمية على استحباب الوصية؟ الآية مطلقة ومع ذلك فقد ترك الفقهاء مناقشة هذه الآية للمفسرين وأخرجوها من نطاق عملهم.
موضوع قاعدة «لا ضرر» من القواعد التي لها دور في جميع المواضيع الفقهية، وقد ناقش الفقهاء هذا الأمر كثيراً. المثير للاهتمام أنهم لم يرجعوا إلى القرآن لفهم كلمة الضرر الموجودة في القرآن واستعانوا بالرواية، بينما هناك اختلاف خول نص الرواية وللفقهاء عدة نظريات حول هذه الرواية.
لا يتم الرجوع إلى القرآن في تأسيس هذه القاعدة الهامة وفي تفسير كلمة ضرر و ضرار، بينما الشرح الصحيح لهذه المسألة ممكن باستعمال القوة الدلالية للقرآن.
أحياناً الفقهاء يطرحون مجموعة من الآيات ويستشهدون بها كثيراً، مثل الآية 275 من سورة البقرة: الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبَا لَا یَقُومُونَ إِلَّا کَمَا یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَهٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ. حيث جرى بين الفقهاء مناقشات كثيرة حول مفادها؛ فالفقهاء يبحثون في «أحل الله» بينما للآية ما قبلها وبعدها وعبارة «أحل الله» بدأت «بالواو» وهو كلام الكفار وليس الله جل علاه.
أو في الآية ال 36 من سورة آل عمران: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثَى وَإِنِّی سَمَّیْتُهَا مَرْیَمَ وَإِنِّی أُعِیذُهَا بِکَ وَذُرِّیَّتَهَا مِنَ الشَّیْطَانِ الرَّجِیمِ”. يقول العلامة الطباطبائي (ره) أن هذا ليس كلام الله.
أو في الآية الأولى من سورة المائدة: “یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَکُمْ بَهِیمَهُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا یُتْلَى عَلَیْکُمْ غَیْرَ مُحِلِّی الصَّیْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ یَحْکُمُ مَا یُرِیدُ” ناقش الفقهاء حول كلمة” أوفوا”، ولكن هناك قسم آخر في الآية وهو ” أحلت لكم” وعلينا أن نعرف العلاقة بين صدر الآية الشريفة وذيلها، وعند هذه المعرفة يمكن أن تغير فهمنا من الآية و أن تغيّر في الأحكام.
وأحياناً يطرح الفقهاء آية ولكن يمرون بها سريعاً جداً مثلاً في الآية 19 من سورة النساء:” یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ کَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَیْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ یَأْتِینَ بِفَاحِشَهٍ مُبَیِّنَهٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ کَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَکْرَهُوا شَیْئًا وَیَجْعَلَ اللَّهُ فِیهِ خَیْرًا کَثِیرًا” ألا ينبغي أن نفتح ملفاً لعبارة “عاشروهن”، ونرى إن كان المعروف يتعلق بالفعل أو وفق المعايير الأخلاقية؟ هنا معظم الفقهاء يعتبرونه أخلاقي مع أنهم يستشهدون به في موضوع الفقه الذي هو قانوني، لذلك فالموضوع ليس أخلاقياً بحتاً.
أو في آية غض البصر، حيث يوجد عدة بنود وربما هناك 30 حكم في الآية، ولكن هل نستخدم تلك الأحكام؟ فالآية تبدأ بفعل «قل» وهذا بحد ذاته له دلالة؛ أو في موضوع عورات النساء حيث يجب أن يُناقش ويُدقق لمعرفة ما هو المقصود، وهذا التدقيق وإعادة القراءة يمكن أن يحدث تغييراً في الاستنباط.
وفي الختام أؤكد أنّ المواضيع القرآنية في مجال استنباط الحكم الفقهي بقيت متروكة وهذا الأمر فيه كلام كثير.
حجة الاسلام الشيخ علي أكبريان
من التحديات التي واجهها الفقه بعد الثورة «تحدّي عدم فعالية أحكام الشريعة»، حتى أنّ بعض المشرّعين اعترفوا بعدم فعالية بعض الأحكام الدينية.
على سبيل المثال واجه مجلس صيانة الدستور (قبل تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران) مسألة التعزير بالسوط، حيث لا يمكن في هذا العصر تطبيق جميع العقوبات التعزيرية بالسوط.بعض التحديات التي تواجه فقهنا لا تشبه تحديات الماضي؛ بل تشمل حالات لا يوجد عليها دليل؛ بعبارة أخرى في بعض الحالات تكون الأصول العملية دليل الأحكام، بينما لا يمكن للأصول العملية فقط أن تكون دليلاً، وعلى أي حال يجب على الإسلام أن يدلي برأي في هذا الصدد..
بعض المشاكل والتحديات التي تواجه الفقه:
مشكلة القوادة المنظمة
موضوع الكرامة الإنسانية التي تخالف الفرق بين دية المرأة والرجل المسلم والكافر
حكم طهارة الكافر ونجاسته
الموقف الإفراطي والتفريطي في مواجهة تحديات الفقه
العدالة وجواز تعدد الزوجات
الشيخ مصطفى دري:
معظم فقهائنا كانوا يقولون بالنص و يحاولون حل المسائل عن طريق النصوص أو التحفّظ على ألفاظها، وقد استمر هذا النهج لعدة قرون. هذا التحدّي الذي ظهر لنا كنّا قد واجهناه لقرون عديدة؛ مثلاً في موضوع من هو الكافر؟ لقد قسّمنا الكافر إلى كافر حربي وكافر ذمّي، ولكن بحسب عقيدة المتمسكين بالنص فإنّ التصور الخاطيء هو أن الكافر الحربي هو الكافر الذي في حالة حرب مع المسلمين، بينما الكافر الحربي هو من ليس في ذمة المسلمين ولا يدفع لهم الجزية.
تحديات القائلين بالتمسك بالنص:
عدم الاهتمام بشروط عصر الصدور
النهج التعبّدي في الأحكام التي تفتقد للمناسك
الحد الأدنى من استخدام القرآن
الحد الأدنى من استخدام حكم العقل و المفاهيم العقلانية
* تقام خطة “منهجية أبحاث العلوم الاسلامية” التي اعتمدها مركز تطوير و تمكين العلوم الاسلامية في مكتب الإعلام الإسلامي وبمحورية مؤسسة الامام الرضا(ع) التعليمية في أربع مدن إيرانية وهي قم و مشهد وتهران و اصفهان. وتسعى الخطة إلى صياغة الأبحاث في مجال العلوم الإسلامية بشكل ممنهج حيث يتناول في الخطوة الأولى مجال الدراسات الفقهية فقط، وفي الخطوات التالية يتناول الكلام والتفسير و الحديث والفلسفة.