خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
خانه / خاص بالموقع / 22 تقرير خبري خاص / آية الله السيستاني ومنهجيته: قراءة متجددة للتراث وخلق آفاق بحثية جديدة
السيد السيستاني علي رحماني

آية الله السيستاني ومنهجيته: قراءة متجددة للتراث وخلق آفاق بحثية جديدة

خاص الاجتهاد: يكشف كتاب “المنهج في علم الأصول” لآية الله السيد علي السيستاني، كما بينه الشيخ علي رحماني في ندوة علمية بمشهد، عن منهجية أصولية مبتكرة تتجاوز القراءات التقليدية. يعتمد هذا العمل، الذي يمثل تقريرات لدروس السيستاني بقلم الشيخ مهدي مرواريد، على تحليل دقيق وتاريخي للروايات، مع التركيز على سياق التشريع، مما يمهد لثورة جذرية في الفقه والاجتهاد المعاصر. الملتقى العلمي الثالث لمؤسسة الاجتهاد للبحوث والدراسات يسلط الضوء على هذه الموسوعة الفريدة التي تجمع بين عمق التراث وأصالة التجديد.

يبين حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي رحماني، في هذه الندوة العلمية من خلال تحليله الدقيق والمبتكر للمنهجية الأصولية التي يتبعها آية الله السيد السيستاني في التعامل مع تعارض الروايات، أن كتاب “المنهج في علم الأصول” لم يكتفِ بإعادة قراءة ذكية لمباني الأصوليين المتقدمين، بل فتح مسارًا جديدًا في علم الأصول والفقه المعاصر. تعتمد هذه المنهجية على دراسة تاريخية وأدبية دقيقة للأحاديث، وتحليل سياق ومرتكزات التشريع في كلمات المعصومين (عليهم السلام)، وهو ما يمثل اختلافًا جوهريًا عن المناهج الأصولية المتداولة.

وفقا لموقع “الاجتهاد” إن الملتقى العلمي الثالث ضمن سلسلة ندوات مؤسسة الاجتهاد للبحوث والدراسات انعقد في مدينة مشهد المقدسة، بمشاركة نخبة من الأساتذة والفضلاء من الحوزة العلمية في خراسان. وقد تمحور الملتقى حول موسوعة “المنهج في علم الأصول” وهي تقريرات البحث الخارج لآية الله السيد علي السيستاني دام ظله بقلم الأستاذ آية الله الحاج الشيخ مهدي مرواريد.

 

السيد السيستاني علي رحمانيوقد قام المدير العام للتعليم في مكتب الإعلام الإسلامي بخراسان الرضوية حجة الإسلام والمسلمين علي رحماني، في هذه الندوة التخصصية بشرح أبعاد المنهجية التي يتبعها آية الله السيستاني في التعامل مع تعارض الروايات. وركز هذا الأستاذ البارز في الحوزة العلمية على هيكل مباحث “اختلاف الحديث” في كتاب “المنهج في علم الأصول”، مبيناً أن مقاربة آية الله السيستاني في تحليل الروايات تعتمد على دراسة نصية وما وراء نصية دقيقة للأحاديث من جوانبها التاريخية، والسياقية، والأدبية، بالإضافة إلى اهتمامه بسياق الصدور والأبعاد التبيينية والتشريعية لكلمات المعصومين (عليهم السلام). هذه المقاربة تختلف بشكل ملحوظ عن الملاحظات والأساليب الشائعة في علم أصول الفقه لحل تعارض الروايات.

كما تناول في هذه الجلسة العلمية، حجة الإسلام السيد مسعود مرتضوي موسوعة “المنهج في علم الأصول” بالبحث، مشيراً إليها كمجموعة ثرية من المباحث المنهجية والمتودولوجية (أو: المباحث المرتبطة بعلم المناهج). وأكّد على أن ما ورد في هذه الموسوعة يمثّل دليلاً إرشادياً لثورة جذرية في الفقه والاجتهاد المعاصر. وهذه الثورة تتأتى من خلال التوليف بين الأفكار المستجدة، والمطالعات البينية أو الدراسات المتعددة التخصصات، وإعادة فهم ذكية لمباني القدماء من الأصوليين، الأمر الذي مهّد سبيلاً جديداً للدراسات الدينية والفقهية.

وفي ما يلي نقدم لكم تقريراً موجزاً عن أبرز المباحث المطروحة في هذه الجلسة.

الأستاذ علي رحماني: ما يحظى باهتمام أكبر من كتاب “المنهج في علم الأصول” في هذا العرض هو المقصد الثاني، أي المباحث المتعلقة بـ اختلاف الحديث. وقبل الشروع في بحث المنهج، أرى لزاماً أن أذكر مقدمةً أن المقصود بـ “المنهج” هو مجموعة العمليات التي تساعد المفكّر، سواء كان متكلماً، فقيهاً، أو فيلسوفاً، على النجاح في حل مسألة ما. هذه العملية قد تبدأ من نطاق المصادر والمعلومات التي تتجاوز ذلك العلم، لتصل في النهاية إلى النتيجة؛ أي حل المسألة. ولذلك، من الضروري الانتباه في البداية إلى ثلاثة مواضيع:

مكانة آية الله السيستاني العلمية ومصادر فكره.

الالتفات إلى الجوانب النصية وما يتجاوز النص في الروايات.

الهيكل الحديثي المستخرج من الروايات ذاتها.

 

مكانة آية الله السيستاني العلمية ومصادر فكره.

تتسم مكانة سماحة آية الله العظمى السيستاني باتساعها العلمي وإحاطتها الواسعة بمختلف المدارس الفكرية في العلوم الإسلامية. لقد استوعب سماحته عملياً ثلاث مدارس من المدارس الحديثة في الحوزات العلمية بشكل عميق، سواء في الجوانب المعرفية أو الفقهية أو الكلامية أو الرجالية أو الحديثية، وقد أقام روابط علمية مع كبار قامات هذه المدارس.

من بين هذه المدارس، مدرسة خراسان. فقد كان سماحته من أبرز تلامذة المرحوم آية الله الشيخ مجتبى القزويني، ووفقاً لما نقله بعض تلامذة الحاج الشيخ مجتبى، فإن آية الله السيستاني، قبل سفره إلى قم، كان قد حاز في مشهد على مراتب علمية رفيعة وملحوظة من قبل أساتذة هذه المدرسة.

تأثيرات المدرسة المعرفية

ينتمي الحاج الشيخ مجتبى إلى المدرسة المعرفية التي تركز بشكل خاص على منهجية تحصيل المعارف من الوحي وعن طريق المعصومين (عليهم السلام). ويُعد آية الله السيستاني من تلامذة هذه المدرسة المبرّزين. وينطلق أصحاب هذه المدرسة من اعتقاد أن منهج السلف الصالح ومعظم فقهاء الإمامية كان منهج أهل المعارف؛ أي أنهم كانوا يعتبرون السبيل الوحياني الأضمن والأدق لاكتساب المعارف الإلهية بالمعنى الواسع.

وعلى الرغم من إمكانية الاستفادة من علوم أخرى، إلا أنها لم تُوضع قط في مرتبة مساوية لهذا السبيل.

وضمن تيار المدرسة المعرفية، الذي أطلق عليه الأستاذ محمد رضا الحكيمي (رحمه الله تعالى) تسمية مدرسة التفكيك، تظهر تنوعات في الرؤى. وفي الوقت نفسه، كان السلوك الأخلاقي المستند إلى الآيات والروايات، أو بعبارة أخرى، السلوك القائم على السنة والشريعة، شائعاً بين بعض أعلام هذا التيار وأتباعه، والذي يُعزى جوهره إلى أصول المعارف والتوحيد الأفعالي.

السيد السيستاني علي رحماني

تعلم خصائص مدرسة قم المتأخرة ومدرسة النجف المعاصرة

بعد الهجرة إلى قم، وفي فترة حياة المرحوم آية الله العظمى السيد البروجردي (رحمه الله)، ومع الاستفادة من مجلس درسه، قام سماحته باستنساخ مجموعة من مصادر ورسائل ذلك العالم الجليل، وأخذها معه إلى النجف. وبهذه الطريقة، اكتسب آية الله السيستاني منهج الوثوق الصدوري، والمقارنة في طريقة وأسلوب آية الله البروجردي، ونوع نظراته إلى علوم الحديث، ومعرفة السند، والرجال، كجزء آخر من رصيده العلمي.

وفي النجف أيضاً، استفاد من دروس شخصيات بارزة مثل الشيخ حسين الحلي والمرحوم آية الله العظمى الخوئي (رحمة الله عليهما). وقد كان درس آية الله الشيخ حسين الحلي متميزاً تماماً من حيث العمق العلمي وبروز تلاميذه. وقد شارك العديد من المراجع الكبار في حوزات النجف في الجيل التالي في هذا الدرس.

ويُعد آية الله السيستاني من التلاميذ المميزين لـ آية الله الخوئي أيضاً، وكان له دور فعال في إنجاز بعض مؤلفات آية الله الخوئي الضخمة، كـ “معجم رجال الحديث”.

كذلك، تجدر الإشارة إلى الحوارات العلمية المستمرة بين آية الله السيستاني والمرحوم الشهيد الصدر، باعتباره مفكراً خلاقاً وعميق الرؤية. إن القرب الفكري أو التشابه في النموذج الفكري لهذين الفقيهين الرائدين في العصر الحديث جدير بالبحث. يوجد تقارب وتماثل على الأقل في ميدان أصول الفقه، وفي تنويع الموضوعات وبعض المسائل.

في منتصف السبعينيات، وبعد أن وفقني الله لمطالعة كتاب “اقتصادنا”، سألت بعد إحدى جلسات الدرس الأستاذ آية الله الحاج الشيخ مهدي مرواريد عن مدى تأثر الشهيد الصدر بكتب الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري (رضوان الله عليه)، وتحديداً “الاقتصاد الإسلامي”. إن أوجه التشابه في محتوى بعض كتب الشهيد مطهري مع مباحث آية الله الشهيد الصدر تدل على وجود مسار فكري متواصل. كان شاغلي هو قول الإمام الراحل بأن أعمال الشهيد مطهري بلا استثناء مفيدة للجميع، مع استثناء “الاقتصاد الإسلامي”؛ فهل استمد كتاب “اقتصادنا” من هذا الكتاب أيضاً؟ وقد أكد الأستاذ مرواريد أن الشهيد الصدر طالع مؤلفات الشهيد مطهري، خاصة في باب كتاب”فلسفتنا”، لكنه لم يكن على علم بوجود صلة بين “اقتصادنا” و”الاقتصاد الإسلامي”. ثم أضاف أن آية الله السيستاني قرأ “اقتصادنا” بعد صدوره، وأجرى لقاءات مطولة مع الشهيد الصدر حول محتواه، وأبدى خلالها إشكالات فقهية قَبِلها الشهيد الصدر، ولكن للأسف، حالت ظروف الاستشهاد دون إتمام تصحيح الكتاب.

شمولية آية الله السيستاني العلمية (النص وما وراء النص)

ما توصلت إليه من خلال استعراض أعمال آية الله السيستاني، وما استلهمته من دروس الأستاذ آية الله مرواريد، هو أن آية الله السيستاني يتمتع بشخصية جامعة. قلّما نجد في هذا العصر بين الفقهاء من الدرجة الأولى من يمتلك هذا الشمول في الدراسات الواسعة والمعمقة في علم الكلام، والفلسفة، والفقه، والأصول، وفقه المذاهب، وتاريخ الإسلام، والدراسات المقارنة في علوم الحديث، ومباحث الأديان، والفلسفة السياسية، وغيرها، ويستثمرها في الإبداع ضمن المباحث الأصولية والفقهية. وله أيضاً القدرة على تقديم شروح وتحليلات حاسمة للزوايا المبهمة في بعض القضايا المرتبطة بهذه الميادين، مستنداً إلى هذه الخلفيات والأصول المستقاة منها.

في حدود عامي 1997-1998، ضمن مبحث الاستصحاب، عندما تناول آية الله مرواريد التمايز بين الأمارات والأصول العملية، وفي مقام تقريب وجهة نظر آية الله السيستاني، أشار إلى دور قوة الاحتمال والمحتمل في هذا التمايز. وخلال شرحه حساب الاحتمالات، تطرق إلى بعض أقوال باسكال، وفي تبيينه لـ “المجعول في الأمارات” و”حقيقة الجعل”، لفت الانتباه إلى “العقد الاجتماعي” لـ روسو أو بعض أفكار هوبز بهدف “تقريب التفكير والنظرة البشرية” لهذه المفاهيم. في رأيي، هذا النوع من المباحث يدل على شخصية آية الله السيستاني التأليفية والتأسيسية في العلوم الإسلامية، فهو لا يقتصر على النصوص، بل يهتم أيضاً بالمسائل المستنبطة من السياقات المتجاوزة للنص، والخلفيات التاريخية، والثقافية، والسياسية.

السيد السيستاني علي رحماني

فقيه محقق، مدقق، ومؤسس

إن فقيهاً يبدو تقليدياً من النجف، ويميل ظاهرياً إلى خصائص الحوزة التقليدية، قد نمّى في داخله شخصية تثير الإعجاب بإشرافها العلمي على مختلف النظريات العلمية المعاصرة. في رأيي، آية الله السيستاني هو فقيه محقق، ومتتبع، وفي الوقت نفسه مدقق؛ أي أنه – ضمن بحثه وتتبعه الواسعين، وهما من سمات دروسه ومؤلفاته – يتناول أيضاً نقد الأقوال وتحليل وجهات النظر. من النادر أن نرى شخصاً متتبعاً يكون دقيقاً أيضاً؛ ولكن هاتين الصفتين اجتمعتا فيه، بل تجاوزتا ذلك إلى مرحلة أبعد: وهي أن الإبداع وخلق المسائل والنظريات قد انبثق من صميم التتبع والتدقيق.

على سبيل المثال، تحليل نسبة “الرأيوية” والاهتمام بالرأي إلى ابن الجنيد في بداية كتاب “الرافد”، أو دراسة مفهوم القياس في روايات بعض فقهاء الأصحاب في كتاب “تدوين الحديث” الذي ورد ضمن مباحث حجية خبر الواحد، يدل على فهم مختلف لبعض غموض الروايات الإمامية وتاريخ الحديث، بل وفقه الحديث لهذه الروايات. لقد قدم سماحته بحثاً منهجياً مفصلاً حول استخدام مصطلح “القياس” في المصادر الأولية، يوضح فيه كلاً من استخدام المصطلح وقيوده. وعلى هذا الأساس، فإن إرجاع “الرأي” و”القياس” إلى المقارنة مع روح الكتاب والسنة هو نقطة مميزة في هذا الفهم. ثم إن آية الله السيستاني هو أول من ألّف كتاباً مستقلاً وشاملاً يتناول أسباب اختلاف الحديث. في هذا الباب، يستحق النقاش مدى تأثره بالشيخ الطوسي وبعض المتقدمين الآخرين. بعد آية الله السيستاني، تناول بعض الباحثين مثل الدكتور إحساني فر وآخرين هذا الموضوع، ولكن يبدو أن نقطة البداية للمناقشة في العصر الحديث كانت شخصه الكريم.

هيكلية الكتاب المتقنة وأهميته الأصولية
إن كتاب “المنهج في علم الأصول” يمتلك هيكلية متقنة وملائمة من حيث تموضع المباحث، وتقديمها وتأخيرها، وتصنيفها المنطقي. في سياق بحث تعارض الأدلة واختلاف الأحاديث، يعتقد سماحته أن المدخل الأمثل لتعارض الأدلة هو بعد مباحث الظنون الخاصة، وأن الالتفات إلى اختلاف الحديث يكشف عن منهج كان سارياً بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والفقهاء المتقدمين. وقد قام هؤلاء بتصنيف كتب بهذا العنوان تحديداً: “اختلاف الحديث”. وعليه، فإن عنوان “تعارض الأدلة واختلاف الحديث” يعكس الجمع بين رؤى المعاصرين والمتقدمين في معالجة التعارض.

وفي نطاق قواعد رفع التعارض، بيّن سماحته مباحث متعددة، من جملتها الانتقال الملحوظ من الجمع التبرعي والجمع العرفي إلى نظرية ثالثة أسماها “الجمع الاستنباطي”. وقد أسّس سماحته لهذا الجمع بالاستناد إلى الضوابط العقلائية، والمبادئ المتحكمة في التبيين والتبليغ من قِبَل أهل البيت (عليهم السلام)، والمقاصد الشرعية.

ويرجع كثير من الفقهاء اختلاف الروايات إلى اختلاف الرواة. لكن سماحته تخطى هذه المسألة ليشمل الاختلاف النابع من أهل البيت (عليهم السلام) أنفسهم.

الاهتمام بوجهات النظر الأصولية المختلفة
في معظم المباحث، بما في ذلك بحث التعارض، تناول آية الله السيستاني آراء الأصوليين بنظرة شاملة، وقام بتحليل دقيق لمسائل التعادل والتراجيح أو تعارض الأدلة. لكن إلى جانب المباحث المتداولة، أضاف مبحث اختلاف الحديث كأهم ركن في فهم التعارض ورفعه إلى المباحث السابقة. يعتقد سماحته أن الخوض في أسباب اختلاف الحديث يفتح باباً جديداً في تعارض الأدلة وله بركات فقهية جمة. وبفتح باب اختلاف الحديث، وفّر سماحته إمكانية فهم أعمق لتعارض الأدلة.

هيكلية مباحث اختلاف الحديث

يتألف بحث اختلاف الحديث من قسمين أساسيين. الأول يتعلق بـ الاختلاف الناشئ من الأئمة (عليهم السلام)، والآخر يتعلق بـ الاختلاف الناشئ من الرواة. في القسم الأول، يولي سماحته اهتماماً خاصاً لمبحث التشريع من قِبل النبي (ص) وأهل البيت (ع). وفي هذا الصدد، يستحق تحليل الروايات المختلفة، بما في ذلك ما ورد في ذيل حديث “لا تعاد” (“لا تنقض السنة الفريضة”)، التنويه والتوجه. إن بيان الفرق بين الفريضة والسنة، وكذلك مسألة التفويض، من المحتويات الثرية جداً التي قلّما تُعثر على هذا المستوى من التحقيق فيها في مصادر أخرى. ثم بعد ذلك تم بحث مسألة التبليغ، النشر، وكتمان الروايات، أسباب الكتمان، التقية وما شابه ذلك بشكل مفصل. وقد استُخرجت جميع هذه المباحث من داخل الروايات، وقام آية الله السيستاني بتصنيفها موضوعياً. وقد اهتم سماحته، بمنهج تاريخي وحديثي، بمسائل مثل جعل الرواية، التقية، وآفة الحديث (الباثولوجيا الحديثية)، وهو ما يُعد من السمات البارزة لكتاب “المنهج”.

في الختام، أرى لزاماً الانتباه إلى هذه النقطة: بعد بيان أسباب وضع الروايات (جعل الرواية)، وأن الرواية الموضوعة والمجعولة تُعد من أضعف الروايات التي غالباً ما يهملها الفقهاء، إلا أن آية الله السيستاني يرى هذه الروايات قابلة للاستفادة منها للوصول إلى المباحث السياقية للأحاديث، والفهم الأفضل للمفردات والثقافة السائدة زمن صدور الروايات. وهذا الأمر يحتاج إلى فرصة أخرى لشرحه.

آمل أن يولي فضلاء الحوزات العلمية اهتماماً أكبر لأفكار آية الله السيستاني الأصولية، والفقهية، والحديثية، والرجالية، وأن يدرسوا كتاب “المنهج في علم الأصول” بدقة، خاصة المقصد الثاني منه، أي اختلاف الحديث، الذي يقدم رؤية مختلفة لحل تعارض الروايات.

المنهجية الرائدة لآية الله السيستاني في “المنهج”

أشار حجة الإسلام السيد مسعود مرتضوي، المتحدث الآخر في الجلسة، إلى تاريخ تقريرات دروس آية الله السيستاني بقلم الأستاذ مهدي مرواريد، موضحاً أن هذه التقريرات تعود لدروس السنوات 1347 إلى 1358 الشمسية (الموافق لـ 1968 إلى 1979 ميلادية تقريباً) في حوزة النجف، وقد دخلت الفضاء العلمي للحوزات الشيعية بعد تأخير يقارب الخمسين عاماً من تدوينها.

السيد السيستاني علي رحماني

بالتزامن مع هذه الدروس، نُشرت أولى تقريرات الشهيد الصدر عام 1414 هـ (الموافق لـ 1993-1994 ميلادية) بسرعة وتماسك أكبر في الفضاء العلمي للحوزات وحظيت بالاهتمام، بينما أدى التأخير في نشر تقريرات آية الله السيستاني بقلم تلميذه البارز الأستاذ آية الله مهدي مرواريد إلى تأخير بروز آرائه ومناهجه الجديدة وابتكاراته بقوة. ومع ذلك، فإن نشر بعض التقريرات، وخاصة قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وبعض الأعمال الأخرى، يعكس نظرة شاملة للفكر الجديد لـ آية الله السيستاني.

المكانة البارزة للمنهجية في تقريرات “المنهج”

إحدى السمات المميزة للتقريرات المنشورة تحت عنوان “المنهج” هي ثراء وتنوع المباحث المنهجية والمتودولوجية، وكون الفكر الفقهي الأصولي لـ آية الله السيستاني منظّمًا (ذا نسق أو جهاز فكري)، وهو ما انعكس في قسم “الفوائد والقواعد” في نهاية الجزأين من الكتاب.

استناداً إلى دراسات السنوات السبع إلى الثماني الماضية، التي تركزت على أعمال آية الله السيستاني، تم استخراج أكثر من مئة حالة منهجية ومنهجية (متودولوجية) بشكل قائمة من أعماله، ويعتبر تتبع كل واحدة منها سبباً لتحول في مباحث الاجتهاد، وخاصة في علم الفقه.

بعض مظاهر الابتكار المنهجي لآية الله السيستاني:

١. النظرة المبتكرة لآية الله السيستاني لأهداف وغايات الشريعة: (دون استخدام التعبير الشائع لدى أهل السنة “مقاصد الشريعة”)، بل بعبارة “موافقة روح الشريعة” و”موافقة الأهداف العليا للشريعة”. يُعد هذا أحد الأركان المُحدثة للتغيير في مؤلفاته. هذا التوجه، الذي انتشر اليوم بين بعض أساتذة الحوزة العلمية، يمكن أن يمهد الطريق لتحول في الإطار النظري والعملي لعلم الفقه

٢. يستعرض آية الله السيستاني المدارس الفكرية في مشهد، وقم، والنجف، ويطرح، بفكره المستقل، الانتقادات الواردة على كل منها. وبالإضافة إلى إرساء جسور التواصل بين هذه المدارس مع إثراء الأسس العلمية للمدارس الثلاث، فإنه يمنع جمودها ويدفعها نحو التجديد. ويقدم نماذج عديدة من مباحث “تعارض الأدلة”، ونظريات الميرزا مهدي الأصفهاني وآية الله البروجردي المنقحة، حيث بذل آية الله السيستاني مسعىً جليلاً في نقد وتوسعة مباني مَن سبقه.

٣. مقارَبته الفاعلة لتنمية الدراسات البينية (المتعددة التخصصات)، واستخدامه لمصادر غير حوزوية، وشمولية مطالعاته، واعتماده على مصادر نادرة، ورجوعه إلى مؤلفات حقوقية وفلسفية واجتماعية مثل كتاب “روح القوانين” لـ مونتسكيو، كل ذلك جعل مهمة تحقيق وتوثيق مصادر أعمال آية الله السيستاني ومقرراته شاقّة، ولكنها مصحوبة بثراء علمي فريد.

٤. الدور الإحيائي لآية الله السيستاني تجاه فقه القدماء يتجلى من خلال إرجاعاته المستمرة إلى الشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى، وتأكيده على منهج القدماء في مباحث مثل خبر الواحد ووثوق الصدور، والحمل الأدنى على التقية. هذا يعكس عودة إلى المباني الراسخة للماضي، مع الاستفادة النقدية منها، مما يقدم وجهاً حيوياً للاجتهاد المعاصر.

إن كتاب “المنهج” ليس مجرد نص فقهي، بل هو خارطة طريق لتحول علمي في الحوزة وتقريب للبحوث الدينية من معايير الاجتهاد المُنقّح. وتفتح ابتكارات آية الله السيستاني العلمية، بتوجيه وتفاعل الباحثين الشباب والأساتذة ذوي الخبرة، مساراً جديداً في الاستنباط والابتكار العلمي.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *