الاجتهاد: استمعت إلى بحثٍ قيّمٍ عالِي المستوى في النهج والأسلوب لسماحة السيد منير الخباز حفظه الله في شرحه لآيةٍ قرآنيةٍ كريمةٍ، نقل تفسيرها وتفاصيلها عن آية الله السيد الخوئي قدّس سره، وهو إبداعٌ ما بعده إبداعٌ من الوصف الدقيق ودقة وبراعة الشرح في ذهن المتلقي، وهي تمثّل الأبعاد القرآنية في أجلّ معانيها ورصانتها ومراحل تسلسلها بالنسبة لحياة الإنسان وما يمرّ به من أدوار تراتبية تفصل مراحل حياته منذ نعومة أظفاره حتى أواخرها، حيث قال الله تعالى في محكم كتابه وفصيح خطابه:
﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾ [الحديد: 20]
قولٌ جميلٌ فيه من الفصاحة والبلاغة وقوة المعنى والتدبر، ويبيّن كما قلنا سابقًا الأدوار التي يمر بها الإنسان في فترات حياته وسنوات عمره الأولى؛ حيث يلعب كما يشاء وقت ما يشاء، وعندما يصل عمره ويبلغ سبع سنوات وأكثر، تراه يلهو مع أقرانه حتى يبلغ مرحلة النضوج الفكري، فتلاحظ اهتمامه بشكله وهندامه وزينته من جهة، ومن جهة أخرى يتباهى بما حصل عليه من درجات علمية وعملية، ثم يبدأ مرحلة أخرى، وهي سعيه الدؤوب في زيادة أمواله وإنجاب الذرية؛ لأنه بات على مشارف الأربعين وهو يدرك أنّ عمره في تناقص، ساعيًا أن يترك وراءه أثرًا لعله يكون امتدادًا له بعد وفاته.
بعد هذا التفصيل المختصر لا أدعي وصول الفكرة والهدف المنشود الذي طرحه سماحة السيد، وإنما هي غَرْفَةٌ اغترفتُها من سيلٍ جارفٍ من علمه، فأين الثريا من الثرى، ولكن ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلُّه، فهي دروسٌ استقيتها لعلّي قد أصبت وأوضحت شيئًا من الفكرة المرادة، لأننا في هذه الحياة ضيوفٌ وعابرو سبيلٍ، لنا ما لنا وعلينا ما علينا، وما علينا إلا أن نجتهد في طهارة قلوبنا من كل المعاصي والذنوب والآثام، وفي كثرة الاستغفار من كل الشوائب، وأن يكون عملنا خالصًا لوجه الله تعالى كما جاء في قرآنه الكريم:
﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88-89]
وهكذا دواليك. ونحن على مسرح الحياة التي تحتوي على دروسٍ لنا فيها الكثير من المواعظ والعبر؛ لعلّنا نفيق من نومة الغافلين