فقه الفن فهو مصطلح تمّ إدخاله الى الحوزة الدينية، ليس من أجل إعادة إنتاج الفتاوى التقليدية المتخاصمة مع الفنون، بل من أجل تأصيل المفهوم بما قد يؤدي إلى إعادة النظر في بعض ما تمّ تحريمه من بعض المجالات الفنية. بقلم: حبيب فياض
موقع الاجتهاد: لم تخلُ يوماً رؤية الفقه الديني إلى الفن، من كونها إشكالية قائمة على التحريم والمنع في أكثر المجالات الفنية وتطبيقاتها. غالباً ما تكون نظرة الدينيين السلبية إلى موضوعة الفنون أسيرة نظرة اجتماعية تأخذ الفن بمعناه العرفي المبتذل، بعيداً عن معناه المفهومي المتعالي، حيث ينعكس الأمر التباساً لدى بعض العقل الفقهي في فهم هوية الفن، فيذهب إلى إدراج مجمل النتاج الفني في إطار المحرّمات، وذلك من دون الأخذ بالتعاليم الإيجابية التي يتضمنها النص المقدس إزاء الفن ومشتقاته، بما يفضي في النهاية إلى تحديد موقف ديني من الفنون ينطلق من تغليب المؤثرات الاجتماعية على المحددات الدينية.
غير أن رؤية مرشد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي إلى الفن قد تمايزت عما هو سائد ومألوف في منظومة الفقه التقليدي. ففي لقاء له مع القيّمين على «الملتقى الوطني الإيراني لفقه الفن»، صرّح بأن «الفن من القضایا التي یتعین علی الفقه تناولها لأن الإسلام لا یعارض الفن فحسب، بل ویشجّع علیه أيضاً»، واصفاً الفن بأنه «حالة إنسانیة مباركة تختص بأصحاب الذوق الرفیع»، ومؤكداً أن «الفن موجود في المجتمعات ویؤثر بشکل مباشر علی فكر الإنسان وروحه وطریقة حیاته… ویمكن التوصل الی آراء جدیدة حول الفن من خلال التعمّق وتوخي الدقة في بعض الفتاوی الخاصة بالقضایا الفنیة».
بالعموم يفتح الاجتهاد الفقهي الباب أمام عصرنة الفتاوى والأحكام الشرعية بما يتناسب مع متغيرات العصر والزمان والمكان. فعلم الفقه في الأساس عبارة عن مقاربات تحاول استنباط التعاليم الدينية من النصوص المقدسة وفق معيارية تتوخى تحديد ما يجوز وما لا يجوز.
أما فقه الفن فهو مصطلح تمّ إدخاله الى الحوزة الدينية، ليس من أجل إعادة إنتاج الفتاوى التقليدية المتخاصمة مع الفنون، بل من أجل تأصيل المفهوم بما قد يؤدي إلى إعادة النظر في بعض ما تمّ تحريمه من بعض المجالات الفنية.
من هنا يعتبر كلام السيد خامنئي بمثابة دعوة واضحة الى ممارسة اجتهادية تتيح إعادة تقديم رؤية دينية تصالحية إزاء الفن ومشتقاته.
أولاً: لا يخلو كلامه عن كون «الفن یؤثر بشکل مباشر علی فكر وروح وطریقة حیاة الإنسان» من مقاربة نظرية تحيل التخلف الديني وتحجّر بعض الاتجاهات الإسلامية، إلى الابتعاد عن الفن وإخراجه من احتياجات الإنسان في إطار الوجود والحياة.
ثانياً: يستبطن كلامه عن إمكان التوصل إلى آراء جديدة حول الفن، دعوة ضمنية إلى إعادة النظر فقهياً حول بعض الفنون، من قبيل بعض أنماط الموسيقى والغناء، خاصة أن لدى السيد خامنئي فتاوى انفتاحية، بهذا الخصوص، بوصفه مرجعاً دينياً ويحق له الإفتاء.
ثالثاً: أما تأكيده على ضرورة «التعمق وتوخي الدقة في بعض الفتاوی الخاصة بالقضایا الفنیة»، فينطوي على تذكرة وتنبيه للمراجع الآخرين بضرورة الخروج من الاحتياط في مقام الإفتاء حول قضايا الفن، وضرورة التعامل معها بمرونة بعيداً من الفهم الحروفي للنص والاستغراق في إعادة استنساخ الموروث التاريخي.
بات الاختلاف عن النزعة الداعشية من لوازم تنقية الإسلام وترشيد المسلمين. ففي زمن «داعش»، أصبح التمييز بين إسلامَيْ التقدّم والتخلّف ضرورياً. ذلك أن الإسلام الأول يتقوّم بوسطية تراعي المواءمة بين النص والواقع، فيما يقوم الإسلام الثاني على ميكانيكية الفهم وإعادة إنتاج التاريخ في الحاضر.. والفارق بين الإثنين شاسع إلى حدّ التضاد.
المصدر: السفير