السيد العلاّمة مضر الحلو
السيد العلاّمة مضر الحلو

الدين والشريعة .. الثابت والمتغير .. قراءة نقدية / بقلم: عدنان حسين أحمد

الاجتهاد: يعتقد السيد الحلو أن الأفكار التي تدور في خلد النخبة هي التي أحدثت التغيير الهائل في الغرب ولم يكن لها أن تؤتي ثمارها لو أنها بقيت حبيسة النُخب والجماعات المثقفة غير أن هؤلاء المثقفين استطاعوا أن ينزلوا إلى الشارع ويطرحوا نظرياتهم التي أصبحت زاداً ثقافياً للناس غيّرت أفكارهم نحو الأفضل.

نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية فكرية للسيد العلاّمة مضر الحلو. وقد ساهم في تقديمه الدكتور رشيد الخيون الذي قال عنه أن لمضر الحلو آراء خاصة ونادرة في هذا الزمن الذي تعلو فيه موجة التطرّف والغلو باسم الدين.

سيتحدث الحلو عن موضوع شائك بالنسبة للآخرين لكنه غير شائك بالنسبة إليه ألا وهو “الدين والشريعة: الثابت والمتغير” وسيؤكد بأن الحياة لا تثبت على شيئ لأن المتغيرات كثيرة. وإذا تصادمت المتغيرات والثوابت فإنها ستفجّر الحروب، وستفعّل الكراهية.

خواطر فكرية

استهل الحلو حديثه بالقول: “قبل أن أدخل في صميم الحديث لابد من مقدمة تتألف من ثلاث نقاط أولاً: أنني لا أدعي أن ما سألقيه هو نظرية أو فكرة متكاملة وإنما هو مجموعة خواطر أحببت أن أبثّها بينكم وأنا حريص جداً على أن نتحاور فيها علّنا نصل إلى صيغة معينة تخدمنا جميعاً في خضم هذا الواقع المتأزم الذي نعيشه وسينعكس الفرق جلياً فيما سأقول بين الحوزوي والأكاديمي.

فالمنهج الحوزوي لا يعتمد على الورقة أو النص المكتوب بقدر ما يعتمد على الذاكرة، ولا أظنكم في يوم من الأيام رأيتم مُعمّماً يقرأ من ورقة، وإنما يتكلّم شفاهاً في الأعم الأغلب مُعتمداً على ذاكرته ولهذا تكثر عندنا في الحوزة جملة “الكلام يجرّ الكلام”.

إذن، يتحدّد الأكاديمي في العادة بمادة معينة يكتبها ويُمنهجها، أما الحوزوي فينهل من خزين ذاكرته المعرفية الذي يتراكم بمرور الأيام. ثانياً: أنني لا أدّعي أن ما سأذكره هو عين الحقيقة وبالتالي لا يجدني أحد منكم مدافعاً شرساً عمّا أقول لأن ما سأقوله هو مجرد خاطر يخطر في الفكر قد يقبله البعض وقد لا يقبله البعض الآخر.

وبالتالي فأنا لا أدّعي امتلاك الحقيقة كما يدّعيها عادة رجال الدين لأنني أومن بأنَّ الحقيقة كالمكعّب عندما ينظر له شخص من جانب يعتقد أنه رأه كله، وعندما ينظر له شخص آخر يعتقد أيضاً أنه رآه كله ولكنه في واقع الحال أن كل وجه يختلف عن الوجه الآخر.

أو هو كالفيل في المثل الهندي المشهور الذي كان في غرفة مظلمة وقد ادّعى الجميع بأنهم مسكوا الفيل ولكنهم في الواقع مسكوا أجزاء من الفيل، فهذا مسك يد الفيل، وذاك مسك أذن الفيل، والثالث مسك خرطوم الفيل وهكذا دواليك. ثالثاً: إذا أردنا لأفكار الحداثة أن تعطي ثمارها ويكون لها تأثير على الناس فيجب ألا تبقى حبيسة الغرف المغلقة، بل لابد لهذه الأفكار أن تنزل إلى الشارع وتنتقل من عالم النخبة إلى عامة الناس كي تثمر وتؤتي أُكُلها”.

يعتقد السيد الحلو أن الأفكار التي تدور في خلد النخبة هي التي أحدثت التغيير الهائل في الغرب ولم يكن لها أن تؤتي ثمارها لو أنها بقيت حبيسة النُخب والجماعات المثقفة غير أن هؤلاء المثقفين استطاعوا أن ينزلوا إلى الشارع ويطرحوا آرائهم ونظرياتهم التي أصبحت زاداً ثقافياً للناس غيّرت أفكارهم نحو الأفضل. أما إذا بقي المثقف يعيش “وهْم النخبة” كما يسمّيه المفكر علي حرب فلا أعتقد أن هذه الأفكار سوف تثمر أو تغيّر شيئاً من حياة الناس.

اختزال الدين

إن نص المحاضرة هو “الدين والشريعة: الثابت والمتغيّر”. ولكي نفهم دور الدين في حياة الإنسان لابد أن نتوقف عند وجهتي نظر، الأولى تقول إن الدين عبارة عن مجموعة نظم اقتصادية واجتماعية وسياسية. وكل الذي فعله الفقهاء أنهم ركّزوا الدين على الشريعة، أي عن الحلال والحرام، والتزام الإنسان بالأوامر والنواهي، ثم زحف الحلال والحرام على الدين واحتل المساحة كلها لأنه اختزل الدين بالحلال والحرام.
يعتقد السيد الحلو أن وجهة النظر هذه قد أفضت إلى “كارثة” سواء قصد الفقهاء ذلك أم لم يقصدوه. فكل مَنْ لديه مشكلة مع الشريعة اتخذ موقفاً من الدين على اعتبار أن الدين هو الشريعة.

ومن بين مشكلات الشريعة أن تكون غير موائمة لظروف الزمان أو غير مؤهلة للإجابة على كل الأسئلة أو علامات الاستفهام التي تُثار في واقعنا الراهن. فالمرأة تجد نفسها مظلومة في الشريعة لذلك اتخذت موقفاً من الدين.

لقد قامت المؤسسة الدينية بدور خطير جداً، ولا أدري إذا كان مقصودا أم غير مقصود، فأنا لا أرجم بالغيب حينما اختزلتْ الدين كله بالفقه وأعتبرت رجل الفقه أو دارس الشريعة هو رجل الدين. وهذا يعني أنه لا يمكن لأحد من الناس أن يفهم الدين إلا عن طريق رجل الدين الذي صُوّر للناس وكأنه مخزن لأسرار الغيب، وهو الواسطة بين الغيب والناس لذلك أصبحوا مشدودين لرجل الدين، ومنقادين إليه وهو أعمى ولعل هذا الأمر ينعكس على بعض المقولات التي تتردّد على الألسن من قبيل “ذبها برقبة عالم واطلع منها سالم”.

وبالنتيجة فقد تمّ احتكار الحقيقة الدينية من قِبل رجل الدين مما أساء كثيراً إلى الدين الذي سيتعرّض إلى هزّات عنيفة، ومخاضات عسيرة، ومواقف قاسية جداً من قِبل الذين اتخذوا موقفاً من الشريعة أفضى بالنتيجة إلى خسارة الدين لبعض من جوانبه.

الإسلام السياسي

استشهد السيد الحلو ببعض الأمثلة التي لها مساس بواقعنا المعاصر مثل بعض حركات الإسلام السياسي الذي وصل إلى الحكم باسم الدين أو اتخذ من الدين وسيلة للوصول إلى الحكم، ووصلوا بالفعل. والمفارقة في وصولهم إلى الحكم أنهم بدأوا يتصرفون بطريقة فجّة مع حقوق الناس، ولا أقول إنهم يتصرفون كرجال الدين. قد يسأل سائل عن الخلل وأين يكمن؟ والجواب هنا هو في فهمنا للدين على أنه الشريعة، أي الحلال والحرام، وموضوع الشريعة هو موضوع ظاهري كالصلاة والصيام والفرائض، وليس أمراً جوهرياً.

وعندما تحوّل الدين من هذا الجانب الجوهري الذي يتمحور حول علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى تحوّل الدين إلى مجموعة من الطقوس والفرائض والممارسات الظاهرية التي يقوم بها الإنسان ويُعتبر على أساسها متدينا. الأمر الذي أتاح لأي لص من اللصوص أن يتخفى وراء هذه المظاهر كاللحية والسبحة وأثر السجود والتردّد على الحسينية أو الجامع وما إلى ذلك بحيث يُحسب هذا الموقف السلبي على الدين.

يرى السيد الحلو أن هذه اللصوصية التي حصلت هي التي سرقت الدين وحوّلته إلى مجموعة من الممارسات والمظاهر والطقوس التي أفضت إلى استحداث مفهوم التدين الذي لم يكن له أصل في النصوص القرآنية المؤسِسة أو في نصوص السُنة التي يرد فيها ذكراً للتديّن.

فالقرآن لم يوصِ بأن يكون الناس متدينيين، كما لم يوصِ النبي “ص” أو الأئمة الأطهار أن يكون الناس متدينيين. إن الذي أوجد التدين هي حركات الإسلام السياسي لكي تسرق هذا المفهوم لأنها تعرف رغبة الناس وميولهم نحو الدين فلاغرابة أن يجعلوا من أنفسهم ممثلين للناس بالتنسيق مع الفقهاء الذين أوصلوهم إلى هذه المرتبة.

الإيمان والعمل الصالح

استنطق السيد الحلو القرآن الكريم في هذا الموضوع ووجد أن القرآن يوصي الناس بالإيمان والعمل الصالح لأن الدين في المعادلة القرآنية يساوي الإيمان بالله+ العمل الصالح وكلاهما لا علاقة له بمفهوم التديّن المعمول به أو المُتصوّر لدى الناس. فالإيمان بالله عز وجل لا علاقة بمقولة الظاهر وإنما بالباطن، ذلك لأن الإيمان بالله هو من الأمور القلبية والجوانية والدليل أننا لا نستطيع الآن أن نشخّص أياً مِن الحاضرين مَنْ هو أكثر إيماناً من الآخرين.

بينما نستطيع أن نشخّص ظاهرياً من هو متدين ومن هو غير مُتدين على أساس المظهر، أما من هو مؤمن بالله أو غير مؤمن فلا يمكن تشخيصه ظاهرياً لأن الإيمان بالله هو مقولة من مقولات الباطن. كما لا يمكن تمييز الناس المتدينين وغير المتدينين على أساس العمل الصالح لأن العمل الصالح مبدأ إنساني ويعمل به كل الناس.

عندما تزوج الأمير وليم أوصى بأن تُمنح الهدايا التي تُقدم له بمناسبة زواجه، وهذه هدايا ملوك، للمؤسسات الخيرية، هذا عمل إنساني رائع وهذا في عرفه غير متدين فبالنتيجة الإيمان بالله والعمل الصالح لا علاقة له في عرف القرآن بمفهوم التديّن الذي أشرنا إلأيه قبل قليل.

سأضرب مثالاً عن لص كبير في العراق يسرق المال العام لكنه بمجرد أن يبني حسينية أو يعمل موكباً في عاشوراء يتحول إلى قدّيس وينأى عن مراقبة الناس له لأنه حينما يرتدي هذا اللباس يستطيع أن يمدّ يده إلى جيوب الناس. ظلت الحقيقة الدينية حبيسة وكأنها مُلك لرجل الدين.

وحينما يريد إنسان، كأن يكون طالباً أو أستاذاً جامعياً، من خارج المؤسسة الدينية أن يصبح متديناً فهو يحاول أن يستنسخ شخصية رجل الدين الذي لا يفعل شيئاً من دون أن يستخير ممسكاً مسباحه بيده طوال الليل والنهار، ويبسبس بشكل دائم وكأنه رجل معمّم بلا عمامة.

المثقف المؤمن

نوّه السيد الحلو إلى أن المثقف العراقي إما أن يكون رجل دين بلا عمامة أو يكون من روّاد النوادي الليلية مخموراً طوال الليل والنهار، أي إما أن يكون أقصى اليمين أو أقصى اليسار.

فلم نفرز مثقفاً مؤمناً يثير أسئلة وعلامات استفهام لم يثرها رجل الدين، أو يحاول أن يخوض في مناطق فكرية لم يخضها رجل الدين، أو يلج إلى مناطق من المستحيل الولوج فيها كما في إيران، فشريعتي يمثل المثقف المؤمن الذي استطاع أن يدخل في مناطق ملغّمة ويفجّرها، بينما ظل الدين في العراق حديث المؤسسة الدينية ورجل الدين، وليس لمن هو خارج المؤسسة الدينية الحق في أن يلج هذا المجال، وربما الأستاذ الخيون هو من القلائل الذين ولجوا هذا المجال بعد أن استأذن من الفقيه في كتابه المعروف.

أما التصور الثاني فهو عن المقولات الداخلية الباطنية التي تتعلق بطبيعة علاقة الإنسان مع الله عز وجل وهي علاقة جدوى وانعكاس إيجابي على حياة الإنسان وإلاّ لا خير في الدين الذي لا يغيّر حياة الإنسان نحو الأفضل.

وكما هو معروف فالإنسان يعشق الدين الذي ينبع من معاناة الإنسان ومشاكله وأحزانه لأن يحل هذه المشاكل ويخفف هذه الأحزان. أما الدين الذي يُفرض على الإنسان من الخارج وتحت التهديد والإرهاب، والتخويف بالنار والعذاب والقتل فلا أعتقد أن هناك إنساناً سيتمسك بهذا الدين. يريد الله عز وجل من الإنسان أن يؤمن بالدين باختياره وإرادته ومن دون أي نوع من أنواع الإكراه والإجبار. أما الشريعة فهي المظهر الخارجي للدين بهذا المعنى.

سلطة العقل

لابد لنا أن نقرأ تراثنا قراءة جديدة لكي نتصالح مع الحداثة الكونية، فالكون كله يمر بحداثة ويتغير ولا شيئ في الكون ثابت طالما أن الشريعة من مقولات علاقة الإنسان بالإنسان أو علاقة الإنسان بالعالم الذي يعيش فيه فلابد لهذه الشريعة أن تتغير خصوصاً وأن الله سبحانه وتعالى قد قرر في القرآن الكريم أن الشريعة لابد أن تتغير ولكل قوم شريعة متغيرة أما الدين فهو ثابت.

يقول الله سبحانه في محكم كتابه “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا”. استشهد السيد الحلو بمقولة المفكر الكبير محمد إقبال عن مفهوم الخاتمية الذي لا يعني حسب فهمه “أن الوحي خُتم بالنبي محمد” وإنما المقصود بها انتهاء سلطة الوحي وبداية سلطة العقل. أي أن الإنسان قد وصل إلى درجة تمكّنه من أن يدير أموره بعقله.

صحيح أن التجربة النبوية باقية ولكن على كل إنسان أن يخوض التجربة النبوية في علاقته بالله عز وجل ويطورها ويحلّق في عوالمها. أما ما يتعلق بالشريعة وبإدارة أمور الإنسان فقد أوكل الله تبارك وتعالى هذه المسألة إلى عقل الإنسان خصوصاً بعد مرحلة النبوة.

ذكر السيد الحلو بأن بعضاً من الناس يخشى من طرح مسألة تغيّر الشريعة بحجة أن إعادة قراءة التراث سوف تُضعف الإسلام أو تُبعدنا، نحن المسلمين، عن الإسلام، والحقيقة هي العكس تماما. فليس بقاء الإسلام أو خلود يعني أن يُكره على اللتزام بأحكام زمانية ومكانية نزلت في وقت من الأوقات نتيجة ظروف معينة، أو نتيجة أطر اجتماعية للمعرفة كما يسميها أركون، وإنما خلود الإسلام وبقائه قائم على إحياء الحوار بين المسلم وتراثه.

فحينما جاء النبي محمد لم يؤسس لمنظومة تشريعية جديدة في المجتمع بل قال: “بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ولم يقل “لأوسس مكارم الأخلاق” أي بمعنى أن هناك مبادئ ومفاهيم أخلاقية جاء ليتممها، أما إذا كان في بعض هذه المفاهيم ظلماً فسوف يحاول أن يرجعها إلى نصابها الصحيح، وهذا ما قام به النبي محمد حيث ترك جُل المنظومة الأخلاقية والاجتماعية على ما كانت عليه ولم ينسف أياً من النظم والإيقاعات والحدود السائدة.

لقد غيّرت الحداثة كل شيئ ولابد من قراءة جديدة لنصوصنا لكي نجعلها تتماشى وتتناغم مع ضرورات الحياة في هذا الزمان وإلا سيبقى الإسلام بعيداً جداً ويتحول إلى شيئ تاريخي.

مفهوم القيمومة

ضرب السيد الحلو مثالين على هذا التغيّر الجذري الأول يتعلق بمكانة المرأة بحسب التعاليم التي طرحها النبي محمد “ص” كما وردت في القرآن الكريم تحت شروط معينة منها سيادة الرجل، وسيادة الحاكم، وسيادة العقيدة.

لقد تبدلت الآن هذه المفاهيم كلها فلا سيادة للرجل على المرأة لأن المجتمع يعامل المرأة والرجل على حد سواء، كما غابت سيادة الحاكم المطلقة لانها انتقلت إلى الشعب وحتى حركات الإسلام السياسي أصبحت مرغمة وغيّرت نظمها الداخلية إلى سيادة الشعب والديمقراطية والانتخابات.

كما أن سيادة العقيدة قد غابت لأن السيادة قد انتقلت إلى الإنسان أو المواطن، وشاع الآن مفهوم المواطنة الذي حل محل مفهوم العقيدة. في القرآن الكريم ثمة مقولة صريحة مفادها “أن الرجال قوّامون على النساء”.

فمفهوم القوامة، ولا أقول السيادة، يعني الأخذ بزمام الأمور كان يتناسب في ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن الكريم حيث كان الإنسان يعتمد على قوة عضلاته وكانت الطبيعة تُروّض يدوياً، بينما المرأة لا طاقة لها على القيام بهذه الأعمال فلابد أن تكون السيادة للرجل فهو الذي يعمل ويكّد ويجلب لها الرزق الأمر الذي جعله يستحق قيادة الأسرة. أما الآن فقد تبدّل هذا المفهوم كثيراً وأن هناك الكثير من النساء اللواتي يُعِلن الرجال.

كما أن الحياة لم تعُد تُروّض بالعضلة بل بالفكر، هذا إضافة إلى أن النساء يُدرن الآن مؤسسات ضخمة وعملاقة وهذه إشارة واضحة إلى نجاح المرأة في الكثير من ميادين الحياة. إذن، لابد من قراءة جديدة لمفهوم القوامة التي لا تبتعد كثيراً عن النص الديني لأن النص الديني فيه من المرونة ما يمكن ترويضه على وفق معطيات الحداثة.

ففي النص القرآني ” الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”. إن معنى القوامة كما ذكرنا فيه مرونة ولا يقتصر على السيادة والقيادة، بل بمعنى أن يتقوّم بالشيئ وأن يكون له الدور في إصلاح الشيئ.

وهناك آية قرآنية تؤيد هذا الشيئ وهي ” ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الذي جعل الله لكم قياماً” أي لإصلاحكم وإصلاح المجتمع لذلك لا تعطوها بأيدي السفهاء لأنهم يخربون وضع المجتمع.

ربط القرآن القوامة بجزئي العلة الأول هو ” بما فضّل الله بعضهم على بعض”، والجزء الثاني هو ” بما أنفقوا”، فالقرآن لم يحدّد فضل الرجال على النساء، بل قال بعضهم على بعض، فمن كانت له الأفضلية فهو القيّم.

وعلى سبيل المثال امرأة درست وأصبحت محامية وزوجها أميّ فلا يجوز لهذا الأميّ أن يكون قيّماً عليها. كما أن الله فضّل الذين يعملون على الذين لا يعملون. ومن يُنفق يستحق القوامة وإذا أنفق كلاهما فكلاهما قيّمان.

قتال غير المسلمين

أما المفهوم الثاني الذي يسمّى بالكفّار على وفق المنطوق التراثي الديني فهناك نصوص قرآنية تقرر وجوب قتال غير المسلمين “وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر” وهذا يعني أن علينا أن نجرّد سيوفنا ونقطّع برؤوس الكفار.

الغريب أن الفقهاء لم يتوقفوا عند هذه الآيات كثيراً، بل سكتوا عنها، ولم يقولوا إننا يجب أن نقرأ هذه الآيات قراءة تاريخية لأنها مؤطرة بإطار تاريخي معين وخاضعة لظروف الزمان والمكان كي يريحوا ويستريحوا، وإنما هم يقولوا ذلك ويعملوا بظاهر الآيات التي أمرت بقتال غير المسلمين وأخذ الجزية منهم. يعتقد السيد الحلو بضرورة قراءة هذه الآيات قراءة تاريخية لأنها وردت في ظروف معينة ونحن غير ملزمين بتنفيذ هذه الآيات المباركة.

أما ترويع الناس وقتلهم واستباحة أعراضهم فهو ما يقوم به المتشددون والمتطرفون. أما الخالق جلّ وعلا والمشرّع للنصوص لم يشأ أن يؤسس لأحكام جديدة. ولو أنزل الله نبياً في الوقت الحاضر لماشى الوضع وأقرّ بمبدأ الانتخابات ، والنظام الديمقراطي، والتعددية وما إلى ذلك.

المصدر: موقع المثقف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky