من فوائد المباحثة هي الاحاطة التامة بجميع شراشر الموضوع اذ لعل الطالب يغفل في الدرس عن ملاحظة هنا او اشارة هناك لشرود ذهنه مثلا فتبقى تلك الحلقة مفقودة في تسلسل افكار الطالب؛ فالمباحثة مع مجموعة من الطلبة يتم خلالها لملمة جميع او اغلب الشاردات والواردات في ذلك الدرس.
خاص الاجتهاد: سؤلنا قبل فترة ليست بالقريبة من قبل بعض الأعزاء من طلبة العلوم الدينية الذين تشرفنا بخدمة تدريسهم بعض المفردات الحوزوية عن كيفية فهم الدروس بصورة تامة وهضم المطالب العلمية المسطورة في الكتب التي تدرس في الحوزة العلمية الشريفة.
وكانت الإجابة في حينها مختصرة مفيدة لمناسبة المقام لذلك.
وبعدها – بحمد الله – وسعنا تلك الإجابة وطرحناها على عدد من حلقات الدرس في حاضرة العلم والأدب…حوزة النجف الاشرف المحروسة لكي تعم الفائدة ويحصل الغرض.
واليوم أردنا إعادة نشرها لنفس العلة والغاية …والله من وراء القصد.
الخطوة الأولى
تحضير الدرس
ينبغي لطالب العلم كي يقف على المطالب العلمية قراءة المطلب والدرس قراءة سريعة نوعا ما والذي يسمى في الدراسات الأكاديمية ب (تحضير الدرس) وهذه الخطوة تحقق مجموعة فوائد: منها:
اولاً – معرفة الموضوع الذي سيدرسه الطالب وأهم الأفكار الواردة فيه معرفة إجمالية ويعرف أن الأستاذ المدرس بأي موضوع يخوض ويتكلم والا فسيكون الأستاذ في واد والطالب في واد آخر.
ثانيا – أن يعلق في ذهنه بعض الملاحظات والتساؤلات على الأفكار المطروحة في الموضوع والتي سيكون الطالب متشوقا لمعرفة الإجابة عنها من قبل الأستاذ المدرس. فإن تعرض الأستاذ لتلك التساؤلات التي انقدحت في ذهن الطالب فبها ونعمت وإلا فيمكن للطالب طرحها على استاذه في الدرس أو بعده.
ثالثا – من المفيد في هذه الخطوة تقرير وكتابة اهم الأفكار والرؤى الواردة في هذا الموضوع وكذلك أهم الملاحظات عليها فهو أرسخ لها في الذهن وأسرع عند إرادة استذكارها .
الخطوة الثانية
حضور الدرس عند أحد اساتيذ ذلك العلم والفن.
وواضح جداً أهمية حضور الدرس والتلمذ عند استاذ مهيمن ومتسلط – بمستوى معين – على المادة .. وكلما كان متسلطاً بصورة كبيرة كانت المنفعة والفائدة في ذلك اكبر وأفضل.
وهذا ما عليه سيرة الناس من أهل العلم من القديم الى يومنا هذا – الا ما شذ – على التلمذ على أيدي أساتذة أكفاء والحضور في دروسهم والنهل من علومهم ومعارفهم.
وهذه الخطوة تحقق أيضا مجموعة فوائد منها:
اولاً – فهم الموضوعات فهماً دقيقاً بأعتبار ان الأستاذ سيشرحها ويبين أسرارها ويوضح نكاتها – بالمقدار المطلوب طبعا – فهو الخبير والعارف بمرادات العلماء ومبانيهم والمفروض انه قد قطع شوطا طويلا في دراست تلك العلوم والأفكار الواردة فيها من المراحل الأولى الى المراحل النهائية وهو بدوره سيوصلها الى التلميذ والمتعلم بحسب مرحلة الطالب.
ثانياً – الإجابة عن التساؤلات والملاحظات التي انقدحت في ذهن الطالب في الخطوة الأولى والا فستبقى تلك التساؤلات من دون إجابات شافية او مع إجابات ولكنها غير تامة. بل لعلّه سيتطور الأمر وتتحول إلى إشكالات مستحكمة في ذهن التلميذ. وهذا واضح عند كل من جاس خلال الديار.
ثالثاً – لا ينبغي على الطالب في هذه الخطوة إهمال ما يصدر من لسان الأستاذ من نكات وملاحظات ومقدمات تعتبر هي المفاتيح لما انغلق وابهم من الأفكار والانظار. وتقريرها والعناية بها حتى يتسنى له مراجعتها عند المذاكرة.
الخطوة الثالثة
مذاكرة الدرس وقرائته قراءة متأنية وفاحصة ودقيقة
وهذه الخطوة تحقق كذلك مجموعة فوائد، منها:
اولا – ترسيخ الافكار والانظار التي وردت في تلك الدروس اكثر فأكثر، اذ بمذاكرتها والتأمل فيها وفي شرح الاستاذ لها وما جاء على لسانه من اضافات ومفاتيح ومقدمات ستهضم تلك الافكار وتعلق في الذهن.
ثانيا – حفظ المصطلحات التي وردت في تلك الموضوعات اذ ان لكل علم مصطلحاته الخاصة به والتي عادة او غالبا ما،تذكر فيه وهي نفسها قد تكون في فن اخر من حيث المعنى ولكن قالبها اللفظي قد يختلف ، او القالب واحد ولكن المعنى قد يختلف… ولذا ينبغي معرفة وحفظ مصطلحات كل علم وفن.
ومعرفة استعماله عند الحاجة اليه وهذا لا يخفى على كل من جاس خلال الديار.
الخطوة الرابعة
مباحثة الدرس
بعد ان جاوز التلميذ جميع تلك المراحل والخطوات يصل به المطاف الى الخطوة الاخيرة والمهمة في نفس الوقت الا وهي (مباحثة الدرس) مع بعض طلبة العلم وزملاء الدراسة ورفقة الطريق.
وهذه الخطوة كسابقاتها تحقق مجمومة فوائد، منها:
اولا – الاحاطة التامة بجميع شراشر الموضوع اذ لعل الطالب يغفل في الدرس عن ملاحظة هنا او اشارة هناك لشرود ذهنه مثلا فتبقى تلك الحلقة مفقودة في تسلسل افكار الطالب؛ فالمباحثة مع مجموعة من الطلبة يتم خلالها لملمة جميع او اغلب الشاردات والواردات في ذلك الدرس.
ثانيا – المباحثة هي اشبه بالدرس المصغر فمن خلال هذه الخطوة يعد الطالب نفسه لصقل موهبته التدريسية وتؤهله لمعرفة اساليب وطرق طرح الدروس العلمية وكيفية بيانها وتبويب مطالبها بمنهجية علمية رصينة وبالتالي يكون الطالب المباحث خصوصا ذو قدرة عالية على ادارة حلقة الدرس في المستقبل.
بعد ان عرضنا الخطوات المنهجية وما تنتج من ثمرات وفوائد نشير الى مجموعة ملاحظات مرتبطة بالموضوع وهي:
اولا – هذه الخطوات ليست على نحو العلة التامة في فهم المطالب اذ لعل بعضها يمكن الاستغناء عنه وتخطيه.. خصوصا اذا كان الطالب حاذقا وذكيا مثل تحضير الدرس او المباحثة.
ثانيا – بعض الدروس والعلوم ليست بالضرورة فيها المجيئ بجميع تلك الخطوات بل يمكن الاكتفاء بواحدة منها او بعضها وكذلك لعامل الفطنة والذكاء دور في ذلك.
ثالثا – ترتيب الخطوات بهذا الشكل وهو ( التحضير الدرس المذاكرة المباحثة ) لعله هو الحالة الاغلب عند الطلبة.. والاكثر ترابطا ومنهجية لتحقيق المطلوب ولكن ليس معناه انه لا يمكن تقديم بعضها وتأخير البعض الاخر بل يمكن ذلك وهذا راجع طريقة الدارس وطبيعته في التلقي والتعلم لتلك العلوم مثل تقديم المباحثة على المذاكرة.
رابعا – التشرف بحضور الدرس عند استاذ حاذق وعارف بمنعرجات الطرق من الخطوات التي تعتبر غاية في الاهمية؛ لانه هو المقياس الذي يعرض الطالب عليه ملاحظاته وافكاره فيكون كالبوصلة له فيقوم بتهذيبها وتشذيبها وبناءها او بيان الخلل فيها وخطئها.
وكذلك الاستفادة منه ليس في مجال فهم المطالب العلمية فحسب بل يستفاد منه في التربية كذلك فكل حركة وسكنة تصدر منه فهي بمثابة الدرس الذي يمكن اخذ الفائدة والعظة منه… فان لشخصية الاستاذ تأثير كبير علئ تركيبة شخصية التلميذ… فكم من طالب تأثر بأستاذه فأنعكس ذلك التاثير علئ سلوكه وشخصيته وهذا كتب سير العلماء بين يديك فراجعها…
خامسا – لم نتطرق في هذا الحديث عن التدخلات الربانية والتوفيقات الالهية التي من شأنها التاثير الكبير على سير العملية العلمية لدى التلميذ.
و حتى لا يخلو الحديث منها فيمكن مراجعة بعض التفاسير التي تشير الى قصة كليم الله موسى ع والعبد الصالح وما فيها من فوائد جمة.
او مراجعة بعض الكتب التي شرحت حديث عنوان البصري المروي عن الامام الصادق ع ففيه فوائد جمة ومنافع كثيرة وسنخصص ان شاء الله تعالى وبعونه وتسديده بعض الحلقات والابحاث للوقوف على بعض اسراره ونكاته.
سادسا – يمكن للمتأمل في الموضوع يجد ملاحظات اخرى مستقلة عن تلك الملاحظات او متفرعة عنها.