الخطابة الحسينية تداعيات وآفاق

الخطابة الحسينية تداعيات وآفاق.. للخطيب سماحة السيد مضر الحلو / عرض وقراءة

الاجتهاد: صدر حديثاً عن دار نصوص للنشر والتوزيع في بيروت كتاب ( الخطابة الحسينية تداعيات وآفاق ) تأليف السيد مضر الحلو. يناقش الكتاب الذي يشد القارىء إليه منذ الأسطر الأولى أسباب تراجع الخطاب الديني بشكل عام ثم يعرج على المنبر الحسيني فيتطرق إلى أسباب إحفاقه.

ويقدم الكتاب نقداً بناءً للأخطاء التي قد تعتري المنبر لكنه لا يكتفي بذلك وحسب وإنما يحدد سبل الإرتقاء به لتمكينه من أداء دوره الريادي في الهداية والتثقيف.

يعدّ كتاب الخطابة الحسينية تداعيات وآفاق محاولة على طريق النهوض والارتقاء بواقع المنبر الحسيني. سعيا إلى أن يأخذ مكانته اللائقة في آفاق التثقيف، وصناعة الرأي العام على أسس علمية متينة، ويخرج من حالة الرثاثة، وهزالة المضمون إلى القوة والرصانة، ومن السبات والخمول إلى التاثير والفاعلية.

إن ما يمتلكه المنبر الحسيني في الاجتماع الشيعي، من رصيد روحي هائل، وقابلية على التأثير ما لا تمتلكه وسيلة أخرى على صعيد الاستقطاب، والتأثير.

أدركت المرجعية الدينية الكريمة في النجف الأشرف الواقع المأساوي للمنبر الحسيني المعاصر، ومستوى التدهور غير المسبوق الذي بلغه، ما دعاها الى مواجهة ذلك بصوت عال، والتدخل مباشرة للوقوف بوجه هذا التراجع المقلق، وتحرير الخطاب المنبري من براثن الخرافة، والتكرار الممل، والاجترار المبتذل، وهيمنة ما لا يرتضيه ذوق، ولا يقبله منطق، بتبني مجموعة من الوصايا فائقة الاهمية تشكل أساسا، وخارطة طريق لإصلاح المنبر الحسيني، وما ينبغي ان يكون عليه.

لا يُعَد منطقيا تجاهل التدفق المدهش لإنجازات الانسان المعاصر في مجال التكنولوجيا، فضلا عن التطور الهائل في العلوم الإنسانية ان يغير الكثير من قناعات الانسان المعاصر، ويحرره من النظرة النمطية لذاته، وللآخر، وللكون عامة كما جعله يتجاوز المنظومة التقليدية للمعرفة الدينية، ويجتاز الأسيجة الدوغمائية المغلقة إلى فضاء رحب لا تحده حدود التكفير والتضليل، أضف إلى انبثاق اسئلة جديدة اكثر جرأة لم تكن معهودة في السابق، وراح يخلق له منظومة منهجيات ومفاهيم وأدوات ومعطيات حديثة تتماشى ومتطلبات العصر ورهاناته، بل لا نبالغ بالقول ان التكنولوجيا تمكنت

ان ترسم للانسان مسار حياته فصارت هي التي تتحكم به وتقوده وليس العكس، وتمكنت أن تصنع جمهورا ذكيا يقظا مشاكسا بعد أن كان كسولا خاملا مستسلما.

كما انها وسعت رقعة المتلقين، وزادت من تلوناتهم. فبعد أن كان الخطيب سابقا يتحدث إلى المتحلقين حول منبره تحديدا، منسجما في خطابه مع سقفهم الثقافي الواطئ عادةً. أصبح الان يُنقل خطابه على الفضاء مباشرة إلى شرق الارض وغربها، إلى شرائح مختلفة في وعيها ومستواها الثقافي، إلى المؤالف لهذا اللون من الخطاب، والمخالف له.

فلربما كان خطابه يتصف بالسذاجة والبساطة بما يتناسب والحالة العامة لمستمعيه ولكن حين ينقل خطابه عبر الفضاء أو وسائل التواصل فيستمع إليه المثقف والمتعلم فلا يغريه بقبول الفكرة إن لم ينفره منها.

بناءً على كل ما مضى اتضح أن دعوى تجديد الخطاب الحسيني وإصلاحه لم تنشأ من فراغ، ولم تكن وليدة ترف فكري قصي عن المبررات المنطقية، والمسوغات العقلائية. خصوصا أننا لم نعد كما كنا في السابق معزولين عن العالم بل اصبحنا نعيش ضمن عالم مدهش يعج بالحركة ويفاجئنا بكل ما هو جديد سواء في عالم الافكار، أو ثورة التكنولوجيا والصناعات، أو غيرها.

وبما اننا جزء لا يتجزء من هذا العالم أضحى من غير المنطقي ان نبقى حذرين حد الخوف من أن يطال التغيير آلياتنا واساليبنا ومفاهيمنا التي نتواصل بها مع محيطنا الداخلي تارة والخارجي أخرى.

حاولنا تشخيص أهم المشاكل من وجهة نظرنا والتي يعاني منها الخطاب الديني عموما والحسيني بشكل خاص واضعين لها الحلول اتكاء على تصورات استقاها المؤلف من تجربته المتواضعة مع المنبر الحسيني والتي امتدت لاكثر من ثلاثة عقود تنقّل خلالها في مساحات متعددة، ومجتمعات متنوعة، وثقافات متباينة، بين شرق الأرض وغربها، لا تخلو مآلاتها من نجاح تارة وإخفاق أخرى، ومن معاناة، مكنته من تكوين رؤية واضحة في التشخيص والعلاج، ربما يكون مصيبا بها أو مخطئا، يشفع له في ذلك انحيازه الصادق للدين، وشريعة سيد المرسلين (ص)، والجهود والتضحيات التي بذلها آله المطهرون (ع)، وخيار الصحابة والمصلحون من جانب، وكذلك انحيازه التام للإنسان ومعاناته، وخصوصا قضايا الفقراء، والمحرومين، ومن لا حول لهم ولا قوة، ممن قد يكونون ضحايا خطاب ديني، تهريجي، غير مسؤول، يزهق أرواحهم، أو يمنعهم أرزاقهم، أو يسلب عنهم الاستقرار والأمان في أحسن الأحوال، من جانب آخر.

من هنا ربما يجد القارئ الكريم غرابة في بعض ما سيقف عليه من أفكار وردت عارية، مكشوفة، تضمنها هذا الكتاب قد تعد جريئة بعض الشئ، أو خارجة إلى حدّ ما عن النسق العام المتعارف عليه في مثل هذا النوع من الكتابات.

لكن في تصوري ان النظرة العميقة للأزمات والمشاكل التي يعاني منها المنبر الحسيني من جهة، والتي تكفّل هذا الكتاب بيانها، وتسليط الأضواء الكاشفة عليها، وما تتعرض له مجتمعاتنا من انتهاك لكرامتها، وتعطيل عجلة التنمية عن الدوران والتي يدفع ثمنه غالبا الإنسان البسيط من جهة أخرى، كل ذلك يستحثنا على تحمل المسؤولية الشرعية، والإنسانية، والتفكير بجرأة وجدية قصيّة عن المجاملات، والمداراة، لغرض تطوير أداء المنبر الحسيني، والنهوض بواقعه نحو الأفضل.

قراءة في الكتاب

اشتهر العرب قديماً بالشعر والخطابة معتمدين بذلك على فصاحتهم وقدرتهم على ترتيب الكلام وتنميقه وتطويعه ليصيغوا أبياتاً وخطباً ساهمت في كثير من الأحيان في احداث تاريخية مهمة.

و في عصرنا الراهن تعتبر الخطابة من أهم وسائل الإعلام المؤثرة في الرأي العام خاصة إذا اعتمدت على الدين في توجيه رسائل وإعطاء توجيهات معينة. وقد استخدم رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من الأحيان منبره الشريف لإيصال ما يريد من أمور تهم المسلمين وتوجههم وترشدهم إلى دينهم وشريعتهم.

و كذلك فعل أهل البيت عليهم السلام في الاهتمام بالمنبر وبخاصة المنبر الحسيني كأحد أهم الأدوات المؤثرة في المجتمع. فالخطابة الحسينية القادرة على التوجيه والتثقيف وتسليط الضوء على القضايا المعاشية الملحة يمكن أن تتحول بفعل خطيب ما إلى أداة فيها خلل كبير في التطبيق.

يرجع هذا الأمر لأسباب عدة يتطرق لها كتاب ” الخطابة الحسينية- تداعيات وآفاق- لسماحة السيد مضر الحلو “. فالكتاب الذي يشد القارىء إليه منذ الأسطر الأولى يناقش أسباب تراجع الخطاب الديني بشكل عام ثم يعرج على المنبر الحسيني فيتطرق إلى أسباب إحفاقه. ويقدم الكتاب نقداً بناءً للأخطاء التي قد تعتري المنبر لكنه لا يكتفي بذلك وحسب وإنما يحدد سبل الإرتقاء به لتمكينه من أداء دوره الريادي في الهداية والتثقيف.

اللافت في كتاب ” الخطابة الحسينية تداعيات وآفاق ” أنه يتناول هذه القضية كعملية متكاملة العناصر. فهو يأخذنا في رحلة تبدأ من الخطيب مروراً بالرسالة والمضمون إلى أن يصل إلى المتلقي والممول المسؤول عن المجلس. كل له دور أساسي في إيصال الفكرة وتوضيحها.

و لم يغفل السيد مضر الحلو عن الإشارة إلى الدور المهم الذي تلعبه المرجعية الرشيدة في رعاية وتوجيه الخطباء والحرص على المنبر الحسيني خاصة وأنه “وليد حوزتها الشرعي وملتصق بها التصاقاً مشيمياً” كما يصفه الكاتب.

كما أن الكتاب لم ينس التطرق لموضوع الشباب مشدداً على أهمية أن يكون لهم مساحة واضحة للنقاش والحوار وإبداء الرأي. ويشير إلى أن المجالس الحسينية ليست بالضرورة أن تكون بديلاً عن التربية والاخلاق التي تزرعها العوائل في أبنائها وإنما هي تذكرة وموعظة يستفيد منها من يوليها الاهتمام الكافي.

و لا يكتفي السيد مضر الحلو في رحلته عبر الخطابة الحسينية بالتشخيص النظري بل يتطرق إلى قصص واقعية بعضها ظريف لا يخلو من الطرافة والآخر موجع للقلب لما يحمله من نهج خاطىء يسيء للمنبر الحسيني ويستوجب إصلاحه.

و يبحر القارىء في صفحات الكتاب إلى عالم الخطباء فيجد نفسه أمام قامات من أشهر الخطباء متعرفاً على سيرة حياتهم ودورهم الريادي في ترسيخ المنبر وإرساء دعائم الخطابة الحسينية.

بعد ذلك ينقلنا الكتاب إلى نموذج متقدم لعمل تنظيمي رائع يقوم به أصحاب المآتم في مملكة البحرين يصلح أن يكون قدوة ومصدراً لأفكار بناءة ترتقي بالمنبر وتصون الخطابة الحسينية وتحميها.

وبذلك يكون السيد مضر الحلو قد تمكن من خلال صفحات كتابه التي تتجاوز الـ 140 من تقديم صورة موجزة وشاملة عن الخطابة الحسينية وآفاق تطورها في نهج تصحيحي مبني على تجربة شخصية عملية ومخلصة في أداء الرسالة.

الكتاب برأيي يصلح أن يكون خارطة طريق لإصلاح المنبر الحسيني وأتمنى أن يجد طريقه لطلاب الخطابة الحسينية تحت إشراف المرجعية ليساهم في تخريج طليعة متعلمة وواعية من خطباء المنبر. إنه عصارة سنوات من الجهد والعمل والتشخيص وهو أكبر خدمة يمكن أن تقدم لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

قراءة: صادق حسين الركابي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky